بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلهم في الآخرة عذاب عظيم )
لا زالت التفجيرات المجرمة تتوالى في هذا البلد لتوقع مزيداً من الضحايا والأبرياء ولتتخذ من دمائهم حبراً للرسائل المتبادلة بين أطراف الصراع داخل هذا البلد وخارجه. وقد اتسم انفجار طرابلس اليوم بقدر كبير من الإجرام، إذ سقط ضحيته عشرات القتلى والجرحى. ما ينتصب شاهداً جديداً على مدى إجرام الأطراف المتصارعة على أرض هذا البلد.
ويعود السؤال من جديد: إذا كانت أطراف الصراع السياسي المحلية والخارجية تتخذ من دماء الناس وأمنهم ومصائرهم أداة لتبادل الرسائل والضغوط، فأين دور الأجهزة الأمنية في صون أمن الناس ومصالحهم؟! الجواب بكل أسف هو أن هذه الأجهزة هي نفسها أحد ميادين هذا الصراع، بل أحد أدواته. وبالتالي فإن الجناة في هذه الجريمة المروِّعة سيبقون طي الكتمان كما هو شأن عشرات الجرائم الأمنية والسياسية التي شهدها لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات.
تأتي هذه الفاجعة في اليوم التالي لنيل حكومة "المحاصصة" الوطنية الثقة المبنية على صفقة بين الفريقين المتصارعين. هذا في الوقت الذي يتفق فيه الجميع على أن وظيفة هذه الحكومة إجراء انتخابات نيابية في الربيع القادم، ما يعني أن هذه الحكومة هي أحد ميادين الحملات الانتخابية التي تخوضها الأطراف داخل الفريقين المتصارعين. والواقع أن المشكلة أساساً ليست مشكلة أمنية وليست انتخابية ولا حتى معاشية، وإنما هي أزمة كيان فاشل ونظام مهترئ ذي بنية متهافتة.
فحين انتهت مدة رئيس الجمهورية السابق بقيت سدة الرئاسة فارغة شهوراً طويلة. ومن قبل كان الوزراء الممثلون لإحدى الطوائف انسحبوا من الحكومة وأعلنت المعارضة التي تقود نصف لبنان أن الحكومة غير شرعية، وأنه لا وجود بالتالي لأي سلطة تنفيذية في لبنان. بعد اتفاق الدوحة، انتُخب رئيس جديد للجمهورية، ما استدعى استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، ومضى شهر ونصف الشهر قبل أن يعلن رئيس الحكومة التشكيلة الحكومية. كانت الحكومة المستقيلة خلالها تصرّف الأعمال، أي لا تملك اتخاذ أي قرار سياسي ذي أهمية. وبعد تشكيل الحكومة بقيت هي أيضاً حكومة تصريف أعمال ما يقرب من شهر قبل أن تنال الثقة بسبب التأخر في صياغة البيان الوزاري الذي كان مدار معركة سياسية جديدة، ثم امتد وقت مناقشة هذا البيان في مجلس النواب، ليشهد معارك كلامية وصلت حدّ الشتائم والكلام النابي. وستكون هذه الحكومة ميدان حرب سياسية بين أعضائها، لأنها حكومة محاصصة يسمّونها سخفاً حكومة وحدة وطنية. وسيكون أمام هذه الحكومة في الأشهر القليلة المفترضة لعمرها إنجاز قانون الانتخابات النيابية، ومن ثم إجراء هذه الانتخابات التي ستفتح معركة قَبَلية جديدة في هذا البلد المسكين، ويا ويل أهل هذا البلد من معركة الانتخابات التي لا يعلم إلا الله تعالى ما ستجلبه على البلاد والعباد. وإن قدِّر لهذه الانتخابات أن تُنجَز سيكون البلد من جديد أمام دوامة جديدة: من استقالة الحكومة وتكليف رئيس جديد لحكومة جديدة وبيان وزاري وحملة ثقة... وبين كل انتخاب واستقالة وتكليف وتشكيل وبيان وزاري وجلسة ثقة وكل استحقاق ومحطة دستورية يتقلب أهل لبنان على نار الفتن والاقتتال والتفجيرات ومعارك الشوارع والزواريب والشتائم المتبادلة على الهواء وإثارة الضغائن والأحقاد والعصبيات... فهل هذه دولة؟!
إن السلطة السياسية في أعراف جميع العقلاء إنما وظيفتها رعاية شؤون الناس، بحيث تقوم على تنفيذ القوانين والأنظمة التي ارتضتها الجماعة السياسية التي أقامت تلك الدولة، أي المجتمع. إذ لولا السلطة السياسية لتحوَّل المجتمع إلى فوضى وإلى شريعة الغاب، ولكانت شؤون الناس فوضى دون انتظام. فنجاح الدولة يقاس بمدى نجاحها في رعاية شؤون الناس وتنظيم المجتمع وفق أعرافه وقناعاته ومقاييسه. فإن تحولت السلطة إلى مصدر للتوتر والفوضى والانقسام وإلى ميدان للصراع بين التيارات والقوى المسماة سياسية، فكيف يمكنها ادعاء الشرعية؟! وما مسوغ وجودها؟!
المشكلة في لبنان معقدة، فما من مجتمع ترتكز عليه الدولة، وبالتالي لا وجود لولاء جامع للناس حول هذه الدولة. وأجهزة هذه الدولة في لبنان، تنفيذية كانت أم تشريعية أم قضائية، إنما هي مزرعة تتنافس القبائل التي يسمّونها طوائف على الاستهام والتنازع على الحصص فيها، من مناصب ومراكز ووظائف وأموال. فالدولة في لبنان في أحسن أحوالها شاهد زور على المحاصصة بين زعماء القبائل اللبنانية، وفي أسوء أحوالها ميدان للصراع بينهم. ولكنها في جميع أحوالها صندوق بريد للقوى الإقليمية والدولية، فيه تُكتب الرسائل بالدم والبارود، وفيه تودع وفيه تفتح وتقرأ. فهل هذه دولة؟!
إن كانت الدولة جُنَّة يُتقى بها ويقاتَل من ورائها كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم فنعمت الدولة، وأما إن كانت غنيمة يتصارع عليها القراصنة وتداس فيها كرامات الناس وحرماتهم بالأقدام فلتذهب إلى مخلفات التاريخ.
يا أهل لبنان: إن المعركة الدائرة في الشهور القادمة والتي تتخذ من دمائكم وقوداً لها هي معركة على ابتزاز أصواتكم في صناديق الاقتراع، فهل ستلبون نداء المتاجرين بكم وبدمائكم؟ أم أنكم ستعلنون رفضكم لهذا النظام الطائفي العفن الذي يوظف البلاد والعباد في صراع القوى الإقليمية والدولية؟!
أيها المسلمون: كم ستحتاجون من معاناة ومآسي وآلام حتى تدركوا فساد أوضاعكم وعقم الأنظمة التي تحكمكم؟! ألم يأن لكم بعد أن تدركوا أنه لا منقذ لكم إلا حكم الإسلام وإقامة دولته التي تخلصكم من حضارة الغرب وعملائه وسيطرته والجحيم الذي أنتم فيه؟! إعلموا أن تكاليف العمل لإقامة الخلافة لا تعدل معاناة يوم واحد في ظل الأنظمة العميلة الفاسدة.
أيها المسلمون: إننا ندعوكم إلى نبذ كل المشاريع التي لا تستند إلى شرع ربكم وإلى رفض كل أنصاف الحلول التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كما نستنهض هممكم إلى العمل للحل الجذري الوحيد، ألا وهو حمل الدعوة لإقامة دولة الخلافة، فهي فرض ربكم ومبعث عزكم، وقاهرة عدوكم، ومحررة أرضكم، وفيها وحدها يجمع شملكم وهي منارة الخير والعدل في ربوع العالم.
(أَفَحُكمَ الجَاهِليةَ يَبغون ومَن أحسنُ مِنَ اللهِ حُكماً لِقومٍ يوقنون)
التاريخ الهجري :12 من شـعبان 1429هـ
التاريخ الميلادي : الخميس, 21 آب/أغسطس 2008م
حزب التحرير
ولاية لبنان