- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2023-03-29
جريدة الراية: حلول الرأسمالية
لقاحات مسمومة تفتك بالمريض!
في خطوة هي الأولى من نوعها، طرح البنك التجاري الدولي بمصر شهادات ادخارية مرتفعة العائد بعملات 3 دول خليجية هي السعودية والإمارات وقطر، في خطوة يقول مراقبون إنها تهدف لتنويع طرق الحصول على العملة الصعبة. وتحظى عملات الدول الثلاث التي شملها الطرح بحضور قوي في السوق المصرية بسبب وجود مئات آلاف المصريين العاملين في هذه الدول. يقول الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مصطفى بدره للجزيرة نت إن هذا الطرح يستهدف زيادة الداخل من العملات الثلاث لدعم الاقتصاد المصري عبر تحفيز المصريين المغتربين في هذه الدول على الاحتفاظ بما لديهم من عملات خليجية فضلا عن تشجيع الخليجيين أنفسهم على إيداع أموالهم بعملاتهم المحلية في مصر نظرا لارتفاع الفائدة. (الجزيرة نت)
نعم إنها الخطوة الأولى في إصدار شهادات بعملة أخرى بخلاف الدولار واليورو والجنيه الإسترليني، ولكنها تبقى استمرارا لمحاولات فاشلة لإنعاش نظام يحتضر ويعاني سكرات الموت الأخيرة، فما الذي يمكن أن تفعله شهادات استثمار ولم تفعله القروض ولا السندات؟! ألا إن كل ربا حرام والله يمحق الربا، فكيف لو كانت الدولة هي التي تشرعه وتزينه للناس وتحثهم عليه برفع نسبته؟!
إن كل معالجات الرأسمالية فاسدة لا تعالج أي مشكلات، فما الذي ستفعله أموال تلك الشهادات؟ هذه الشهادات ستوجد عملات متنوعة بالفعل سيقوم البنك الذي أصدرها بإقراض أموالها لعملائه أو للدولة، فهذا عمل البنوك لا تقوم بالتجارة ولا الصناعة ولا الزراعة بل تقرض الأموال بالربا، وبنظرة رأسمالية فتلك البنوك مضطرة لرفع نسبة الربا ليحقق عائدا أعلى من القيمة التي ستدفع للمودعين من خلال تلك الشهادات، ومن سيقترض تلك الأموال إما الدولة أو التجار والمستثمرون والدولة تحصل ما تستدين به من الناس، وبالتالي فسترفع الدولة قيمة ما تحصله من ضرائب وجمارك ورسوم بخلاف الزيادات الطبيعية في أسعار المحروقات وغيرها فتزداد أعباء الناس بمن فيهم التجار والمستثمرون الذين تزداد أعباؤهم مرة أخرى نتيجة القروض ورباها، وتلقائيا يحمّل التجار والمستوردون كل تلك الزيادات على أثمان السلع التي يبيعونها للناس إضافة إلى أرباحهم، فترتفع الأسعار وبالتالي تقل القدرة الشرائية لما في يد الناس من أموال وما يلازمها من ارتفاع في نسبة التضخم، فالمحصلة النهائية أن الذي يدفع كل الفواتير هم الشعوب التي تئن تحت وطأة الرأسمالية وقوانينها وقراراتها ومعالجاتها الكارثية، فهذه الخطوة ككل الخطوات التي سبقتها من إجراءات اتخذها النظام لمواجهة الأزمات، هي استمرار وتمادٍ في الفشل وتحميل الناس عبء قراراتهم، وابتعاد بهم عن الحلول الحقيقية التي تعالج الأزمات علاجا حقيقيا ناجعا.
إن الحل ليس في إصدار شهادات توفر عملة جديدة أو حتى قديمة وليس في تحفيز المغتربين على الاحتفاظ بعملتهم فلا يتكالبون على الدولار أو الذهب، وإنما الحل في أمور ومعالجات سنعرضها رغم استحالة تحقيقها في ظل النظام الذي يحكم مصر حاليا وسنبين كيف ومتى يمكن تحقيقها.
أولا يجب أن تتغير نظرة الدولة للملكيات ومنابع الثروة فيها وطريقة التعامل معها، فتراجع عقود شركات التنقيب عن النفط والغاز والذهب وباقي المعادن وتلغي حقوق الامتياز والشراكة وكل ما من شأنه أن يعطي هيمنة لشركات الغرب على منابع الثروة، ثم تنشئ بنفسها شركات تقوم بالتنقيب وإنتاج تلك الثروات من مواردها أو تستأجر شركات تقوم بذلك مقابل أجرة لا مقابل شراكة، وما ينتج من ثروة يضخ في خزينة الدولة ويستغل في رعاية شئون الناس أو يوزع عليهم عينا بشكل عادل، فكيف سيكون حال الناس حينها؟!
ثانيا اعتماد سياسة تصنيع تقوم على أساس الصناعات الثقيلة فتقوم الدولة بإنشاء المصانع التي تصنع وتنتج الآلات التي تصنع المصانع والآلات، وتغذي الصناعات كصناعة المحركات والصلب والمسابك وغيرها من الصناعات التي تؤسس لصناعات قوية تنشأ خلفها صناعات أخرى، وإنشاء المختبرات، والاهتمام بالزراعات الاستراتيجية ودعمها وتمكين الناس من إحياء الأرض بالزراعة والإعمار وإنشاء المصانع، إعادة لسنة إحياء الموات وما يترتب على ذلك من استغناء للدولة عن استيراد ما تحتاجه من غذاء ودواء وسلاح ومعدات وما يمكنها بيعه من منتجات وما يدره على الناس من دخول.
ثالثا الاعتماد على الذهب والفضة كنقد بذاتهما أو بورقة نائبة عنهما وإلغاء أي تعامل بالعملات الورقية التي لا قيمة لها مع وضع فترة مؤقتة للتعامل بتلك النقود الورقية بشرط اعتماد قيمة معينة تقابلها من السلع الموجودة حتى يسوي الناس أوضاعهم ولا يخسرون ما لديهم من مال، وحتى توجد تنهي الدولة مرحلة صك النقود الذهبية التي سيتم تداولها بين الناس. على أنه يمنع على الدولة أن تبيع لغيرها من الدول بغير الذهب فلا تقبل ثمنا لمنتجاتها إلا الذهب ويمكنها أن تشتري بما لديها من عملات أجنبية حتى تتخلص منها فتشتري بالذهب، وبهذا تصبح عملة البلاد ذات قيمة في ذاتها تتحدى التضخم ولا تؤثر فيها الأزمات والكوارث.
رابعا إنهاء التعامل بالربا بجميع صوره وأشكاله وإعادة الأموال إلى أصلها وإلغاء كل ما ترتب عليها من ربا نزولا عند قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فتمتنع الدولة عن دفع ربا قروض المؤسسات الدولية والمانحين وتوقف التعامل معها ويلغى كل ترتب على قروضها من شروط وقرارات وسياسات، وتراجع الدولة ما تم دفعه لهم على مدار العقود وما قابله من نهب للثروات، وقد يطالَبون بتعويض البلاد عما ألحقوه بها من أضرار من خلال تلك القروض وما جرته من ويلات، وما حصّلوه من مصالح نهبوا بها ثروات البلاد واستعبدوا شعوبها.
والواقع الذي يجب أن يعلمه الناس أن بلادنا ليست بحاجة لا لقروض المؤسسات الدولية الاستعمارية ولا لتلك البنوك الربوية في بلادنا ولا شهاداتها ولو بأي عملة، ولا استثماراتها ولا عوائدها، بل في حاجة لتطبيق أحكام الإسلام التي تضمن القضاء على الربا بأنواعه وتجفيف منابعه من جذورها، ولهذا يجب أن يُغيَّرَ النظامُ الاقتصاديُّ الحاليُّ بِرُمَّتِهِ وأنْ يوضَعَ مكانَه - وضعاً انقلابياً شاملاً - النظامُ الإسلاميُّ للاقتصاد في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فإذا أُزيلَ هذا النظامُ وطُبِّقَ الإسلام بَرَزَ للناسِ أنّ المجتمعَ الذي يُطبِّقُ الإسلامَ لا ضرورة فيه إلى الربا، لأن المحتاجَ إلى الاستقراضِ إمّا أنْ يحتاجَهُ لأجْلِ العَيْشِ أو يحتاجَهُ لأجْلِ الزراعة، أو الصناعة أو التجارة، أمّا الحاجةُ الأولى فقد سدَّها الإسلامُ بِضَمانِ العيش لكلِّ فردٍ من أفراد الرعية. وأمّا الحاجةُ الثانيةُ فقد سدّها الإسلامُ بإقراضِ المحتاجِ دونَ ربا، فقد روى ابنُ حِبّانٍ وابنُ ماجَه عن ابنِ مسعودٍ أنّ الرسولَ ﷺ قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقرِضُ مُسْلِماً قَرْضاً مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِها مَرَّةً».
هذه المعالجات التي ذكرنا يستحيل أن تطبق في ظل أنظمة العمالة التي تحكم بلادنا ولا في ظل التبعية المفروضة عليها، وإنما تحتاج انعتاقا من التبعية وتغييرا انقلابيا شاملا يضع أحكام الإسلام كلها موضع التطبيق فيرى الناس عدل الإسلام وأداءه للحقوق وحسن رعايته لهم ولشؤونهم ومصالحهم بأحكام الإسلام وعلى أساس عقيدته، بمعالجات حقيقية ملموسة يستحيل وجودها في نظام آخر ويستحيل تطبيقها بمعزل عن الإسلام وعن دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ندعوكم لها في حزب التحرير ونحمل لكم مشروعها كاملا وجاهزا للتطبيق فورا بما يضمن الخير للناس جميعا مسلمين وغير مسلمين، وستذكرون ما نقول لكم ونفوض أمرنا إلى الله والله بصير بالعباد.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
المصدر: جريدة الراية