الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

النصيحة إلى الدكتور حاكم المطيري صاحب كتاب (الإشكالية العقائدية والأزمة السياسية)

 

إلى الدكتور حاكم المطيري، صاحب كتاب (الإشكالية العقائدية والأزمة السياسية)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛

 

لقد اطلعت على كتابك المذكور بأبوابه العشرة...، وبناء عليه فإني مرسلٌ لك هذه النصيحة بشقيها (البيان والعتاب)، وذلك استجابة لقول رسول الله ًصلى الله عليه وسلم «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ »

 

أما البيان، فأقول: إنك تُرى في الأبواب التسعة الأولى مهتماً بالخلافة، جادّاً مجدّاً حول وجوبها، وأنها سبيل عزة المسلمين ونهضتهم وعودتهم خير أمة أخرجت للناس، ويكاد القارئ لكثير من هذه الأبواب يرى نفسه وكأنه يقرأ في كتب حزب التحرير الذي سبقك بعقود حول الخلافة، مع فارقٍ ليس بالكبير، وهو أنه يراك في كتابك تنقل أقوال المجتهدين السابقين والفقهاء عن ضرورة الخلافة وأهميتها ووجوبها، وفي كتب حزب التحرير فإن هذه الضرورة والأهمية والوجوب مستنبطة باجتهادٍ صحيحٍ من أدلتها الشرعية المعتبرة عند الحزب وهي (كتاب الله وسنة رسوله، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة دون غيرهم والقياس الشرعي، أي الذي وردت علته في النصوص الشرعية وليس بالعقل).

 

ومع ذلك، فسواءٌ أنُقِلَت ضرورة الخلافة ووجوبها من قول المجتهدين السابقين كما فعلت في كتابك، أم استُنبِطت باجتهاد صحيح من الأدلة الشرعية كما فعلنا في كتبنا، فكل هذا هو خير.

 

أقول: إن قارئ الأبواب التسعة الأولى من كتابك يراك مهتماً بالخلافة ووجوب إقامتها لتحِلّ محلّ الحكام الطواغيت في بلاد المسلمين حيث تجب إزالتهم، وأن تنصّبَ الأمة خليفة واحداً يجمعها في دولة واحدة، يحكمها بما أنزل الله،... وأنه لا يصحّ أن يكون للأمة خليفتان، فإن كان، فيُقْتَل الآخَرُ منهما كما جاء في حديث رسول الله ًصلى الله عليه وسلم «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا»، وأن الخلافة عائدة بإذن الله كما قال رسول الله ًصلى الله عليه وسلم «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت»،وغير هذا من الحق كثير تذكره عن الخلافة في الأبواب التسعة الأولى.

 

لكنك في الباب العاشر عند عرض مشروعك لإقامة الخلافة، ودعوتك لمؤتمر يقر هذا المشروع، فأنت تكاد تضرب بكل ما ذكرته في الأبواب التسعة عرض الحائط! ففي المشروع لا تتقيد بالأدلة الشرعية التي بيَّنها رسول الله r لطريقة إقامة الخلافة، بل تضع تصورات تراها بتقديرك طريقةً لإقامة الخلافة:

 

فأنت تقول: "ومن ثَمّ فالواجب أن تكون الخلافة كمشروع نظام سياسي مواكباً لتطور العصر وضروراته، فكل وحدة أو اتحاد ترتضيه شعوب الأمة ودولها كلها، أو أكثرها، أو مجموعة من الدول الرئيسة فيها ذات السيادة والاستقلال عن أي نفوذ أجنبي، وتجتمع في أي إطار وحدوي أو اتحادي، وتكون حكوماته منتخبة من شعوبها، ويختار مجلساً رئاسياً يمثّل الأمة التي اختارته كمجلس خلافة للأمة ومجلس شورى منتخب يمثل شعوبه وأهل الحل والعقد منهم فهو خلافة شرعية". وتقول: "إن اتجاه دول العالم نحو الوحدة والاتحاد الإقليمي والقاري كما في الاتحاد الأوروبي يفرض على العالم الإسلامي الاتجاه نحو الوحدة والاتحاد الطوعي الاختياري برضا الشعوب وحكوماتها

 

وتقول كذلك: "فهذا نظام أساسي مقترح للمؤتمر وحين يتحقق كل ما سبق ذكره من أهداف قريبة على مستوى بناء التنظيمات القطرية والتنظيم الدولي والأهداف المتوسطة على مستوى تحقيق الإصلاح السياسي في كل قطر عربي وإسلامي للوصول إلى حكومات راشدة، فلن يطول الوقت حتى تقوم تلك الحكومات الراشدة كلها أو أكثرها بتعزيز الوحدة والتكامل بين دولها وأقطارها سياسياً واقتصاديا وعسكرياً لتمهد الطريق لتحقيق الهدف النهائي وهو قيام [خلافة راشدة وأمة واحدة] تحقق لشعوبها الأمن والاستقرار، والتنمية والازدهار وتحقق للعالم السلم والعدل والتعاون الإيجابي الذي تنشده الإنسانية كلها".

 

وتقول أيضاً: "إن كل ما سبق ذكره من أهداف استراتيجية بعيدة المدى قد تحتاج إلى عقود من السنين وأهداف مرحلية متوسطة المدى قد تحتاج إلى بضع سنين... ولن تستطيع التنظيمات القطرية تحقيق ذلك ما لم تضع الخطط والبرامج والدراسات التي من خلالها تتعرف على القوانين والأنظمة الموجودة وكيفية الاستفادة منها بما يحقق أهداف التنظيم..."

 

 

وتقول: "فكان لا بد من أن تسعى التنظيمات في أقطارها ودولها إلى الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها بهدف إقامة الحكم الراشد في كل قطر عربي وإسلامي كهدف سياسي مرحلي"، وتقول أيضاً: "يعمل المؤتمر لتحقيق أهدافه بكل الوسائل السلمية والمشروعة ومن ذلك: ... المشاركة السياسية للوصول للسلطة التشريعية والتنفيذية.."

 

وواضح من هذه الأقوال المقتبسة من الباب العاشر أنها تخالف الطريقة التي رسمها رسول الله ًصلى الله عليه وسلملإقامة الدولة الإسلامية(الخلافة)، بل إن بعض الأقوال تخالف ما ذكرته أنت في الأبواب السابقة، وإليك تفصيل البيان:

 

1- إن أحكام الشرع كما وردت فكرتها في الإسلام وردت كذلك طريقتها، فالذي قال: (وأقيموا الصلاة) هو سبحانه الذي أوحى لرسوله ًصلى الله عليه وسلم القول: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فكيف تقول بفرض الخلافة بأدلتها الشرعية، ولا تقول بطريقة إقامة الخلافة بأدلتها الشرعية التي رسمها لنا رسول الله ًصلى الله عليه وسلمفي إقامة الخلافة؟ ألمْ يردْ في سيرة رسول الله ًصلى الله عليه وسلم بيان واضح لطريقة إقامتها بطلب الرسول ًصلى الله عليه وسلم نصرة أهل القوة من القبائل ومن الأنصار في المدينة؟

 

أيجوزُ أن تأخذ حكم الوجوب لإقامة الخلافة من قول المجتهدين السابقين بناء على الأدلة الشرعية ولا تأخذ طريقة إقامتها من الأدلة الشرعية الواردة في سيرة الرسول ًصلى الله عليه وسلم ؟

 

إن الخلافة كما هي فرض وفق الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه، فكذلك طريقة تنفيذها يجب أن تكون وفق الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه، سواءً بسواءٍ، كما هي باقي الأحكام من حيث الفكرة والطريقة، فكما أن الصلاة فرض وفق الأدلة الشرعية، فإن طريقة أدائها يجب أن تكون وفق الأدلة الشرعية، وهكذا الحج وغيره من الأحكام.

 

والرسول ًصلى الله عليه وسلم بيّن وجوب إقامة الخلافة (الدولة الإسلامية) وبين كذلك طريقة إقامتها عن طريق طلب النصرة كما فعل رسول الله ًصلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة في المدينة، فقد طلب رسول الله ًصلى الله عليه وسلم.. النصرة من القبائل (لأنهم أهل قوة) بضع عشرة مرة، ولم يستجيبوا، بل ردوه صلى الله عليه وآله وسلم ردّاً سيئاً في بعضها، وأدمَوا قدميه في بعضها الآخر، واشترطوا عليه ًصلى الله عليه وسلم شروطاً لا تصح... ومع ذلك فلم يغيرها ًصلى الله عليه وسلم مع أن المشقة كانت تصاحب طلب الرسول ًصلى الله عليه وسلم للنصرة، بل استمر رسول الله ًصلى الله عليه وسلم عليها إلى أن شاء الله استجابةَ الأنصار فبايعوه العقبة الثانية، ومن ثَمّ أقيمت الدولة في المدينة المنورة. وكما هو في الأصول فإن استمرار الرسول ًصلى الله عليه وسلم على فعلٍ معينٍ مع المشقة فيه هو قرينة جازمة على وجوب اتباع هذا الفعل، ومن ثّمّ كان (طلب النصرة) من أهل القوة هو الطريقة الواجبة لإقامة الخلافة.

 

2-ولكنك وضعت في الباب العاشر طريقة من عندك، فقلت باتحاد طوعي بين شعوب الأمة ودولها ثم يختار هذا الاتحاد مجلساً رئاسياً كمجلس خلافة...، وقلت بأهداف متوسطة وأهداف نهائية...، وقلت بأهدافٍ استراتيجية بعيدة قد تحتاج إلى عقود، وأهداف متوسطة المدى قد تحتاج إلى بضع سنين...، وأن تعمل التنظيمات القطرية المكونة للتنظيم الدولي"مؤتمر الأمة" تعمل على الإصلاح السياسي في كل قطر، وتتعرف على القوانين والأنظمة الموجودة والاستفادة منها في تحقيق أهداف التنظيم، بل والاشتراك في السلطة القائمة كهدف سياسي مرحلي، وأكدت ذلك بالقول: "يعمل المؤتمر لتحقيق أهدافه بكل الوسائل السلمية والمشروعة ومن ذلك: ...المشاركة السياسية للوصول للسلطة التشريعية والتنفيذية.."

 

وكل هذه تقديرات وتصورات لإقامة الخلافة من خلال أهداف مرحلية ونهائية، لا سند شرعياً لها، وهي مع مخالفتها للطريقة التي رسمها رسول الله ًصلى الله عليه وسلم لإقامة الدولة الإسلامية (الخلافة) وسار عليها فعلاً حتى أقام الدولة في المدينة، أقول مع مخالفتها الشرعية هذه، إلا أنها كذلك تتناقض مع واقع الدول القائمة فضلاً عن مخالفة بعض ما جاء فيها لما ذكرته أنت في الأبواب السابقة من كون الحكام طواغيت يحكمون بغير ما أنزل الله ويجب تغييرهم!

 

يا أخي، كيف يستقيم القول إنهم طواغيت...مع المشاركة في سلطتهم وبقاء أنظمتهم بل الاستفادة من قوانينهم وأنظمتهم في مشروعك لإقامة الخلافة؟! قد تقول أشارك لأصلحهم، وهل المشاركة في سلطة الطواغيت تصلحهم أو هي تفسد المشارك في سلطتهم؟! هذا فضلاً عن الإثم الواقع فيه من يشارك في حكم لا يحكم بما أنزل الله حتى لو كانت المشاركة ساعةً من نهار، فكيف وأنت ترى هذه المشاركة هدفاً مرحلياً قد يستمر بضع سنين هذا إن لم يكن عقوداً؟!

 

كما أنك لا شك تدرك أن هؤلاء الحكام يحاربون الخلافة والعاملين لها، فكيف يتوجه هؤلاء إلى إيجاد الخلافة باتحاد اختياري بينهم، وبقاء دولهم على قيد الحياة؟

 

ثم ما هذا؟ أتجتمع دول في إطار اتحادي وتختار مجلساً رئاسياً تسميه مجلس خلافة، ومن ثم تكون دولة خلافة؟! أهي جامعة عربية أم مؤتمر إسلامي أم في أحسن حالاتها إتحاداً أوروبياً؟!

 

وهل دولة الخلافة مجهولة من حيث الواقع ومن حيث الشرع حتى يُسعى لها خبط عشواء؟!

 

إن الخلافة لا تُقامُ من رحِم الأنظمة الوضعية بإيجاد اتحاد بينهم، حتى وإن تمّ، بل الخلافة تُقامُ بتغيير الأنظمة الوضعية كما صنع رسول الله ًصلى الله عليه وسلم في تغيير الأنظمة الجاهلية وأقام أحكام الإسلام مكانها، فأقام الدولة الإسلامية بطريقة واضحة جلية (طلب النصرة)، وأنت لا شك تدرك وجوب التزام طريقة الرسول ًصلى الله عليه وسلم دون حَيْد، فلا يستقيم إذن صنع مشروع لإقامة الخلافة على غير الطريقة التي بينها رسول الله ًصلى الله عليه وسلم.

 

3-ثم إن هناك أموراً تخالف الأحكام الشرعية تخللت حديثك عن تصوراتك لإقامة الخلافة:

 

فأنت تقول: " يتكون المؤتمر من التنظيمات القطرية التي شاركت في تأسيسه أو وافقت على الانضمام إليه، وتكون اجتماعاته دورية، ويرأسه أكبر الأعضاء سناً، وتتخذ قراراته بالأغلبية، مع حق التحفظ لكل تنظيم على أي قرار، فيصبح القرار ملزماً فقط لمن وافق عليه."

 

والواجب هو أن تُتَّخذ هذه القرارات وفق الدليل الشرعي الأقوى وليس بالأغلبية، لأن المفترض في هذه القرارات أنها معالجات شرعية لمسائل تعرض على المؤتمر، أي أحكام شرعية، والحكم الشرعي يؤخذ وفق الدليل، سواء أأيده كثير أم قليل، وكأن هذه زلة لسان أو زلة قلم، فلا أظنك تقصد أخذ الحكم الشرعي وفق رأي الأغلبية، إلا إذا كنت تقصد القرارات الإدارية وليست المعالجات الشرعية مع أن سياق الحديث لا يفيد ذلك.

 

وأنت تقول: "ففي الوقت الذي قامت تنظيمات شيعية تحمل المشروع السياسي لولاية الفقيه وهي نظرية حديثة لم يعرفها الشيعة إلا في هذا العصر، لم يقم في المقابل أي تنظيم سياسي يحمل المشروع السياسي السني الراشدي، مع أن الخلافة الإسلامية كنظام سياسي ظل يحكم واقع الأمة ثلاثة عشر قرناً"،

 

والواجب هو أن لا تعالج المسألة بخطاب سُنّيّ في مقابل خطابٍ شيعيّ، بل بخطاب إسلامي كما كان في صدر الإسلام (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ) دون تقسيم المسلمين إلى سُني وشيعي، فإقامة الخلافة واجبة على كل مسلم، سنياً كان أم شيعياً أم أباضياً أم زيدياً...

 

وأيضاً فبدل أن تكتفي بإظهار أهمية العرب في الإسلام لأنهم أهل لغته، ركزتَ على تفضيلهم على غيرهم من المسلمين، فأنت تقول: "إذ إن من أصول أهل السنة والجماعة تفضيل العرب.." ما يوجد (نَفَساً) عصبياً لا يصح في هذا السياق، فهو مخالف للآية الكريمة ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ولقول رسول الله ًصلى الله عليه وسلم«أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى..»، ، وكان الصواب أن تكتفي بذكر أهمية العرب دون البحث بتفضيلهم على غيرهم...

 

وأكتفي بهذا القدر من البيان عن الطريقة الشرعية لإقامة الخلافة، وهي مفصلةٌ في كتبنا تفصيلا تاماً، وهي لا شك موجودة لديك، أو ميسورة حواليك.

 

هذا هو الشق الأول من النصيحة (البيان).

 

أما الشق الثاني (العتاب)، فإنك تقول إن الأمة الإسلامية لم تقم هي ولا أي حركة أو حزب فيها بعمل مشروع سياسي لإقامة الخلافة، حيث تقول: "لقد ظلت الأمة التي يمثل أهل السنة والجماعة عامتهم وتسعين بالمئة منهم، مئة عام بعد سقوط الخلافة العثمانية بلا مشروع سياسي يعبر عن هويتهم، ويقوم على أصول الخطاب السياسي الإسلامي القرآني والنبوي، وظلت الحركات الإسلامية التي قامت أصلاً من أجل استعادة الخلافة واستئناف الحياة الإسلامية من جديد حركات عقائدية ودعوية وتربوية دون أي مشروع سياسي استراتيجي".

 

يا سبحان الله! لقد عجبت من أمرك في اثنتين:

 

أما الأولى: فإنه يكاد يكون (إجماعاً)، بين أعداء الإسلام وبين أنصار الإسلام، أَنَّ حزب التحرير قد غطّى موضوع إقامة الخلافة، ليس بغطاء رقيق فحسب، بل بغطاء سميك لا يشفّ ما تحته!

 

لقد بيّن حزب التحرير أدلة وجوب الخلافة، وبيّن وجه الاستدلال، مستنبِطاً باجتهاد صحيح الحكمَ الشرعي في المسألة، ومبيناً وجه الاستدلال وانطباقَ الأدلةِ على المسألة المستدَل عليها، وخَلَصَ من ذلك إلى وجوب الخلافة ووجوب العمل لها، وسطّر ذلك في كتبه الوفيرة، وأقام مؤتمر الخلافة الذي حضره مئة ألف أو يزيدون، وعقد مؤتمر العلماء حول الخلافة وحضره نحو سبعة آلاف من خيرة علماء المسلمين، وأصدر نداء للأمة وأهل القوة فيها حول الخلافة... وأعماله الفكرية والعملية في الموضوع أكثر من أن تُحصى.

 

وبيّن حلّ الإسلام للمشكلات المستجدة وسطّرها في كتبه: النظام الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، ونظام الحكم، وأجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة، والشخصية،  والعقوبات، والمفاهيم السياسية،... وأقام مؤتمراً اقتصادياً حضره الآلاف مبيناً فيه علاج الأزمات الاقتصادية، وأقام مؤتمراً إعلامياً عالمياً حضرته وفود عالمية بيّن فيها السياسة الإعلامية ورأي الإسلام في القضايا الدولية والإقليمية الساخنة... وما يقوم به من محاضرات وندوات ومسيرات لا ينكرها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

 

ثم أصدر مقدمة الدستور، واستنبط فيها مواده كأحكام شرعية في أبواب عدة: أحكام عامة، نظام الحكم، النظام الاجتماعي، النظام الاقتصادي، سياسة التعليم، والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهي مواد (191) مستنبطة من الأدلة الشرعية المعتبرة (الكتاب والسنة وإجماع الصحابة دون سواهم والقياس الشرعي)، ودعا العلماء أن يوافوه إن كانت فيها أية مادة ليست مستنبطة باجتهاد صحيح، أو أن وجه الاستدلال لا ينطبق على المسألة المستدل عليها..

 

ومع كل هذا وذلك تقول في مشروعك إن الأمة ليس لها مشروع سياسي قدمته أية حركة بعد سقوط الخلافة العثمانية!

 

لكن الأدهى والأمرّ أنك تقول إن حزب التحرير ليس عنده نضال ولا صراع سياسي، فتقول: "وحتى حزب التحرير الذي جعل قضيته المركزية قضية الخلافة، وتسمى باسم الحزب ظل جماعة إسلامية دعوية وفكرية دون أي نضال وصراع سياسي من أجل تحقيق ما يصبو إليه".

 

فكيف ذلك يرحمك الله؟!

 

أفلم تعلم عن محاولات طلب النصرة التي قام بها الحزب لإقامة الخلافة ولكنها لم تنجح، وما ترتب عليها من أذى لشباب الحزب؟ ولا زال الحزب يسير فيها دون حَيْدٍ حتى يقيم الخلافة الراشدة بإذن الله، اقتداء باستمرار الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الطريقة إلى أن أقام الدولة في المدينة المنورة؟.

 

أولم تعلم كم الآلاف حالياً من شباب الحزب في سجون الطواغيت في شرق الأرض ومغاربها من بلاد المسلمين؟ ومنهم الموقوف سنواتٍ دون محاكمة، والمحكوم أحكاماً طويلة وصلت حد ثلاثين سنة! ثم مدى الضيق والأذى الذي يلاقيه شباب الحزب من الحكام الطواغيت وأنظمتهم الوضعية؟

 

ثم ألم تعلم عدد الذين استشهدوا في سجون آسيا الوسطى وسوريا والعراق وليبيا؟

 

إن عشر معشار هذه التضحيات تجعل المنصف يقول إنها نضال ونضال كبير، وصراع سياسي عظيم لا أن يقول كما قلت: "وحتى حزب التحرير الذي جعل قضيته المركزية قضية الخلافة، وتسمى باسم الحزب ظل جماعة إسلامية دعوية وفكرية دون أي نضال وصراع سياسي من أجل تحقيق ما يصبو إليه".

 

هذه هي الأولى التي عجبت منها.

 

وأما الثانية التي هي أعجب، فإنك لست من عامة الناس الذين تشغلهم حياتهم المعيشية وسعيهم الكثيف المتواصل للحصول على لقمة العيش، فلا تُبقي لهم وقتاً لمتابعة ما يجري، ولست من الملاحقين بشدة من الحكام الظلمة فتضيق عليهم إمكانية المتابعة الحية لما يجري... فيُلتمس لهم العذر بعدم العلم بهذه الأعمال...

 

بل أنت من أصحاب الشهادات الكبيرة الكثيرة، ومن أصحاب المناصب الميسورة، ولم يكن مضيقاً عليك من الدولة حتى عندما كنت أميناً عاماً لحزب الأمة الكويتي (2005-2008)، وبعد ذلك، بل كانت، ولا زالت،  العلاقة حسنةً... وكل هذا يعني أنك في سعة من وقتك تستطيع متابعة الأحداث ومجريات الأمور وأنت آمنٌ في سعةٍ من العيش، ولا شك أنك شاهدت أو قرأت أو التقيت بمن يخبرك عن أعمال الحزب هذه...

 

ومع كل هذا وذاك تقول "وحتى حزب التحرير الذي جعل قضيته المركزية قضية الخلافة، وتسمى باسم الحزب ظل جماعة إسلامية دعوية وفكرية دون أي نضال وصراع سياسي من أجل تحقيق ما يصبو إليه"

 

يا أخي، إن حزب التحرير يدرك أن العمل لإقامة الخلافة ليس فرضاً على حزب التحرير وحده، بل على كل مسلم قادر، والحزب يدعم كل عامل للخلافة بأدلتها الشرعية وفق الطريقة التي سار عليها رسول الله ًصلى الله عليه وسلم حتى أقام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة.

 

وفي الوقت نفسه فإنه لَيَحزُنُ الحزبَ أن يرى أو يسمع أن هناك كُـتَّاباً يدعون للخلافة بقلْبِ وجهها رأساً على عَقِب، فينادون بها اتحاداً بين حكام طواغيت يحكمون بأنظمة ما أنزل الله بها من سلطان، ويُوجِدون لهذا الاتحاد مجلساً يسمّونه مجلس خلافة، كأنه مؤتمر إسلامي أو جامعة عربية، أو في أحسن حالاته اتحاد أوروبي بين دول ذات كيانات منفصلة بسلطانها عن بعضها، ومع ذلك يسمون مشروعهم هذا مشروع خلافة! فيعملون، علموا أم لم يعلموا، على تشويه صورة الخلافة في أذهان المسلمين، ويشوشون على العاملين لها.

 

ومع ذلك فإن الخلافة أقوى من التشويه والتشويش، فهي مسطورة قولاً وفعلاً في كتاب الله وسنة رسوله وإجماع صحابته، وهي بإذن الله ستعود خلافة راشدة كما وعد الله سبحانه وبشر بها رسولُهُ ًصلى الله عليه وسلم.

 

وفي الختام فإن حزب التحرير، لا يُقَدِّمُ من أمره ولا يُؤَخِّرُ أن ينكر أحدٌ من الناس عملَهُ لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، فأعمال الحزب في هذا المجال هي كالشمس الساطعة التي لا تُغطّى بغربال! والحزب بإذن الله مطمئن بصحة عمله الجادّ المجدّ لإقامة الخلافة الراشدة... ولكنه يرسل هذا العتاب من باب (الدين النصيحة) آملاً أن يعيد الدكتور قراءة مشروعه في الباب العاشر فيصحّح الخطأ فيه ليصبح منسجماً مع أبواب كتابه التسعة الأولى، فيكون بإذن الله من خير الخطّائين، ولعله يفعل.

 

وخاتمة الختام، فلعل قائلاً يقول: إن هذا الدكتور لا تنفعه نصيحةُ بيانٍ وعتابٍ، فهو ليس جاهلاً هذه الأمور، بل هو لا شك قد قرأ في سيرة الرسول ًصلى الله عليه وسلم عن طلب النصرة، وبيعة العقبة الثانية، وإقامة الدولة، وكذلك هو لا شك قد قرأ عن الخلفاء الراشدين، وعلم أن الخلافة نظام حكم إسلامي متميز تطبقه دولة واحدة لها حاكم واحد، وليست اتحاداً بين دول لها مجلس خلافة،  وأيضاً فهو لا شك يعلم أن الحزب الذي ناضل ويناضل بجدّ واجتهاد لإقامة الخلافة وفق طريقة رسول الله ًصلى الله عليه وسلم هو حزب التحرير...

 

ومع ذلك فإني أقول: ألا تشفع هذه الأبواب التسعة التي تغلب عليها الاستقامة لبابٍ واحدٍ من الكتاب غلب عليه الاعوجاج، فتجعل صاحبه مستحقاً للنصيحة؟ بلى فهي تشفع. والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

عطاء بن خليل أبو الرشتة

أمير حزب التحرير

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع