الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

Al Raya sahafa

 

2020-04-29

 

 جريدة الراية:

وباء كورونا والاتحاد الأوروبي

هل يسقطه؟ أم يصعد باليمين المتطرف؟ وما للمسلمين وما عليهم؟

 

 

إن هذا الوباء حقا قد أثر على أوروبا كما أثر على الآخرين، فأربك دولها من سرعة انتشاره وعدم قدرتهم على مواجهته. وقد أحسوا بالعجز تجاهه. لهذا ورغم أنهم علمانيون فقد لجأوا إلى الدين فسمحوا للمسلمين بأن يصدحوا بالأذان في سماء مدنهم الكبرى، ولكن عندما تنتهي الأزمة سينتهي استغلالهم الدين. سيما وأنهم لم يصدروا قوانين لصالح المسلمين، وإنما هي قرارات مؤقتة. ولهذا فإن سياستهم تجاه المسلمين لن يجري عليها تغيير كبير. حتى إن أبسط حقوق المسلمين مثل اللباس الشرعي لحرائرهم والذبح الشرعي والأذان ما زال التضييق فيها مستمرا. ولكن لوحظ حصول تخفيف في العداء تجاههم بدرجة معينة.

 

وعندما رأى القوميون المتطرفون بألمانيا تفاعل المسلمين وتقديمهم المساعدات للناس أثناء الأزمة قالوا: "المسلمون يستغلون أزمة كورونا". ولكن هؤلاء كان صوتهم خافتا، وكانوا عاجزين عن التصرف وتقديم أفكار وحلول والقيام بأعمال لشعبهم، فسلطوا حقدهم وحسدهم على المسلمين، وهذا هو الركيزة الوحيدة في عملهم، إذ إنهم مفلسون فكريا وسياسيا. ولهذا لم يستطيعوا أن يضطلعوا بدور أو حل فهبطت شعبيتهم، فأصبح احتمال صعودهم ضعيفا، ويلاحظ ذلك في عموم أوروبا، فكأنهم اختبأوا وراء إجراءات الحكومات الحالية لعجزهم بجانب انتظارهم فرصة فشلها وحصول اضطرابات ليصعدوا. وقد ارتفعت شعبية الحزب الحاكم، وخاصة في ألمانيا؛ فتمكن حتى الآن من إدارة الأزمة بتقديمه الخدمات الصحية والمساعدات المالية للمتضررين ومنع احتكار السلع وارتفاع أسعارها. وهم لا يجدون غير المسلمين شبابا يساعدونهم ويقومون بكثير من الأعمال وخاصة الخدمات الطبية من أطباء وممرضين.

 

غدا فيروس كورونا بمثابة اختبار للاتحاد الأوروبي ليظهر مدى تماسكه وقدرته على الصمود، فقال الرئيس الفرنسي ماكرون يوم 2020/3/26: "المشروع الأوروبي معرض للخطر.. التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشينغن".

 

وقالت المستشارة الألمانية ميركل يوم 2020/4/7 "من وجهة نظري يواجه الاتحاد الأوروبي أكبر اختبار منذ تأسيسه، نواجه تحديا صحيا كبيرا يؤثر على كل الدول حتى ولو بشكل مختلف، المهم أن يخرج التكتل قويا من الأزمة الاقتصادية التي سببها الفيروس".

 

فقائدا الاتحاد الأوروبي يحذران من سقوطه، وقد فشل كاتحاد في التعامل مع هذه الأزمة فلم يستطع أن يضع خططا مشتركة يُلزم بها الجميع لتحقيق التعاون والتضامن، بل أغلقت دوله الحدود في وجه بعضها بعضاً، واهتزت الثقة باتفاقية الشينغن؛ اتفاقية الحدود المفتوحة وحرية التنقل والتجارة. واتهموا بعضهم بعضا بعدم التعاون، فكل دولة صارت تفكر في نفسها وتمنع عن الآخرين الأجهزة الطبية، فظهرت الأنانية بصورتها البشعة وهي كامنة في نفوسهم لكونهم رأسماليين ولن تزيلها كل الاتفاقات، فدعا الإيطاليون إلى الخروج من الاتحاد. فاهتزاز الاتحاد كان طبيعيا، لأنه اتحاد هش.

 

ربما لا يسقط الاتحاد الآن لحاجتهم إلى المساعدات، ولكن ذلك زرع لغما جديدا من عدم الثقة، فبات معرضا للانهيار، وهو ما زال يعاني من هزة خروج بريطانيا. ومن الصعب أن يصبح اتحادا بالمعنى الحقيقي بعد أزمة كورونا، فصار همهم هو الحفاظ على ما حققوه مثل اتفاقية الشينغن. ولم يستطع أن يحقق تقدما مهماً نحو وحدة القرار السياسي في السياسات الداخلية والخارجية المشتركة، فمثلا؛ رفضت بولندا والمجر وسلوفاكيا والتشيك قرار الاتحاد بتقاسم اللاجئين عام 2015-2016. وما زالوا يتعثرون في بناء جيش أوروبي.

 

هذه فترة إمهال للاتحاد، فإذا لم يسارع لإنقاذ دوله التي تضررت كثيرا فإن مصيره إلى الهاوية. ولهذا حذر رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز يوم 2020/4/5 قائلا: "الظروف الحالية استثنائية وتدعو إلى مواقف ثابتة، إما أن نرتقي إلى مستوى هذا التحدي أو سنفشل كاتحاد.. لقد وصلنا إلى منعطف حرج تحتاج فيه حتى أكثر الدول والحكومات المؤيدة للاتحاد كما هو الحال في إسبانيا إلى دليل حقيقي على التزام الاتحاد نحوها.. التحدي الذي نواجهه استثنائي وغير مسبوق، إنه يدعو إلى استجابة واحدة وموحدة وجذرية، وطموحة للحفاظ على نظامنا الاقتصادي والاجتماعي وحماية مواطنينا".

 

وهذا كله مرتبط بقائدي الاتحاد فرنسا وألمانيا. علما أن فرنسا تضررت كثيرا فقال وزير ماليتها برونو لومير يوم 2020/4/6: "فرنسا ستشهد على الأرجح أسوأ تراجع اقتصادي لها منذ الحرب العالمية الثانية وبما يفوق بكثير الانكماش بنسبة النمو 2,2% الذي شهدته عام 2009 بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008.. وسينكمش بنسبة النمو 1% هذا العام"، ومع ذلك تريد فرنسا إثبات قيادتها للاتحاد، فأعرب رئيسها عن استعداد فرنسا لتقديم المساعدات لإيطاليا التي انتقدت الحكومات الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا لعدم الاستجابة بتوفير كمامات ومعدات طبية أخرى وقال: "لن نتغلب على هذه الأزمة بدون تضامن أوروبي قوي على المستويين الصحي والمالي" ودعا إلى إطلاق قرض مشترك بين الاتحاد الأوروبي بأكمله لمواجهة الفيروس التاجي في حين تعارض ألمانيا أي تجميع للديون، وتريد شيئا آخر للسيطرة على أوروبا.

 

إن أوروبا تعرضت لدمار هائل في الحرب العالمية الثانية، فأطلقت أمريكا مشروع مارشال لتتدفق أموالها وشركاتها على أوروبا ولكن كان ثمنه غاليا وهو وقوع أوروبا تحت الهيمنة الأمريكية التي لم تتخلص منها حتى الآن. ولكن أمريكا الآن غير قادرة على مساعدة أوروبا، إذ ستكافح لإنقاذ نفسها بعد الأزمة التي سببها الوباء، والنجاح غير مضمون لها، وقد أطلقت شعارها من قبل "أمريكا أولا" وأعلنت الحرب التجارية على أوروبا وغيرها لتنقذ نفسها من تداعيات الأزمة المالية عام 2008.

 

هناك احتمال لصعود ألمانيا المتضرر الأقل في الأموال والأرواح، ولديها رصيد مالي هائل وإمكانيات صناعية كبيرة، فإذا انطلقت بأموالها وشركاتها نحو دول أوروبا بصورة أكبر مما هي عليه الآن فسيكون ذلك فرصة لهيمنة ألمانيا على أوروبا وصيرورتها دولة كبرى عالميا وهي تسير نحو ذلك منذ سنوات، ولكن ذلك مرتبط بوعي ساستها وشجاعتهم وإحسان التصرف.

 

ومع ذلك فإن الرأسمالية على وشك السقوط ودولها محطمة، فلن تنقذها ألمانيا ولو صعدت، وهي غير ثقة لدى الأوروبيين وغيرهم لتاريخها النازي الأسود. فما بقي إلا المبدأ الإسلامي العريق والصحيح؛ فهناك فرصة لانطلاق الأمة الإسلامية، إلا أن هناك عائقا كبيرا يجب إزالته، وهو الأنظمة والقائمون عليها، إذ أبوا إلا أن يكونوا مرتبطين بالدول الاستعمارية الكبرى فإذا ذهبت واحدة فيتبعون القادمة! والتعويل الآن على الأحزاب الإسلامية السياسية الواعية المخلصة التي بلورت أفكار الإسلام واستنبطت دستوره وبينت نظمه وأجهزة الإدارة والحكم وآليات التطبيق وأعدت الرجال الذين يتصفون بصفة رجل الدولة. والمسؤولية تقع على كل مسلم ينتمي لهذه الأمة التي كلفها الله بمهمة إنقاذ البشرية بأن يعمل مع هؤلاء العاملين المخلصين لإقامة صرح الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستتولى هذه المهمة فعليا نيابة عنهم وبهم.

 

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع