- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2020-03-18
جريدة الراية: الخلافة حقيقة شرعية وضرورة بشرية
من المعلوم في أصول الفقه أن الحقائق ثلاث: شرعية وعرفية ولغوية، فحين البحث في معنى أي لفظ ورد في نصوص الشرع لا بد من بحث موضوع الحقائق، فينظر الفقيه في معنى اللفظ، فإن وجد له معنى شرعياً أخذ به، وإن لم يكن للفظ معنى شرعي بحث له عن معنى عرفي، فإن لم يوجد، بحث عن معناه في لغة العرب بما يناسب سياقَه الوارد فيه.
ولما كانت كلمة (الخلافة) واردة في نصوص الشرع فإنه يتحتم علينا أن نعرف معناها، وذلك بتطبيق القاعدة الأصولية المذكورة أعلاه، القاعدة المتعلقة بالحقائق، فقد روى الإمام أحمد عن النعمان بن البشير رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثمَّ سَكَتَ»، فقد وردت كلمة (الخلافة) في هذا الحديث، ومعناها شكل نظام الحكم في الإسلام، وهو معنى شرعي دلّت عليه النصوص الشرعية، كقوله عليه الصلاة والسلام: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ»، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ» فقد كان الأنبياء هم الذين يسوسون الناس، أي يرعون شؤونهم ويحكمونهم، وبيّن عليه الصلاة والسلام أنه سيليه خلفاء كثر، وأمر بالوفاء ببيعة الأول فالأول، فحدد طريقة نصب الخليفة، وهي البيعة، وكذلك قوله ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» فهنا تأكيد على وحدة الخلافة، وأن خليفة المسلمين واحد وجوباً، بدلالة أمره بقتل المتأخر من الخليفتين، أي قتل من ينازع الخليفة في الخلافة، ومدار الحديث كله حول شكل نظام الحكم في الإسلام، فالخلافة بهذا المعنى لفظ شرعي له حقيقة شرعية، لم يخالف في هذا أحد من علماء الأمة المعتبرين.
ومن الأئمة الذين قالوا بوجوب الخلافة والإمامة - على سبيل المثال وليس الحصر - أبو المعالي الجويني، والماوردي، وابن حزم، وابن حجر الهيثمي، وابن حجر العسقلاني، وابن خلدون، والنسفي، وجمال الدين الغزنوي، وعضد الدين الأيجي، والقرطبي، وابن تيمية، والشوكاني، وشمس الدين الرملي،... وغيرهم كثير، ووصفوها بأنها أعظم واجبات الدين، ووصفها بعضهم بأنها من أصول الدين، ووصفت بأنها تاج الفروض، لتوقف كثير من الفروض على وجودها، وانعدامها بانعدامها، حتى نقل بعضهم إجماع علماء الأمة على وجوبها، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا الأصمّ، ونقل ابن حزم اتفاق جميع أهل السنة والشيعة والخوارج ما عدا النجدات منهم على وجوب الإمامة.
ولعل من أكثر ما يثير العجب أن يصبح موضوع الخلافة مثار نقاش وحوار، لسنا نقصد عامة الناس، ولكن من بعض علماء تولوا مناصب شرعية في الأوقاف والجامعات والأزهر، وهم يعلمون علم اليقين أنها عند المسلمين من المعلوم من الدين بالضرورة طوال تاريخ المسلمين المديد، ولعل ما يفعله أمثال هؤلاء من محاولة صرف المسلمين عن إعادة الخلافة إنما هو لإرضاء أسيادهم وأولياء نعمتهم، الذين ينفذون مخططات الكافر المستعمر.
وبنظرة فاحصة إلى حال العالم اليوم، نرى حاجته للإسلام، مطبَّقاً في دولته، دولة الخلافة، نظراً لما جرّه المبدأ الرأسمالي على العالم بأسره من ضياع وشقاء، هذا المبدأ أفقد الإنسان معرفته بحقيقته، ومعرفته بخالقه، ومعرفته بمصيره، ومعرفته بالغاية التي وجد من أجلها. هذا المبدأ الذي حوّل الإنسان إلى مجرد آلة صمّاء، يعمل ليل نهار لأجل شهواته، هذا المبدأ الذي مكّن فئة قليلة من الناس من ثروات العالم على حساب السواد الأعظم من الناس في العالم، لا يجد كثير من البشر قوت أولادهم اليومي، بينما الفئة القليلة لا تدري أين تنفق أموالها! هذا المبدأ الذي أتاح لعدد من الدول الكبرى أن تفرض سياساتها ومخططاتها لتمتص الثروة من باقي دول العالم، هذا المبدأ الذي أطلق يد الرأسماليين في تجارة السلاح والحروب ولو كان في ذلك دمار البشرية وإزهاق أرواحها، وأطلق أيديهم في تجارة الجنس والأطفال والأعضاء البشرية والمخدرات والخمور والفيروسات، هذا المبدأ الذي جعل الإنسان كائناً متمرداً بإطلاق حرياته في الاعتقاد والرأي والملكية والسلوك الشخصي، هذا المبدأ الذي أفسد البشر والشجر والحجر، وأفسد في الأرض بعد إصلاحها.
لقد ضجّت البشرية من تطبيق المبدأ الرأسمالي عليها، وتبحث عن البديل، ولكنهم مصروفون عن البديل الحقيقي والصحيح، الذي هو الإسلام المنزّل من عند الخالق الذي خلق الإنسان، وهو أعلم بما خلق، وهو سبحانه أعلم بما يَصْلُحُ لما خَلَق، ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾، ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾.
فيا أيها المسلمون، صحيح أن إقامة الخلافة فرض عليكم، وأنتم آثمون لعدم إعادتها بعد هدمها، ولكنكم لستم وحدكم بحاجة إليها، بل إن البشرية جمعاء تحتاجكم وتحتاجها، وتتطلع إليكم لتنقذوها من براثن الرأسمالية العفنة، وهذا أمر الله سبحانه وتعالى لكم، أن تقوموا بتحكيم شرعه سبحانه وتعالى، وحمله إلى الناس كافةً بالدعوة والجهاد، واعلموا أن الخلافة وعد ربكم سبحانه، وبشرى رسوله ﷺ، وهذا حزب التحرير بينكم ومعكم يعمل لإعادتها، فاعملوا معه، وانصروه وآزروه، ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
بقلم: الأستاذ خليفة محمد – الأردن
المصدر: جريدة الراية