- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-06-04
جريدة الراية: المساعدات الأوروبية لمصر
مزيد من الارتهان للغرب وخيانة لمصر والأمة
أعلن الاتحاد الأوروبي أنّه سيقدم لمصر مساعدة مالية بقيمة أربعة مليارات يورو بعد اتفاق بهذا الشأن توصّلت إليه دوله الأعضاء الـ27 والبرلمان الأوروبي. وقال مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان إن هذه المساعدة المالية الكلية ستكون على شكل قروض وستمكن مصر، بمساعدة من صندوق النقد الدولي، من تغطية جزء من احتياجاتها التمويلية. وأوضح البيان أن صرف أي شريحة من هذه المساعدات سيتم ربطه بمدى تحقيق القاهرة تقدما مرضيا في تنفيذ البرنامج الذي وضعه صندوق النقد الدولي لخطته لمساعدتها ماليا خلال الفترة 2024-2027. (رأي اليوم).
هذه الخطوة، التي يروج لها إعلاميا بوصفها إنقاذا اقتصاديا ودعماً دوليا، إنما تعبر في الحقيقة عن مشهد متكرر من مشاهد الارتهان والتبعية السياسية والاقتصادية التي يعيشها النظام المصري، ليس فقط تجاه صندوق النقد الدولي، بل تجاه القوى الاستعمارية الغربية مجتمعة، وعلى رأسها أوروبا وأمريكا.
إن تسمية هذا القرض بـ"مساعدة مالية" هو تزييف للحقائق وتجميل للواقع المؤلم، فالقرض يُسدد من أموال الناس، مع عوائد وشروط مذلة، ويتضمن تدخلا سافرا في سيادة الدولة - إن كان بقي فيها شيء من سيادة - فضلاً عن تحكم المؤسسات الاستعمارية في السياسات المالية والاقتصادية. وليس من الخفي أن صندوق النقد الدولي، الذراع الاقتصادية للاستعمار الأمريكي، لا يمنح أي قرض إلا ضمن برنامج اقتصادي قائم على ما يسمّى "سياسات السوق"، والتي تعني عملياً:
- خصخصة ما تبقى من القطاع العام وبيع أصول الدولة.
- رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية.
- تحرير سعر العملة.
- تقليص التوظيف الحكومي.
- فرض ضرائب جديدة على كاهل الفقراء.
فهل في هذه "المساعدات" خير وإنقاذ؟ أم هي أدوات نهب وإفقار وتجويع لصالح الدائنين الغربيين وشركاتهم العابرة للحدود؟
إن أخذ القروض الربوية محرم تحريما قطعيا، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، والربا ملعون آكله وموكله وشاهداه وكاتبه، قال ﷺ: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ»، وقال: «هُمْ سَوَاءٌ». فكيف إذا اجتمع إلى الربا تحكم الكافر المستعمر، وتقرير سياساته الاقتصادية وغيرها، والتحكم بمقدرات البلاد وثرواتها؟ أليس هذا تمكيناً للعدو في رقاب المسلمين؟! وكيف بمن يجعل الكافر سيدا ماليا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا على الأمة، ويفتح له الأبواب مشرعة ليعبث بثرواتها وينهب مقدراتها؟!
إن النظام المصري، ومنذ أن ارتبط برباط التبعية لأمريكا والمؤسسات الدولية، لم يعرف الاستقرار ولا التنمية، بل عرف التدهور والتضخم والتبعية، ومزيداً من البطالة والفقر والانتحار المجتمعي. فلا القروض المتتالية منذ السبعينات أنقذته، ولا برامج الإصلاح المزعومة نهضت به، بل أودته إلى مزيد من الانهيار.
فأي نظام هذا الذي يستدين من الشرق والغرب، ويبيع المصانع والأراضي، ويقترض لتسديد القروض؟! أليس هذا هو الإفلاس بعينه؟ أليس من العبث أن نستمر في تصديق أن الحل في المزيد من الربا، والمزيد من شروط المستعمرين؟!
إن الحل الحقيقي لأزمات مصر والأمة، لا يكون إلا بقطع التبعية للمستعمرين، وبتحرير الإرادة السياسية والاقتصادية، وبتطبيق الإسلام بنظامه كاملا في الحكم والسياسة والاقتصاد.
إن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي وحدها التي تقطع دابر الربا، وتمنع تدخل الكافر المستعمر في شؤون رعاياها، وتبني اقتصاداً حقيقياً قائماً على الإنتاج وليس على الاستدانة، وعلى التوزيع العادل للثروة، وعلى الملكيات الثلاث (الملكية الفردية، والملكية العامة، وملكية الدولة).
وفي النظام الاقتصادي الإسلامي:
- لا تُفرض على الناس ضرائب باهظة لسداد قروض الربا.
- ولا يُباع القطاع العام ولا الموارد العامة لأنها ملكية عامة للأمة.
- ويرعى الفقير والمسكين، وتوظف الأموال في رعاية شؤون الناس وإشباع حاجاتهم الأساسية، لا في خدمة الدائنين وتكبيل الأمة بالربا.
- وتُحرم المعاملات الربوية، وتقام علاقات مالية على العقود المشروعة والمصلحة الشرعية.
رغم الظلم والتجويع والتضليل الإعلامي، فإن الأمة الإسلامية لا تزال حيّة، تشهد صحوة فكرية متنامية، وتزداد إدراكا لحقيقة المؤامرات الدولية، وتزداد وعيا بأن أنظمتها الحاكمة ليست سوى أدوات للغرب، وأن خلاصها لا يكون إلا بإسقاط هذه الأنظمة وإقامة حكم الإسلام في ظل الخلافة الراشدة.
وإن حزب التحرير، الذي يعمل منذ عقود على هذا الهدف، يضع أمام الأمة مشروع الخلافة مكتملا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويكشف لها زيف الحلول الغربية، ويعبئها فكريا وسياسيا للعمل لإقامة دولة الإسلام، وإنهاء التبعية، وتحرير الأمة من هيمنة الكافر المستعمر.
يا أهل الكنانة، شعبا وجيشا: إن ما يجري من ارتهان اقتصادي وسياسي لمصر عبر القروض الربوية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، إنما هو خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، وتفريط في سيادة الأمة وكرامتها، وبيع لمقدراتها وثرواتها بثمن بخس.
وإنكم مسؤولون أمام الله عن وقف هذا العبث، وإنهاء هذا الاستعمار المقنع، وإنقاذ البلاد من عقود التبعية والضياع. أنتم تملكون القوة، وأنتم القادرون على نصرة دين الله، بخلع هذا النظام العميل، وتمكين الإسلام من الحكم، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فلا تُضيّعوا الأمانة، ولا تُسلموا مصر لقمة سائغة في فم المستعمر، ولتكن مصر منطلقاً لعز الإسلام ونهضة الأمة من جديد، في ظل الإسلام ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
بقلم: الأستاذ محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
المصدر: جريدة الراية