بسم الله الرحمن الرحيم
خطابات بلاغية متكرّرة مِنْ سياسةِ كاميرون "المتطرفة" الفاشلة
(مترجَم)
ألقى ديفيد كاميرون خطاباً استعراضياً آخر حول مواجهة "التطرف" بعد أن قد وعد بالقيام بهجوم بريطاني واسع ضد أهدافِ داعش في سوريا والعراق، قائلا بأنّه يُريدُ أَنْ "يُحطّمُ الخلافةَ في كلا البلدينِ".
تَتضمّنُ اقتراحاتُه الأخيرةُ دَفْع المسلمين للحديث ضدّ أفكار إسلامية مثل الخلافةِ (لا مجرد الحديث ضدّ داعش)؛ وإجراءات "لكبح المتطرفين"؛ واستهداف أولئك الذين يَنتقدونَ أَو يشككون بسياسات وأعمال الدولة معتبراً إياهم من "المؤمنين بنظرية المؤامرة"؛ وتضييق الخناق على المدارسِ لتَفادي حوادث أخرى مثل قضيةِ "حصان طروادةَ"؛ والترويج بشكل تعسفي "للقِيَم البريطانية" و"عقيدة" الأفكارِ المشتركةِ (بما في ذلك حرية التعبير)؛ وتعريفاً قانونياً للتطرف يشمل معارضة حكم القانونِ والتسامح الديني.
يخلط كاميرون كأسلافِه بين وجهات النظر الدينية والسياسية المشروعة التي يعتنقها المسلمون، وبين الفوضى التي خُلِقتْ في العراق وسوريا. وصفته للتعامل مع "التطرف" شبيهة بفطور الكلبِ - خلطة سياسة، أي سياسات ستسبب مزيداً من الضرر ضمن الجاليات ومزيداً من التشويشِ والفوضى في كافة أنحاء العالم، إضافة إلى الضرر الأيديولوجي الذي يسببه بنفسه للمبدأ الذي يدافع عنه.
إنها خلطة سياسة لأنه يظهر بها كرجل استعراضي لا كسياسيّ يهتم بالفعل بقضايا حقيقية. لذا فهو استعراضيّ يتحدث عن منع "حصان طروادةَ" آخرَ في المدارسِ (رغم أن جراهام ستيوارت، عضو البرلمان المحافظ في لجنة التعليم المختارة، في البرلمانِ الأخيرِ، قالَ بأنّه فيما عدا حادثة واحدة منفردة ليس هناك دليل على تطرف أو تأصيلٍ أيديولوجيّ وجد في أيّ مِن المدارسِ المشمولة في التحقيقات).
إنها خلطة سياسة عندما يَتحدّثُ عن ضرب داعش في سوريا والعراق... في الوقت الذي لا تعترف فيه الغالبية العظمى من المسلمين في العالم بخلافة داعش، فإن كاميرون والحكومات الغربية الأخرى سعداء بوصفها كذلك لتَبرير هجومِهم ضدّ الشعوب في المنطقةِ، بينما يدافعون بشكل مفتوح عن الطغاة الذين يقتلون الناسَ في مصر والمنطقة كلها.
إن مثل هذه السياسة وصفة لمزيد من الدمارِ في كافة أنحاء العالم، لأن التدخل العسكري من قبل الحكوماتِ الغربيةِ - سواء في أفغانستان أو العراق أَو ليبيا - قد زعزعَ استقرار مختلف المناطقِ، ودمّر حياة الملايين. يقول كاميرون بأنّه يَتمنّى تدمير "الخلافة" في كلا البلدينِ (مع أنها ليست خلافة)، متجاهلاً دورَ بريطانيا في تدمير الخلافةِ العُثمانيةِ بعد الحرب العالمية الأولى، مما أدى بعد ذلك إلى زعزعة الاستقرار في سائر الشرق الأوسطِ لعدة عقود من الزمان.
إنها وصفة لمزيد من التفرقة والانعزال في الجالياتِ ضمن المملكة المتحدةِ، لأنها تضيق الخناق على المسلمين الذين يعبرون عن وجهات نظر سياسية مشروعة، أَو الذين يحملون وجهات نظر إسلامية مشروعة عن الخلافةِ والجهاد. لقد منعت سياسةُ المنع (برفنت) الأئمة والعلماء من التعبير عن وجهات نظر شرعية وموثوقة لتَوضيح مفاهيمِ مثل "الدولة الإسلاميةِ" أَو أحداثِ مثل جرائمِ القتل في تونس أَو ووليش، بأي طريقة معقولة، وذلك خوفاً من وصفهم "كمتطرّفين"... إنها ضرر أيديولوجي يسببه بنفسه للمبدأ الذي يدافع عنه، وذلك بسبب التناقضاتِ في السياساتِ - بالإضافة إلى تخلّيه عن أيّ تظاهر بأنه يُؤمنُ حقاً بالقِيَمِ التي يُصرّحُ بأنه يحملها.
لا تَستطيعُ بَدْء حملة علاقات عامة للتَرويج "للقِيَم البريطانية" في الوقت نفسه الذي تستخدم فيه وكالات مدنية وقانونية وأمنية لإجبار الناس بالقوة على اعتناق "عقيدتك" لأنك فشلت في إقْناعهم فكرياً... لا يمكنك القول بأنّك تُؤمنُ بحريةِ الكلام ثمّ تهاجمُ المسلمين الذين يَقُولُون إن حربَ العراق مدعاة للشَكوى؛ أَو الذين لديهم حجج حيال شرعيةِ الكيانِ الصهيونيِ، مستندين إلى مواقف قانونية وتاريخية صحيحة؛ أَو بوصف من يفضح دور سياسة المنع (برفنت) في تشجيع التجسّسِ على المسلمين، أَو في إيجاد مناخ من المكارثية (الخوف من الآخر) بأن هؤلاء يؤمنون بنظرية المؤامرة الذين ينبغي استهدافهم؛ أَو استهداف أولئك الذين يكشفون حقيقة أنه هو والحكومات السابقة يدعمون المستبدين والطغاة أمثال السيسي والنظام السعودي (وهي قضية تكلمت عنها إليزا مانينغهام بولَر في محاضراتها قبل بضع سنوات بأنها مُزعجة جداً)؛ أَو بإسْكات النقدِ من خلال رفض فكرة التظلم بأسلوب غير مشرّف فكرياً، صراحةً... لا تَستطيعُ القول بأنّك تُؤمنُ بحكم القانونِ ثمّ تسكت أولئك الذين يكشفون التواطؤ البريطانيَ في ترحيل السجناء إلى دول أخرى، والسجون السرية، وانتهاكات القوات العسكرية في العراق وأفغانستان، والأعمال غير القانونية لوزير الداخلية لديك... لا تَستطيعُ الادّعاء بأنّك تُؤمنُ بالتسامح ثم تتولى قيادة إحدى أكثر فتراتِ عدم التسامحِ في التاريخِ الإنجليزيِ تجاه جالية أقلية، فتجرّم أغلبيةَ المسلمين إذا لم يتبعوا نهج الحكومة. من سخرية القدر أن يطْلب من المسلمين شجب فكرة الخلافة التي تولت الحفاظ على الوئام والانسجام بين جاليات مختلفة العقائد لقرونِ، وذلك بسبب نظرتِها الإسلاميةِ تجاه حماية عقائد وشعائر الناسِ - وهو درس له ليتعلم منه.
عندما يضيّق كاميرون الخناق على أولئك الذين يَنتقدونَه ويكشفونه، أو يسخر منهم، فهو يُثبتُ فقط بأنّه غير قادر على مناقشة آرائهم... رسالته إلى المسلمين هي "تحولوا إلى عقائدنا ووجهاتِ نظرنا السياسيةِ" أَو موتوا سياسياً وقانونياً. أكثر ما يُمْكِنُ أَنْ يفعله هو تكميم أفواه الناس، فيَمْنعهم من قَول ما يَعتقدونَ أَو يُعاقبهم على التعبير عن وجهاتِ نظرهم.
رسالتنا إلى الجاليةِ الإسلاميةِ أَنْ تتجاهل الرجلَ ذا الفَم الكبيرِ والعقلِ الصَغيرِ. فعندما ينتهي من هذه الدورةِ مِن الخطاباتِ البلاغية سيبدأ دورة أخرى وأخرى. كلّما زاد في التهديد زاد في الفشل... لدى الجالية المسلمة دور مهم عليها القيام به. عندما يتحدث كاميرون عن الخلافةِ ينبغي على المسلمين أن ينظروا في المصادرِ الإسلاميةِ ويفهموا ما يَقُولُه الإسلام حقاً عن الخلافةِ -ويُدركوا بأنّ كلّاً من داعش وكاميرون على خطأ! يحتاج العالم الإسلامي إلى خلافة حقيقية، لَيسَ كياناً مزيفاً يَقْتلُ الناسَ عشوائياً، ويمهد الطريق لتقسيمِ العراق، كما أنه عرقلَ الحملةَ ضدّ الأسد. يحتاج العالم إلى دولة تتكلم ضدّ هيمنةِ الرأسماليةِ العالميةِ، التي تسبب كثيراً من المعاناة... تحتاج الجالية المسلمة في بريطانيا إلى المزيد من الإسلامَ، لَيسَ الأقل، للحفاظ على كرامتِهم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، في وجه الهجمة من سياسيين أمثال كاميرون، وأن يحملوا رسالة الإسلامِ بالقول والفعل، معبرين عنِ الآراء السياسية الصريحة، لمواجهة الدعايةِ المدعومةِ من الحكومة... إذا سلكت الجالية المسلمة هذا السبيل الإسلامي النبيل، فإن رجالاً صغاراً مثل كاميرون سيتلاشون ويذوبون في الغبارِ السياسيِ.
التاريخ الهجري :5 من شوال 1436هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 21 تموز/يوليو 2015م
حزب التحرير
بريطانيا