- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
توحيد الأمة في كيان سياسي واحد هو فرض هذا الزمان
بعض الناس عندما تعرض عليهم الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، يقول لك يجب أن تتوحد الجماعات والأحزاب الإسلامية أولاً قبل الدعوة إلى توحيد الأمة وإقامة الخلافة، فما هي حقيقة هذا القول؟
إن الذي يقول مثل هذا القول هو أحد اثنين: شخص يقولها وهو مؤمن بها، مخلصاً لله تعالى ولجماعة المسلمين، وقد آلمه أن يرى انشغال الدعاة ببعضهم، ومحاولة الانتصار لأفكارهم ومفاهيمهم، فدفعه حبه للإسلام إلى ما يرى فيه الخير، فنادى بجمع الدعاة في كتلة واحدة، أو جبهة واحدة على الأقل، وهذا رغم حبه للإسلام، وحرصه عليه فهو لا يدرك أبعاد ما يدعو إليه، وحقيقة ما ينادي به، حيث إنه يتصور أن هذا التعدد في الأحزاب والجماعات، إنما هو ناشئ عن خلافات مصلحية، أو التنافس على الزعامة، أو الحصول على منفعة، وهو أيضاً لا يدرك أن الإسلام والدعوة إليه ليس فيه مساومة، ولا تنازلاً عن فكرة، أو تخلياً عن هدف مهما كان صغيراً أو عظيماً، وسير الفرد فيه أو الكتلة، إنما يكون بحسب ما يتبنى من حكم شرعي، والحكم الشرعي في المسألة الواحدة لا يتعدد، ونتيجة لجهله بهذه النقطة فقد اندفع، وبكل إخلاص، يدعو إلى إقامة وحدة أو توحيد أو جبهة على الأقل تتضافر فيها الجهود لتصل إلى غايتها وتنقذ الأمة مما هي فيه، هذا هو الشخص الأول، ومهمة حملة الدعوة هي تبيين الحق له حتى ينير الله بصيرته ويهديه إلى الصواب. أما الثاني فهو شخص ضال مضل يريد صرف الأمة عن الانقياد لهذه الجماعات بحجة التفرقة والتفرق والتمزيق، يقول إذا كان هذا حال الدعاة فيما بينهم، إذا كان هذا حال المفكرين في هذه الجماعات، وإذا كان هذا حال الجماعات الإسلامية فيما بينها، وقد فشلوا في جمع كلمتهم وتوحيد دعوتهم بل فشلوا في عمل وحدة أو جبهة على الأقل، ومزقوا الأمة إلى فئات، وأحزاب، وجماعات، وكلها تعاني من التفرقة، والتشرذم فكيف سيجمعون الأمة، ويوحدون المسلمين، ويبنون خلافة تضم كافة أقطار العالم الإسلامي؟! كيف يمكن ذلك وهم عن جمع شتات أنفسهم عاجزون؟ يردد هذه الأقوال، ويثبط همم الناس ابتغاء صرفهم عن حملة الدعوة، والعمل من أجل إيجاد الإسلام واقعاً في الحياة، وهو مع ذلك يطعن في الإسلام، وعدم قدرته على مسايرة العصر، كما يطعن في حملة الدعوة مع إدراكه التام أن توحيد الأحزاب، والجماعات الإسلامية في تكتل واحد أو جماعة واحدة أمر مستحيل والدعوة لذلك لا تخلو من الدجل والتضليل.
والرد على أمثال هؤلاء يكون بفضحهم وتبيين أن تعدد الأحزاب والجماعات الإسلامية أمر حتمي، ومحاولة توحيد ما هو موجود من أحزاب وجماعات أمر مستحيل ومخالف للعقل والشرع، هذا مع افتراض الإخلاص الخالص في هذه التكتلات قادة وأفراداً، وحرصهم جميعاً على إعلاء كلمة الله، لماذا؟ لأن الثقافة الإسلامية التي مصدرها كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فيها ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة وهذه لا خلاف فيها ولا مجال للاختلاف حولها فهي محكمة لا يختلف اثنان في ثبوتها أو دلالتها حيث إن دلالتها لا تحمل أكثر من معنى مثل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ فلم يختلف اثنان من المسلمين بوجوب الحج فالآية قطعية الثبوت لأنها قرآن، وليس لها سوى معنى واحد. وهناك نصوص قطعية الثبوت، ولكنها ظنية الدلالة، وهي آيات القرآن الكريم، والحديث المتواتر التي تحتمل أكثر من معنى مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾ فقد ذكر في الآية أو لامستم النساء، والملامسة في لغة العرب تعني الجماع، وتعني مطلق لمس لذا كان من الطبيعي أن يوجد فيها أكثر من فهم، وبالتالي أكثر من حكم. وهناك نصوص ظنية الثبوت، ولكنها قطعية الدلالة مثل قوله ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتَبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْرِ» فالحديث خبر آحاد، ولكن مدلوله لا يختلف فيه أحد لأنه لا يحتمل غير معنى واحد هو صوم ستة أيام من شوال. كما أن هنالك نصوصاً ظنية الثبوت ظنية الدلالة، وفي هذا نذكر القصة المشهورة حيث جاء في الحديث أن رسول الله ﷺ أمر أصحابه رضوان الله عليهم بقوله: «إِنَّ مَنْ كَانَ سَامِعاً مُطِيعاً فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فالصحابة اختلفوا في فهم الحديث فمنهم من صلى العصر في الطريق، وفهم أن الرسول ﷺ إنما أراد الإسراع، ومنهم من لم يصل العصر إلا في بني قريظة، وكان بعد المغرب، ولم يعب الرسول ﷺ على أحد فهمه، أي أنه أقرّ الطرفين على فهمهما.
هذا من حيث النصوص ودلالتها، إضافة إلى ذلك فإن الإسلام جاء يخاطب عقول الناس، وجعل العقل مناط التكليف، وكان العقل هو وسيلة فهم ما جاءت به تلك النصوص، والناس متفاوتون في الذكاء، وفي المعارف المكتسبة، وطبيعي أن يختلف الناس في فهم الأحكام والشرائع، وقد اختلف الناس منذ عصر الصحابة في فهم الأحكام والشرائع، وقد رويت عشرات الحوادث في عهد الصحابة، والذين من بعدهم واختلف علماء الفقه مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي وجعفر وغيرهم، ولا يشك أحد في إخلاصهم، وحبهم للإسلام، ولم يكن هذا الاختلاف مدعاة للتفريق والتشرذم فإن الاختلاف لا يتعدى الاختلاف في الفهم، ولا يجوز مطلقاً، أن يتعدى نطاق الفكر، أو أن يؤثر على علاقة المسلمين فيما بينهم فهم أمة واحدة، كما فعل رسول الله ﷺ، وسار على ذلك خلفاؤه الراشدون من بعده، والذين جاؤوا من بعدهم، فهي أي الدولة هي التي تجمعهم، وهي التي تنظم حياتهم بنظام واحد ما يجعل حربهم واحدة، وسلمهم واحدة، وخليفتهم هو من أنابوه عنهم ليقوم بما فرض الله عليهم، فكان وجود الخليفة هو العلاج لما قد يبدو أنه مشكلة، أي الاختلافات. هذا العلاج الذي أوجبه الله على المسلمين وحرّم عليهم أن يبيتوا ليليتين بثلاثة أيام، وليس في عنقهم بيعة لأمير منهم امتثالاً لقول الرسول ﷺ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى المئوية لهدم الخلافة الذي كان في 28 رجب 1342هـ، حري بنا، وحال المسلمين اليوم لا يسر صديقاً، ولا يغيظ عدواً، أن نغذ السير، ونسرع الخطا لنعيدها راشدة على منهاج النبوة.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم عثمان (أبو خليل)
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان