- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-05-28
جريدة الراية: بعد تخلّي كيان يهود
مصر تستجدي الغاز من قطر وتتلظى في نيران التبعية!
ذكرت منصة مزيد على موقعها الأربعاء 14 أيار/مايو 2025م، أنه بعد أن أجّل كيان يهود ضخ 200 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز حتى حزيران/يونيو، وبدأ بالضغط على هيئة البترول المصرية لرفع الأسعار وتعديل شروط التوريد، سارعت مصر إلى قطر لبحث اتفاقيات جديدة طويلة الأجل لتأمين احتياجاتها من الغاز.
تعاني مصر من فجوة كبيرة بين الإنتاج (4.3 مليار قدم مكعبة يومياً) والاستهلاك (6.3 مليار)، ما اضطرها للاعتماد على الاستيراد من كيان يهود والأسواق العالمية. يُذكر أن مصر وقّعت عام 2018 اتفاقاً مع كيان يهود لاستيراد الغاز بقيمة 15 مليار دولار، عُدّل لاحقاً إلى 19.5 مليار، وقد فقدت مصر اكتفاءها الذاتي من الغاز منذ عام 2018.
في مشهد بالغ للفضيحة والهوان، أعلنت مصر أنها تسعى إلى قطر من أجل إنقاذها من أزمة نقص الغاز الطبيعي، بعد أن تخلّت عنها دويلة يهود، وأجّلت ضخ كميات الغاز المتفق عليها إلى شهر حزيران/يونيو القادم.
هذا التخلي لم يكن مجرد "تأخير تقني"، بل جزء من لعبة ضغوط تمارسها شركات الكيان الغاصب على هيئة البترول المصرية لتعديل شروط التوريد وزيادة الأسعار، مستغلة ذروة الطلب الصيفي.
الوقائع التي كشفتها تقارير اقتصادية عدة، منها ما نُشر في بلومبيرغ والشرق بلومبيرغ، أظهرت أن مصر تعاني من عجز يومي في إنتاج الغاز يقدر بـ2 مليار قدم مكعبة، مقابل استهلاك يصل إلى 6.3 مليار قدم مكعبة يومياً.
فما هو التوصيف السياسي والشرعي لما جرى؟ وهل ما نراه اليوم هو نتيجة فشل عابر؟ أم أنه تجلٍّ لحقيقة النظام الوظيفي التابع الذي يربط مصير مصر بقرارات العدو وأهواء المستعمر؟
في عام 2018، وقعت مصر اتفاقاً مع كيان يهود لاستيراد 64 مليار متر مكعب من الغاز لمدة عشر سنوات، بقيمة 15 مليار دولار. وعام 2019، عُدل الاتفاق ليرتفع حجم الغاز المستورد إلى 85 مليار متر مكعب، وزادت قيمة الصفقة إلى 19.5 مليار دولار.
الاتفاقية نُظِر إليها وقتها على أنها "نقلة اقتصادية"، وروّج النظام لها على أنها "عبقرية جغرافية"، حيث تقوم مصر بإعادة تصدير الغاز المسال المستورد من كيان يهود إلى أوروبا. لكن الحقيقة الصادمة أن مصر، التي أعلنت تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز عام 2018، تحولت بسرعة إلى دولة مستوردة تستجدي حاجتها اليومية من كيان غاصب!
فهل من المعقول أن تربط دولة تملك ثروات هائلة أمن طاقتها بالعدو الذي يحتل بلاد المسلمين؟! ومن الطاقة التي تغتصب من ثرواتهم التي تخلى عنها النظام المصري باتفاقية ترسيم الحدود؟ وهل يُعقل أن تكون نقطة التحول في الطاقة قد أتت بعد توقيع اتفاقية إذعان لا مصلحة حقيقية فيها لمصر؟
ما تسعى إليه مصر من توقيع عقود طويلة الأجل مع قطر ليس "استراتيجية بديلة"، بل استمرار في منطق التبعية نفسه، مع تبديل الممولين فقط. فقطر ليست مستقلة في قرارها، بل هي دويلة وظيفية داخل شبكة السيطرة الغربية على موارد الطاقة العالمية. وكل اتفاقيات الغاز التي توقعها قطر - من اليابان إلى أوروبا - تمرّ عبر هيكل النظام الرأسمالي الذي تُسيطر عليه أمريكا. وبالتالي، فإن استعانة مصر بقطر ليست تحرراً من الخضوع للعدو، بل تنقّل بين مستعمرين.
هل يجوز استيراد الغاز من عدو يحتل أرض المسلمين، ويغتصب ثرواتهم؟
من حيث الأصل، الثروات الطبيعية في الإسلام هي ملكية عامة، كما نصّ على ذلك النبي ﷺ في قوله: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» رواه أبو داود. والغاز الطبيعي يدخل تحت مسمى "النار"، أي الطاقة، وهو ملك للأمة لا يجوز لأي جهة (دولة أو شركة) أن تحتكره أو تبيعه. والأصل أن الدولة الإسلامية هي التي تدير هذا القطاع ضمن رؤية تحفظ ثروات الأمة، وتمنع بيعها أو رهنها للمستعمر.
أما من حيث الاستيراد من كيان يهود، فهذا حرام شرعاً قطعاً، لأنه يعني الاعتراف به، ودعم اقتصاده، والتحالف معه في مواجهة الأمة، ومن ثم إعطاءه أداة ضغط استراتيجية على البلاد، قال ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» فإذا كانت يد المسلمين يجب أن تكون واحدة، فكيف نفسّر استيراد الغاز من عدو يقتل أهل غزة، ويحتل الأقصى، ويهدد سيناء؟!
إن أسباب الانهيار الحقيقي ليست تقنية، بل سياسية وهيكلية، من أبرزها:
1- الاعتماد على الشركات الأجنبية (شل، بي بي، إيني) في التنقيب والإنتاج، مقابل حصة كبيرة من العوائد، ما حرم الدولة من التحكم بثرواتها.
2- سياسات بيع الغاز بأسعار بخسة، مثل تصدير الغاز إلى كيان يهود سابقاً بأسعار تقل عن تكلفة الإنتاج.
3- غياب الاستثمار الحقيقي في شبكات الغاز والتكرير والتخزين، بسبب تحويل موازنات الطاقة نحو مشاريع هامشية تخدم أجندات سياسية (كالعاصمة الإدارية والمونوريل).
4- نزيف الإنتاج من حقل ظهر، الذي تم تضخيمه إعلامياً كأنه "المخلّص" ثم بدأ في التراجع بسبب سوء الإدارة.
كل هذه الأسباب تؤكد أن المسألة ليست "صدفة"، بل هي نتيجة حتمية لسياسات استعمارية يتبعها نظام وظيفي لا يملك قراره، ولا يعمل لمصلحة الأمة.
قد يخرج البعض ليبرّر هذه السياسات، بحجة "ماذا نفعل؟ لا نملك اكتفاء ذاتيا، والطلب كبير، ولا حلّ إلا الاستيراد"!
لكن الردّ الشرعي والسياسي واضح، فالدولة الإسلامية لا تربط أمنها بالغذاء أو الطاقة بأعدائها، بل تعمل على تأمين اكتفائها الذاتي ضمن إطار الصناعة الثقيلة وتطوير البنية التحتية، واسترجاع الموارد المنهوبة. وحتى في حالة العجز، يكون الواجب أن تُتخذ خطوات طارئة داخلية مثل تقنين الاستهلاك مؤقتاً، أو التوسع في طاقات بديلة، لا أن نُسلم رقابنا للعدو.
إن ما يجري من هرولة بين كيان يهود وقطر، ليس سياسة طاقة، بل هو خيانة واضحة للأمة وتفريط في ثرواتها وتمكين للعدو منها، وعنوان لانهيار السيادة السياسية. ولا يُنتظر من هذا النظام العميل إصلاح، لأن كل تركيبته قائمة على خدمة المستعمر مقابل البقاء في الحكم.
والحل الوحيد هو في إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحرّر الثروات من قبضة الاستعمار، وتحظر التعامل مع الأعداء اقتصادياً وعسكرياً، فتبني قاعدة صناعية قوية في الطاقة وغيرها، تبدأ من استخراج الثروات حتى إنتاج الطاقة وتوزيعها، والاعتماد عليها في باقي الصناعات، وتجعل الأمة الإسلامية قوة تكتفي بذاتها وتصدّر الفائض، لا أمة تتسوّل الغاز من عدو أو تابع له!
يا أهل الكنانة: إنكم تملكون أرضاً هي خزائن الله في الأرض، وفيها ما فيها من ثروات لا تملكها دول عظمى، فكيف ترضون بأن تكونوا تحت رحمة أعدائكم الذين لا يريدون لكم إلا الفقر والذل؟! إن عزتكم وكرامتكم لن تعود إلا بتحرير بلادكم من قبضة الاستعمار وأدواته، والتمسك بدينكم وتطبيق شرع ربكم.
يا أجناد الكنانة: أنتم أبناء الفاتحين، فكيف تقبلون بأن تكونوا حراساً لاتفاقيات الذل والهوان التي تربطكم بعدوكم وتمنعكم من نصرة أمتكم؟! إن مهمتكم ليست حماية أنظمة تبيع البلاد للأعداء، بل نصرة الدين وإقامة حكم الله في الأرض، في ظل الإسلام ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
المصدر: جريدة الراية