الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2023-06-07

 

جريدة الراية: إعادة انتخاب أردوغان

استمرار لعلمانية تركيا وسيرها في فلك أمريكا

 

 

فاز أردوغان في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في تركيا بعد أن حصل على 52.47% من أصوات الناخبين. ومما لفت النظر أن المدن الكبرى حيث يتمركز الكماليون العلمانيون لم يحظ فيها أردوغان بدعم كبير على خلاف المدن الصغرى والمناطق الريفية، والتي لا تزال تتمتع بمشاعر إسلامية بعد أكثر من مائة عام من أعمال التغريب والتشويش التي تعرض لها الشعب التركي برمته. وفي هذا دلالة على أنه تحت ركام كثيف من العلمانية واللادينية والقومية والوطنية والتغريب، تحت هذا الركام هناك عقيدة راسخة دفنت تحت الركام ولكن جذوتها لم تنطفئ. فما إن يأتي حاكم أو زعيم أو قيادي يستفز فيه هذه الجذوة، حتى تظهر لتعبر عن مدفون رغباتها وعقيدتها. وقد ظهر هذا في انتخابات الجزائر سنة 1992 حين توجهت جبهة الإنقاذ واستفزت مشاعر شعب تعرض للفرنسة عقودا وعقوداً فتوجه الشعب لانتخاب الجبهة بنسبة عالية جدا أقلقت فرنسا وأزلامها. وحين توجه الشعب في تونس لأول انتخابات بعد ثورة تونس، انتخب من لبس عباءة الإسلام وخاطب مدفون المشاعر. وحصل كذلك في مصر، ومن قبل في الأردن، والآن في تركيا. فهذه الانتخابات جميعها تعبر عن الرغبة الدفينة للأمة الإسلامية للإسلام وحبها له، وفي الوقت نفسه تبين أن هذه الرغبة لا تتخطى الشعور بالحب دون أن تعي أن هذا لا يكفي ولا يرد لها إسلامها.

 

أما عن أردوغان، فمن الإنصاف للرجل أن لا نصوغ في فمه كلاما لم يقله، ومن الظلم أن نتهمه أو نضفي عليه ثوبا لم يرده. فهو منذ أن بدأ أول درجات سلم الإدارة والحكم عندما أصبح رئيس بلدية إسطنبول وحتى آخر يوم قبل الانتخابات الأخيرة لم يصدر عنه لا تلميحا ولا تصريحا ولا تورية بأي شكل من الأشكال أنه يسعى لإعادة حكم الإسلام إلى تركيا، ولا حتى ادعى أو لمح إلى أسلمة الأحكام والقوانين في تركيا كما فعل النميري سابقا في السودان. فالرجل واضح وصريح في آلية الحكم التي يحكم بها ويدير بها شؤون الدولة. فمن غير المسوغ أن أفند وأثبت وآتي بالدلائل على عدم رغبته بإعادة الحكم بالإسلام سواء تدرجا كما يحلو للبعض أن يسميها، أو بطريقة ثورية، أو بأي شكل آخر. وهذا لا يعني أن الرجل ليس مسلما. فقضية الإيمان والكفر كما هو معروف لدى المسلمين هي قضية اعتقاد، وقد أصاب من فهم قول ابن عباس "كفر دون كفر" في معرض تفسير آيات ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿الظَّالِمُونَ﴾، ﴿الْفَاسِقُونَ﴾. وعلى أي حال فالموضوع لا يتعلق بشخص أردوغان بقدر ما يتعلق بتركيا وعودة الحكم الإسلامي إليها وإلى باقي بلاد المسلمين. فالانتخابات في تركيا التي جرت، دلت دلالة لا لبس فيها أن المسلمين في تركيا قد أثبتوا أن حبهم الدفين للإسلام بدأ يزداد، وأن جذوة الإسلام لا تزال مشتعلة في قلوبهم، وتنتظر من يحولها إلى نار ونور؛ نار على الظالمين الفاسقين العلمانيين الديمقراطيين القوميين، ونورا يضيء درب المخلصين السائرين في طريق عزة الإسلام والمسلمين.

 

وأما من الناحية السياسة فتركيا محليا تعاني من قضايا مستعصية تتعلق بالنقد وسعر الليرة المنهار، والتضخم المالي، وسيطرة الرأسماليين والقروض قصيرة الأجل والتي لديها القدرة على التلاعب بالاقتصاد ركودا وتحركا، تمددا أو تقلصا. ولا توجد خطة واضحة للتخلص من هذا العبء، اللهم إلا زيادة الصادرات التركية بسبب تردي سعر الليرة، وإن كان هذا المسار ضمن النظام الاقتصادي الرأسمالي الصرف ليس مأمون العواقب لأن المصدرين هم كبار الرأسماليين الذين يتربصون الدوائر بأي توجه ولو مشاعري للابتعاد عن علمانية الكماليين. وأما النظام النقدي فأردوغان والمسؤولون في نظامه، يعلمون تماما أن مخرجهم من الأزمة لا يكون إلا بتحرير العملة من كل قيد إلا من الذهب والفضة ولدى الدولة مناجم للذهب كبيرة. أما الاعتماد على الودائع من الدولارات التي يتم اقتراضها من الغرب، أو من دول الخليج فإنها تزيد من القيود على العملة التركية ولا تحررها.

 

وأما السياسة الخارجية لتركيا بقيادة أردوغان فقد اختطت لنفسها خطا خاطئا منذ زمن، فهي تدور في فلك السياسة الأمريكية، ولعل ما رشح منذ اليوم الأول لفوز أردوغان من تصريحات ومحادثات مع قادة الدول العالمية يبين هذا بوضوح. فالإعلان عن رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مرتبة السفراء مع مصر، ومحادثة بايدن التي طلب فيها من أردوغان أول طلب وهو الموافقة على دخول السويد إلى الناتو، والتصريح عن موقفه تجاه سوريا وإمكانية عودة العلاقات مع بشار، وعودة اللاجئين (التي سماها طوعية في البداية) وتلقيه دعما من السعودية على شكل وديعة مالية في البنك المركزي التركي، فكل ذلك يدل على أن السير في ركاب أمريكا والتحالف مع عملائها لا يزال مستمرا بل تم تأكيده بشكل واضح.

 

فالخلاصة أن تركيا 2023-2028 تستمر على النهج السابق منذ أن تسلم أردوغان مقاليد الحكم سواء كرئيس وزراء أو رئيس جمهورية. يظهر ميله ومشاعره الإسلامية ذات الطابع التصوفي من البسملة في بداية الخطابات، والصلاة العلنية في أيا صوفيا ومسجد الرئاسة، وقراءته للقرآن، وفي هذا القدر الكفاية لمن يرى في الإسلام كما يرى النصارى واليهود من كهنوتية دينهم. وأما الوضع الاقتصادي في تركيا فما دامت تتمسك بعرى النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي أساسه الربا فلن يكون حالها أحسن من حال من صنعوا النظام ابتداء. وأما السير في ركاب أمريكا فليعلم أردوغان أن أمريكا لا ترقب في عملائها وأعوانها إلا ولا ذمة. فها هي تدير ظهر المجن لحلفائها الأوروبيين وتهددهم بالنووي الروسي إن لم يركعوا تحت أقدامها، ولم تحفظ لروسيا عهدا ولا ذمة وهي التي قدمت كل ما تملك لتحفظ لها سوريا وتحافظ على عميلها بشار! فمن يسير مع أمريكا تماما كمن يعيش في وكر الضبع ينتظر متى يأتي عليه الدور ليحطم الضبع عظامه ويلتهمه مرة واحدة!

 

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: 175-177]

 

 

بقلم: د. محمد جيلاني

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع