الثلاثاء، 22 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 هل تطلب الحماية من النظام أم من الله؟

 


هناك البعض في الجالية المسلمة من يحفزون المسلمين على الخوض في العمل السياسي في النظام العلماني بدعوى أنّ المصلحة تتطلب ذلك. ففي الانتخابات النصفية التي جرت مؤخرا في الولايات المتحدة فازت مسلمتان بمقعدين في مجلس النواب بتأييد من المساجد والمنظمات الإسلامية والجالية المسلمة بصفة عامة. وفي كندا، هناك بعض المنظمات التابعة للجالية المسلمة تعمل على رفع مستوى اشتراك المسلمين في الانتخابات بدعوى أنّ المسلمين مواطنون كنديون مثل غيرهم. وكذلك نرى بعض المساجد ترفع العلم الكندي وتعمل على استرضاء السياسيين المحليين مثلما حصل مع الوزير الأول لمحافظة أونتاريو - دوغ فورد - حيث مُنح جائزة خدمة الجالية في المهرجان السنوي للمسلمين الذي عُقد في مدينة ميسيسوجا.


ومن المهم أن يُلاحَظ أنّه يصعب تصديق فكرة تأثير المسلمين في الانتخابات. فهل يمكن لأقلية تشكل 3% من سكان كندا والتي تتمركز في مدينتين أو ثلاث أن يكون لها تأثير ملاحظ في نتيجة الانتخابات؟ لكن بغض النظر عن ذلك، ليس هذا هو أساس النقاش. بل أساس النقاش هو أنّ حماية مصالح الأمة وفكرة انخراطها في العمل السياسي لا تنفصلان عن العقيدة الإسلامية. فالدين الإسلامي يُعرّف مصالح الأمة ويحدد الوسائل التي يمكن اتخاذها لحماية تلك المصالح، فهل يتماشى الركون إلى النظام العلماني وتأييد السياسيين العلمانيين مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف؟


إنّ من المفاهيم الرئيسية التي تنبثق عن عقيدتنا الإسلامية هي أن الحماية تأتي من الله تعالى وهو وحده الذي ينفعنا ويضرنا، كما قال الحبيب المصطفى e: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ». فإدراك هذه الحقيقة يجعل المسلم يركّز فقط على علاقته بخالقه، طالبا منه وحده الحماية. فلا توجد قوة تستطيع أن تضرّ من حماه الله، ولا توجد حماية لمن لم يحمه الله.


لا يعني ذلك ألاّ نأخذ بالأسباب، بل المسلمون مأمورون بالدفاع عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم من المضرة، والدفاع عن المستضعفين والمظلومين. ثم إنه من المهم ملاحظة أن مصالح المسلمين ليست محصورة بالدفاع عن الممتلكات المادية، بل تتضمن كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله. قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.


وصفة الأمة الإسلامية كخير أمة مقرونة بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولقد ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى عندما قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْأُمَّةِ، فَلْيُؤَدِّ شَرْطَ اللَّهِ فِيهَا".


هل تصويتنا في الانتخابات البرلمانية العلمانية والقيام بالحملات الانتخابية بغية كسب رضا الساسة العلمانيين يوافق مفهوم الإسلام لطلب الحماية؟ وهل ابتغاء الحماية عندهم ستجعلنا في مأمن من عصيان خالقنا أو تجعلنا قادرين على تبليغ عدل وهدي الإسلام؟


إن السياسيين في النظام العلماني، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، ممنوعون من الرجوع إلى ما أوحاه الله تعالى إلى رسوله الكريم e عند إعدادهم لبرامجهم أو عند اتخاذهم قراراتهم السياسية. بل نظامهم يأمرهم بالاستناد إلى الدساتير والنظريات القانونية والمفاهيم الاقتصادية التي بُنيت على أهواء وتشريع البشر. وقد حذرنا الله تعالى في القرآن الكريم من ذلك في قوله سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.


إن تأييد أولئك السياسيين في أفعالهم الخاطئة وعصيان الله تعالى بالتصويت لهم يعني مشاركتهم في الإثم. فأي حماية هذه التي تحصل على غضب الله تعالى؟ وأي أمن هذا الذي يستحق عذاب الله يوم القيامة؟ ثم كيف لنا أن ندعو الناس إلى عدل الإسلام ونحن ندعم من يقومون بنشاط يناقض تعاليم الإسلام؟


كيف ندعو إلى النظام الاجتماعي الإسلامي الذي يسعى إلى الحفاظ على وحدة الأسرة وينهى عن الفواحش، ونحن ندعم سياسيين يدعون إلى الفردية الاجتماعية وتطبيع الشذوذ الجنسي؟ وكيف ندعو إلى النظام الاقتصادي الإسلامي المبني على توزيع الثروات والحفاظ على حقوق الناس الاقتصادية، ونحن ننظم الحملات الانتخابية لسياسيين يؤيدون النظام الرأسمالي الجائر المبني على الربا والاحتكار؟


إذا أراد المسلمون أن يكونوا صوتا للعدل فإن منابرنا يجب أن تُسخّر في تبليغ وجهة نظر الإسلام للمجتمع، لا مسرحا للسياسيين العلمانيين لتجميع الأصوات. إن مساجدنا يجب أن تكون ملاذا آمنا لشبابنا يجدون فيها بيئة الإيمان ويتعلمون كتاب الله سبحانه وسنة رسوله e، لا أن تكون ساحات لأجندات السياسيين العلمانيين الذين لا يؤمنون بالله ولا برسوله e. وإن أصواتنا وهتافاتنا يجب أن تكون نائبة عمن لا صوت لهم، والدعوة لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.


ثم كيف يتوهم البعض أن هؤلاء السياسيين قادرون على حماية مصالحنا وهم مسخرون ومنصهرون في النظام الرأسمالي الذي يوجّه أسلحته باتجاه العالم الإسلامي لينهب ثرواتنا ويسيطر على سياستنا؟ فلقد علمنا في الأسابيع القليلة الماضية أنّ إلهان عمر - وهي أول مسلمة محجبة تُنتخب نائبة في الكونجرس الأمريكي - تحدثت ضدّ حركة BDS المتخصصة في فضح ومقاطعة الصهاينة المجرمين المحتلين لأرض فلسطين، ودعت الناس ألّا يقاطعوهم. قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.


أيها المسلمون: إنّ الثقة بالله هي الحالة الطبيعية للمسلمين وهي من متطلبات العقيدة الإسلامية. قال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.


إن القلب الذي يعتمد على خالقه وحده لا يدع مجالا للجشع والطمع والازدواجية والجبن الأخلاقي التي هي من سمات السياسة العلمانية. على العكس من ذلك، فإن الاعتماد على الله والتوكل عليه والثقة في نصره يعني الشجاعة والقوة والعزم وعدم التنازل عن الحق وذلك من سمات رسول الله e والخلفاء الراشدين والشهداء والصدّيّقين الذين وقفوا مع الحق وإن كان أكثر الناس ضدهم. فهل ألغى رسول الله eصلح الحديبية لأنه كان ضد رغبة الأكثرية؟ وهل تنازل أبو بكر رضي الله عنه عن حملته ضد مانعي الزكاة رغبة في بقائه في الحكم؟


الأمة التي تعود إلى الله تعالى في جميع أفكارها وأحكامها في اليسر والعسر وفي الأمن والخوف وعندما ترتفع أصوات المحاربين لدين الله مطالبين بالتنازل عن مبادئها، فهذه الأمة ستتمسك بأخلاق وآداب وسلوك وهداية الرسول الكريم e وصحابته الكرام الذين واجهوا الطرد والتعذيب والقتل بكل شجاعة وثبات واقتناع. وستكون هذه الأمة بوصلة صحيحة للمجتمع الكندي وغيره من المجتمعات لأنها لا تروم أي منفعة من الأنظمة الظالمة، بل إنها ترمي إلى هداية الظالم والمظلوم.


والأمة التي تعتمد على ربها وحده لا على الحلول البشرية لحل مشاكلها فإن دعوتها سوف تُسمع في العالم كله، دعوة لاستئناف الحياة الإسلامية التي تُعتبر درعا للمؤمنين وملاذا للمظلومين ومنارة للباحثين عن الحق في العالم كله. نسأل الله تعالى أن يعجل في عودتها.


قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.


التاريخ الهجري :15 من ربيع الثاني 1440هـ
التاريخ الميلادي : السبت, 22 كانون الأول/ديسمبر 2018م

حزب التحرير
كندا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع