- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستثمار الأجنبي تقنين لنهب الثروات
بحث العضو المنتدب لشركة كنانة عبد الرؤوف ميرغني في الثاني من آب/أغسطس 2021م، مع الوفد الأمريكي عالي المستوى برئاسة السيناتور الديمقراطي السابق السفير ريتشارد سويت، المشاريع المطروحة من كنانة وإمكانية تنفيذ مقترحات مشروعات في مجالات البنية التحتية والتطوير الزراعي وتكنولوجيا الطاقة المتجددة والإنشاءات العقارية صديقة للبيئة بمنطقة المشروع بما يخدم أغراض المشروع.
وقال ميرغني إن الزيارة تأتي عقب التطورات الإيجابية الأخيرة في ملف العلاقات الخارجية للسودان، بما يسهم في تحسين مناخ الاستثمار، آخذاً في الاعتبار أن شركة كنانة هي إحدى شركات الاستثمار المشترك والعالمية في مجال زراعة وصناعة السكر والمنتجات الأخرى، وضم الوفد الأمريكي ثلاثة أعضاء من الكونجرس وأربعة من رجال الأعمال ومدراء شركات تعمل في مجال البنى التحتية وتكنولوجيا الطاقة المتجددة وأحد صناديق الاستثمار. (صحيفة السوداني 2 آب/أغسطس 2021م).
وقال وزير الاستثمار السوداني الهادي إبراهيم إن بلاده وضعت خطة متكاملة لجذب الاستثمارات الأجنبية كأحد الحلول لإنعاش الاقتصاد، وكشف الوزير خلال تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الخطة شملت إصلاح القوانين، وإعداد خارطة للاستثمار لأول مرة، ودليل للمستثمر وإعطاء كثير من التسهيلات، وإزالة المعوقات الموروثة من العهد السابق، وقال إن السودان تلقى طلبات ضخمة من شركات عالمية للاستثمار، لافتاً إلى أن بلاده ستركز في بادئ الأمر على الاستثمار في مشروعات البنى التحتية والزراعة.
لا يوجد مسؤول في السودان منذ الاستقلال لم يربط بناء الاقتصاد والتنمية بالاستثمار الأجنبي، ولم تخل خطة لإنعاش الاقتصاد من بند يسمى الاستثمار الأجنبي، حتى أصبحت البلاد جراء ذلك تنوء بالوجود الأجنبي من خلال جيوش شركات الاستثمار التي مكنتها الحكومات المتعاقبة على السودان من موارده وخيراته، دون أن يكون لهذه الاستثمارات أي أثر في حياة الشعب، الذي يكابد الجوع والفقر ومواجهة مصير أكثر قتامة وضبابية، تمكنت هذه الشركات واستحوذت على مفاصل الاقتصاد وامتلكت أصولا وأسهم ومباني وأراضي واسعة، وتدير مصانع تابعة للدولة مقابل التزام هذه الشركات بمبالغ زهيدة تدفعها للدولة كعوائد استثمار!
ومن خلال الدعوات التي أطلقها المسؤولون؛ بدءاً بمبادرة الرئيس المخلوع في العام 2013م ضمن منظومة الأمن الغذائي العربي للاستثمار في الزراعة، أصبح السودان مفتوحاً على مصراعيه من أجل الاستثمار الخارجي حيث بلغ حجم الاستثمارات نحو 74 مليار دولار في مختلف المجالات، وشملت الطاقة والنفط والغاز والتعدين والزراعة والبنى التحتية والسكك الحديدية. رغم ذلك تصيبنا الدهشة عندما نرى نسبة الفقر في تزايد وتدني مستوى المعيشة وارتفاع معدلات البطالة وانهيار اقتصادي شامل وزيادة مديونية الدولة لأكثر من 60 مليار دولار وتسول الحكام، واستجداء المساعدات... فقد أورد تقرير لمنظمة جرين، وهي منظمة بيئية عالمية غير حكومية، تملك مكاتب في أكثر من أربعين دولة في العالم مع هيئة تنسيق دولية في أمستردام، بهولندا، كشفت فيه ما يتم نهبه من الأراضي الزراعية السودانية التي تم الاستيلاء عليها باسم الاستثمار.
هذه الاستثمارات الضخمة ليس لأهل السودان فيها نصيب، فمعظم الشركات تقوم بتصدير منتجاتها للخارج وفق ما تنص عليه بروتكولات الاستثمار، ومن المفارقات أن نسبة الفقر في السودان 46.5% وهي نسبة أعلى من السعودية التي جاءت لتسد حاجتها من الغذاء في أراضينا بنسبة 12.3% حسب تقديرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. فلو كانت الدولة محترمة وتملك إرادتها وقرارها السياسي، لوضعت يدها على هذه الأراضي الشاسعة ولقامت هي بالإشراف عليها وزراعتها بالمحاصيل الرئيسة، ولما احتاجت للاستيراد من الخارج، والسودان به أكبر المشاريع الزراعية على مستوى البلاد العربية كمشروع الجزيرة بمساحة 2.200.000 فدان لو تم الاعتماد عليه وحده فقط لكفى أهل البلاد، فالمشروع يساهم بنحو 65% من إنتاج البلاد من القطن ونسبة كبيرة من إنتاج القمح والذرة والمحاصيل البستانية، علماً بأنه توجد مشاريع أكبر منه مثل مشروع واد الهواد بنهر النيل الذي يخترق 5 ولايات بمساحة 5 مليون فدان صالحة للزراعة، ولكن للأسف قامت الحكومة الانتقالية وعرضته لأسيادها في مؤتمر باريس لشركات الاستثمار، وفي يوم 26 تموز/يوليو 2021 تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين إدارة المشروع وممثلين عن جامعة كاليفورنيا لتطوير نظم الإنتاج الزراعي والحيواني والبستاني والصناعات التحويلية، وتأسيس منصات البحوث التطبيقية وغيرها، ولا زالت الدول الأجنبية عبر شركاتها تلهث وراء موارد السودان لنهب واستغلال خيراته.
أما في مجال التعدين فحدث ولا حرج؛ فقد بلغ الأمر من توغل شركات الاستثمار وسيطرتها على موارد البلاد بتواطؤ من الحكومة الانتقالية التي همها الوحيد هو الحصول على بقية من فتات هذه الشركات، بلغ بها أن تقوم بإجلاء الناس وطردهم من مناطق التعدين لصالح هذه الشركات؛ فقد تحدث رئيس ومدير شركة أوكرا وهي أكبر شركات إنتاج الذهب بكندا التي أبدت رغبتها بالاستثمار في مجال التعدين، رداً على سؤال من وكالة بلومبيرغ الأمريكية هل سيكون هناك صراع بينكم وبين المعدنين التقليديين؟ وهل أنت قلق من مواجهة مشاكل معهم؟ فكان رده صريحاً حيث قال: "إن الحكومة تعهدت بإزالة المعدنين التقليديين وقد أزالت بالفعل الآلاف منهم من غير استعمال القوة المفرطة ومن غير إحداث خسائر في الأرواح، ولكن اتفقنا معهم بأنهم سيخرجون عند البدء في بناء المنجم". بل ويقول مدير شرطة التعدين اللواء خالد حسن علي في حوار أجرته معه إحدى الصحف السودانية عن أن "شرطة التعدين تخرج المعدنين بناءً على شكاوى من شركات الامتياز لوزارة المعادن، ومن ثم تحول الشكوى للشركة السودانية للموارد المعدنية، بعد ذلك تكتب لنا الشركة السودانية بأن الشركة المعنية بالمربع كذا عندها معدنون تقليديون داخل المربع ويجب إخلاؤهم". علماً بأن 13% من السكان يعتمدون على التعدين الأهلي لإعالة أسرهم و2 مليون شخص يعملون في المهن الملحقة بالتعدين، ويغطي التعدين الأهلي 800 موقع في أنحاء البلاد وهو الأكثر إنتاجية، فطرد كل هؤلاء وهم أصحاب الحق والأرض والموارد لصالح شركات الاسثمار حرام شرعا ويعني إيجاد جيش جديد من العاطلين عن العمل، وبالتالي صناعة مزيد من الفقراء.
إن هذه الحكومة تذل رعاياها لصالح النظام الرأسمالي وتمنع الناس من حقوقهم وتتقرب لأسيادها بسخاء، من خلال عقود الامتياز التي تمثل الغطاء القانوني لنهب خيرات البلاد، فالاستثمار هو فكرة ولدت من رحم النظام الرأسمالي الذي صممه أرباب المال لامتصاص ثروات الشعوب، فالاستثمار المزعوم هو أسلوب خبيث من أساليب الاستعمار، يقول عبد الحي زلوم صاحب كتاب نذر العولمة: (إن هذا الأسلوب الخبيث من الاستعمار أي الاستثمار يتطلب توفر مستلزمات ضرورية حتى يغدو قادراً على العمل على الوجه الأكمل، ومن هذه المستلزمات:
* يجب أن تكون هناك تجارة حرة حتى يتاح فتح البلاد بمصاريعها لاحتضان هذه الشركات.
* حرية الوصول إلى المواد الخام العائدة للشعوب والدول الأخرى ودون أي ضغوط أو مضايقات من حيث السعر أو الكمية المراد الحصول عليها.
* إطلاق يد الممولين وأصحاب رؤوس الأموال ليستثمروا أموالهم ويجنوا الأرباح دون أية عوائق.
* ضرورة وجود المؤسسات الدولية والمالية لإدارة هذه الرؤية الجديدة للاقتصاد العالمي.
بيد أن الإسلام جعل المعادن قسمين من حيث التملك؛ قسم محدود المقدار بكمية لا تعتبر كبيرة بالنسبة للفرد وقسم غير محدود المقدار. أما القسم المحدود المقدار فإنه من الملكية الفردية ويُملك ملكاً فردياً ويعامل معاملة الركاز وفيه الخمس لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله سُئِل عن اللقطة فقال: «مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَئْتَاءِ - الطريق المطروق - وَالْقَرِيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفُوهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ لَكَ، وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فالتعدين الأهلي من الركاز الذي أباح الشارع الانتفاع به. وأما القسم غير المحدود المقدار، الذي لا يمكن أن يَنْفَد، فإنّه ملكية عامة، ولا يجوز أن يملك فردياً لما روى الترمذي عن أبيض بن حمال: «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ»، والماء العِدُّ الذي لا ينقطع. شبه الملح بالماء العدّ لعدم انقطاعه.
ففي ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لا سبيل للاستعمار لأن يرتع في ثروات الأمة.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مجاهد آدم – ولاية السودان