بسم الله الرحمن الرحيم
(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)
مازال الغرب الكافر منذ أن أسقط دولة المسلمين، دولة الخلافة، ومزّق وحدتهم، ما زال ينفث سمومه حرباً على الإسلام والمسلمين، ويمعن في النّيل من إسلامهم وتشويه تحرّكاتهم بوصمها بالتطرّف والإرهاب. فبالأمس القريب دنَّست أمريكا المصحف الشريف، ومن بعدها، قادت بعض الصحف الدنماركية موجة الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وباركتها صحفٌ ودول أوروبية أخرى، ثمّ تتالت الأعمال "الفنّيّة" بزعمهم تستهزئ بحدود الله وآياته، في معارض باريس ولندن وروما وغيرها من عواصم الكفر والاستعمار، واليوم في بلادنا، بلاد المسلمين المجاهدين الفاتحين، يقوم بعضٌ من أبناء جلدتنا ممن يتكلّمون لغتنا بمعرض فنون تشكيليّة في المرسى فيهاجمون الإسلام ويطعنون فيه وكالةً عن الاستعمار بعرض أعمالٍ، زعموها فنّيّةً، يسخرون فيها بحدٍّ من حدود الله ويستهزؤون برسولنا الأكرم صلّى الله عليه وسلّم ويستهينون بالله جلّ وعلا (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ).
وقد قالت أمريكا من قبلُ إن صفحات المصحف التي مُزقت ودِيسَتْ بالأقدام لم يكن المقصود منها تدنيس القرآن الكريم!، وكذلك قالت أوروبا من بعدها إن الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هي حرية تعبير! وكذلك قال أهل الفنّ الرخيص عندنا والنخب العلمانيّة من بقايا الاستعمار اليوم، أن الفعلة الشنيعة النّكراء لا شيء فيها إنّما هي حرّيّة تعبير وإبداع (هكذا..)، وإنما المشكلة في أَفهام المسلمين الذين لم يفهموا ما أبدعوه!
فلمّا غضب المسلمون من أبناء البلد لهذه الفعلة الشنيعة النّكراء وعلت أصواتهم بالاحتجاج، قال وزير الدّاخليّة، "إنّ مسؤوليّة ما حدث يتحمّلها المتطرّفون والفوضويّون"، وقال الرؤساء الثلاثة في بيان مشترك بعد أن انفجر الناس غاضبين، "إنّ المشكلة هي في المتطرّفين و"تهديدهم للحرّيات""، وقالوا "إننا ندين عنف مجموعات الغلوّ وتهديدها غير المقبول للحريات وسماحها لنفسها بتعويض مؤسسات الدولة ومحاولة الهيمنة على بيوت الله".
وأضافوا "إننا ندين كل مسٍّ بمقدسات شعبنا وأمتنا ونعتبر أنها لا تدخل في حرية الرأي والتعبير". وأضاف البيان "إننا ندين هذا العنف الذي تمارسه هذه المجموعات وإن هيبة الدولة تفرض مواجهتها بكل الوسائل القانونية". وأضاف أن "هذه الجماعات المتطرفة هي نفسها مخترَقة من قِبل الإجرام، يموّلها الخائفون من المحاسبة وتطبيق القانون أي فلول العهد البائد وهدفهم إرباك السلطة وإثارة الفزع بين المواطنين وإفشال المسار الانتقالي".
هكذا وبكلّ سذاجة واستخفاف بالعقول يسوّي القائمون على الأمر في بلادنا بين مَن غضب لله وبين المجرمين ممّن سوّلت لهم أنفسهم المريضة التّهكّم على الرسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم والسخرية من أحكام الله وحدوده وممّن هانت عليهم أنفسهم فباعوها رخيصة لبعض المتنفّذين من أصحاب المصالح فاندسّوا بين الغاضبين ليحرقوا ويخرّبوا وينهبوا.
إنّنا في هذا البيان لا نريد سوق الأدلّة على مؤامرة مدبّرة ضدّ الإسلام والمسلمين في هذا الجزء من بلاد الإسلام، فإنّ الدلائل عليها ظاهرة ساطعة؛ فالمسلم الذي يغضب لدينه ولربّه لا يمكن أن يحرق أو يسرق أو ينهب، وإنّ في ما سجّلته مقاطع الفيديو المنتشرة على الشبكة العنكبوتيّة وما رواه شهود العيان عن حقيقة من يقوم بأعمال تخريبيّة إجراميّة، في كلّ أنحاء البلاد لتغني عن كلّ دليل.
ولكنّنا فقط نريد أن ننبّه إلى بعض الأمور:
أليس من يدبّر للأعمال الإجراميّة ويحرّض عليها ويتّخذ لها المرتزقة والمأجورين من ضعاف النّفوس معروفاً؟ أليس التساهل في شأنها وترك الفاعلين الحقيقيين هو مشاركة في بثّ الفوضى والبلبلة حتّى يقتنع النّاس أنّ المشكل أمنيّ؟ ألم يقل أحد مساعدي وزير العدل، أنّه لا بدّ من تفعيل قانون الإرهاب الأمريكيّ؟ أليست دعوة من يملك زمام الحكم في البلاد إلى التظاهر نصرةً للإسلام، أليست تضليلا للمسلمين عن قضيّتهم الأصيلة، وامتصاصا لغضبهم واسترضاء لهم؟ ألم يكن الواجب أن يطبّق الإسلام كاملا غير منقوص كما أمر الله؟
أيّها المسلمون:
ألم تجرّبوا كلّ نظام وضعيّ، ملكيّ وجمهوريّ...، ألم تتطلّعوا إلى كلّ فكر غربيّ مناقض للإسلام تلتمسون فيه الرّفعة والعزّة، فلا يصيبكم منه ومن كلّ ما جرّبتم غير الطّعن في دينكم والذّلّ والهوان على العالمين؟ وها أنتم بعد كلّ ذلك مع كلّ حاكم يأتيكم تقولون نعطيه فرصة فلعلّه يكون أفضل حالاً من سابقه، مع أنّكم ترون أفعالهم وتسمعون أقوالهم صريحة واضحة بأنّهم لن يحكموا بشرع الله بل هم يقدّسون النّظام الجمهوريّ، ويتمسّكون بالحرّيّات حتّى لو كان فيها طعنٌ في دينكم، ويرتمون في أحضان الكافر المستعمر يلتمسون منه العون والتأييد، يريدون أن يحكمونا بخليط علمانيّ من رأسماليّة ديمقراطيّة وإسلام "مخفّف" يغضب الله تعالى، وكلّ همّهم إرضاء أميركا وأوروبا. وها أنتم تنتظرون منهم أن يخرجوا بالبلاد من الظلمات المتراكمة، وتطمعون أن يخلّصوكم من الاستعمار، هذا مع أنّكم ترونهم يرتمون على أعتاب أعدائكم بالليل والنّهار يستجدون منهم العطاء والتأييد!
أفلم يأن لكم أيّها المسلمون بعد كلّ هذا أن تحزموا أمركم، وأن تنبذوا كلّ نظام وضعيّ، وكلّ من التمس غير سبيل المؤمنين فتعلموا أنّ مخرجكم من هذه الظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض إنما هو نظام الإسلام الذي أوحاه ربُّكم وخالقكم لرسولكم الأكرم صلّى الله عليه وسلّم، نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة الذي وعدكم نبيُّكم "... ثمّ تكون خلافة على منهاج النبوّة".
أيّها المسلمون:
أليست "... لِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً"؟
أليس الحق في قول الله تعالى: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"
أليست الجنّة حقّاً والنّار حقّاً؟
أيها المسلمون: إنّنا في حزب التحرير نناديكم لتقوموا معنا نصرة لله ولرسوله ولدينه، فقد حق القول والفعل، فهل أنتم مجيبون؟
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
التاريخ الهجري :25 من رجب 1433هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 15 حزيران/يونيو 2012م
حزب التحرير
ولاية تونس