بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المسلمون تَمَسَّكوا بدينكم واثبُتوا عليه
عاشت كوبنهاغن في الأيام الأخيرة على وقع أحداث عاصفة أدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح خمسة آخرين، وبمقتل المنفذ المحتَمل للهجوم غُيّب جزءٌ مهم من الملابسات والدوافع لهذه العملية. لكن ذلك لم يمنع السياسيين والإعلام من اعتبار هذا العمل هجوماً على مبادئ وأسس الديمقراطية والحريات التي تقوم عليها المجتمعات الغربية، وعلى إثر هذه الأحداث تم تسريع طرح حزمة من القوانين والبرامج الجديدة لمكافحة ما يسمى التطرف بأساليب ووسائل عدة، ورصدت الحكومة الدنماركية مبلغ مليار كرون لهذا الغرض.
وقد أخذ هذا الحدث حيزاً كبيراً في الإعلام والنقاش السياسي، وتزاحم السياسيون على طرح آرائهم حول الموضوع، فمنهم من طالب بالمزيد من الضغط والتجسس على المسلمين مصوراً الإسلام أنه مصدر للعنف لا طريق للتعامل معه إلا بإرغام المسلمين على اعتناق المبادئ الغربية، ومنهم من حاول إلقاء الضوء على ما قد يكون السبب وراء هذا العمل، معتبراً المسلمين جزءاً من المجتمع الدنماركي طالما أنهم ملتزمون بالعلمانية وباحترام حرية الرأي. وهنا قد يظهر اختلاف في ردات الفعل حول كيفية التعامل مع المسلمين، والحقيقة أن أهدافهم واحدة، وهي إرغام المسلمين على اعتناق العلمانية والمبادئ الغربية قسراً من خلال الضغط والتضييق عليهم، أو تذويبهم ودمجهم في البرامج القائمة اصلاً أو المزمع تنفيذها قريباً لسلخهم عن دينهم.
فحملات الضغط والتضييق على المسلمين لم تتوقف، بل أخذت أشكالاً عديدة، فقد قام الغرب تارةً باسم نشر الحريات والديمقراطية بشن حروب دموية في بلاد المسلمين خلفت قتلاً ودماراً لم يُر له مثيل في العصر الحديث، وما الدماء التي ما زالت تُلطِّخ أيدي الساسة الدنماركيين إلا خير دليل على تضليلهم وكذب ادعاءاتهم، وهم بهذا ليسوا في موقف أخلاقي يخولهم وصف الإسلام والمسلمين بالعنف، وتارةً أخرى بسن قوانين وتشريعات جائرة وظالمة داخل أوروبا، بالتزامن مع تجييش حملات إعلامية تشجع على الكراهية وتصوير الإسلام، كذباً وبهتاناً، أنه دين يدعو إلى القتل وأن المسلمين إرهابيون وأنهم دائما محل شبهة، مما أدى إلى إحداث شروخات كبيرة في المجتمعات الأوروبية وإلى اعتداءات جسدية على المسلمين في أماكن كثيرة.
ورغم كل هذا الضغط والظلم الخارجي والداخلي، لم ينجح الغرب في انتزاع الإسلام من صدور المسلمين، لذلك فهو يحاول تحت ذريعة ما يسمى صراع القيم ازدراء المسلمين وإجبارهم على تقبل الإهانات والمساس بأغلى مقدساتهم تحت مسمى حرية الرأي، وما تكرار هذه الإساءات إلا محاولة لترويضهم وقتل مشاعر الغضب عندهم جراء انتهاك حرمات دينهم. ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
إن الساسة الدنماركيين هم من يجب عليهم أن يستنكروا سياساتهم التي أدت إلى انتشار أجواء الكراهية والعنف في المجتمع بل والقتل في بعض الحالات، بغض النظر عن هوية ضحايا هذه الأجواء. فالقيم الغربية هي أساس المشكلة والساسة الغربيون مدركون أن قيمهم تواجه تحديات هائلة، ليس بسبب عملية قتل في كوبنهاغن، حيث إن الرصاص لا يستطيع زحزحة القيم والقناعات قيد أُنملة، فالتحديات التي تواجهها القيم الغربية تكمن في تناقضاتها الفكرية وعجزها عن إيجاد التناغم والتعايش في المجتمعات، وقد أصبح هذا واضحاً لكل ذي بصيرة كما أصبح واضحاً أيضاً أن القيم الغربية قد تسببت في كوارث ومعاناة للإنسانية جمعاء، وهنا تكمن كبرى مآزقهم.
إن الفكر يواجَه بالفكر، وثقتنا مطلقة في العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أفكار وأحكام بأنها العلاج لهذه الحالة البائسة التي وصلت إليها البشرية، ونُصرّ على تحدي الأفكار الغربية بالحجة الدامغة لبيان عوارها وعدم صلاحها لتكون حلولاً لمشاكل الإنسانية، وما الإسلام إلا رحمة للعالمين ولإخراج الناس من ظلم العباد إلى رحمة وعدل رب العباد.
على ضوء هذا كله فإننا نحذر المسلمين في هذه البلاد من الانسياق وراء جو المغالطات الذي صنعه ساسة الغرب، والذي يعتبر كل من يتمسك بدينه ويرفض تلك المبادئ بأنه خطر أمني على المجتمع، ونربأ بهم أن يقبلوا وضع الإسلام في قفص الاتهام والرضا بموقف المتهَم المدافِع عن دينه. إن الموقف الصحيح والمطلوب من المسلمين في هذه البلاد هو الثبات على دينهم والاعتزاز به.
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾
التاريخ الهجري :30 من ربيع الثاني 1436هـ
التاريخ الميلادي : الخميس, 19 شباط/فبراير 2015م
حزب التحرير
اسكندينافيا