الجمعة، 25 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الكلمة الثالثة في مؤتمر "المرأة والشريعة: للتمييز بين الحق والباطل" تفنيد افتراءات وسائل الإعلام ضد المرأة والشريعة الإسلامية (مترجم)

بسم الله الرحمن الرحيم


(1) مقدمة:


• أخواتنا العزيزات وضيوفنا الكرام، قام الحكام الفرنسيون في عام 1870، والذين كانوا يحاولون إحكام سيطرتهم الاستعمارية على أجزاء من العالم الإسلامي، بالتوصية بأن يقوم الرجال الفرنسيون بالتزوج من النساء العربيات. وقد عبر مؤيد لهذه السياسة عن ذلك بقوله: "إنه من خلال النساء يمكننا السيطرة على أرواح الناس".


• أدرك المستعمرون أن النساء في المجتمع الإسلامي، هنّ‎ محور الأسرة، والعمود الفقري للمجتمع، ومربيات الأطفال. وأنك إذا تمكنت من أسر قلوبهن وعقولهن، فإنك ستأسر أرواح أجيال المسلمين في الحاضر والمستقبل، وستصنع أجيالًا تدافع عن معتقداتك وأنصارًا لحكمك. ولذلك سعى الحكام الغربيون للسيطرة على روح المرأة المسلمة من خلال تشكيل ذوقها بحسب قيمهم الغربية؛ وأقنعوها بالنظر إلى تاريخها الإسلامي من خلال وجهة النظر الغربية؛ وصاغوا آمالها وتطلعاتها من خلال رؤيتهم.


• لقد كانت وسائل الإعلام من أهم الوسائل التي استغلوها عبر الأجيال المتعاقبة لتحقيق هذا الهدف. ذلك أنها تشكل مرآة لتلك الروح، ولكن ليس من خلال تقديم التصور الحقيقي لمكانة المرأة المسلمة في الدين الإسلامي؛ لأنها لو فعلت، أي وسائل الإعلام، لكانت قد بينت أن المرأة تعتنق نظامًا يطبق حقيقة أحكامًا تصون كرامتها وتحقق رفاهيتها، ونظامًا قد رفع مكانتها في المجتمعات، وكان رائدًا أيضًا في جعلها تتمتع بكافة حقوقها السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية، وذلك منذ قرون قبل نشوء الحضارة الغربية.


• كلا لم تفعل! فوسائل الإعلام العلمانية قد أخفت وطمست هذا التصور الحقيقي الصادق لمكانة المرأة في الشريعة الإسلامية. وبدلًا من ذلك، فقد بنت وسائل الإعلام هذه صورة قبيحة مشوهة لهويتها كامرأة مسلمة وكيف أنها كانت تتعرض لسوء المعاملة اعتمادًا على الكذب والتضليل؛ حيث إنها كانت سجينة، ومستعبدة، وتتعرض للعنف، ومواطنًا من الدرجة الثانية، وأصبحت عبارة "ضحية" رديفة لعبارة "محجبة"؛ فقد أصبحت المرأة المحجبة عند الكثيرين رمزًا واضحًا على ظلم الإسلام للنساء.


• وقد أدت هذه الصورة الخاطئة المشوهة إلى أن تخجل الكثير من النساء المسلمات من ثقافتهن الإسلامية، وحدت بهن إلى احتقار تاريخهن الإسلامي والخوف من عودة حكم الإسلام، وفي الوقت نفسه يتم إغراؤها بنمط الحياة العلمانية المتحررة، وبالثقافة والنظام العلماني، ويتم تصوير كل ذلك على أنه الطريق إلى حياة كريمة. وتم العمل بخط مواز من أجل تركيز الشبهات والكُره تجاه الإسلام في المجتمعات التي لا يدين أهلها بالإسلام. وهذا كله قد ساعد الحكومات العلمانية، في الشرق والغرب، على تنفيذ مخططاتهم في إضعاف تمسك المسلمين بمعتقداتهم الإسلامية، وتغييب الإسلام عن الحياة العامة، وذلك من خلال إيجاد رأي عام في تلك الدول يقبل بمنع الحجاب والنقاب، ويقبل بسياسات قمعية أخرى ضد المسلمين، وكذلك يقبل غزو بلاد المسلمين لتحقيق مصالح سياسية؛ وكل هذا تحت شعار حماية المرأة المسلمة مما يسمى الثقافة الإسلامية "القمعية".


• لقد كتبت جيما مارتن مونيوز، أستاذة علم الاجتماع في العالم العربي والإسلامي في جامعة مدريد، مقالًا بعنوان "نساء المسلمين في عيون الغرب"، ومما جاء فيه: "إن وسائل الإعلام لا تشكل فقط المصدر الوحيد تقريبًا للمعلومات والصور والمواقف التي تصنعها، ولكنها تعمل أيضًا على استمرار الصور النمطية والتخيلات الثقافية الموروثة تاريخيًا والتي تشكل جزءًا من بنك الذاكرة الجماعية الوطنية".


• أخواتنا الكريمات، إن هذه الصور النمطية الموروثة والصور الثقافية الكاذبة عن النساء المسلمات ومكانتهن في الإسلام لا يمكن أن تستمر دون مواجهة. ويجب ألا تكون هذه الأكاذيب الصوت المهيمن في خطاب وسائل الإعلام حول المرأة والشريعة الإسلامية. ولا بد من تحليل هذه الأكاذيب والرد عليها وبيان زيفها. وللقيام بذلك لا بد أن نعرف أولًا المصادر التي تَستمد منها وسائل الإعلام هذه الأكاذيب عن استعباد الشريعة للمرأة.

 


(2) بيان زيف ادعاءات المستشرقين عن وضع المرأة في ظل الخلافة العثمانية:


• إن أحد هذه المصادر الرئيسية هي خرافات المستشرقين الغربيين القديمة حول معاملة النساء في ظل الخلافة العثمانية.


• لقد صورت كتابات ورسومات المستشرقين الغربيين والمؤرخين والسياسيين، لقرون عدة، مكانة وحياة المرأة في ظل حكم الخلافة العثمانية على أنها كانت حياة عبودية وسجن، حياةً يقوم فيها الرجال باستعباد النساء. ولقد صورت الكتب الخرافية والشهوانية ككتاب "ألف ليلة وليلة"، وكذلك أعمال الفنانين والرحالة الأوروبيين، المجتمع العثماني كمكان شهواني، حيث كانت تعيش فيه النساء كبضائع عاجزة يمتلكها الأزواج، تعيش حياة الأسيرة في بيوتهن، وتُعامل على أنها مجرد وسائل لتوفير المتعة للرجال. ولم يجعل أي شيء تلك الحياة رمزًا أكثر من "الحريم" بالنسبة للعقلية الغربية، وقد وفرت هذه التسمية خيالًا خصبًا للمستشرقين الغربيين. وقد أصبحت المشاهد التي تصور حياة المرأة كأنها حياة ملؤها الجنس، حيث تكون المرأة فيها أسيرة تطوف على الرجال لإرضائهم، وأصبحت المشاهد هذه تُصَّور على صفحات الكتب ولوحات الفنانين. وكل ذلك يتم وفق الشريعة الإسلامية وأحكامها.


• لقد شكلت هذه الأوصاف الغربية "للشرق الغريب" ولقرون عدة المواقف الغربية تجاه واقع المرأة في أحكام الشريعة الإسلامية. ولقد تكررت هذه الصور بشكل لا يحصى على شاشات السينما والتلفزيون في القرنين الـ20 و21، وأصبحت هي الصورة السائدة في الثقافة العامة، وتأصلت في نظر الكثير من الغربيين وكذلك عند الكثير من المسلمين.


• إن هذه الأوصاف هي التي حددت الكثير من اتهامات وسائل الإعلام في العصر الحديث ضد أحكام معينة من أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام. فالنقاب على سبيل المثال، صورته وسائل الإعلام على أنه لباس سجن وعزلة يطمس صوت المرأة ويعزلها عن الحياة؛ وهذه النظرة هي تقريبًا امتداد للجدران التي ضُربت حول الحريم كالسجن كما صورها المستشرقون، والأمر نفسه ينطبق على فكرة الفصل بين النساء والرجال التي وصفت بأنها "فصل بين الجنسين" وهي وسيلة أخرى لعزل المرأة عن المجتمع.


• غير أن هذه الأوصاف التي استخدمها المستشرقون لتصوير حياة النساء في ظل الخلافة العثمانية، في الحقيقة، مجرد تلفيق صادر عن الأوهام الأوروبية. وكانت في الأساس نتيجة لأعمال الكتاب والفنانين الذكور الغربيين الذين لم يكن يُسمح لهم أبدًا بالقيام بأي اتصال عن قرب مع النساء في الدولة العثمانية، ولم يكن يُسمح لهم أبدًا بالدخول إلى أماكن النساء الخاصة بسبب التطبيق الصارم لحكم الإسلام في الفصل بين الرجال والنساء الذي كانت تطبقه الدولة. ولذلك كان من المستحيل تقريبًا أن يكون للذكور الأجانب أي فرصة للدخول إلى حياة النساء المنزلية أو الخاصة في الدولة العثمانية.


• إلا أن كتابات المسافرات الأوروبيات، اللواتي تَمكنَّ من العيش بالقرب من النساء في الدولة العثمانية والدخول إلى حياتهنّ الخاصة لمشاهدتها عن قرب، يرسمن صورة مختلفة تمامًا عن أوصاف المستشرقين الذكور. وهؤلاء المسافرات أبطلن فكرة أن النساء في ظل الخلافة العثمانية كن أسيرات، ومستعبدات، ويعاملن بصورة مهينة؛ بل لقد شهدن بعكس ذلك. وكتبت إجناتيس أوهسون (M. De M. D'Ohsson)، وهي امرأة أرمينية عملت في السفارة السويدية لسنوات طويلة في القرن الثامن عشر، عن الخلافة العثمانية، ومما كتبت: "كل من يتصرف بشكل سيئ تجاه المرأة، بغض النظر عن منصبه أو دينه، لا يمكن أن يفلت من العقاب، لأن الدين يأمر بشكل عام بأن تُحترم النساء. ولهذا السبب يتعامل كل من الشرطة والقضاة بشكل شديد جدًا مع أي شخص أساء معاملة النساء".


• إن هؤلاء الكاتبات الأوروبيات قد فندن الادعاء بأن "الحريم" كانت عبارة عن أماكن لسجن النساء، وقد وصفنها بدلًا من ذلك ببساطة بأنها أماكن عيش النساء داخل بيت الأسرة، وقد فصّلن كيف أن النساء كانت لهن حرية مغادرة تلك الأماكن للنشاطات الترفيهية أو طلبًا للإنصاف من خلال المحاكم إذا ما انتُهكت حقوقهن. وقد هاجمن أيضًا الاتهامات بأن الحريم أماكن يجري فيها الفساد الجنسي حيث تعرض فيها النساء لمتعة الرجال، وبدلًا من ذلك، فقد وصفن النقاء والتقوى والتقدير لطبيعة التعامل داخل الأسرة العثمانية الإسلامية. وقد تحدثن عن كيف أن الرجال يلتزمون بشكل صارم بالأحكام المتعلقة بحياة النساء الخاصة التي تكون في أماكن الحريم، لدرجة أن زوج المرأة المسلمة، حتى لو كان الخليفة نفسه، لا يفكر في الدخول على أماكن الحريم في بيته إذا رأى حذاء امرأة عند باب أماكن الحريم، وهو ما يدل على زيارة ضيوف من النساء.


• وبالنظر في سجلات القضاء لدولة الخلافة العثمانية، تظهر صورة مختلفة تمامًا لواقع حياة النساء في ظل تطبيق الأحكام الشرعية عمّا تُصوره أوهام المستشرقين الغربيين. ففي عام 1970 قام أستاذ التاريخ الأمريكي، ر.س. جينينغز، ببحث موسع على أكثر من 10000 وثيقة من سجلات المحاكم العثمانية التي تعود إلى القرن السابع عشر. فكشفت هذه السجلات أن النساء استخدمن المحاكم بانتظام للدفاع عن حقوقهن الشخصية وحماية ممتلكاتهن، وأنهن كن محميات من العنف والزواج القسري، وكان أزواجهن وأسرهن ينفقون عليهن، وأنه بإمكانهن الشروع في قضايا الطلاق، وأن حقوقهن في المهر والميراث كانت محفوظة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كن يتمتعن بنفس الحقوق الاقتصادية للرجال وكن قادرات على إدارة ثرواتهن وشؤونهن الاقتصادية بشكل مستقل عن أقاربهن من الرجال. وهذا يشمل حقوق شراء وبيع العقارات، وإدارة الأعمال التجارية، وإبرام العقود، واستثمار الأموال، وتولي مناصب إدارية في الأعمال التجارية التي يشرف عليها الآخرون.


• وعلى الرغم من كل هذا أيتها الأخوات، فلا تزال الأكاذيب التي مرّ عليها قرن من الزمان، والتي ترسم صورة كاذبة عن الظلم الذي كانت تتعرض له النساء جراء تطبيق أحكام الإسلام في ظل الخلافة العثمانية، لا تزال هذه الأكاذيب تشكل الأساس الذي تقوم عليه حجج الكثير من الصحفيين ووسائل الإعلام فيما يتعلق بسوء معاملة الإسلام للمرأة. ويتم أيضًا اجترار هذه الأكاذيب في العصر الحديث من خلال الأعمال الدرامية، والأفلام، والكتابات والبرامج الوثائقية التاريخية؛ وحتى في تركيا، فقد حظي عدد من الأعمال التلفزيونية بشعبية كبيرة والتي تتعلق بشخصيات متعددة للسلاطين العثمانيين، وقد تم تصديرها إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي على الرغم من أن نصوص هذه الأعمال ما هي إلا نسخ ولصق لخرافات وأوهام المستعمرين والمستشرقين الغربيين.


• وقد تردد أيضًا صدى صور قهر الإسلام للنساء في ظاهرة أخرى في العصر الحديث؛ وهي عبارة عن مذكرات تكتبها مسلمات ومسلمات سابقات يتحدثن فيها عن قصصهن الشخصية للهروب من القمع الذي كان الإسلام سببًا فيه. وأصبحت الروايات التاريخية الخيالية اليوم، نتيجة لذلك، تستعار في القصص ويجري تسويقها على أنها قصص حقيقية! ولقد أصبحت هذه الكتب والأفلام تحظى بشعبية هائلة في العقدين الأخيرين، وتفيض بها المكتبات وتباع بالملايين في العالم الإسلامي وغير الإسلامي. وسواء أكان ذلك ما كتبته أيان هيرسي والذي نشرته بعنوان "العذراء المحبوسة"، أو سلسلة قصص "الأميرة" التي تتحدث عن حياة أميرة سعودية مقهورة، أو كتاب "تُباع" الذي يتحدث عن قصة فتاتين أجبرن على الزواج في اليمن، أو حتى سيرة ملالا يوسف زي - فإنها نفس الرسالة التي يتم تضخيمها مرة بعد مرة - وهي أن النساء المسلمات بحاجة للإنقاذ من الإسلام. إنها وسائل الإعلام العلمانية التي توفر لكل تلك الأصوات والرسائل الأبواق. في الواقع، إن مثل وسائل الإعلام هذه هي من صنعت كتابًا مشهورين كهؤلاء، ووفرت لهن فضاء ضخمًا ووقتا موسعاً للتحدث عن قصصهن وقامت بنشر كتبهن، وأعطتهن حرية كاملة في تقديم خبراتهن الشخصية الفردية الناتجة عن العادات غير الإسلامية لتظهر وكأنها قاعدة عامة من قواعد حياة المرأة في ظل الشريعة الإسلامية، ولكي يستقر في الأذهان أن أعداداً هائلة من النساء المسلمات يستأن من ثقافتهن الإسلامية. وقد قامت وسائل إعلام مثيرة بحملة لا هوادة فيها لتغطية قضايا الزواج القسري وجرائم الشرف، وغيرها من الممارسات غير الإسلامية القمعية في المجتمعات في بلاد المسلمين والتي يتم ربطها بالشريعة الإسلامية؛ أو قصص لظلم النساء في ظل أنظمة غير إسلامية مثل السعودية وإيران والسودان والتي تُقَدم تضليلًا كنماذج للحكم الإسلامي، وإعادة تكرار الرواية السائدة بأن الشريعة الإسلامية تضطهد المرأة.


وبالتالي يبدو أنه لا علاقة للحقيقة بكل هذا. أيتها الأخوات، إن أدب هذا العصر الجديد والإنتاج الإعلامي بناء على أساس روايات المستشرقين بين الجنسين والافتراءات التاريخية والأوهام لا تمت بصلة إلى المكتبات وشاشات التلفزيون في بلادنا، بل إن مكانها الصحيح هو مزابل التاريخ!

 


(3) تفنيد الاتهامات العلمانية ضد أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام:


• أيتها الأخوات، إن المصدر الرئيسي الآخر الذي تستمد منه وسائل الإعلام أكاذيبها وأوهامها على ظلم الشريعة للمرأة هو النهج الذي يتم من خلاله بحث أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام والحكم عليها. ويتم تناول أحكامٍ شرعية بشكل انتقائي، ويقومون بتجاهل سياقها، ومن ثم يساء تفسير معانيها بواسطة مجموعة من الافتراضات الشاذة للتوصل إلى نتيجة مفادها أن الشريعة تضطهد المرأة؛ بينما يتم بكل أريحية إهمال المكانة العالية التي لا تضاهى والحقوق التي منحها الإسلام للمرأة، وكذلك يتجاهلون الأثر الإيجابي لتطبيق أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام ككل على النساء والأطفال والحياة الأسرية والمجتمع.


• فعلى سبيل المثال، تقول وسائل الإعلام أن أحكام الميراث الإسلامية تميز ضد المرأة لأنها تعطي للأخت نصف نصيب أخيها؛ بينما تتجاهل وسائل الإعلام نفسها حقيقة أن الإسلام يفرض على الرجل الإنفاق على زوجته وأبنائه، وكذلك أخواته وأسرته الموسعة إذا كانوا بحاجة لذلك، بينما لا يُفرض على المرأة إنفاق درهم واحد من ثروتها على الآخرين حتى لو كانت غنية، ومع ذلك فإن الإسلام يعطيها نصيبًا في الميراث! سبحان الله! ويقولون أيضًا أن تعدد الزوجات هو ظلم للمرأة، على الرغم من أنه قد فُرض على الرجل رعاية زوجاته ماليًا وماديًا بشكل متساوٍ، ويجب عليه معاملتهن باللطف والمحبة. وفي الوقت نفسه لا يستنكرون الزنا الذي أصبح هو الأصل في الدول العلمانية، حيث يعتبر قانونيًا تمامًا أن يكون للرجل علاقات مع عدد لا يحصى من النساء بينما لا يتحمل أية مسؤولية تجاه هؤلاء النساء أو الأطفال الذين ينجبهم.


• أو ما يقوله بعض الصحفيين أن الفروقات في بعض الحقوق والأدوار بين الرجال والنساء في الإسلام - مثل الشهادة، والواجبات الزوجية، وعدم جواز تولي المرأة للحكم - يتضمن أن الإسلام ينظر للمرأة بأنها أقل شأنًا من الرجل في قيمتها أو في عقليتها، بينما يتناسون قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَٲجًا﴾ [آل عمران: 195]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ».


• وهم يتجاهلون حقيقة أن الكثير من النساء كن ينقلن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي تشكل جزءًا من السنة النبوية؛ وهي أحد المصادر الرئيسية التي تستنبط منها الأحكام، وقد لعبت النساء تاريخيًا دورًا أساسيًا في تطوير ونقل والحفاظ على العلوم الإسلامية، الفقه والحديث، وساهمت في إثراء العلم والثقافة الإسلامية؛ وقد كان هناك الآلاف من العلماء من النساء في ظل الخلافة، وكان بعضهن من معلمي العلماء من الرجال البارزين أمثال الإمام مالك والإمام الشافعي، وابن تيمية، وقد درسن في الكليات والمساجد المرموقة في عصرهن؛ مثل أم الدرداء في القرن السابع والتي درّست الحديث في المسجد الأموي الكبير في دمشق، وكان أحد تلامذتها خليفة الدولة. أو مثل عائشة بنت عبد الهادي التي عُيّنت في القرن السابع كمدرسة رئيسية لصحيح البخاري في المسجد الأموي الكبير. فبعد كل هذا، كيف يجرؤ هؤلاء على الادعاء بأن الإسلام يعتبر أن قيمة المرأة وقدرتها الفكرية أقل من الرجل؟


• وأخيرًا، تدعي وسائل الإعلام أن الشريعة الإسلامية قد فرضت على النساء اللباس الساتر، والفصل بين الرجال والنساء، وأحكامًا شرعية أخرى تحدّ من العلاقة بين الرجال والنساء لأنها تنظر إلى المرأة باعتبارها شرًا وإغراء جنسيًا وهي فتنة للرجال ويجب أن تعيش منفصلة عن المجتمع؛ بينما يتجاهلون بشكل أعمى أنه في الدول الرأسمالية الليبرالية تقوم صناعات الجمال والترفيه والمواد الإباحية بالترويج لفكرة أن المرأة إغراء جنسي، ويستغلون سحر أنوثتها، ويبرزون مفاتنها من أجل تحقيق الأرباح المادية.


• والإسلام في المقابل، يصف المرأة "بالمحصنة"؛ أي حصن ضد الشيطان، تكمل لزوجها نصف دينه وقادرة على الحفاظ على سيره في الطريق المستقيم. بالإضافة إلى ذلك، وفي ظل الحكم الإسلامي، عبَّر عدد لا يحصى من العلماء البارزين الرجال عن احترامهم العميق لأساتذتهم من النساء، وأشادوا بتقواهن، وسلوكهن الفاضل والنزيه. وسبب ذلك، وبخلاف تاريخ المجتمعات الغربية النصرانية، أن الإسلام يرفض أن تُعتبر المرأة كأداة "للإغراء الجنسي" أو "أداة من أدوات الشيطان" تُضلّ الرجال. كلا! فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة: 71]. ولذلك يجعل الإسلام المسؤولية في أعناق الرجال والنساء لحماية المجتمع من الفساد. وأما بالنسبة لاتهام أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام بأنها تشجع على عزل النساء عن المجتمع، فكيف يفسرون إذن حقيقة أن المرأة كان لها دور فاعل في السياسة والاقتصاد والتعليم والحياة العامة على زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم  بينما كنّ في الوقت نفسه يلتزمن باللباس والأحكام الشرعية الأخرى؟!


• في الواقع، إن ما تحاول وسائل الإعلام هذه تجاهله بشكل قاطع، وهو يخالف ما جاءت به العقيدة الرأسمالية، أن الإسلام يقر بأن وجود الرجال والنساء معًا قد يثير غريزة النوع (الرغبة الجنسية) فيهم. ولذلك فإن الإسلام قد شرع أحكامًا صارمة تنظم الكيفية التي يجري بها إشباع غريزة النوع (الرغبة الجنسية) وجعل تلك الكيفية محصورة بالزواج وحده، وذلك قطعًا يؤدي إلى منفعة المجتمع عوضًا عن الإضرار به. ولذلك فإن أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام، لا تؤدي إلى عزل النساء عن المجتمع، ولا تمنع التعاون بين الرجال والنساء، ولكنها تنظم ذلك التعاون بحيث يُضمن أن يكون تعاونًا منتجًا لخير الجماعة والمجتمع والفرد وفي جميع مجالات الحياة، ويكون قائمًا على الاحترام المتبادل ولا تتصل به الإثارة الجنسية مطلقًا. هذا بالإضافة إلى حماية الأسرة، وبالتالي حماية حقوق النساء والرجال والأبناء على حد سواء. وما يتناقض بشكل صارخ مع ذلك هو واقع مجتمعات "مجانًا للجميع" العلمانية بما فيها من حريات شخصية وجنسية مما أدى إلى دمار الحياة الأسرية، ودمرت كذلك حياة الأبناء، ولم تحصد المجتمعات منها أي شيء سوى الفوضى الاجتماعية والأخلاقية.

 


(4) الخاتمة:


• وفي الختام أيتها الأخوات، لقد صنعت وسائل الإعلام العلمانية سجنها الخاص للنساء المسلمات، ولا تريد سماع أصواتنا، وهي تحاول احتواءنا في جدران سجن القصص الكاذبة المضللة التي عفا عليها الزمن بأننا نشعر بالظلم من الإسلام، وأننا نطلب ‎حمايتهم من ثقافتنا الإسلامية والحكم الإسلامي، ونتوق للخلاص من خلال النظام الرأسمالي الغربي وطراز الحياة الغربية العلمانية. ولذلك يقع على عاتقنا نحن، أيتها الأخوات الكريمات، كسر أغلالهم وجدران سجنهم، وألا نسمح للآخرين بالحديث نيابة عنا، وعن أفكارنا ومشاعرنا عن الإسلام؛ أو أن نسمح بمواصلة سرد هذه الأكاذيب لتكون العين التي ينظر العالم من خلالها إلينا وعن واقعنا في الشريعة الإسلامية؛ هذه الأكاذيب التي تستخدم لتطبيق سياسات معادية للإسلام، أو لغزو بلادنا الإسلامية، أو لمحاربة العمل لإقامة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، وكل ذلك يجري تحت اسمنا!


• لقد قال ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني السابق، ذات مرة: "أحيانًا تكون الحقيقة ثمينة جدًا، لذلك يجب حمايتها بمجموعة من الأكاذيب". لذلك أيتها الأخوات، يجب علينا ألا نسمح لهذه الأكاذيب والقصص المضللة أن تُغّيب الحقيقة حول جمال نظرة الشريعة الإسلامية إلى واقع المرأة نظرة لا تضاهيها أية نظرة أخرى، ولا أن نقبل أن تتم مهاجمة ديننا واتهام إسلامنا دون الدفاع عنه. لنعمل جاهدين من أجل أن تصل أصواتنا وأن تُعرف آراؤنا في وسائل الإعلام الرئيسية - في البرامج الحوارية، وفي الصحف، وفي وسائل الإعلام؛ أو نقوم بإنشاء ودعم وسائلنا الإعلامية الإسلامية - على أرض الواقع أو عبر شبكة الإنترنت، وكذلك الاستخدام الفعال لوسائل الإعلام (الاجتماعية) لمحاربة هذه الدعاية البغيضة ومن أجل أن يُسمع صوت الحقيقة. ولكن بشكل لا نبرر فيه معتقداتنا أبدًا، أو أن نخجل من قول الحقيقة عن قيمنا، أو أن نسمح للآخرين بحرف النقاش عن مساره.


بل نعمل من أجل تفنيد هذه الاتهامات السخيفة، وفي الوقت نفسه نعمل أيضًا لجعل قضية القرن الـ21 تتحول من نقاش يدور حول اللباس الإسلامي وحول جزء من الأحكام الشرعية دون بقية المبدأ الإسلامي، إلى نقاش يدور حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ظلم المرأة واضطهادها وحول منظومة القيم والأحكام التي يمكنها فعلًا ضمان حقوق النساء واحترامهن. وألا تبخسن أبدًا، أيتها الأخوات، من قيمة مساهماتكن وما يمكنها أن تحقق في هذه القضية؛ فمجرد صورة لامرأة مسلمة تقول رأيها بكل ثقة أن معتقداتها الإسلامية تدعمها وتحترمها، تلك الصورة كافية لهدم جبل من الأكاذيب. لذلك أيتها الأخوات، ربما تريد وسائل الإعلام أن تستغلنا كمقدمة لدعايتها الهجومية ضد الإسلام؛ ولكننا نحن من نستطيع ويجب علينا أن نكون في مقدمة الكفاح من أجل نشر الحقيقة عن ديننا الإسلامي. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: 32]



د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع