- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2015-11-11
جريدة الراية: العوامل التي حددت نتائج الانتخابات في تركيا
صدرت نتائج الانتخابات البرلمانية غير الرسمية في تركيا في 1 تشرين الثاني الحالي، وكان فيها حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأول من جديد بنسبة 49.50%، وحزب الشعب الجمهوري في المرتبة الثانية بنسبة 25.40%، وحزب الحركة القومية في المرتبة الثالثة بنسبة 11.90%، وحزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) في المرتبة الرابعة بنسبة 10.70% من الأصوات. في حين حل حزب الحركة القومية في المرتبة الرابعة من حيث عدد المقاعد. وظهرت الفروق الكبيرة مقارنةً مع نتائج انتخابات 7 حزيران من هذا العام، التي كانت على الشكل التالي: حزب العدالة والتنمية 40.9% وحزب الشعب الجمهوري 24.9% وحزب الحركة القومية 16.30% وحزب الشعوب الديمقراطي 13.1% من الأصوات.
ولا بد من التأكيد هنا على العوامل الداخلية والعوامل الخارجية الشرق أوسطية التي كان لها دور كبير في إحداث مثل هذه التغيرات الكبيرة في النتائج التي حصلت عليها الأحزاب خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 5 أشهر. نحاول التطرق هنا إلى العوامل المهمة من بين العوامل الكثيرة التي أثرت على أصوات الجمهور.
السياسة الداخلية:
توقعات الأزمة الاقتصادية: كانت الضائقة الاقتصادية تشهد تزايداً مستمراً قبل انتخابات 7 حزيران، والليرة التركية تشهد انهياراً مقابل الدولار الأمريكي. وانعكست أحداث تقسيم والصراع بين حزب العدالة والتنمية وجماعة غولان ومزاعم الفساد سلباً على حزب العدالة والتنمية. وفي أعقاب تلك الانتخابات لم يتمكن حزب العدالة من تشكيل الحكومة وحده، وتعسرت محاولات الائتلاف مع الأحزاب الأخرى، وكان من نتائجها مزيدٌ من تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وتمكن حزب العدالة والتنمية بشكل عام، ومؤسسه رئيس الجمهورية أردوغان بشكل خاص من استثمار هذه النقطة لصالح الحزب، وقد قال أردوغان بوضوح: "ستتفاقم الأزمة الاقتصادية إن لم تمكنونا من تشكيل الحكومة، وبلدان الحكومات الائتلافية لا يمكنها أن تحقق الاستقرار الاقتصادي". والتفكير السطحي الذي تتصف به الشعوب عادة دفع الشعب التركي إلى تغيير خياراته في انتخابات 1 تشرين الثاني لصالح حزب العدالة والتنمية. لأن الشعب التركي في الواقع يقف وجها لوجه مع مخاطر كبيرة تحملها التطورات الاقتصادية خلال السنوات العشر القادمة. فقطاع كبير من الناس مدينون للبنوك من خلال بطاقاتهم الائتمانية، وشبح الاضطراب الاقتصادي، وارتفاع نسبة الفوائد (الربا)، ووقوف البنوك على أبوابهم للمطالبة بديونها إن لم ينفرد حزب العدالة والتنمية بالحكم ألقى بظلاله على الناس. وهكذا لوح حزب العدالة والتنمية بعصا تهديد الأزمات الاقتصادية من تحت العباءة كما يقولون. واستغل خوف الناس في الانتخابات، وكان له ما أراد.
مشكلة الإرهاب:
معلوم أن حزب العدالة والتنمية أطلق عملية الحل في نهاية عام 2012، لحل مشكلة حزب العمال الكردستاني الإرهابي. واستمرت هذه العملية قرابة 2.5 سنة. ولقاء الحكومة التركية مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، والمحادثات المباشرة بين الحكومة التركية وحزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني انعكس على الرأي العام لصالح حزب الشعوب الديمقراطي على شكل توقعات بوضع حد لمشكلة الإرهاب المستمرة منذ 30 عاماً. من جهة أخرى انعكس جلوس الحكومة التركية على طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني ومنحها امتيازاً كبيراً لحزب الشعوب الديمقراطي؛ على شكل امتعاض وغضب عند الأتراك الذين يحملون المشاعر القومية.
وكانت مسيرة الحل قد وصلت إلى الحديث عن إطلاق سراح عبد الله أوجلان. وكانت النتيجة عودة قسم من الأصوات القومية المتجمعة عند حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 حزيران إلى حزب الحركة القومية، فارتفعت أصواته مقابل حزب العدالة والتنمية. بالمقابل اكتسب حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمارس السياسة في وسط هادئ نسبياً في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية دعم الشعب الكردي متحملاً دور من يلبي مطالب الشعب الكردي. وانعكس ذلك على انتخابات 7 حزيران فارتفعت نسبة الأصوات بمقدار 7% تقريباً. وهي نسبة الأصوات التي انتقلت إليه من حزب العدالة والتنمية.
وهو ما دفع حزب العدالة والتنمية بعد رؤيته هذا الانحدار في الأصوات إلى اتباع سياسة جديدة والعودة إلى سياسة مكافحة الإرهاب مستغلاً تفجيرات سروج في 20 تموز 2015. وانتشرت الفوضى في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية نتيجة الصراع الفعلي المسلح مع حزب العمال الكردستاني، وأعلنت حالة الطوارئ في المدن، وحظر التجول في مناطق كثيرة. وانعكس ذلك قلقا عند أصحاب التجارة الصغيرة والمتوسطة والمستثمرين الكبار. وهكذا كان للإصرار الذي أبداه أردوغان في الاستمرار بالحملة على الإرهاب أثره الكبير في انتخابات 1 تشرين الثاني الحالي. فحزب العدالة والتنمية استعاد الأصوات القومية التي خسرها في انتخابات حزيران من خلال الحملة الفعلية ضد حزب العمال الكردستاني باسم مكافحة الإرهاب. كما كان للحملة الانتخابية الخاطئة التي قادها حزب الحركة القومية الذي كان الخاسر الأكبر في الانتخابات تأثير كبير. فكان موقفه هذا خدمة مجانية لحزب العدالة والتنمية.
وعودة الصراع والفوضى إلى المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية أزعج الكثير من الناس. وكأن أردوغان قال لهم: "إن لم تنتخبوا حزب العدالة والتنمية، فستستمر بيئة الصراع، ولن تنعموا بالعيش المريح"، وهكذا انعكست أجواء الخوف والفوضى في تلك المناطق عودة 2.5% من أصوات الشعب الكردي من حزب الشعوب الديمقراطي إلى حزب العدالة والتنمية.
الوعود الانتخابية لحزب العدالة والتنمية وأثرها على نتائج الانتخابات:
تسابقت الأحزاب كما هو المعتاد في كل حملة انتخابية في تقديم الوعود قبيل انتخابات 1 تشرين الثاني. وتحتل الوعود الاقتصادية القسم الأكبر من هذه الوعود. وانعكس ذلك بشكل واضح على أصوات الناخبين. وقد أظهرت النتائج أن الناخبين رأوا أن وعود حزب العدالة والتنمية كانت أكثر واقعية. وأن الوعود الاقتصادية لبقية الأحزاب بعيدة عن الواقع. أضف إلى ذلك أن الناخبين يدركون استحالة تشكيل حكومة ائتلافية بدون حزب العدالة والتنمية، ووعودها بالتالي هي الأقرب للتحقيق. ومن المهم هنا تسليط الضوء على نقطة مهمة جداً وهي أن حزب العدالة والتنمية لم يقدم وعوداً اقتصادية جدية للناخبين في انتخابات 7 حزيران الماضي.
السياسة الخارجية في الشرق الأوسط وتأثيرها على نتائج الانتخابات:
تصاعد الدور التركي ووزنه في سياسات الشرق الأوسط في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية التي تعمل بانسجام مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال 12 عاماً. وبحث تأثير الولايات المتحدة الأمريكية على الانتخابات التركية يقودنا إلى البحث عن سياسات تركيا في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي سوريا على وجه الخصوص. فالولايات المتحدة متورطة في المستنقع السوري. وموافقتها على التدخل الروسي في سوريا يكشف عن حجم هذه الورطة. ولذلك تتطلع دائماً إلى قيام الدول الإقليمية المحيطة بسوريا بدورها بشكل فعال كما تريد. وهذه الدول هي تركيا وإيران والعراق والأردن. والحدود التركية التي تمتد 900 كم مع سوريا تجعل لتركيا دوراً متقدماً على الدول الثلاث الأخرى. لذلك تريد الولايات المتحدة الأمريكية بشكل دائم إدارة مستقرة في تركيا. وترى أن الحكومات الائتلافية ستبطئ من سياساتها التي تمررها عبر تركيا، بل ربما تؤدي إلى عقمها. ولهذا السبب، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية توجه أردوغان وحزب العدالة والتنمية نحو الانتخابات المبكرة. فالتزمت الصمت تجاه العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في سبيل استعادة أصوات القوميين الأتراك التي خسرها حزب العدالة والتنمية في انتخابات حزيران. وحصلت بالمقابل على إذن بفتح قواعدها العسكرية للتدخل في سوريا بشكل مريح. ودعمت من خلالها الجماعات الكردية [حزب الاتحاد الديمقراطي، وجناحه المسلح] في الشمال السوري.
فتركيا باختصار دولة لها تأثير كبير فعال في الشرق الأوسط. والولايات المتحدة الأمريكية تريد استغلال هذا الدور التركي بأفضل شكلٍ في سبيل مصالحها. ومن أجل ذلك لن تقبل بأي تهديدٍ (الائتلاف على سبيل المثال) لاستقرار تركيا. ومن أجل ذلك تدعم حزب العدالة والتنمية استناداً إلى تجربة 12 عاماً من التنسيق والتعاون. ولو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تريد دعم أردوغان وحزب العدالة والتنمية لاستخدمت ضده جميع الآليات التي تملكها في تركيا.
بقلم: محمود كار
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا
المصدر: جريدة الراية