- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
الحكم الشرعي في الوشم
إلى ابو بنان
السؤال:
السلام عليك،
سؤال: هل الوشم للرجل حلال أم حرام؟
لأن الله ذكر اللعنة للواشمة والمستوشمة، أي للإناث لا للذكور.
أرجو الرد مفصل. تحياتي
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
1- بالنسبة للوشم فهو حرام، فقد أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ». والوشم المحرم هو أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر...
وعُرّف (وشم الجلد) كذلك في "الموسوعة الطبية الفقهية" باب (جلد) بأنه (نوع من الزينة يعمل بغرز الجلد بالإبرة حتى يخرج الدم ثم يذر عليه كحل أو نيلة أو صبغات خاصة ليخضر أو يزرق.)، فالوشم عادة قديمة تم إنعاشها حديثاً بفعل الموضة، ويطلق عليه باللفظ الأجنبي "تاتو tattoo".
2- إن الأحاديث التي تنص على تحريم الوشم جاءت بصيغة التأنيث ولم ترد بصيغة التذكير، فمثلاً:
أ- روى البخاري في صحيحه: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ».
ب- وروى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ! قَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ! قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئاً. فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا.
ج- وفي رواية أخرى عند البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
د- ففي حديث أبي هريرة ذكر (وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ)، وفي حديث عبد الله بن مسعود ذكر (الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ)، وذكر في الرواية الأخرى (الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ). وواضح من ذلك كله أن الصيغة المستعملة في الأحاديث النبوية الشريفة هي صيغة التأنيث.
3- هناك أسلوب في اللغة العربية اسمه أسلوب "التغليب"، وهو معروف في أصول الفقه، ومعناه:
أ- إن الخطاب إذا كان بصيغة المذكر أو بصيغة الرجل فإنه ينطبق كذلك على صيغة المؤنث بالتغليب، ولا تخرج منه المرأة إلا بنص يخرجها منه:
- فمثلاً قوله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فتدخل فيه المؤمنات حتى وإن كانت الآية بصيغة المذكر، لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
- ومثلا ما أخرجه البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِماً، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ». فهو ينطبق على المرأة كذلك بأسلوب التغليب، أي (أَيُّمَا امرأة أَعْتَقَت امْرَأً مُسْلِماً...). لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
- ومثلاً: قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، فالصلاة والزكاة وطاعة الرسول ﷺ فرض على الرجل والمرأة. لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
ب- لكن أسلوب "التغليب" هذا لا يُعمل به إذا عُطِّل بنص أي إذا خُصص بنص يخرج المرأة من عمومه:
- فمثلاً قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾، فالخطاب هنا بصيغة المذكر، ويفيد فرض الجهاد، ولكن لا يستعمل التغليب هنا، فلا يقال إن هذا يشمل النساء بأسلوب التغليب بلفظ "كتب عليكن القتال"، لأن هذا معطل بنصوص أخرى تجعل الجهاد فرضاً على الرجال، فقد أخرج ابن ماجه عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ، لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ». أي أن الجهاد بمعناه القتالي ليس فرضاً على المرأة.
- ومثلاً: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وهذا النص يفيد فرض صلاة الجمعة ووجوب السعي لها إذا كان النداء، وهنا لا يعمل أسلوب التغليب أي لا يطبق فرض الجمعة على النساء، لأن نصا ورد يخصص فرض الجمعة بالرجال ويخرج النساء من هذا الفرض لقوله ﷺ فيما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ووافقه الذهبي.
ج- لكن النص بصيغة التأنيث لبيان حكم معين لا يدخل فيه الرجال إلا بنص جديد يدخل الرجال في ذلك الحكم:
- فمثلاً: أخرج ابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» ثم استُثني منها الوجه والكفان كما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾، حيث رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ظَهَرَ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وأخرجه إسماعيل القاضي عن ابن عباس مرفوعاً بسند جيد كما جاء في عون المعبود 138/9... فهذان النصان بصيغة التأنيث، فالمرأة كلها عورة ما عدا الوجه والكفين، فلا تكون عورة الرجل مثلها، بل من السرة إلى الركبة بنصوص أخرى: أخرج الدارقطني في سننه 482/2... عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ «مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنَ الْعَوْرَةِ وَمَا أَسْفَلَ مِنَ السُّرَّةِ مِنَ الْعَوْرَةِ».
- ومثلاً: أخرج أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي... وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي». فهذا الحديث بصيغة التأنيث فلا يدخل فيه الرجال، فلا تكون صلاة الرجل في داره خيراً له من صلاته في المسجد.
أي أن النص بصيغة التأنيث يبقى محصوراً بالمرأة ولا يدخل الرجل في الحكم إلا بنص آخر.
4- وبالنظر في نصوص الوشم نجدها بصيغة التأنيث، فهي لا تشمل الرجال بدلالتها... ويدل على ذلك أن ابن مسعود راوي الحديث رضي الله عنه فهم من الحديث أنه عن النساء وهكذا فهمت (امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ)، حيث جاء في حديث البخاري المذكور في الأعلى: [عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ! قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ! قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئاً. فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا.]، فالمرأة من بني أسد التي يقال لها أم يعقوب فهمت من الحديث أن اللعن هو في حق النساء فقالت لابن مسعود رضي الله عنه: (فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ)، فأجابها ابن مسعود رضي الله عنه: (فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئاً. فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا)، وواضح من هذا أنهما فهما أن الحديث هو في حق النساء.
وحديث الوشم هو بصيغة التأنيث فلا يشمل الرجال إلا بنص آخر ولكن ليس بأحاديث الوشم المذكورة.
5- لكن هناك مسألة أخرى تتعلق بالوشم، وهي أن الوشم نجس بسبب انحباس الدم في موضع الوشم، وقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَشْمَ نَجِسٌ؛ لأِنَّ الدَّمَ انْحَبَسَ فِي مَوْضِعِ الْوَشْمِ بِمَا ذُرَّ عَلَيْهِ]، وهذه النجاسة في الجسد لا تتيسر إزالتها بسهولة، واصطناع هذه النجاسة المستقرة في الجسد باختيار الشخص البالغ العاقل هو أمر غير جائز لما يترتب على هذه النجاسة من مشكلات تتعلق بالطهارة... ولما فيه من انتفاع بالنجس "الدم" في أغراض الوشم... والانتفاع بالنجس حرام إلا في الدواء فمكروه، والانتفاع بالوشم هنا والدم المحبوس فيه ليس للتداوي وإلا لكان مكروهاً وليس حراماً، ولكنه لأغراض أخرى، ولذلك فهو حرام لأنه انتفاع بالنجس لغير الدواء، وهذا الأمر يشمل الرجل والمرأة فهو وارد في نصوص عامة..
ومن الأدلة على تحريم الانتفاع بالنجس:
- أخرج البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ».
- وقد استثني جلد الميتة كما جاء في حديث أبي داود عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مُسَدَّدٌ وَوَهْبٌ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: أُهْدِيَ لِمَوْلَاةٍ لَنَا شَاةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «أَلَا دَبَغْتُمْ إِهَابَهَا وَاسْتَنْفَعْتُمْ بِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا»
- واستثنى من التحريم كذلك التداوي، فالتداوي بالمحرم ليس حراماً: أخرج مسلم عن أنس «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوْ رُخِّصَ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا». ولبس الحرير للرجالِ حرام، ولكنه جاز في التداوي. وكذلك لحديث النسائي وأبي داود والترمذي واللفظ للنسائي: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرَفَةَ عَنْ جَدِّهِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أَنَّهُ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ أَنْفاً مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ «فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفاً مِنْ ذَهَبٍ» والذهب للرجال حرام، ولكنه جاز في التداوي.
- والتداوي بالنجس ليس حراماً فلحديث البخاري عن أنس رضي الله عنه «أَنَّ نَاساً اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الْإِبِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا...». ومعنى اجتووا أَيْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ طَعَامهَا، فمرضوا، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أجاز لهم في التداوي "البول" وهو نجس، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أنه قال: «قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعوه وهَريقوا على بوله سَجْلاً من ماء - أو ذَنُوباً من ماء - فإنما بُعثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا مُعسِّرين»، قوله سَجْلاً وذَنُوباً: أي الدلو المملوءة.
وحيث إن الانتفاع بالنجس حرام، على النحو المبين أعلاه، ولذلك فإني من هذا الباب، أي الانتفاع بالنجس، أرجح أن الوشم حرام أيضاً في حق الرجال وإن لم يكن مشمولاً بالأحاديث السابقة المحرمة للوشم، وإنما بتحريم الانتفاع بالنجس... هذا ما أرجحه في وشم الرجال فهو محرم أيضاً من هذا الباب.
6- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِزَالَةِ الْوَشْمِ حَيْثُ إِنَّهُ نَجِسٌ... ومن هذه الآراء:
- جاء في الموسوعة الفقهية 159/43:
[(وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ إِزَالَةُ الْوَشْمِ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَراً يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ خَافَ لَمْ يَجِبْ إِزَالَتُهُ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَهَذَا إِذَا فَعَلَهُ بِرِضَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ تَلْزَمُهُ إِزَالَتُهُ مُطْلَقاً، وَتَصِحُّ صَلاَتُهُ وَإِمَامَتُهُ...].
- وجاء في كتاب (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج) لشمس الدين محمد أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ)
باب شروط الصلاة وموانعها 406/1: [فُرُوعٌ: الْوَشْمُ، وَهُوَ غَرْزُ الْجِلْدِ بِالْإِبْرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ أَوْ يَخْضَرَّ بِسَبَبِ الدَّمِ الْحَاصِلِ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ حَرَامٌ... فَتَجِبُ إزَالَتُهُ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَراً يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ خَافَ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَهَذَا إذَا فَعَلَهُ بِرِضَاهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَيْ: بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْ: وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ...].
- وهناك أقوال أخرى...
آمل أن يكون في هذا الكفاية، والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
02 جمادى الأولى 1444هـ
الموافق 2022/11/26م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على: الفيسبوك