بسم الله الرحمن الرحيم
الأقصى يستصرخ الجيوش
ها هو المسجد الأقصى الذي باركه الله وما حوله، يدنَّس وتُنتهك حرمته من شذاذ الآفاق، يهود، في محاولات لا زالت تتكرر على مدى سنين منذ احتلال الأرض المباركة فلسطين، وها هي غزة تُمطر بوابل من الصواريخ الشديدة التدمير، لأنَّ أهلها قاموا بنصرة إخوانهم وأهلهم في المسجد الأقصى! وها هم أبناء فلسطين، كل فلسطين ينتفضون على العدو المحتل الغاصب، فيُنَكَّلُ بهم لتمسكهم ببيوتهم وأراضيهم وحقوقهم!
لكن، لئِن كان كل ذلك مفهوماً من عدو كافر محتل لأرض إسلامية، لكن غير المفهوم هو صمت محيط فلسطين من البلاد، وصمت العالم الإسلامي عموماً... ولا نتكلم ونخاطب هنا الشعوب، فالشعوب تحترق قلوبها ودواخلها، وتذرف على أهل فلسطين دماً مع الدمع، وتتحرك متظاهرةً في الساحات ونحو الحدود، لكن تقف الأنظمة في وجهها!
ولا نتكلم عن صمت تلك الأنظمة، فهي أنظمة عمالة وخيانة ودياثة، حكامها مأجورون، باعوا دينهم بعَرَض من الدنيا زائل، حريصون على أن يبقوا على عروشهم، وتكبر كروشهم من مال السحت الذي يأكلونه حراماً من مقدرات الأمة وخيراتها، وأمثل ما يقدمونه التنديد والشجب، ومطالبة من يساند يهود - أمريكا وأوروبا - بالتدخل لوقف ما يحدث! ليس لالتقاط الأنفاس والتحضير لمعركة، بل لعقد سلام وصُلح مع الكيان الغاصب المحتل للأرض المباركة فلسطين، قائم على الاعتراف بوجودهم احتلالاً واغتصاباً!
إننا نتكلم ونخاطب اليوم تلك الجيوش الرابضة في ثكناتها، القابضة على الأسلحة والعتاد، نخاطب الجنود وصف الضباط والعقداء والعمداء والألوية، نخاطب سلاح الطيران والبحرية والبرية، نخاطب قوات الصاعقة والمغاوير والقوات الخاصة بكل مسمياتها، في العالم الإسلامي عموماً، وفي الدول القريبة والمحيطة بالأرض المباركة فلسطين خصوصاً، والتي يُعد بعضها من أقوى الجيوش في العالم عدةً وعديداً وتدريباً! مثل مصر وبلاد الحرمين وتركيا والأردن!
نقول لهم: أين أنتم؟! ماذا دهاكم؟! أنتم أبناء الأمة، أنتم فيها من تملكون مفاتيح القوة، أنتم الـمَنوط بكم الجهاد والقتال صيانةً لحرمة أهلكم وأمتكم، أنتم من تَقْطَعُ الأمة من أقواتها لتبقوا أعزةً، أنتم من دفعكم آباؤكم وأمهاتكم وإخوانكم لتكونوا في مواضع تشرفونهم بها، فعلوا ذلك وهم يعلمون أنَّ المخاطر قد تكون محدقةً بكم في كل حين! لكن، يهون هذا عندهم، لأن أغلى ما يملكونه هم والأمة، عزتهم وكرامتهم المستمدة من دينهم.
لكن المفاجأة أيها الأبناء في الجيوش، أنكم حين يجِدُّ الـجِدُّ، كما يحدث اليوم في الأرض المباركة فلسطين وأقصاها، مسرى نبيكم ﷺ ومعراجه، لا تسمع أمهاتكم وآباؤكم وإخوانكم، بل أمتكم، لا تسمع لكم همساً! ولا ترى لكم فعلاً! بل لا تراكم إلا في وجهها تطلقون الرصاص أمامها وفوق رؤوسها، لا بل على صدورها العارية، منعاً لها من الاقتراب من الأرض المباركة فلسطين، أو قمعاً لحركتها في الساحات، أو تجاه السفارات، أو تجاه من نصبوا أنفسهم حكاماً عليكم وعلينا؛ بل أكثر من ذلك، تراكم - متفاجئةً بحجم ما تملكون من عتاد - تندفعون لحرب في اليمن أو ليبيا أو أفغانستان، ومن قبل نحو العراق، تحت رايات غربية أمريكية أو أوروبية، فتَقْضُوا فيها وأنتم تطلقون النيران على مسلمين من أمثالكم! أما حين يتعلق الأمر باعتداء شذاذ الآفاق، الشرذمة من يهود، على مقدساتكم، والنيل من حرائركم، وهدم البيوت على أطفالكم في فلسطين، بل حتى خارج فلسطين، لا تسمع الأمة منكم ما يروي عطشها ويشفي صدورها! فلماذا أيها الجنود والضباط والقادة؟! لماذا؟!
أهي الخشية من الحاكم؟! والأصل أن يخشاكم أنتم، فأنتم القوة الحامية له ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
أهو الارتباط بالمنصب والرتبة التي قلدها إياكم هؤلاء؟! ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
أهو حب الدنيا وكراهية القتال؟! ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
أهي الخشية من لَوْم وتدخل دول الغرب الكافر المستعمر الداعمة لهؤلاء الحكام العملاء؟! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
أهي الخشية من الجراحات والآلام، بعد السعة ورغد العيش؟! والأصل أنكم ما خضتم غمار العمل العسكري إلا وأنتم مدركون لماهيته ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾.
أهو عدم امتلاك النظرة والخطة والمشروع لما تقومون به وسبيله القويم؟! فها نحن، أبناءَ حزب التحرير، نضع الحل بين أيديكم مشروعاً كاملاً، بحل شامل للنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتصور كامل عن دوركم في مشروع الأمة ونهضتها، ضمن دستور جاهز للتطبيق والتنفيذ، يبدأ بخلع هؤلاء الحكام من جذورهم، وتسليم القيادة للمخلصين من أبنائكم.
ولعل هذه الفرصة السانحة هي الأنسب والأقوى، فالأمة من حولكم متحركةٌ جاهزةٌ، وستقف حولكم إن سمعت منكم خيراً، وستمنع بصدورها أيَّ محاولة لصدكم، إن رفعتم راية الحق والمطالبة بحقوقها؛ نعم إنها الأمة التي عرفها وخَبِر خيرها حزب التحرير، ويعرف - بإذن الله - مواطن قوتها، ولا يَنْقُصُ الأمة، ومعها حزب التحرير، إلا مبادرتكم باتخاذ الخطوة الأولى، المتمثلة بخلع الحكام العملاء ونصرة العاملين من إخوانكم في حزب التحرير، فهل أنتم فاعلون؟! لتكونوا - بإذن الله - ممن قال فيهم سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
إنَّ من يقاتلون يهود اليوم هم فصائلُ وأفرادٌ من المسلمين، فكيف سيكون الحال لو دخلتم أنتم في هذا المشهد؟! والله لتطيرُنَّ قلوبُ المسلمينَ بكم فرحاً ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ويكونون معكم ومن أمامكم ومن خلفكم وعن أيـْمَانِكُم وعن شمائلكم؛ وتنخلع قلوب يهود ومَنْ خَلْفَهُم رعباً ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾، فلا يكون منهم إلا ما وصفهم به العليم الخبير سبحانه: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
يا ضباط الجيوش وقادتها: الخير فيكم لا ينعدم، توكلوا على الله سبحانه، وكونوا مع أمتكم، فليست الشجاعة والبطولة نياشينَ ونجوماً وتيجاناً ذهبيةً، بل هي ما ترونه في الأرض المباركة فلسطين من تضحيات، من الأطفال والنساء قبل الرجال؛ وأنتم - بإذن الله تعالى - الرجال الرجال إن تبتم وأصلحتم واعتصمتم بالله وأخلصتم دينكم له سبحانه ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً * مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾.
وأخيراً، يا ضباط الجيوش وقادتها: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
التاريخ الهجري :9 من شوال 1442هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 21 أيار/مايو 2021م
حزب التحرير
ولاية لبنان