الجمعة، 19 رمضان 1445هـ| 2024/03/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

في ساحة الصراع الفكري حزب التحرير يجدد فهم المسلمين للإسلام
بوصفه نظام حياة تطبقه دولة الخلافة

 


من الفكر السياسي المنطبق على الواقع، أن الدول إنما تنشأ بنشوء أفكار جديدة تقوم عليها، ويتحول السلطان في الدولة بتحول الأفكار، والدول المبدئية هي التي يكون أساس الأفكار التي تقوم عليها هو المبدأ، وهو بالنسبة للمسلمين مبدأ الإسلام العظيم في عقيدته وشريعته، لذلك كان الصراع الفكري حتمياً لإقامة الدول أو إسقاطها، وهو ما يفسر كيف أن رسول الله ﷺ أول من أقام دولة على أساس عقيدة الإسلام. كيف أنه سبق العمل لإقامة الدولة بفكر الإسلام العظيم، الذي نزل به الوحي على قلبه ﷺ، وكيف أنه أعد أصحابه الكرام في دار الأرقم بن أبي الأرقم في الحلقات؛ يعد عقلياتهم ونفسياتهم لمعركة ذات طبيعة فكرية وليست ذات طبيعة مادية، حتى إن أهل الباطل عندما حاولوا جره إلى ساحات الصراع المادي بتعذيب أصحابه حتى القتل أحياناً لم يستجب لهم، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ فَقَالَ: «صَبْراً آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ».


والفكر حتى يصل إلى سدة الحكم، وتقوم الدولة لا بد أن يستجيب المخلصون من أهل القوة والمنعة لهذا الفكر، وعندما انحاز أهل القوة والمنعة من الأوس والخزرج في المدينة المنورة للفكر الحق، قامت أعظم دولة عرفها التاريخ الإنساني، بل واستمرت ثلاثة عشر قرنا من الزمان، وهي زهرة الدنيا وشمسها المشرقة، تنتصر على الباطل في ميادين الصراع الفكري والصراع المادي.


غير أنه مع بداية القرن الثاني الهجري دخلت عوامل التغشية على الفكرة الإسلامية في أذهان المسلمين جراء التأثر بالفلسفات الأجنبية كالهندية والفارسية واليونانية في البلاد التي فتحها المسلمون، ما جعل بعض المسلمين يحاولون التوفيق بين الإسلام وهذه الفلسفات المتناقضة معه، فبدأ الضعف الفكري يتسرب إلى المسلمين.


ثم كانت العقود الأخيرة للخلافة العباسية فاصلة في مسيرة الأمة، فمنذ أوائل القرن السابع الهجري أهمل أمر اللغة العربية في فهم الإسلام، أي فصلت الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، فكان ذلك سبباً في بداية انحطاط الأمة الإسلامية، لأنه ترتب عليه الضعف الشديد في أذهان المسلمين للإسلام.


ثم كان الغزو التبشيري والثقافي، ثم الغزو السياسي من الغرب الكافر المستعمر منذ أواخر القرن الحادي عشر الهجري، حتى إذا كان القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي)، أدرك الكافر ضعف المسلمين، فخرج النظام الرأسمالي؛ وهو نظام كفر، باطل، يتحدى نظام الإسلام في أفكاره ومشاعره، وما هي إلا جولة قصيرة حتى هُزم المسلمون الضعفاء، أما مبدأ الإسلام العظيم فلم يهزم، لأنه وحده هو الحق، فأساسه يقنع العقل، وهو يوافق الفطرة، وهو صالح لكل عصر، ولكل شعب، إذ لديه القدرة على إعطاء رأي ومعالجة لأي مشكلة دون الابتعاد عن أساسه؛ أي دون تحريفه.


أما خطة الغرب الكافر لإلحاق الهزيمة الفكرية بالمسلمين فكانت مبنية على ثلاث ركائز:


أولاً: مهاجمة أفكار الإسلام وأحكامه، يوسعونها نقداً وتزييفاً، فهاجم تعدد الزوجات فقال هذه همجية، واعتبرها غدراً بالمرأة وتقويضاً للبيت، وهاجم الخلافة وقال هذه ديكتاتورية، وهاجم الجهاد بوصفه عدواناً على الشعوب.


ثانياً: تحدى الإسلام بأن يوجد حلولاً للمشاكل المتجددة والمتعددة، فيبين حكمها وكيفية معالجتها، بل ويعرض حلوله لمشاكله ويتساءل ما هو رأي الإسلام فيها، فيسأل هل يقول الإسلام في التشريع بالنزعة المادية أم بالنزعة النفسية (النص أم روح النص)؟ وهل جاء الإسلام بالحريات العامة وماذا قال فيها...؟


ثالثاً: هاجم المشاعر الإسلامية، فقال عن التمسك بأحكام الإسلام بأنه عصبية مذهبية، وقال عن بغض المسلمين للكفر والكفار، وحبهم للإسلام والمسلمين، بأنه عصبية دينية، وهكذا...


لقد استطاع الغرب الكافر أن ينتصر فكرياً على المسلمين الضعفاء المنهزمين، الذين تخلوا عن السلاح الحاسم للمعركة، ألا وهو الإسلام العظيم، وبذلك مهّد الكافر لهدم الخلافة في 28 رجب 1342هـ، وبذلك دمِّرت الدولة الإسلامية تدميراً تاماً، وأُزيل الإسلام بوصفه نظاماً للحياة من الوجود، ولم يحرّك ذلك الأمة الإسلامية أدنى حركة، فكان ذلك دليلاً على الخلل الكبير في كيان الأمة.


ثم نشأ حزب التحرير في منتصف القرن الماضي، وهو يعي على هذه الحقائق، فبدأ بسد الثغرات التي تدفقت عبرها ثقافة الغرب الكافر، واقتلع الانهزام النفسي من المسلمين، وجدّد فهم المسلمين للإسلام بوصفه نظاماً للحياة، تطبقه دولة الخلافة على منهاج النبوة التي أظل زمانها، فاقتربت الأمة الإسلامية من روضة الحياة الإسلامية، وبدأت تتنسم عبيرها، فجن جنون الغرب الكافر، وهو يحس بنذر الهزيمة في ساحات الصراع الفكري، فبدأ ينقلب على أسس حضارته ينقض غزله من بعد قوة أنكاثاً، يشيع في مجتمعاته (الإسلاموفوبيا)، يبني جداراً أوهن من خيوط العنكبوت بين شعوبه والإسلام حتى لا يؤتى من الداخل.


ثم خرج يحارب أفكار الإسلام وأحكامه التي هزمه أصحابها في ساحات الصراع الفكري. خرج يحارب هذه الأفكار، ليس بالفكر، بل بدباباته وطائراته وأسلحته الفتاكة في حرب تستهدف عقول المسلمين.


لقد استطاع الكافر المستعمر أن يهدم الخلافة في عقول المسلمين قبل أن يهدمها في واقع حياتهم، لذلك كانت ردة فعل المسلمين ضعيفة، وبهدمها غاض الإسلام بوصفه نظام حياة تطبقه دولة الخلافة. والآن وبعد مضي مائة عام على هدم الخلافة والعيش في ظل أنظمة فصل الدين عن الحياة، كان الغرب الكافر يتوقع أن تموت هذه الأمة، وتمحى سيماها، وتصبح أثراً بعد عين، لولا فضل الله سبحانه وتعالى، وتوفيقه لحزب التحرير الذي قضى ما يقارب السبعة عقود، يجدد فهم الإسلام في أذهان المسلمين، ويعيد إفهام العلماء والمتعلمين، والعوام، ماذا يعني أن الإسلام نظام للحياة:


• مصدر الإسلام هو الوحي العظيم؛ الكتاب والسنة وما أرشدا إليه.


• الإسلام دين كامل تغطي أحكامه كافة نواحي الحياة، فالإنسان إنما يعيش في ثلاث علاقات، علاقته بربه تغطيها العقائد والعبادات، وعلاقته بنفسه تغطيها أحكام الأخلاق والمطعومات والملبوسات، وعلاقته بغيره أحكام المعاملات والعقوبات.


• التشريع الإسلامي هو خطوط عريضة، والاجتهاد المنضبط هو الأداة لاستنباط الأحكام والمعالجات من منطوق أو مفهوم أو معقول هذه الخطوط، دون الابتعاد عن هذه الخطوط العريضة بتأويل أو تحريف.


• الإسلام يقوم على العبودية لله سبحانه، والتي تتحقق بالتقيد بالحكم الشرعي، بمقياس الحلال والحرام، وليس بتبني فكرة الحريات العامة التي تتناقض مع الإسلام.


• السيادة للشرع وليست للشعب، فالأحكام، والتشريعات، وأنظمة الحياة مصدرها هو الوحي، وتؤخذ منه بقوة الدليل. وما أوردنا موارد الضنك والشقاء إلا التشريع البشري بالأغلبية.


ولإبراز تفرد أنظمة الإسلام عن غيرها، أتحدث عن نظام الحكم من خلال هذه الخطوط العريضة:


أولاً: إن نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة


إن نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة؛ وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وإقامة الخلافة فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم، والتقصير في القيام بهذا الفرض معصية من أكبر المعاصي يعذب الله عليها أشد العذاب، والدليل على وجوب إقامة الخلافة على المسلمين، من الكتاب، والسنة، والإجماع؛ فمن الكتاب قوله تعالى آمراً رسوله ﷺ أن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله، وكان أمره له بشكل جازم، فقال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾. ومن السنة ما رواه مسلم عن طريق نافع قال: قال لي ابن عمر سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ، لَقِي اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ ميتة جاهلية». أما إجماع الصحابة فإنهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله ﷺ بعد موته، فكان أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم تتالت السلسلة رضوان الله عليهم أجمعين.

 

ثانياً: يتفرد نظام الحكم في الإسلام عن غيره من الأنظمة، وعن الواقع الذي نحياه، فمثلاً:


- في قمة الدولة لا تجد مجلس سيادة، ولا مؤسسة رئاسة الجمهورية، ولا الديوان الملكي، ولا الديوان الأميري، بل نجد الخليفة ومعاون التفويض، ومعاون التنفيذ، فالخليفة يأخذ الحكم ذاتياً بمجرد عقد البيعة له، أما المعاونون فإنهم يأخذون الحكم بتفويض الخليفة لهم. فقد كان رسول الله ﷺ رئيساً للدولة، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وزيريه؛ أي معاوني التفويض، وكان علي بن أبي طالب، وشرحبيل بن حسنة معاوني التنفيذ، فكان علي كاتب العهود إذا عاهد، والصلح إذا صالح، وكان شرحبيل كاتب التوقيعات إلى الملوك.


- لا يدير مصالح الناس في الصحة والتعليم والكهرباء، والمياه، وغيرها مجلس وزراء من السياسيين، بل يديرها مدراء أكفاء، وهي ليست دوائر منفصلة، بل دائرة واحدة على رأس كل فرع منها موظف.


- الحكم في الولايات مركزي، والإدارة ليست مركزية، بمعنى أن الوالي يعينه الخليفة، ولا يستمد سلطته ذاتياً بالانتخاب.


- لا توجد في الإسلام حصانات لأي مسئول، ولا حتى للخليفة، فالجميع يخضعون لقضاء الدولة؛ الذي هو ثلاثة أنواع: قضاء المحاكم لفصل الخصومات بين الناس، وقضاء الحسبة لإزالة ما يقع على مرافق الجماعة من تعديات وأضرار، وقضاء المظالم لإزالة ما يقع من الدولة من ظلم على الرعية، وللفصل بين الرعية والدولة. فالخليفة يخضع لقاضي المظالم، وللحكم الشرعي الذي يحكم به. هذا النظام أرقى من النظام الرئاسي الأمريكي حيث يحاكم الرئيس بواسطة الكونغرس وليس القضاء، فنواب الكونغرس ليسوا محايدين، بل هم من حزب الرئيس ومنحازون له، وقد رأينا كيف فشل الكونغرس في إدانة ترامب مرتين بالرغم من أنه انتهك الدستور.


- مجلس الأمة للشورى والمحاسبة، لا لتشريع الأحكام بالأغلبية كما في النظام الديمقراطي، ويجوز أن يكون في عضويته غير المسلمين للشكوى من ظلم الحكام لهم، أو إساءة تطبيق الإسلام عليهم، أو عدم توفر الخدمات ونحو ذلك، وينتخب أعضاؤه من الأمة لأنهم وكلاء في الرأي عن الناس.


اليوم، وبعد مضي مائة عام على هدم الخلافة، أصبحت أمتنا تعي أنها أمة إسلامية واحدة، وتدرك عدوها وأدواته، وتتطلع للعيش في كنف الإسلام العظيم تطبقه الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وللاستزادة، ولأجل إكمال تصور الحياة الإسلامية، والمخطط الهندسي لاستئنافها، ندعوكم لدراسة الثقافة الإسلامية مفصلة ومركزة في حلقات حزب التحرير.


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاتم جعفر إبراهيم (المحامي)
عضو مجلس الولاية لحزب التحرير في ولاية السودان

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع