- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أهل القوة والمنعة رجال الدولة جاهزون فأروا الله من أنفسكم خيرا
إنَّ بعثته ﷺ كانت ميلاداً جديداً للبشرية، وتاريخاً عظيماً للإنسانية، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إليكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
فببعثته كَمُلَ للبشرية دينها، وتم للإنسانية نعيمها، قال تعالى: ﴿اليوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ فكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً، ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. بعث الله النبي ﷺ لإخراج البشرية الضالة فكان حريصاً على هدايتها وإخراجها من الظلمات إلى النور، وحريصاً على إظهار دينه على كل الأديان، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وحتى يظهر هذا الدين كان لا بد من رجال يحملونه معه ﷺ فكان أن دعا الناس إلى هذا الدين العظيم، وجمع من آمن برسالته في دار الأرقم بن أبي الأرقم يعلمهم الإسلام وكانت هذه الحلقات بمثابة إعداد رجال للدولة يسوسونها بما تعلموه في هذه الدار العامرة، وحتى توجد هذه الدولة التي أُعد لها هؤلاء الصحابة الكرام كان لا بد من طلب النصرة ممن بيدهم القوة والمنعة حتى يصير الإسلام موضع التطبيق في دولة تتبنى أحكامه دستوراً ومنهاجا. قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً﴾.
قال ابن إسحاق في السيرة النبوية لابن هشام: "... فخرج رسول الله ﷺ إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف فعمد إلى نفر هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاء إليه من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، فردوه رداً سيئاً وأمروا به سفهاءهم وصبيانهم يضربونه ويحقرونه، فخرج رسول الله ﷺ من عندهم تائهاً على وجهه من شدة الكرب ولم يستفق إلا بقرن الثعالب، ودخل مكة تحت حماية المطعم بن عدي وقومه على أشد ما كانوا عليه من خلافه". ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في دعوته تجلى فيها تقصد رسول الله ﷺ للزعماء والقادة من خارج مكة وحرصه على أن يؤمنوا به وينصروه ويحموه حتى يبلغ عن ربه ما أمر به. وكان طلب رسول الله ﷺ للنصرة من خارج مكة، إنما بدأ ينشط بشكل ملحوظ بعد أن اشتد الأذى عليه عقب وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه من قريش، فقد أورد ابن هشام في السيرة النبوية بخصوص نشاطه بعد الطائف ما نصه: "ثم قدم رسول الله ﷺ مكة وقومه على أشد ما كانوا عليه من خلافه... فكان رسول الله ﷺ يعرض نفسه في المواسم... على قبائل العرب... ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه". وهذه المرحلة الجديدة من الدعوة كانت بأمر من الله عز وجل، ولم تكن اجتهاداً من الرسول ﷺ لأمر اقتضته ظروف الدعوة، ويدل على ذلك ما ورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري، ما نصه: "أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس، حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على القبائل، خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى...". ويذكر في هذا الحديث الطويل كيف كان النبي ﷺ وصاحباه يقصدون مجالس العرب بمنى بموسم الحج... حتى ذكر قصدهم لمجلس ربيعة، ثم لمجلس الأوس والخزرج من أجل الإيواء والنصرة. والذي يدل على أن هذا الطلب للوجوب هو مداومة الرسول ﷺ على طلب النصرة والحماية من القبائل، ومن أصحاب القوة والمنعة والشرف.
قال ابن إسحاق: "فكان رسول الله ﷺ على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس في المواسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام، ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة، وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له ودعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده". فأتى كلباً في منازلهم وأتى بني عامر بن صعصعة وأتى كندة في منازلهم، وكندة كانت ملوكاً، وأتى بني حنيفة في منازلهم وكان يقصد كل قبيلة في منازلهم ويعرض عليهم نفسه ويطلب منهم أن يؤمنوا به وأن يصدقوه وينصروه ويحموه. وقد استمر الرسول ﷺ على ذلك حتى وفد أهل المدينة من الأوس والخزرج بعد أن مكث فيهم مصعب بن عمير سنة وواعدهم العقبة، وعقد معهم بيعة العقبة الثانية على أساس النصرة والحماية وكانت بيعة الحرب، وبذلك وجد الكيان الذي ينصره ويحميه، وقد أقيمت الدولة فنالت المدينة المنورة بفضل المهاجرين والأنصار ذلك الشرف الرفيع، فامتدت هذه الدولة قروناً سعدت فيها البشرية أيما سعادة، فكانت الدولة الأولى في العالم تسوس الناس بأحكام الله وكانت العزة والمنعة والغلبة للمسلمين.
وها هو حزب التحرير يسير على طريقة رسول الله ﷺ نفسها مقتدياً به في كل صغيرة وكبيرة متبعاً خطواته شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى يبلغ غايته، فأعد رجالاً للدولة في حلقات مركزة درسوا خلالها كل ما يتعلق بالإسلام فكرة وطريقة وقد هضموا فكرته وانطلقوا بهذه الدعوة الغراء في أوساطهم التي يعيشون فيها يحملون الدعوة ويحثون الناس للعمل الجاد معهم لتمكين دين الإسلام وإظهاره، بإقامة دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وعد ربنا سبحانه وبشرى نبينا ﷺ، يقودون صراعاً فكرياً وكفاحاً سياسياً، وبحمد الله وفضله ثم بجهود شبابه المخلصين أصبحت الدعوة منتشرة في كثير من بلدان العالم، وقد لاقوا في سبيل ذلك ما لاقوا على أيدي الحكام عملاء الغرب الكافر الذين أتى بهم لخدمة مصالحه ومحو الإسلام من الوجود! والحزب في حمل أفكاره، وفي تصدّيه للأفكار الأخرى، والتكتلات السياسية، وفي تصدّيه لمكافحة الدول الكافرة المستعمرة، وفي مقارعته للحكّام صريح سافر متحد، لا يداجي ولا يداهن ولا يجامل ولا يتملق ولا يؤثر السلامة، بغض النظر عن النتائج والأوضاع، فهو يتحدى كل من يخالف الإسلام وأحكامه، مما عرّضه للإيذاء الشديد من الحكّام من سجن، وتعذيب، وتشريد، وملاحقة، ومحاربة في العيش، وتعطيل مصالح، ومنع من سفر، وقتل، فقد قتل الحكام الظلمة في أوزبيكستان، والعراق، وسوريا، وليبيا العشرات، كما أن سجون الأردن، وسوريا، والعراق، ومصر، وليبيا، وتونس، وتركيا، وباكستان، وآسيا الوسطى وبخاصة أوزبيكستان، وغيرها من السجون مليئة بشباب حزب التحرير، ولا يزال الحزب سائراً في طريقه متحدياً سافراً لا تزيده مثل هذه الأعمال الوحشية إلا صلابة وقوة.
فيا أهل القوة والمنعة من جيوش المسلمين: ألا تغلي الدماء في عروقكم وأنتم ترون المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يئن تحت وطأة أرذل خلق الله؟!
ألا ترون تركيا التي كانت مركز آخر دولة للمسلمين تنطلق منها الجيوش محررة الدنيا بأسرها، يُقتل من أراضيها أهلنا في شام العزة بآلة المجرم أرودغان؟!
ألا ترون هذه الشلالات من الدماء تسيل في أفريقيا الوسطى وفي سوريا وفي ميانمار وكثير من المسلمين في بلاد الكفر؟!
ألا ترون الحكم في السودان تولاه الرويبضات من قادة الجيش العملاء للمستعمر فتبنوا أنظمته وجلبوا لهذا البلد الطيب أهله الشقاء والتعاسة والعهر والفسق والفجور بتبني مواثيق الكفر من سيداو وحقوق الطفل... والفقر والعوز بخضوعهم لصندوق النقد الدولي؟!
ألا ترون أرض الحرمين وقد دُنست بأفعال الأسرة المالكة الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد؟!! وكذلك في الإمارات والأردن...؟!
ونخاطبكم اليوم يا أهل القوة والمنعة كما خاطب نبينا الكريم عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم، أهل القوة والمنعة قبل قيام الدولة، والأمة اليوم قد ضاقت بها السبل في كل مناحي الحياة؛ من جور حكامها بتطبيقهم النظام الرأسمالي المتوحش الذي أفقر هذه الأمة الكريمة التي لا تكاد ثرواتها تعد ولا تحصى بكثرتها ولكن رغم هذه الهبات الربانية أصبح المسلمون أفقر أهل الدنيا وصرنا في ذيل الأمم بعد أن كنا نقودها!
فهل يستجيب أهل القوة والمنعة فيسلموا حزب التحرير؛ هذا الحزب العريق، والمؤهل، والذي هو من جنس هذه الأمة، يسلموه سلطانها، لقيادة هذه الأمة إلى بر الأمان، وإرجاع العزة والمنعة لها، فنعود سادة للعالم، نقود البشرية من جديد، ونخرجها من ظلمات الرأسمالية إلى عدل الإسلام؟! فهل يستجيب أهل القوة والمنعة، فينالوا هذا العز والشرف العظيم، ويكتبوا أسماءهم بمداد من نور في تاريخ هذه الأمة الناصع، كما ناله الأنصار من قبل عندما نصروا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فشباب حزب التحرير على أهبة الاستعداد فهل من مجيب؟
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ عبد الخالق عبدون
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان