الخميس، 02 ذو الحجة 1446هـ| 2025/05/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

Al Raya sahafa

 

2025-05-28

 

جريدة الراية: أهداف السيطرة على الممرات المائية

في البحر الأحمر

 

 

لقد بات من الواضح أن خيارات واشنطن في إدارة الصراعات تقوم على استثمارها، لا على حلها وإنهائها. لذلك، فإن مسألة تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر ليست مسألة ميزان قوى أو نفقات دفاعية تسعى أمريكا لتأمينها، وإنما هي سياسة أمريكية في التعامل مع الصراعات في العالم.

 

ولربما نشاهد اليوم فصلاً جديداً من فصول إدارة الصراعات في المنطقة، يفرضه موقع البحر نفسه، الذي يشكّل همزة وصل بين الشرق والغرب، حيث يتوسط ثلاث قارات: آسيا وأفريقيا وأوروبا، ما يجعله يتمتع بموقع مؤثر في حركة التجارة الدولية، وهدفاً حيوياً للدول الكبرى. لذا يمكن اعتباره فصلاً من فصول التنافس الدولي على المنطقة.

 

ومع دخول العملاق التجاري الصيني، بات البحر الأحمر حلقة أكثر أهمية، ما جعله قلب المنافسة العالمية. ولهذا، فإن تهديد الملاحة في البحر الأحمر يوفّر منصة نموذجية لعودة أمريكا إلى التموضع في المنطقة، من أجل تصفية حسابات، والإمساك بملفات مهمة، ما يمكّنها من تحقيق مجموعة أهداف، من أهمها: إرهاق الصين اقتصادياً عبر عرقلة صادراتها المتوجهة إلى المنطقة العربية وأوروبا، ورفع تكاليفها، ما يضطرها إلى تحويل مسار تجارتها نحو الهند، وهو ما يزيد من كلفتها.

من هنا، فإن اندفاع أمريكا نحو تشكيل قوة بحرية لحماية السفن في البحر يثير التساؤل حول الهدف الحقيقي الذي تسعى إليه من وراء ضرب الحوثيين، وما إذا كانت هناك طموحات أمريكية تتجاوز تأمين حركة التجارة الدولية نحو الحصول على شرعية دولية للسيطرة على هذه الممرات الحيوية.

 

ويزيد المشهد تعقيداً بقاء المنطقة مشتعلة، وقابلة للانفجار في أي وقت. فبدلاً من تهدئة الأجواء ومنع توسع الصراع، تحاول أمريكا إشغال المنطقة بعمليات عسكرية ضد الحوثيين واستفزازهم، لجعلها أكثر توتراً، ما يبرّر وجود قواتها في البحر. ولهذا، سرعان ما تحوّل موقف أمريكا من الدبلوماسية إلى التصعيد، إذ لم تكتفِ بحماية كيان يهود بإسقاط الصواريخ القادمة من اليمن، بل سعت أيضاً إلى تدويل الأزمة بزعم حماية الملاحة.

 

وكعادتها، تحاول أمريكا توظيف الأزمات بما يتناسب مع مصالحها، وتحقيق مكاسب تتناغم مع أجندتها القائمة على ترسيخ مفهوم القطب الواحد، واستهداف خصومها التقليديين.

 

تدرك أمريكا أهمية البحر الأحمر من الناحية الاقتصادية والعسكرية والأمنية، لتحكمه في حركة التجارة العالمية. لذا، لم يكن من الممكن لأمريكا أو أي دولة أخرى أن تضع قدمها في هذا الممر دون سبب مقنع للعالم عموماً، والدول المطلة عليه خصوصاً. ومن ثم، فإن توتير الأجواء في هذه المنطقة قد يكون مبرراً لعسكرة البحر، وتعزيز النفوذ الأمريكي عليه، بما يمهّد للسيطرة على باب المندب.

 

لهذا، تحاول أمريكا تضخيم الحوثيين وتهديداتهم، وتحويلهم إعلامياً إلى "شبح مخيف" يستدعي التدخل والبقاء الأمريكي لأطول فترة ممكنة. فالسيطرة على هذا الطريق تساعد بشكل كبير في حسم أي معركة أو حرب محتملة في المنطقة، كما أن السيطرة على هذه الممرات تعني التحكم بكل الداخل والخارج إلى المنطقة العربية وآسيا.

 

وربما تسعى أمريكا أيضاً، من خلال هذا التوجه، إلى استكمال أهدافها السابقة، إذ إن التحكم في البحر يمثل تهديداً لخصميها البارزين، روسيا والصين، ويُستخدم لممارسة الضغط عليهما في ظل صراع النفوذ المتصاعد. ومن خلال استهداف تجارة الصين وروسيا عبر هذا الممر، تسعى أمريكا إلى محاصرتهما اقتصادياً. وتُعد الحرب الأوكرانية أحد أبرز الأمثلة على هذا الفكر الأمريكي، إذ تم إغراق روسيا في "الوحل الأوكراني" لسنوات عدة، وأُنهكت اقتصادياً.

لذا، تسعى واشنطن إلى تكرار هذا السيناريو في البحر الأحمر، حيث مناطق النفوذ التاريخي لروسيا والصين. وهي تحاول كذلك تشكيل ورقة ضغط على الدول العربية المطلة على البحر، من خلال تهديد أمنها القومي والاقتصادي، والذي يعتمد بدرجة كبيرة على عائدات التجارة العابرة لهذا الممر، ما يضع هذه الدول تحت رحمة واشنطن.

 

فعلى مستوى دول الخليج، فإن الوجود الأمريكي يخدم دول مجلس التعاون في مناهضة النفوذ الإيراني، ويجعل من أمريكا أداة ابتزاز فعالة، قادرة على إخضاع تلك الدول سياسياً من خلال "شرطي المنطقة" إيران.

 

ومن ثم، فإن عسكرة أمريكا للبحر تُعد ورقة ضغط لحماية مصالحها، ولتنفيذ أجندة يهود، وعلى رأسها التطبيع، وحماية أمن كيان يهود.

 

وفي ضوء ما سبق، بات واضحاً أن التصعيد الأمريكي في البحر لا يهدف فقط إلى حماية الملاحة، بل إن المقاربة الأمريكية تقوم على توظيف تحركات الحوثيين بما يخدم أجندتها، وتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، وخلق مساحة لمراقبة خصومها في المعسكر الشرقي، وممارسة الضغط عليهم.

 

 

بقلم: الأستاذ مؤنس حميد – ولاية العراق

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع