- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تعطيل الأحكام الشرعية بخداع المصطلحات
"النظام العالمي الجديد" نموذجاً
يظُن بعض الناس أن العالم اليوم يُحكم بنظام عالمي جديد يرعى "حقوق الإنسان" وأن هذا النظام نظام قمة الحداثة والتقدم اقتصادياً وتكنولوجياً وأنه صديق الجميع ويعمل على حل مشكلاتهم في محاكمهم العالمية والدولية التي تنصاع لها جميع الدول ولا يحيد أي نظام حاكم عن هيمنة هذه الحكومة المركزية، فتجد أن نفس المؤسسات والجمعيات والمنظمات والقوات وحتى وزارات الصحة والتربية والتعليم التابعة لها تعمل في جميع البلاد حول العالم بالنمط نفسه. إلا أن الباحث عن الحق الذي يجعل العقيدة الإسلامية أساساً لتفكيره ووعيه السياسي، يربط بين الأحداث السياسية على أساس الأحكام الشرعية، فيفهم واقع هذا النظام على حقيقته ويعلم ما يجب أن يكون عليه حال البشرية وحال الأمة الإسلامية في المستقبل، وسيعي تماماً أن هذا النظام المجرم يشن حرباً على البشر عامة وعلى المسلمين خاصة، وأنه قد جعل العالم يمر بأسوأ حالاته عبر التاريخ!!
فالنظام العالمي نظام مفروض جبراً على العالم بالقوة العسكرية وهو نظام يحتكر الاقتصاد العالمي ويفرض عليه التعامل بالدولار ويفرض على الجميع نظام حكم رأسمالياً علمانياً فاشلاً في رعاية شؤون الإنسان وإشباع حاجاته الأساسية، وهذا ما يُعرف شرعاً بمرحلة الحكم الجبري؛ الوجه الحقيقي للنظام الرأسمالي العلماني الاستعماري، فالبشرية لم تمر بانحدار أسوأ من هذا الانحدار السريع في آخر مائة عام من تاريخها الطويل، فالنظام العالمي قد نشر السطحية في التفكير وعمم الثقافة الغربية المفلسة من خلال الإعلام الفاسد ويريد لأبناء المسلمين أن يكونوا متخلفين ورجعيين بتبنيهم أفكار الكفر الضالة ليبعدهم عن الإسلام وعن فهمه الصحيح كعقيدة ونظام، ويتم تجاهل أن للإسلام نظام حكم شاملاً أساسه الفكر الإسلامي المستنير مقارنة بالفكر السطحي الذي قام على أساسه هذا النظام الفاشل بامتياز، كما نرى في الواقع الفرق الشاسع بين حال الإنسان إبان الحكم الإسلامي وحاله اليوم في عصر الحكم الرأسمالي العلماني المنافق الذي يُظهر خلاف ما يُبطن. قال تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾ [سورة البقرة: 9-12].
فما يُعرف بالنظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا وأوروبا - بريطانيا وفرنسا - والأطراف الأخرى كالصين وروسيا، ليس في حقيقته نظاماً جديداً بل نظام منافق، وهو امتداد للحقبة الاستعمارية الغربية الظالمة التي لا تتورع عن شن حروب دموية في أنحاء العالم بحسب مصالح هذه القوى السياسية، كما شنَّ أجدادهم قديماً حروباً دموية صليبية أهلكت الحرث والنسل للاستحواذ على الأراضي وقامت باستعمار الشعوب ونهب الثروات والسيطرة على مراكز القوة الاستراتيجية من خلال قواعد عسكرية، وخطت اتفاقيات دولية خيانية وهدفهم من ذلك استعباد البشر واستغلالهم لخدمة مصالحهم وإشباع رغباتهم وإرضاء شذوذهم، وقامت باستنزاف الناس معنوياً ومادياً ليركعوا لسيدهم "الإنسان الأبيض"، وتلك هي "عقدة" ذلك الاستعمار العنصري بجدارة الذي زرع في أذهان الشعوب المستعمَرة مفهوم "تفوق العرق الأبيض" وسيادته على الجميع وذلك واضح في تصريحات رؤساء أمريكا:
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، قال الرئيس الأمريكي روزفلت: "الآن يجب أمركة العالم". وفي عام 1961 رأى الرئيس كيندي أن الهدف من وجود الولايات المتحدة الأمريكية هو قيادة العالم كله، وفي العام 1963 قال نيكسون: "إن قيمنا للتصدير وليست بنا حاجة للاعتذار من أحد"، وقال جيمي كارتر عام 1976: "إن مسؤوليتنا تكمن في تأمين نظام دولي مستقر"... فلا عجب أنهم يطلقون على أنفسهم الدول العظمى ودول العالم الأول!
حتى اليوم نرى ذلك في المنبهرين بالغرب الكافر المستعمر من أبناء جلدتنا الذين يطالبون بالتوجه الديمقراطي وتطبيق حكومة مدنية تحكم بالعلمانية يزعمون أنها ستجعلهم يصبحون من الدول المتحضرة والمتقدمة كأمريكا وأوروبا، بينما هم أسوأ مثال للعالم في الدعارة والمخدرات والخمر والزنا والعنف والإرهاب والشذوذ وفي حياكة السيناريوهات الهزلية في الانتخابات وفي الأزمات العالمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية، يعتبرون بلادهم "دولاً نامية" و"دول العالم الثالث" وهي دول منهوبة يهيمنون عليها ولا تملك قرارها ولا قوتها، كما النظام العالمي متخصص في إعلان الحرب على الأديان عامة وعلى الإسلام خاصة، فهو يقوم على أساس رأسمالي علماني يفصل الدين عن الحياة، همّه الاقتصاد والمادة، ويجعل من المنفعة مقياساً للأعمال فينظر الحاكم أو السيد للشعوب نظرة دونية خالية من الاحترام أو الحقوق أو القيم والأخلاق، بل يشجع هذا النظام الإنسان المُستضعَف على الكفر والفسق والانحلال والعنصرية والفتنة ليعيش حياة هذا "السيد الأبيض" المليئة بالشذوذ والأنانية وحب الذات والعهر ليسقط في مستنقع متعفن من الانحدار الفكري والكره لأخيه الإنسان ولخالق الإنسان جل وعلا، وظاهرياً يتشدقون بحريات وحقوق وسلام وتقرير مصير مزيف...
لن تنجح عقيدة تملي على الإنسان أن يفعل ما يشاء في أي وقت يشاء وكيفما شاء وبدون قيود! فإدارة شؤون الحياة لأصحاب هذا المبدأ وأنظمة الحياة التي تنبثق عن هذه العقيدة قائمة على المنفعة والمصالح المادية المشتركة كمقياس للأعمال، وبالتالي سيعم الإفساد والفجور والشهوات المحرمة والثروات الملطخة بدماء الفقراء وتشويه فطرة الإنسان وادعاء عدم حاجته للحياة وفق لما بيَّن الله تعالى في الإسلام، فالإنسان؛ نفسه وعِرضه وماله، عندهم رخيص ولا يساوي قرشاً واحداً طالما لم يكن من البيض حُكام وأثرياء ومترفي العالم. وهذه هي وجهة نظر الدول الراعية للنظام العالمي، وهي دول تنشر عقيدتها الكافرة باستعمار البلاد الأخرى وترسم حدودها بحسب مصالحها وتشعل الحروب الأهلية فيها لإشغال الشعوب عن العمل لتغيير الواقع المظلم لأنهم بكل تأكيد سيعملون على إسقاط هذا النظام الغربي الذي لم يقدم لهم إلا الكفر والفقر والجهل - وكل ما يخالف نظام الإسلام - والأمراض، وجعل من أعداء الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين أصدقاء، فلا يذكر اسم الدول العظمى إلا ويُذكر معها حرب إبادة أو احتلال أراض أو اتفاقية تساوم على قوت الشعب وتضغط اقتصادياً لنهب خيرات البلاد، وهذه هي سياستها الخارجية قديماً وجديداً.
فالنظام الاستعماري الجديد نظام يعبد الهوى ويحول الإنسان لمجرد ماكينة تعمل عمل الشيطان، وهو يعمل لإقصاء شرع رب العالمين أن يسود، ويسلب سلطان الأمة الإسلامية التي يجب أن تختار وأن تبايع خليفتها الذي يحكمها بالشرع، إلا أن هيمنة النظام العالمي على العالم تعمل على تعطيل هذا التطبيق. وذلك تحدٍ صريح للخالق عز وجل الذي جعل الإنسان مقيداً في الأرض بالأحكام الشرعية بينما حرره من عبودية البشر وجعل العبودية لله تعالى وحده. وفي الحقيقة هكذا يعيش 99% من سكان العالم يومه سواء أكان في الغرب أو في الشرق أو الشمال أو الجنوب بالنسبة للكرة الأرضية. أما الــ1% المتبقي الذي يعيشون في رغد من العيش في القصور، ملوك القهر والجبر، ويستحوذون على الثروات فهم الحُكام الذين يحكمون العالم بغير ما أنزل الله وتجدهم أكثر الناس عداوة للآخرين وجعلوا لهم الحق في سلب جميع حقوق البقية ولهم الحق في إبادة جميع من لا يعبد نظامهم الجديد الذي تتم عولمته بسيطرة حكومة واحدة عالمية ودولية وأممية ترأسها جهة واحدة (أمريكا) وصندوق نقد دولي واحد وبنك مركزي واحد وتتحكم بها معاهدات واتفاقيات ومواثيق واحدة ومجلس أمن واحد، ولنقل استعمار غربي إمبرياليّ واحد يعمل من خلال حكومة مركزية ينصاع لقوانينها ودساتيرها الوضعية ومواثيقها واتفاقياتها جميع الأنظمة الحاكمة العميلة للغرب وتسيطر من خلالها على صنع القرار في تلك البلاد.
إن الغرب يعمل جاهداً لفرض هذا النظام الجبري ليمنع قيام دولة الإسلام من جديد، وهذا ما يرعبهم فهم يعلمون أن للإسلام دولة وأنها الوحيدة القادرة على هدم نظامهم المهترئ، والذي فقدت البشرية بسببه عوامل نهضتها الفكرية ولم يعد لديها معنى للارتقاء أو للتمسك بالقيم الإنسانية السامية التي لن تتحقق إلا من خلال تطبيق الأحكام الشرعية الربانية الحكيمة والعادلة والعيش وفقاً للحياة الإسلامية المطمئنة التي تُكرم الإنسان وتحترم عقله لتعود للإنسانية كرامتها وليصبح القدوة للأجيال نماذج من الشخصيات القوية السوية المستقيمة التي تُبدع وتتقدم في كافة المجالات؛ الاقتصادية والتعليمية والعلمية والتكنولوجية والطبية... كما كانت في العصر الذهبي للخلافة الإسلامية حين ركعت البلاد الغربية وأذعنت لحكم الإسلام العادل الذي رعى شؤون الناس وأغناهم وأكرمهم وأعزهم بتطبيق الإسلام في كافة مناحي الحياة، ولم يكن تحصيل لقمة العيش بمشقة، ولم يكن هدف الإنسان في الحياة عدم السقوط في هاوية الفقر المدقع والعوز، ولم تنعدم الحاجيات الأساسية من المحاصيل كالقمح والسلع الضرورية كالأغذية والغاز والوقود والدواء التي تُباع بأسعار باهظة لا تُطاق، وعاش الجميع حياة سعيدة في كنف الدولة الإسلامية التي نشرت النور وقادت البشرية وسادتها على أساس لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلم يتجرأ الأقزام على أصحاب المقامات العظيمة والرجال الذين كتبوا التاريخ بدمائهم الطاهرة.
إن دولة الخلافة الراشدة تحمل الدعوة الإسلامية للعالم، والحاكم يعامل فيها المحكومين - المسلم وغير المسلم - بالقوانين والدساتير الربانية، وأساس الحكم فيها هو العدل والتقوى والصدق والشفافية ومخافة الله عز وجل والسير على منهج رسول الله ﷺ. فمقياس الأعمال فيها هو الحلال والحرام وليس المنفعة والمصلحة المادية، مما يجعلها دولة رعاية ورحمة وهدى؛ دولة بدون حدود ولا سدود، يعيش فيها الإنسان والحيوان والطير والزرع بأمن وأمان. وأما مركزية دول الكفر فإنه نظام يحكم بالحديد والنار ويجلب الدمار والخراب للناس، وأما مركزية دولة الخلافة الراشدة فإنه نظام الحكم فيها بما أنزل الله وأنها دولة تحمل الرحمة والنور والاستقرار مادياً ومعنوياً للبشرية جمعاء، قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: 107].
إن العالم اليوم بحاجة لنظام أصيل وليس لنظام جديد. فمن لا يعرف أن للإسلام نظاماً متميزاً ينظم ويعالج مشاكل البشر وهو من عند الله تعالى وذلك نظام الحكم في الإسلام الذي يُطبق الإسلام في دولة الخلافة الراشدة القادمة، هي دولة واحدة تحكم الأمة الإسلامية بل وتحكم جميع البشر وترعى شؤونهم بالإسلام؛ وهي دولة عظيمة منيعة تاريخها مشرق وحاضرها جميل ومستقبلها باهر، نجحت من قبل وستنجح من جديد في الريادة؛ سياستها الخارجية نشر الإسلام ليعم نوره العالم ولتنهض البشرية به نهضة فكرية مستنيرة بالقيم الإسلامية السامية لتأخذ بيد البشر للجنة ولإرضاء الله رب العالمين، وهي الحقبة التي ستلي حقبة الحكم الجبري بإذن الله تعالى لتنقذ البشرية من براثن هذا النظام القذر الذي أشقى النساء والأطفال والرجال وأشقى الحيوانات وأشقى الكون وأشقى الأرض والزرع والسماء... جاء في مسند الإمام أحمد: عن حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ. ثم سكت».
ولمثل ذلك فليعمل العاملون؛ ليوم قريب، يوم سقوط هؤلاء الكافرين وأذنابهم من المنافقين والغلبة للمتقين. قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [سورة النساء: 124].
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان