بسم الله الرحمن الرحيم
تصرفات غير إنسانية وغير أخلاقية تقوم بها السلطات في لبنان ضد النازحين السوريين
قامت السلطات اللبنانية في الأيام الثلاثة الأخيرة باقتحام مخيمات النازحين السوريين في مدينة عرسال وأماكن أخرى، واعتقلت ما يزيد عن ألف من الرجال في هذه المخيمات، وقامت بشد وَثاقهم وبطحهم على وجوههم على الأرض، وقام الجنود بركلهم على وجوههم ورؤوسهم بالأحذية، وقد أهانوا كثيرًا من النساء. وحرقوا الخِيَم والأمتعة، واتهموهم بأنهم يساعدون المسلحين الذين يقيمون في الجرود.
وقد كشفت بعض وسائل الإعلام أن هذه مكيدة لأخذ عدد من النازحين السوريين ليبادلوا بهم العسكريين المخطوفين كرهائن عند المسلحين. وبعد تحقيقات غير شفافة تم الإفراج عن قسم من المعتقلين، وتم الاحتفاظ بما يزيد عن ثمانين منهم. وإن صحّت هذه المكيدة فيكون الذي خطط لها ويكون الذي أمر بتنفيذها ارتكب حماقةً ذات عواقب خَطِرة، فبدل أن تحل مشكلة المخطوفين ستزيدها خطورةً.
نحن لا ندافع عن عملية خطف العسكريين في عرسال ولا ندافع عن عمليات اغتيال الجيش أو قوى الأمن أو غيرهم، ولا نقرّ بأي شكل من الأشكال إعدام أي واحد من المخطوفين. فالحكم الشرعي الذي نفهمه ونتبنّاه هو أنه لا يجوز قتل الأسير حتى لو أُخِذ من جيش العدو في معركة القتال، لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ هذه الآية الكريمة تؤكد أن من يتم أسره لا يجوز قتله، بل يتم إطلاقه إمّا منًّا دون أي فدية، وإمّا بفدية. هذا في حال أسير الحرب من العدو، فكيف إذا كان مخطوفًا وليس عدوًّا وليس في حالة حرب؟!
السلطة تقوم الآن باقتحام مخيمات النازحين وتأمر وسائل الإعلام بالتعتيم على ما تقوم به، وتنشر أخبارًا تطمس فيها الحقيقة، ولكن الحقيقة تظهر رغم محاولات طمسها.
ونحن نخاطب الشعب وبخاصة المسلمين بأن هؤلاء النازحين هم إخوة لكم، أصابتهم مصيبة التهجير القسرية ولجأوا إليكم، فلا يجوز لكم شرعًا أن ترفضوهم أو تتهاونوا بالاهتمام بهم، بل عليكم أن تساعدوهم وتبشوا في وجوههم. وإذا وجدتم من يؤذيهم ويعتدي عليهم فعليكم أن تقفوا في وجهه وتردعوه، وأن تكونوا لهم حاميًا وناصرًا ومعينًا. حتى لو كان من يعتدي عليهم ويضايقهم هو السلطة الرسمية. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» البخاري ومسلم، وقال: «مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» سنن أبي داود والطبراني والبيهقي. وتذكّروا حين هاجر مسلمو مكة إلى المدينة المنورة كيف استقبل الأنصار المهاجرين.
علمًا أن هؤلاء النازحين تتسلم الدولة مساعداتٍ كثيرةً من جهات شتى من أجلهم، فلا يحق للدولة أن تمنّ عليهم مجرّد المنّ، فكيف تجيز لنفسها أن تعاملهم بهذه القسوة والتعذيب وإعادة تشريدهم. إن هذا الظلم أيتها السلطة في لبنان يدل على جهل في الحكم وليس على حقدٍ وتحاملٍ فقط، يدل على جهل لأن السلطة تؤسس بذلك إلى عواقب وخيمة.
نسأل الله أن ينوّر عقول أهل الحكم ويهديهم ليعرفوا كيف يحكمون.
قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
التاريخ الهجري :2 من ذي الحجة 1435هـ
التاريخ الميلادي : السبت, 27 أيلول/سبتمبر 2014م
حزب التحرير
ولاية لبنان