المكتب الإعــلامي
ولاية لبنان
التاريخ الهجري | 7 من شـعبان 1433هـ | رقم الإصدار: u062d.u062a.u0644 33/38 |
التاريخ الميلادي | الأربعاء, 27 حزيران/يونيو 2012 م |
نص الكلمة التي ألقاها رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية لبنان أحمد القصص في المؤتمر الصحافي تعليقًا على تصريحات النائب ميشال عون خلال زيارته لزحلة
أثناء زيارة لمدينة زحلة البقاعية نهاية الأسبوع الفائت، قال النائب ميشال عون في أحد خطاباته التحريضية المعتادة: "نحن مهدَّدون بقيمنا، فأول مبدأ عند "حزب التحرير" الذي يُعتبر من الأحزاب "المعتدلة"، أن "الديموقراطية هي ضد الشريعة"، وهدفه هو أسلمة الكون وليس فقط منطقتنا، وعقيدتهم تطالب الشعوب باعتماد الشريعة الإسلامية وتطبيقها، حتى ولو لم تكن هذه الشعوب من الديانة الإسلامية، وهذا بالطبع يهدِّد وجودنا".
وفي تعليق على هذه الزيارة قالت جريدة الأخبار: إن الزيارة حملت عنوانًا واحداً هو "مواجهة ارتدادات ثورات الربيع العربي" التي وصفها عون بأن "ليس فيها إلا نار جهنم". كما قال: إن زيارته المدينة "ليست لغاية انتخابية بل للبحث في الخطر الذي يتهددها"، وقال: "إن زحلة القريبة من الشام ستكون أول مدينة مسيحية تواجه هذا الوضع". وقال بوضوح في خلوته مع المطارنة إنه مع نظام الرئيس بشار أسد "لأنه نظام علماني ويحمي المسيحيين"، و"أقف معه لأن البديل يريد إلغاء الآخر، ولا يمكن لنا المقامرة والقول إن البديل عنه يحمي وجودنا في هذا الشرق".
وقال: "هناك خطر مصيري جاثم على حدودنا لا يؤمن بقيمنا، فما يحصل بسوريا بات على أبوابنا، ونحن لا نريد أن نكون قسطنطينية نختلف على جنس الملائكة فيما "محمد الفاتح" يطوّقنا، ونحن اليوم لا نقبل بأقلّ من حرية المعتقد، وأيّة جماعة تريد الوصول إلى الحكم وإفقادنا هذا الحق، سنقاومها قبل أن تصل إلينا، نقاومها بمواقفنا وبالدعم لمن يناهضها".
كما أنه على سابق عهده عاد ليحرض على طرابلس قائلاً: "هناك الكثير من الخلايا الإرهابية التي تكبُر وتحمل السلاح وتخرّب، هناك ألف مسلّح في طرابلس يهدِّدون أمن المدينة ولا أحد يتحرك".
إن هذه التصريحات من النائب ميشال عون تعيد التأكيد من جديد أن عون قد حسم أمره في اتخاذ أهل الشام وسائر الأمة التي ينتمون إليها عدوًا لدودًا له، وأنه سيتحالف مع كل عدو لهذه الأمة ما دام هذا العدو عاملاً على إجهاض هذه الثورة، قالها بكل بوضوح: "سنقاومها قبل أن تصل إلينا، نقاومها بمواقفنا وبالدعم لمن يناهضها". لذلك هو اليوم حليف للعصابة المتسلطة في سوريا وللنظام الإيراني ولروسيا والصين الذين يحاربون ثورة الشام علناً، بل هو فوق كل ذلك حليف لأميركا و(إسرائيل) وسائر الدول التي تناهض الثورة بشكل غير معلن. والذي جمعه مع هؤلاء جميعًا هو مناهضة ثورة الشام. وهو صريح في عَزوِ عدائه لهذه الثورة إلى كونها ثورة إسلامية تتطلع إلى استئناف الحياة الإسلامية وتطبيق شرع الله تعالى، إذ يخوِّف النصارى من أن مشروع حزب التحرير في سوريا وسائر البلاد الإسلامية هو "اعتماد الشريعة الإسلامية وتطبيقها"، وشبّه ذلك المستقبل الماثل في الأفق القريب بالحصار الذي ضربه السلطان العثماني "محمد الفاتح" على القسطنطينية والذي آل بعد ذلك إلى فتحها وتحولها إلى "إسلامبول" عاصمة الخلافة مدة أربعة قرون، مدّعيًا أن ذلك يشكل خطرًا على وجود النصارى في المنطقة وعلى حرمانهم من اعتناق عقيدتهم وممارسة شعائرهم!
وعليه نقول للنائب عون ما يلي:
1- ما دمت ترى أن ثورة الشام قد شارفت على الانتصار وأن أهل الشام سيستعيدون عما قريب بإذن الله تعالى سلطانهم المغصوب، أما كان أولى بك أن تكفّ عن تسويد صحائفك معهم بدعم العصابة التي تسفك دماءهم، وأن يكون لك من الصنيع معهم ما تصون به مستقبلك ومستقبل أتباعك؟! أم تراك أخذت على عاتقك إثارة الضغائن بين الطوائف والأمة التي يعيشون معها لتعلن بعد ذلك الشكوى من ظلم المسلمين للطوائف الدينية؟!
2- تُنكِر يا سعادة النائب على حزب التحرير أنه يهدف إلى (أسلمة) الكون وأنه يدعو إلى اعتماد الشريعة الإسلامية. ونحن نقول لك ولكل الناس: هذه ليست تهمة توجَّه إلينا، بل شرفٌ نفتخر به ونرفع جباهنا عالية. ولكن عليك أن تعلم أن هذه ليست غاية حزب التحرير وحسب بل هي غاية الإسلام نفسه من حيث هو دين ورسالة حضارية للناس جميعا. قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). لذلك فإن عالمية الإسلام لم تبدأ لا مع حزب التحرير ولا مع أية حركة معاصرة، وإنما بدأت منذ عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين الذين افتتحوا مسيرة حمل الرسالة الإسلامية خارج جزيرة العرب حتى وصل انتشار الإسلام إلى المحيط الهادي شرقًا والمحيط الأطلسي غربًا مخترقًا أوروبا من غربها وشرقها وصولا إلى وسطها. وعليه فإن كان لك مشكلة مع عالمية الدعوة الإسلامية فهي ليست مع حزب التحرير، وإنما هي مع الإسلام نفسه ومع تاريخه وتراثه، ومع كل مسلم يفهم الإسلام حق فهمه ويحمله كما ينبغي له. وفي كل الأحوال ليس المسلمون أول من حملوا رسالتهم إلى العالم كله، ألا ترى أن رسالة المسيح عليه الصلاة والسلام قد تجاوزت بني إسرائيل لتصل إلى أجدادك، ولتنتشر النصرانية بعد ذلك في كافة أرجاء العالم؟! بل ألم تر أن الغرب المعاصر حمل إلى سائر العالم ثقافته وطريقة عيشه وديمقراطيته فتلقّفتَها وتباكيتَ عليها لأن حزب التحرير يرفضها ويعدّها مخالفة للإسلام؟!
3- ثم بعد ذلك تُخوِّف النصارى من اعتماد المسلمين الشريعة، وتقول: "وهذا بالطبع يهدد وجودنا"، وتقول: "نحن مع نظام الرئيس بشار أسد لأنه نظام علماني". فهلا أخبرتنا ما مشكلتك مع تطبيق الشريعة، ولماذا تفضل العلمانية عليها؟! أليست الشريعة قد كفلت للنصارى وسائر الطوائف ممارسة شعائرهم بالكامل دونما تعرض لخصوصياتهم الدينية ولأحوالهم الشخصية؟ ألم تقرأ ما كتبناه لك ولتيارك مرارًا ودوّنته كتب الفقهاء من أن النظام الإسلامي لا يفرق في رعاية الشؤون بين مسلم وغير مسلم؟ ثم ما الذي قدّمته العلمانية للكنيسة وأتباعها؟! ألا ترى ما أنتجته العلمانية في الغرب، من انعدام القيم الروحية والخلقية والإنسانية، ومن تفكك العائلة وتفشي الرذيلة ورسوخ النزعة الفردية وسيطرة القيمة المادية على كافة جوانب الحياة؟! ألم تأتك أنباء الكنائس الخاوية على عروشها في أوروبا ويبحث القساوسة عن الرواد فلا يجدونهم؟ أم لـمّا تأتك أخبار المثليين الذين زوّجتهم الكنيسة وكلّلتهم تملّقًا للمجتمع العلماني في الغرب؟! أخبِرنا عن شيء واحد دفعك إلى تفضيل العلمانية على الشريعة!
4- وتقول: "نحن اليوم لا نقبل بأقلّ من حرية المعتقد"، وتقول إن مشروع الدولة الإسلامية الذي يعمل له حزب التحرير "يهدد وجودنا"! ونحن بدورنا نسألك: هل رأيتَ المسلمين حين حملوا الإسلام إلى العالم وملكوا أوسع بلاد الدنيا وبقيت دولتهم أقوى دولة في العالم مئات السنين، هل رأيتَهم ألغوا أهل الأديان من الوجود وأرغموهم على ترك أديانهم ومنعوهم من ممارسة شعائرهم؟! يقول المستشرق الشهير توماس أرنولد: "لقد عامل المسلمون المسيحيّين العرب بتسامح عظيم منذ القرن الأوّل للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع بحقّ أن نحكم أنّ القبائل المسيحيّة التي اعتنقت الإسلام إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة حرّة، وأنّ العرب المسيحيّين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التّسامح". وبما أنك حذرت النصارى من خطر السلطان العثماني محمد الفاتح فاسمع ما يقوله المستشرق نفسه عن العثمانيين: "إن المعاملة التي أظهرها السلاطين العثمانيون للرعايا المسيحيين - على الأقل بعد أن غزوا بلاد اليونان بقرنين - لتدل على تسامح لم يكن مثله حتى ذلك الوقت معروفًا في سائر أوروبا. وإن أتباع كالفِن في المجر وترانسلفانيا، وأصحاب مذهب التوحيد من المسيحيين الذين كانوا في ترانسلفانيا، طالما آثروا الخضوع للأتراك المسلمين على الوقوع في أيدي أسرة هابسبورج المتعصبة. ونظر البروتستانت في سيليزيا إلى السلطنة بعيون الرغبة، وتمنوا بسرور أن يشتروا الحرية الدينية بالخضوع للحكم الإسلام".
ثم هلا أنبأتنا يا سعادة النائب كيف انحدرتَ من آباء وأجداد أقاموا في هذه البلاد وسكنوها طوال قرون من حكم المسلمين لو كان المسلمون يلغون الآخر كما تزعم؟! أم تراك تحسب أن الدولة التي صانت أجدادك وحافظت على كنائسهم طوال التاريخ الإسلامي علمانية بعثية كنظام الأسد الذي تلوذ به؟!
5- أما عن طرابلس ومسلحيها الألف الذين أحصيتهم، فهل رأيت لبنان قد خلا من السلاح ولم يتبق إلا أسلحة هؤلاء الطرابلسيين حتى دققت ناقوس الخطر منهم؟! الحقيقة أن مشكلتك ليست مع هذا السلاح بوصفه سلاحًا، وإنما مشكلتك معه أنه خارج عن سيطرتك وسيطرة حلفائك، وترى ويرون أنه يجب أن يكون حكرًا عليكم فقط. ومشكلتك مع طرابلس ليست في المقاتلين الإرهابيين كما تسميهم، وإنما مشكلتك معها أنها خارجة عن سيطرة الحلف الذي تنتمي إليه وأنها التحقت بثورة الشام باعتبارها جزءا من بلاد الشام والأمة الإسلامية، وأنها تقف عقبة أمام مشروع حلفك بالتحصن بالكيان اللبناني من دولة قادمة في الشام تنتمي إلى أمتها بعد نصف قرن من اختطافها.
يا حضرة النائب المغامر، أنت رائد في بعض قومك على الأقلّ، والرائد لا يكذب أهله، فكن صادقًا مع طائفتك وانصحهم بالولاء والوفاء للأمة التي وفّت لهم مئات السنين وحمت ذمارهم وصانت مقدساتهم وعاملتهم بوصفه بشرًا لهم حق الرعاية بدل أن تزرع الشقاق بينهم وبين أهلهم وجيرانهم ومعايشيهم دهورًا من الزمان. وإن غدًا لناظره لقريب، وسيثبت التاريخ من جديد رقي المسلمين في التعامل مع الناس، لا منة منهم عليهم، وإنما خضوعًا لأمر الله تعالى في معاملة الناس بالحسنى.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية لبنان |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: +961 3 968 140 |
فاكس: +961 70 155148 E-Mail: tahrir.lebanon.2017@gmail.com |