- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2023-04-26
جريدة الراية: دواعي الوجود الأمريكي المكثف
في منطقة الشرق الأوسط
أوردت وكالة رويترز يوم 2023/4/8 خبر دخول غواصة تابعة للأسطول الخامس الأمريكي مسيرة بالطاقة النووية وتحمل 154 صاروخا من طراز توماهوك إلى منطقة الشرق الأوسط مارة من خلال قناة السويس. وقد ورد على لسان تيم هاوكنز الناطق باسم البحرية الأمريكية أن زيارة الغواصة تهدف لتحقيق التوازن والاستقرار الأمني في منطقة الشرق الأوسط.
والسؤال المهم هنا: ما هي دواعي عدم الاستقرار في المنطقة؟ وما الذي يخل بالتوازن الإقليمي والاستقرار الأمني؟ الحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط فيها نقطتان ساخنتان قد تؤديان إلى الإخلال بما يسمى بالتوازن الإقليمي وعدم الاستقرار الأمني. وهاتان النقطتان تتعلقان بكيان يهود وإيران. أما إيران فإن الأمر يتعلق ببرنامجها النووي الذي طالما سعت أمريكا لحمايته ورعايته سواء من خطر كيان يهود أو من ممانعة بعض الدول في أوروبا له. وما ذلك إلا لكي تكون إيران بعد أن تصبح دولة نووية هي الدولة التي تعمل على إحداث التوازن الأمني في المنطقة مقابل كيان يهود الذي يعتبر هو القوة الكبرى فيها، والذي يملك سلاحا نوويا. إضافة إلى المحافظة على دور إيران الذي بدأت تمارسه منذ ثورة الخميني عام 1979 والذي تمثل في دفع دول الخليج للارتماء في أحضان أمريكا بالرغم من تبعيتها المستمرة لبريطانيا.
وأما كيان يهود فهو يجد في برنامج إيران النووي خطرا عليه وفي حال امتلكت إيران القوة النووية فإنه بالتالي سيحول بين كيان يهود وبين تفرده العسكري. ولم يخف كيان يهود نواياه المتعلقة بضرب وتعطيل برنامج إيران النووي. وما برحت أمريكا تقوم بما يلزم لمنع كيان يهود من ضرب إيران. ومؤخرا دفعت أمريكا السعودية وإيران لإعادة العلاقات بينهما لأسباب كثيرة؛ منها عدم تمكين كيان يهود من استعمال الأجواء السعودية لضرب إيران سواء من خلال مرور الطائرات بها أو الصواريخ البالستية. إلا أنه ومع استمرار انشغال أمريكا بقضية دولية على مستوى الحرب الدائرة في محيط أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، فإنها تخشى أن يستغل كيان يهود هذا الوضع الدولي المتأزم وبمساعدة بريطانيا التي ما زالت تسعى لإحراج أمريكا وجعلها تغرق أكثر في تبعات الأزمة الدولية، ما يجعل خطر ضرب كيان يهود لإيران أقرب من أي وقت مضى، خاصة أنه طالما استغل ظروف انشغال أمريكا سواء في قضايا داخلية كالانتخابات الرئاسية أو قضايا دولية للقيام بما لديه من خطط.
ويبدو أن أمريكا أدركت أن الأعمال الدبلوماسية في مثل هذا الموقف لن تجدي نفعا كبيرا، خاصة وأن الزيارات المكثفة لكيان يهود خلال الفترة المنصرمة والتي قام بها وزير خارجية أمريكا مع وفود أخرى كثيرة لم تجد نفعا لكبح جماح يهود. ولو كان الظرف الدولي أقل سخونة لكان من الممكن أن تكتفي أمريكا بالأعمال الدبلوماسية. إلا أن الظرف الدولي الحالي شديد السخونة ولا يحتمل صرف المزيد من الوقت فكانت زيارة الغواصة النووية التي أعلن عنها المتحدث باسم البحرية الأمريكية ووصفها بأنها من أجل الحفاظ على الاستقرار الأمني والتوازن الإقليمي، وذلك ليفهم كيان يهود أن الأمر جدي ولا يحتمل أي خطأ.
كما أن زيارة الغواصة كان لها هدف آخر وإن كان يتعلق بكيان يهود أيضا، ولكنه يتعلق بأطماع حكومة نتنياهو اليمينية والتي لم تعد تحاك بالخفاء والمتعلقة بتوسيع كيانه على حساب فلسطين والأردن. ويبدو أن أمريكا ضاقت ذرعا بتصرفات حكومة نتنياهو سواء الداخلية كمحاولة تغيير القوانين، أو تأزيم الوضع الداخلي خاصة في رمضان ومحاولة إشعال حرب شاملة في المنطقة؛ لذلك سعت أمريكا من خلال زيارة الغواصة لتحقيق هدفين وبشكل فعال؛ الأول: لجم كيان يهود ومنعه من القيام بأي تصرف يخل بالأمن والتوازن الإقليميين، والثاني: منعه من تغيير الواقع في فلسطين وما حولها بالقوة.
والذي يثير الغضب والاشمئزاز في النفس، ليس الأسلوب الفظ الذي تتعامل به أمريكا سواء مع حلفائها أو أعدائها، إنما هو الاستمرار باستباحة مياه المسلمين وأراضيهم وأجوائهم، والتصرف على أن هذا الجزء من البلاد الإسلامية ليس له ولاية ولا حصانة ولا إرادة، فجميعها مرهونة لأمريكا وسياستها. ومثل هذا ما كان ليحصل لو أن للمسلمين دولة تحميهم وتحمي بلادهم برا وبحرا، وخليفة يرعى شؤونهم ويجنبهم موارد الهلاك؛ ولذلك وجب عليهم أن يقيموا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستلم شعثهم، وتوحد بلادهم، وتحقن دماءهم، ويقولون في ظلها اليوم نغزوا الغرب الكافر ولا يغزونا.
بقلم: د. محمد جيلاني
المصدر: جريدة الراية