- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2023-01-04
جريدة الراية: مدى جدية مبادرة الحل للأزمة السياسية في ليبيا
يتردد هذا الأيام في وسائل الإعلام المحلية وبعض وسائل الإعلام الإقليمية كثيراً خبر إعلان مجلس الرئاسة الليبي عن عزمه تقديم مبادرة لحل الأزمة السياسية في البلاد تستند إلى عقد لقاء تشاوري يجمع المجالس الثلاثة؛ مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي، وكما يقول رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي يكون ذلك بالتنسيق مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. ولقد سبق هذا الإعلان قرار من المجلس الأعلى للدولة بإيقاف التواصل مع مجلس النواب بعد قيام الأخير بإصدار قانون بتشكيل مجلس قضاء أعلى جديد في بنغازي بدلاً عن المجلس الأعلى الذي مقره طرابلس، واعتبر هذا القرار مقدمة للسيطرة على الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بعد قيام رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح والأذناب الذين هم معه بتعيين 40 مستشاراً للمحكمة العليا أغلبهم مطعون في نزاهته ومنهم متقاعدون ومنهم من هو متهم بالفساد والرشوة.
في هذا الوقت الذي يعرض فيه المجلس الرئاسي مبادرته والتي لا يبدو منها سوى محاولة جمع المجلس الأعلى للدولة مع مجلس النواب للبحث في وضع حل للأزمة السياسية في البلد؛ تحدثت بعض وسائل الإعلام الدولي عن دخول كميات من السلاح للقوى المتصارعة المتحاربة في البلاد. فكأني بهذه المبادرة تأتي لصرف النظر والتعتيم على ما يجري من عمل لتكديس السلاح من جهات مختلفة لأطراف الصراع المباشر في ليبيا.
وهنا لا أعلم كيف يوهمون الناس بجدية الحلول التي تطرح من هذه الجهة أو تلك في الوقت الذي يرى فيه أهل البلد ويسمعون بأخبار كميات السلاح التي تدخل إلى البلد لصالح هذا الطرف أو ذاك، وهذه الكميات تأتي بلا شك من الجهات الدولية المتصارعة للهيمنة على ليبيا. فقد جاء في بوابة الوسط "يرى مراقبون أن التركيز على حل الخلافات السياسية بين الفاعلين الليبيين يقصد منه صرف النظر عن كميات السلاح التي تدخل البلاد للأطراف المتقاتلة..."، مع العلم أن هذا السلاح هو من الأطراف الدولية المتصارعة على النفوذ في ليبيا، وجزء كبير منه يأتي من أوكرانيا، فكيف يستقيم هذا مع مبادرات الحل السياسي؟! فما جدية وفاعلية هذه المبادرة؟!
خصوصا وأن محمد المنفي يقوم بالتنسيق مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عبد الله باتيلي السنغالي، وقد اتضح بشكل لا يدع مجالاً للشك الدور الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة في رعاية الخلاف وإدارة الأزمة وإبعاد شبح الحل عن الأذهان، فهي تسير في مشروع للحل سرعان ما تُدخل عنصراً جديداً بتحريك أحد الأطراف لطرح رؤية جديدة تهدم ما سبق الوصول إليه من نقاط بغرض عرقلة السير إلى أي حل كان، وهكذا دواليك للإبقاء على الحال كما هو عليه.
والأمم المتحدة ومَن خلفها من الدول الكبرى تسعى دائما للإبقاء على نقاط التناقض والخلاف. وما يقوم به سفراء الدول الكبرى عبر بعثة الأمم المتحدة لا يخفى على ذي بصيرة.
قبل أسابيع قامت هذه البعثة بجمع مجموعة من القيادات الحزبية التي لا يجمعها رأي واحد في المسألة الليبية في تونس لتدريبهم على السلوك الديمقراطي في العمل السياسي، وحسب قول أحد المشاركين إن من كان يحاضر فيهم ويعلّمهم العمل السياسي في ليبيا هو شخص بريطاني! فمن يكون هذا؟ ولماذا بريطانيا بالذات؟ ولماذا هذه التشكيلة من الأحزاب؟ وهم معلومون ومعروفون! فهذا يلقي الضوء على أن الحالة السياسية والفكرية في البلاد مخترقة في أغلب أحوالها من الغرب المستعمر وخصوصاً بريطانيا وأمريكا الحليفان اللدودان.
السفير الأمريكي نورلاند يقول: "إن الليبيين يستحقون جيشا موحداً قادراً على الدفاع عن سيادة ليبيا..."، وهذه السيادة المزعومة أمريكا هي أول من تنتهكها، فبالأمس القريب قامت عصاباتها بخطف رجل ليبي من بيته في مدينة طرابلس وشحن إلى أمريكا لمحاكمته على دوره كمتهم في حادثة لوكربي سنة 1988 فإن هذا يشكل اختراقاً فاضحاً لسيادة ليبيا التي يتحدث عنها سفير أمريكا.
فالحديث عن تقديم مبادرات للحل ليس هو إلا مزيداً من إطالة عمر الأزمة وعملية إلهاء الرأي العام وإشغال له، في الوقت الذي نرى فيه القوى المتصارعة والوكيلة عن دول الاستعمار المتصارع على الساحة الليبية تُحدِثُ كل يوم أمراً يضاعف الشقاق ويضيف صعوبات جديدة في طريق الحل ما يوضح بجلاء أن قرار البلاد السياسي لم يعد على الإطلاق في يد أهلها، وقد أصبحت أغلب هذه الكيانات المسلحة على الساحة وكيلاً للأجنبي المختلف المتخاصم على تقاسم الغنيمة، ولا مخرج من هذا المأزق على الإطلاق إلا بانتفاضة شعبية عامة لإسقاط هذه الأجسام الجاثمة على قلوب الناس والكاتمة لأنفاسهم، وخروج عناصر القوى المسلحة على رموزها الفاشلة والتي أصبحت وكيلة للدول الاستعمارية بعضها يدري ذلك وبعضها لا يدري أنه مجرد بيدق يستعمل لإطالة حالة الصراع وإهلاك البشر والحجر.
إننا نتوجه إلى شعبنا في ليبيا بضرورة التحرك والانتفاض على هذه الأجسام التي استمرأت الارتزاق والخضوع للأجنبي وأصبحت عاملاً أساسياً في بقاء الأزمة وهي تعمل على استمرارها؛ لأن ذلك يضمن استمرارها في المشهد، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، وبالتالي تغيير هؤلاء وعدم السماح لجميع أدوات الغرب من العمل.
بقلم: الأستاذ أحمد المهذب
المصدر: جريدة الراية