المكتب الإعــلامي
ولاية لبنان
التاريخ الهجري | 22 من رمــضان المبارك 1432هـ | رقم الإصدار: u062d.u062a.u0644 42/32 |
التاريخ الميلادي | الإثنين, 22 آب/أغسطس 2011 م |
نص المؤتمر الصحافي الذي ألقاه رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير أحمد القصص لإعلان مضمون الكتاب الذي سلمه مسؤولو الحزب في لبنان للسفير الإيراني
بناء على طلب السفير الإيراني في لبنان د. غضنفر ركن أبادي لقاء مسؤولي "حزب التحرير-ولاية لبنان"، استقبله رئيس الهيئة الإدارية د. محمد جابر ومدير المكتب الإعلامي المركزي المهندس عثمان بخاش ورئيس المكتب الإعلامي في لبنان أحمد القصص وعضو لجنة الاتصالات المركزية المهندس صالح سلام.
وقد جرى خلال اللقاء التداول في الأوضاع السياسية عمومًا وأحداث سوريا خصوصًا. وقد سلّم د. جابر سعادة السفير كتابًا يوضح فيه موقف الحزب من سياسة إيران عمومًا وموقفها من انتفاضة سوريا خصوصًا. وفي ما يلي أهم ما ورد في هذا الكتاب:
هل قام نظام الجمهورية الإيرانية ليطبّق الفكرة الإسلامية القائمة على العقيدة الإسلامية والمتجسّدة في أحكام الشريعة دون سواها؟
الإجابة على هذا السؤال تقتضي بعض التفصيل في سياسات الجمهورية في مجالين: في السياسة الداخلية، وفي السياسة الخارجية.
مراجعة لواقع النظام الإيراني وسياسته الداخلية:
من خلال مراجعة السياسات التعليمية والثقافية والإعلامية للنظام الإيراني يخرج المراقب بخلاصة واضحة: وهي أنّ هذه السياسات إنّما قامت على نزعة قومية فارسية واضحة، وأنّهالم تُراعَ الناحية الإسلامية إلا من خلال مسحة تجميلية لإضفاء الشرعية الإسلامية على الدولة والمجتمع في إيران. فلم يتمّ بناء الدولة والمجتمع على أساس الفكرة الإسلامية الصافية، بدليل أنّ النظام استمر في التصرّف بناء على النظرة القومية الفارسية لا الإسلامية، حيث يشترط أن يكون الرئيس إيرانياً ومن أبوين إيرانيين، ويجعل الدولة لإيران فقط وليس للأمة الإسلامية. ولم يجعل اللغة العربية - وهي لغة الإسلام- لغة رسمية في الجمهورية، وما زال الجدل يدور حتّى الآن في إيران حول الهوية الإيرانية والهوية الإسلامية وتداخل البعد القومي الإيراني في كلّ هذا، وما الاستمرار في الاحتفال بما يسمّى بعيد النوروز إلا مثالاً على الاحتفاظ بالنـزعة القومية. ولا يخفى ما أثارته هذه النـزعة من إثارة للعصبيات بين الفرس من جهة وسائر سكان إيران من العرب والبلوش والأكراد وغيرهم من الجهة الأخرى. وهذه النـزعة نفسها كان لها انعكاساتها على السياسة الخارجية للجمهورية. وهذا يقودنا إلى الكلام في هذه السياسة.
نظرة في السياسة الخارجية:
إن الواجب الشرعي يحتّم النظر إلى المسلمين بصفتهم أمّة واحدة، لا شعوبًا وأممًا ودولاً يفصل بينها ما يسمّى بحدود وطنية تمزّق الأمّة وتشكّل سياجًا لحماية النظم التي أوجدها الكافر المستعمر لتخدم مصالحه الاستعمارية. ولكنّ الناظر في واقع السياسات الإيرانية المتّبعة عبر العقود الثلاثة الماضية يجد أنّ شيئًا من هذا لم يحدث. والذي حدث لم يتعدّ رفع الشعارات البرّاقة في الظاهر والخاوية من أيّ محتوى عملي. وهذا بحدّ ذاته يكشف غياب النظرة الجامعة للأمّة الإسلامية من حيث هي أمّة متميّزة عن غيرها من الأمم تربطها أواصر العقيدة الإسلامية ومفاهيم الإسلام وشريعته.
ولقد جاءت السياسة الخارجية لنظام الجمهورية الإيرانية لتؤكّد النـزعة القومية في التفكير والتصرّف العملي. فهذه السياسة لم تستهدف يومًا توحيد الأمّة الإسلامية في إطار الإسلام الذي يقتضي بناء الدولة الإسلامية الجامعة، فعلاً لا تنظيراً أو أقوالاً.
فالجمهورية الإيرانية في علاقاتها مع الكيانات القائمة في العالم الإسلامي لم تلتفت أيّما التفات إلى مقتضيات الشرع الإسلامي، ولم تكن السيادة في هذه العلاقات للمبدأ الإسلامي، بل بنت هذه العلاقات على أسس فاسدة تكرّس ما أوجده الاستعمار من أوضاع كارثية في العالم الإسلامي، فراحت تتحالف مع نظام الطغيان البعثي العلماني في سوريا، ليس فقط في سياق مواجهتها لحرب "صدام حسين"، بل وصولاً إلى هذه اللحظة التي يرتكب فيها النظام البعثي في سوريا بحقّ شعبه من الجرائم ما ارتكبه الشاه بحقّ أهل إيران في عهده البائد.
ولطالما كانت المناورات السياسية والعسكرية الإيرانية لفرض الهيمنة والنفوذ في الخليج الإسلامي، والجدل حول فارسية هذا الخليج أو عروبته في وقت بسطت أميركا هيمنتها عليه، لطالما كان دليلاً على الخلفية القومية العنصرية للسياسة الخارجية الإيرانية.
وفي أفغانستان نجد أنّ النظام الإيراني رحّب بالاحتلال الأميركي لأفغانستان ونسّق معه. و كان الواجب الشرعي يقضي بنصرة أبناء الأمّة ضدّ المحتلّ والعمل على منع احتلاله أيّ أرض إسلامية.
وكذلك في العراق نجد أنّ إيران عمدت إلى تطبيع الأوضاع في ظلّ الاحتلال الأميركي من خلال الجماعات التي تدين لها بالولاء في هذا البلد، حيث أوعزت إليها التنسيق معه والعمل تحت وصايته، بل وصل الأمر إلى درجة مشاركة إيران رسمياً في اجتماعات التنسيق الأمني المباشر التي يشرف عليها الاحتلال الأميركي، ومن ثمّ زيارة الرئيس الإيراني للعراق في ظلّ الاحتلال ولقاء أركان الحكم العملاء لهذا الاحتلال داخل المنطقة الخضراء التي يسيطر عليها جيش الاحتلال سيطرة كاملة. وكان الواجب الشرعي يفرض عدم السماح لأمريكا باحتلال العراق، وإذا ما حصل هذا الاحتلال رغمًا عن المسلمين فالواجب الشرعي يفرض رفع راية الجهاد صراحة وعلانية لتحرير الأرض الإسلامية، لا للضغط على المحتلّ من أجل مقاسمته مكاسب الاحتلال. والمسلمون الذين أذلّوا السوفيات في أفغانستان ويكبّدون الاحتلال الغربي اليوم أفدح الخسائر، وكذلك المجاهدون الذين مرّغوا أنوف اليهود في لبنان قادرون على دحر الأميركيين وحلفهم الصليبـي من العراق وأفغانستان. ولكن أنّى لإيران أن تدحر الأميركيين بينما يصرّح قادتها أنّه لولا تعاون إيران لما تمكّنت أميركا من احتلال أفغانستان؟! فقد نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 9/2/2002 عن الرئيس الإيراني السابق "علي أكبر هاشمي رفسنجاني" قوله: "إنّ القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها، وإنّه لو لم تساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأميركيون في المستنقع الأفغاني"، وأضاف: "يجب على أميركا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبي لما استطاعت أميركا أن تُسْقط طالبان". وفي 15/1/2004 وقف "محمّد على أبطحي" نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية بفخر في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل في إمارة أبو ظبي ليعلن أنّ بلاده "قدّمت الكثير من العون للأميركيين في حربيهم ضدّ أفغانستان والعراق"، ومؤكّدًا أنّه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابل وبغداد بهذه السهولة". كما أنّ إيران صرّحت أنّها جاهزة لمدّ يد المساعدة لنظام كرزاي (الأميركي) في كابل بضخّ ملايين الدولارات له؟! ويصرّح المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية "رامين مهمانبرست" في 26-10-2010 أنّ إيران "قدّمت مساعدة كبيرة لتسهيل استقرار أفغانستان"، بعد أن أقرّ الرئيس الأفغاني بتلقّي أموال من إيران! وتستقبل إيران النائب الأوّل للرئيس الأفغاني الجنرال "محمّد فهيم" 26-12-2010! فضلاً عن الاجتماعات المتعدّدة مع عملاء أميركا في أفغانستان! أليس في هذا كلّه تطبيع مع الاحتلال الأميركي؟! وها نحن نرى الأميركيين يقيمون المنشآت والقواعد العسكرية الضخمة التي تضمن هيمنتهم وتحكّمهم بالبلاد في كلّ من العراق وأفغانستان. ونرى الآن أن إيران تغض الطرْف عن موافقة أتباعها من عملاء أميركا في العراق على بقاء القوات الأميركية في العراق بعد نهاية سنة 2011، خلافاً للاتفاق المعقود.
أمّا عن قضية فلسطين، فإنّ الواجب الشرعي القاضي بوجوب تحرير كلّ شبر فيها، لا يتمّ عبر دعم تنظيمات مسلّحة لا تملك من أمرها شيئًا، أو عبر إعلان يوم سنوي للقدس في رمضان من كلّ عام، أو عبر التحالف مع النظام السوري الحريص على عدم تكدير صفو اليهود ولو بخرمشة على جبهة الجولان؟! وقد أثبت الزمن خلال ثلاثين عامًا أنّ عقد مهرجانات ومؤتمرات باسم القدس والأقصى لا يسمن ولا يغني من جوع، بل يعطي دولة يهود الفرصة الزمنية لتكريس يهودية القدس، بل ويهودية فلسطين كلّها. ولو كان النظام الإيراني جادًّا فيما يرفعه من شعار تحرير الأقصى والقدس لاتّبع السبل والوسائل التي توصله إلى ذلك فعلاً لا قولاً.
وأمّا عن الموقف الإيراني من النظام البعثي الحاكم في سوريا، فلقد شكّل وقوف إيران بجانب النظام الطاغوتي المجرم في سوريا القشّة التي قصمت ظهر البعير, ولا ندري إن كان هناك متّسع من الوقت لتخلّص إيران نفسها من هذه الورطة التي جنتها على نفسها ولطّخت بها تاريخها الثوري كلّه، إذ استدعت السؤال المشروع التالي: إذا كانت الثورة الإيرانية قد انتفضت ضدّ ظلم الشاه وإجرامه واستحقّت بذلك تأييد الأمّة العارم يومذاك، فكيف تبرّر اليوم وقوفها إلى جانب النظام البعثي في سوريا الذي ضاهى في جرائمه ما ارتكبه شاه إيران سيّء الذكر من قتل لعباد الله وسفك لدمائهم وتكسير لعظامهم وقلع لأظفار أطفالهم وتهجير لعائلاتهم بعد قطع الماء والكهرباء عن دورهم، دون مراعاة لحرمة شهر رمضان الكريم أو أيّ حرمة أخرى... وهذا كلّه بعد عقود من الممارسات العلمانية التي انتهكت من مقدّسات الإسلام وحرماته ما انتهكت ونشرت من الموبقات والرذائل ما نشرت! لا شكّ أنّ هذا الموقف ينقض كلّ تاريخها وشعاراتها في نصرة الشعوب المستضعفة في كفاحها لنيل حقوقها والتخلّص من الظلم الواقع عليها؟! فالجمهورية الإيرانية بوقوفها اليوم إلى جانب الطاغية الابن أعادت إلى الذاكرة وقوفها بالأمس إلى جانب الطاغية الأب، مستعدية بذلك أهل بلاد الشام، بل سائر الأمّة المتألمّة لألمهم. إذ كيف للنظام الإيراني أن يدعم النظام البعثي الكافر في حربه على أهل سوريا في الوقت الذي يرفع فيه عقيرته بالاحتجاج على ممارسات شيخ البحرين ضدّ ثوّار البحرين؟! أليس في هذا من التناقض ما لا يخفى على أولي الألباب؟!
والقول إنّ النظام السوري هو نظام ممانع وإنّه دعم المقاومة الإسلامية التي مرّغت أنف يهود في لبنان، لا يبرّر الوقوف إلى جانب النظام الظالم ضدّ الشعب المظلوم، فضلاً عن أنّ الواقع يثبت أنّ شعار الممانعة الذي يرفعه نظام آل الأسد ليس سوى شعار مخادعة يتوسّله لتكريس هيمنته وتسلّطه على سوريا وأهلها. فلقد أعلن رأس هذا النظام بوضوح أنّ هدفه الإستراتيجي هو السلام مع كيان يهود، وأنّ دعم المقاومة ما هو إلا مرحلة مؤقتة ريثما تنجح المفاوضات في التوصّل إلى هذا السلام. والآن ترى إيران أن حكم بيت الأسد إلى أفول سريع والشعب السوري هو الباقي، فمصلحة إيران الحقيقية هي مع سوريا الباقية وليس مع شخص بدأ سقوطه.
لطالما أعلنت إيران أنّها حريصة على درء الفتنة الطائفية بين السنّة والشيعة. ولكنّ سياستها في أفغانستان وفي العراق وفي الخليج وفي لبنان وفي سوريا... قد تخدم الفتنة الطائفية بدلاً من أن تئدها. وإنّ وقوفها اليوم بجانب النظام البعثي في سوريا من شأنه أن يفاقم خطر الوقوع في فخّ هذه الفتنة. وإنّ إصرار إيران على اعتماد السياسة القومية الفارسية والتمييز بين ثورة البحرين وثورة سوريا فتدعم هذه وتحارب تلك، من شأنه أن يؤجّج هذه العداوة، وإنّها لخطيئة من الخطايا التي لا يغفرها التاريخ.
هذه جملة من القضايا نحسب أنّها أساسية للتباحث بشأنها. ولا نحتاج إلى التذكير بأن "حزب التحرير" إنّما يبني نظرته إلى ذلك كلّه على أساس الإسلام، نظرة صافية نقيّة لا تشوبها شائبة، لا قومية ولا وطنية ولا مذهبية ولا طائفية، فالحزب يوجّه دعوته لكلّ مسلم أينما وجد.
فإن كان لدى الإخوة في إيران النيّة الصادقة لبحث هذه الأمور بصدق وشفافية فحيهلا، وسيجدون أنّ قلوبنا وعقولنا مرحّبة بالنقاش الجادّ الهادف إلى نصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله. أمّا التوقّف عند المعالجات السطحية والمجاملات الشكليّة مع البعد عن السياسة الإسلامية الصافية، فلن يزيد النظام الإيراني إلا بُعدًا عنّا وعن سائر الأمّة.
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) .
المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية لبنان |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: +961 3 968 140 |
فاكس: +961 70 155148 E-Mail: tahrir.lebanon.2017@gmail.com |