الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 المشاركة في الانتخابات الأمريكية: تعاونٌ على البرِّ أم المعصية!

      

        يجب على المسلم الالتزام بأوامر الله ونواهيه في كل صغيرة وكبيرة من أعماله وأقواله وتصرفاته.  يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} الأحزاب 63. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون عن الحكم الشرعي في كل أمر من أمور حياتهم ويلتزمون به. أخرج أحمد عن رافع بن خديج قال : "كنا‏ نحاقل ‏ ‏بالأرض على عهد رسول الله ‏‏صلى الله عليه وآله وسلم ‏ ‏فنكريها ‏ ‏بالثلث والربع والطعام المسمى فجاءنا ذات يوم ‏ ‏رجل ‏ ‏من عمومتي فقال نهانا رسول الله ‏‏صلى الله عليه وآله وسلم ‏ عن أمر كان لنا نافعا وطاعة الله ورسوله أنفع لنا ‏ ‏نهانا أن ‏ ‏ نحاقل ‏ ‏بالأرض ‏ ‏فنكريها ‏ ‏على الثلث والربع والطعام المسمى".

      وقد غدت الانتخابات الأمريكية قريبة، ويُعوِّل الكثير من الناس عليها للخروج من الأزمات المالية والسياسية أو تحسين حقوقهم المدنية، فإننا نودُّ أن نبين للمسلمين خاصة أنَّ هذه الانتخابات فوق كونها لن تغير شيئاً مما يعانيه الناس من ويلات الرأسمالية والديمقراطية، فإنه لا يجوز للمسلم أن يكون جزءً من هذه العملية الانتخابية. ذلك أن الانتخاب ليس مجرد إسقاط ورقة في صندوق اقتراع تحمل اسم مرشح معين، إنما الانتخاب عبارة عن إعطاء وكالة مطلقة للمرشح، سواء كان رئيساً أو حاكم ولاية أو عضو كونجرس  أو رئيس بلدية أوغيرهم. والحكم الشرعي في هذه المشاركة الإنتخابية (الوكالة) مُتعلق بواقع ما طُلِبَ الانتخابُ فيه، فإن كان الإنتخاب مُتعلقا ً بأعمال يحرم القيام بها فإنه يكون حراما ً لأنه اختيار لأشخاص ليقوموا بعمل حرام. فلا يجوز للمسلم أن ينتخب أي إنسانٍ مسلمٍ أو غير ذلك ليحكم أو يُشرِّع قوانين الكفر أو يقوم بتنفيذ أحكام الكفر. ومن الواضح أنَّ القوانين والأحكام في أمريكا لا تستند إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله ولا تعتمد أصول الإسلام وأحكامه، وفوق ذلك فإنها تناقض الإسلام كلَّ المناقضة، فالقوانين قائمة على عقيدة فصل الدين عن الحياة، وتجعل السيادة للشعب حين تعطيه حقَّ التشريع من دون الله، بينما يقوم الدستور والقانون في الإسلام على العقيدة الإسلامية التي تجعل التشريع حقًّا لله من دون الناس ودين الله حاكماً على الناس في شتّى مناحي الحياة.

     وقد تضافرت النصوص الشرعية في بيان حرمة الحكم بالكفر وتنفيذ أحكامه، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} المائدة 44. ويقول أيضاً: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} المائدة 45.  ويقول أيضاً: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} المائدة47 . فكلمة يحكم هنا تشمل كل من له صلاحيّة وسلطة لأن يُبرم الأمر وينفِّذه سواءً كان رئيسًا أو وزيرًا أو معاونًا لهما. وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} المائدة 49. فهذا أمر جازم من الله لرسوله وللمسلمين من بعده بوجوب الحكم بما أنزل الله من الأحكام أمراً كانت أو نهياً. وقد شدّد القرآن على سيادة حكم الشرع بنفيه الايمان عمّن لا يحكِّمون الشرع، أي عمّن لا يجعلون السيادة لحكم الشرع هي المُتحكِّمة في العلاقات بين الأفراد، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء 65. ولم يكتف القرآن بالتحكيم بل اشترط إلى جانب ذلك التسليم المطلق للشرع، وعدم وجود شيء في النفس من الحكم. وقد بين القرآن أنَّ الحكم لله لا يُشاركه فيه أحد، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه، أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يوسف 40. ويقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} النساء 60. ففي هذه الآية ينعى الله على الذين يقولون أنَّهم آمنوا بالكتاب والسنة والكتب السابقة، ومع ذلك يريدون أن يتحاكموا إلى غير شرع الله أي إلى الطاغوت.

      وكذلك فإن من عمل الكونجرس التشريع نيابةً عن الناس أي سنُّ القوانين والأحكام، والمصادقة على المشاريع والمعاهدات، وهذا لا يجوز. فالتشريع في الإسلام لله وحده إذ السيادة للشرع، والتشريع هنا لأعضاء الكونجرس. وهذا عينه ما ورد النهي الصريح عنه والتشنيع على فاعله في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} التوبة 31. فقد أخرج الترمذي في سننه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقرأ في سورة براءة {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} ، فقال:"أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه". وسنُّ القوانين استناداً إلى دساتير الكفر تحكيم لغير شرع الله، وهجرٌ للكتاب والسنة وهو حرامٌ شرعاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} النساء 59. والمصادقة على المشاريع والمعاهدات هنا قائمٌ على أساس قوانين الكفر وبالتالي تكون مخالفةً للإسلام، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة 50. وفي صحيح مسلم عن أم سلمة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ ‏ ‏عَرَفَ ‏ ‏بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ"  وهل هناك أشدُّ في الرضا عن المنكر والمتابعة عليه من المُصادقة على مشاريع ومعاهدات حكومة لا تحكم بما أنزل الله.

       وقد يُقال إنَّ يوسف عليه السلام قد حكم بالكفر، وبالتالي فإنه يجوز لنا أن نتبعه في ذلك. وللردِّ على ذلك نقول: إنَّ يوسف عليه السلام كان ملتزماً بأوامر الله ونواهيه، كيف لا وهو نبيٌّ معصوم، والآيات الكثيرة في سورة يوسف تُبيُّن مدى التزامه بذلك حتى أنّه فضَّل السجن على المعصية، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} يوسف 33. وهو القائل أيضاً، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} يوسف 40. فكيف يُتصور أن يَحكم يوسف عليه السلام بالكفر!! وكذلك فإنه من المعلوم أنَّ شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، والذين خالفوا ذلك اشترطوا "ما لم يُخالف شرعنا" أي "ما لم يُنسخ"، والآيات السابقة التي ذكرناها في معرض الحديث عن حرمة الحكم بالكفر، كلها أدلة قطعية في التحريم، فحتى حسب هذه القاعدة مع الزيادة "ما لم يُنسخ" لا يجوز اتِّباع يوسف في ذلك.  وكذلك فإنَّ من يقول أنَّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا، لَزِمه تجويز السجود للبشر كما كان في عهد يوسف من جواز السجود لغير الله.  فإن قيل أنَّ السجود لغير الله مُحرم في الإسلام لورود الأدلة على ذلك، قلنا أفلا تصلح كلُّ الأدلة التي ذكرناها سابقاً لتحريم الحكم بغير ما أنزل الله أو المشاركة فيه؟ وبالتالي فإنَّ من يحرم السجود لغير الله وجب عليه أن يحرم الحكم بالكفر وإلا كان أمره اتباعاً للهوى وهو حرام.

      ولا يقال إنَّ مصلحة المسلمين تقوم على المشاركة في الانتخابات، فإن المصلحة هي ما اعتبرها الشرع مصلحة لنا، والعقل البشري عُرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض فيما يمكن اعتباره مصلحة أو مضرة، قال تعالى: {وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}البقرة 216.  وكذلك فإن المصلحة من المشاركة قد شهدت الآيات والأدلة الكثيرة على إلغائها وبطلانها. وكذلك فإن المصلحة من المشاركة وهميًّة، غير حقيقية كما اشترط من قال بها. وليس أدل على فساد اعتبار المصلحة من انتخاب المسلمين لجورج بوش الابن عام 2000، حين ظنَّ المسلمون أنه أنفع لهم من آل غور حين وعدهم بشطب الأدلة السرية، فإذا به طامَّةٌ كبرى على المسلمين خاصة وعلى العالم عامة.

 

       أيُّها المسلمون:

      إنَّ المشاركة في الإنتخابات هي إحدى الأساليب لدمجكم وصهركم في هذا المجتمع، كما حصل مع الأقليات الاخرى، وتذويب هويتكم الإسلامية، وجعل مقياس القيام بالأعمال هو مقدار المنفعةِ المُتصوَّر الحصول عليها كما هو الحال عند أصحاب المبدأ الرأسمالي. ومن ثمَّ يصبح الإلتزام بالحكم الشرعي في بعض العبادات، ويكون السيرُ حسب المصلحة لا الحكم الشرعي في باقي التصرفات. وتتحوَّل المفاهيم والقيم الإسلامية إلى المفاهيم والقيم الرأسمالية.

           إن دوركم الآن، وقد فشل النظام الرأسمالي في تحقيق الأمن والعدالة والحياة الكريمة للبشرية، وأصدق مثالٍٍ على ذلك هي الأزمة الاقتصادية الحالية، لا يكون بإدلاء صوت في انتخابات هنا أو هناك أو دعم مرشح دون آخر ، بل يكون بتقديم نموذجٍ عادلٍ للحكم والاقتصاد قائمٍ على أساس أن الحكم والتشريع والسيادة لله عز وجل وليس للبشر وأهوائهم. إن أفضل عمل تقدمونه لأنفسكم وللعالم هو حمل الإسلام لأهل هذا البلد، كما حمل المسلمون الإسلام في السابق لأهل اندونيسيا، فتخرجوهم من الهمِّ والضَّنَك والحَزَن إلى السعادة والطمأنينة. وتعملوا أيضاً مع العاملين لإعادة الخلافة على منهاج النبوة من جديد، فهي لا شك قائمة، فتنالوا العزَّ في الدنيا والفلاح في الآخرة.

      إنَّ في الحلال غنيةٌ عن الحرام، وفي اتباع أحكام الله السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة. وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتركون تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام، فما بال البعض يُصرُّ على الوقوع فيه بل يعتبر المشاركة في الإنتخابات واجبة. فأين هي الحميَّة والغيرة على أحكام الله؟

    وفي الختام فإننا نؤكد على ما يلي:

  • 1. إنَّ المشاركة في الإنتخابات حرام شرعاً لا يحلُّ للمسلم أن يوكل عنه أيّا من المرشحين في الحكم أو التشريع.
  • 2. إنَّ ما نراه اليوم من أزمات مالية وسياسية ما هو إلا نتيجة حتمية لابتعاد البشر، تحت مسمّى الديمقراطية والرأسمالية، عن منهج الله في الحكم، قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} طه 124.
  • 3. إنَّ العالم اليوم أجمع وأمريكا خاصة بحاجة ماسّةٍ إلى نظامٍ سياسي واقتصادي جديد لا يقوم على الهوى وآراء البشر، والمسلمون وحدهم القادرون على تقديم هذا النظام على أساس عقيدة الإسلام.
  • 4. يجب على المسلمين هنا حمل الإسلام إلى غير المسلمين باعتباره نظاماً عالمياً يحمل في طَيّاته الحلول الجذرية لمشاكل البشر جميعها، كما يجب عليهم أن يشاركوا في عملية إعادة نظام الإسلام السياسي، نظام الخلافة الراشدة التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" رواه أحمد.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}

التاريخ الهجري :29 من شوال 1429هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 28 تشرين الأول/أكتوبر 2008م

حزب التحرير
أمريكا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع