- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)
جواب سؤال: الجن وطبيعة العلاقة بينه وبين الإنسان
إلى Salem Jaradat
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخي،
من المعروف أن الدليل في العقيدة إما أن يكون عقليا أو أن يكون نقليا.
ولقد كان الإيمان بالجن موجودا لوجود الدليل النقلي عليهم فقط، لانعدام أي دليل مادي محسوس يقود إلى الإيمان بوجودهم عقلا.
فالسؤال: كيف يتفق مع ما سبق، أنْ يقول علماء بوجود المس أو التلبس أو ما إلى ذلك من تداخلات مادية بين الجن والإنس؟
وكيف يصح أن يقولوا أن للجن علاقة بالحسد وما قد يعرض للشخص من أمراض أو أزمات (تعطيل شغل حادث..) أيضا؟
وأخيرا، كيف تفسر الآيات والأحاديث الواردة بخصوص ألفاظ المس وما شابه ذلك، إن لم تفهم على ما فهمه هؤلاء العلماء منها؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
1- إن الجن من المغيبات عنا، فنحن لا نراهم، يقول سبحانه: ﴿يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾، أي إبليس وقومه، وبعبارة أخرى الجن، حيث إن إبليس من الجن ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾.
2 - إن الأصل في علاقاتنا معهم هو أنهم قادرون على الوسوسة يقول تعالى:
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ وقال سبحانه: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾، والشيطان هنا هو إبليس وهو من الجن.
3 - ليس للشياطين سلطان جبري على الإنسان، إلا أن يتبع الإنسان الشيطان باختياره، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾.
4- أية علاقة مادية غير هذا الأصل الذي بيَّنه الله سبحانه تحتاج إلى نص خاص بها، فإن وُجد نص بمثل هذه الحالة، فإننا نؤمن بتلك الحالة وفق النص.
فمثلاً سلطان سليمان عليه السلام على الجن وأمره ونهيه لهم...، هذا الأمر ورد نص فيه فنؤمن به، قال تعالى في سورة النمل عن سليمان عليه السلام: ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
5- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج أي واقعة مادية من باب المعاملات البشرية، ما دام لم يرد نص خاص "بالوحي" بأن هذه المعاملة للجن علاقة بها، وكل الوقائع على هذا النحو، فإن عُثر مثلاً على رجل مقتول لا ينصرف الذهن إلى أن الجن قتلوه إلا أن يرد نص في ذلك، وهكذا فإنه في حادثة الرجل المقتول في خيبر قد انصبَّ البحث على من قتله من الناس، ولم ينصرف إلى الجن:
أخرج مسلم في صحيحه أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ في قِيرٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ قَالُوا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ... ثم وصلت القضية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ...» والقصة معروفة. ولم يدخل في بحث القضية عمل الجن من قريب أو بعيد.
6- وعليه فما لم يرد نص يذكر علاقة مادية للجن في حادثة ما، فإن العلاقة تبقى بين الجن والإنس علاقة وسوسة لا تتجاوزها.
وحيث إن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم هي خاتم الرسالات، وانقطع الوحي بعدها، فلا نصوص جديدة، لذلك فلا علاقة مادية بيننا وبين الجن، بل هي فقط الوسوسة، وكما قلنا فلا سلطان لوسوسة الجن على المرء إلا أن يستجيب المرء لهذه الوسوسة باختياره.
وهكذا كانت تعالج الأمور المادية في عهد الخلفاء الراشدين، فلا ينصرف الذهن في أية واقعة مادية، قتل أو سرقة، أو نصب أو احتيال...، لا ينصرف الذهن إلى الجن بل إلى البشر، لأن علاقة الجن هي علاقة وسوسة، إلا إذا ورد نص خاص، وحيث لا نص خاص بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل الوقائع المادية هي من البشر وليست من الجن، فعالمهم غير عالمنا، وعلاقتهم معنا علاقة وسوسة لا غير.
وبناء عليه، فإن الإنسان إذا مرض فلا علاقة للجن في الموضوع، بل يعالج المرض وفق ما ورد في الإسلام، أي بالتداوي:
سواء أكان الدواء مادياً، كما جاء في الحديث من طريق أسامة بن شريك قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فَقَالَ «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» أي إلا الموت، أخرجه أبو داود.
أم كان الدواء بالدعاء والرقية، كما ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم من طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْقِي بِهَذِهِ الرُّقْيَةِ أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ أَنْتَ» أو نحو ذلك من أدعية من القرآن أو السنة أو أي دعاء وفقهما.
أما اللجوء إلى من يزعمون أن لهم علاقة مادية بالجن لشفاء المريض، فإنه نصب واحتيال من أولئك الدجالين الذين يوقعون بالبسطاء من الناس لابتزازهم وأكل أموالهم بالباطل.
7- وأما تفسير الآية التي فيها "المس"، فكأنك تقصد آية البقرة رقم 275 وهي:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾. وإليك ما يلي في تفسيرها:
1. لقد ضرب الله مثلا للذي يأكل الربا كمن يتخبط من الصرع، يقف ويقع فيضطرب في مشيته ووقوفه وجلوسه فالجنون قد أخذ منه كل مأخذ، وذلك لأنه يعتبر الربا كالبيع، والله قد حرم الربا وأحل البيع.
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ أي يأخذونه، ويعمّ كل انتفاع به. وقد استعملت ﴿يَأْكُلُونَ﴾ في القرآن الكريم للدلالة على الذم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾، ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ وهي هنا كذلك.
﴿لَا يَقُومُونَ﴾ أي يوم القيامة.
﴿إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ﴾ أي أنهم يبعثون من قبورهم، يقومون كما يقوم المتخبط المصروع في الدنيا - أي المجنون - وذلك خزي لهم يومئذ وهي قرينة على النهي الجازم عن الربا والذي تكرر تأكيد تحريمه في هذه الآيات.
﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ أي الجنون، يقال: مُسّ الرجل فهو ممسوس إذا جن. والخبط هو الضرب على غير استواء كخبط العشواء.
وقد وردت روايات في تفسير ﴿إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ والراجح منها أن الإنسان حين يصاب بالجنون يصبح للشيطان تأثير أكبر عليه من خلال وسوساته، فيخيل إليه أمور كثيرة تؤدي بالمجنون للتخبط.
أما القول بأن الشيطان هو الذي يصرعه أو يؤدي به إلى الجنون فالآية لا تنطق بهذا، فالله سبحانه لم يقل (يتخبطه الشيطان بالمس) أي يصيبه الشيطان بالجنون وإنما الآية ﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾، أي يتخبطه الشيطان بسبب جنونه، أي أن الجنون سابق لتخبط الشيطان.
هذا هو الراجح لدي في تفسير الآية، ويكون مثل آكلي الربا كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس أي بسبب الجنون، أي أن الجنون يسبق تخبط الشيطان للشخص فيجن الشخص بسبب من الأسباب ثم يتخبطه الشيطان بوسوساته وتخيلاته.
فلم يصـرع الشـيطان الشخص أي لم يجعله مجنوناً وإلا لكانت الآية الكريمة (الذي يتخبطه الشيطان بالمس) والباء تفيد الإلصاق أي بالجنون أي يصيبه بالجنون، وهذا المثل تصوير حسي فظيع لشدة جريمة آكلي الربا...
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من موقع الأمير
رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس
2 تعليقات
-
جزاكم الله خيراً وبارك فيكم على الإيضاح