الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 Al Raya sahafa

 

2023-06-21

 

جريدة الراية: روسيا بين سياسة الاحتواء والانعتاق

مخاطر هذا الصراع على العالم!!

 

(الحلقة الأولى)

 

 

 

 روسيا هي وريثة الاتحاد السوفيتي البائد؛ أي هي وريثة المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو، أو القطب الثاني العالمي، حيث وقف هذا الحلف منذ تأسس سنة 1955 حتى نهايته سنة 1991، ندّاً للغرب، ولفكره ومبدئه الرأسمالي، ولسياساته الخارجية. وقد كان الاتحاد السوفيتي قبل زواله يتربع على 15% من اليابسة، أي ما يعادل قارة أمريكا الشمالية تقريبا، وتحده 12 دولة، وتحيط به ثلاثة محيطات مع البحار المتصلة بها. وكان عدد سكانه حتى سنة 1991 حوالي 293 مليون نسمة. واحتل المرتبة الأولى في قطاع البترول: ما يعادل 20% من النفط العالمي، واحتل المرتبة الثالثة في إنتاج الفحم، والمرتبة الثانية بعد أمريكا في إنتاج الغاز؛ حيث ينتج 17.5% من الناتج العالمي، ويملك ترسانة من الأسلحة النووية تعد الأكبر عالميا!!

 

وبالفعل عمل المعسكر الشرقي خلال السنوات الأولى من تأسيسه عام 1917 إلى استقراره سنة 1922؛ أي بعد صراعه لمدة خمس سنوات ضد القيصرية الروسية، والانتصار عليها في حرب دموية خلفت آلاف القتلى. وبعد الاستقرار والارتقاء عالميا كقوة عظمى؛ وخاصة بعد فترة الحرب العالمية الثانية عام 1945، عمل على غزو الكثير من دول أوروبا الشرقية عسكريا، وقام بضمها. ولم يقف عندها، بل كانت له نظرة توسعية نحو أوروبا الغربية وأمريكا؛ أي إلى جميع دول المعسكر الغربي. وبالفعل فقد امتدت الأحزاب الاشتراكية إلى أوروبا وأمريكا، ونجحت في اكتساح أوروبا، وفازت في بعض الدول، ووصلت إلى الحكم خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها من الدول. أما أمريكا فاتخذت سياسة صارمة تجاه الفكر الاشتراكي منعته من العمل داخل أمريكا، ووضعت أحكاما صارمة تصل إلى الإعدام إلى كل منتسب للحزب الاشتراكي. والحقيقة أنه لولا سقم المبدأ الاشتراكي في تصوراته، وأحكامه وطريقته في العيش، لقلب كل دول أوروبا خلال سنوات قليلة، ولكن ما حصل هو أن الشعوب رغم معاناتها من فساد الرأسمالية، وتسلطها على أرزاقها ومقدراتها لصالح طبقة ضيقة، فإنها بدأت تنفر من الفكر الاشتراكي؛ نتيجة التصورات الخيالية غير القابلة للتطبيق. ونتيجة السياسة السقيمة المنافقة التي سلكها حكام الاتحاد السوفيتي تجاه الغرب؛ كتلك التي سارت بها روسيا مع أمريكا فيما يعرف بسياسة الوفاق الدولي وتقسيم النفوذ في العالم إلى قسمين 1961.

 

لقد تفكك الاتحاد السوفيتي وتخلى غورباتشوف عن الفكر الاشتراكي، وانحل الحزب الشيوعي عام 1991 وسمح للدول المؤلفة لهذا الاتحاد بالاستقلال، وذلك نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي حيث حاول ضمن سياسة البروسترايكا (إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي)، أن ينقذ ما تبقى من وضع اقتصادي، وتخلّى عن الفكر الاشتراكي لصالح حرية السوق، ووقف يلتسين رئيس روسيا مع غورباتشوف في هذه السياسة قبل أن يعلن عن استقالته من رئاسة الاتحاد عام 1991. وانقضت بذلك حقبة دامت حوالي 70 عاما من تطبيق المبدأ الاشتراكي!

 

إن روسيا قد نزلت عن المرتبة التي كان يتربع عليها الاتحاد السوفيتي؛ من كونه قوة كبرى تشكل الدولة الثانية في الموقف الدولي، وندّا للغرب، ودولة يحسب لها ألف حساب عالميا، ولها تأثيرها في الهيئات والمؤسسات الدولية. فبعد سنة 1991 تغيرت موازين العالم، وبرزت أمريكا كدولة شبه متفردة في السياسة الدولية دون منازع، وصارت تتحكم بالعالم وسياساته لدرجة أنه بلغ من عنجهيتها أن يقول رئيسها جورج بوش أثناء غزوه للعراق وأفغانستان بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر: "من ليس معنا من الدول فهو ضدنا".

 

وتغيرت مع هذا التغير نظرة أمريكا لروسيا، فأصبحت تنظر لاحتوائها سياسيا واقتصاديا وعسكريا؛ عبر خطوات وأعمال عديدة منها:

 

 1- العمل على حصرها وتحجيم تدخلاتها في السياسة خارج أرضها في الدول الضعيفة أو في الدول خارج نطاق منظومتها الروسية، وعدم تمكينها من ذلك؛ خاصة عبر المؤسسات الدولية، أو التحالفات أو غير ذلك من أعمال. وقد برز هذا الأمر مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في قضية العراق وحصاره، ثم اجتياحه واحتلاله.

 

2- إثارة المشاكل الإقليمية والدولية لروسيا لإشغالها بنفسها، حتى لا تفكر في القضايا الدولية من جانب. وكذلك طلب العون من أمريكا لحل مشاكلها من جانب آخر؛ خاصة النزاعات الإقليمية، كما جرى في حرب أذربيجان، وفي الحرب في صربيا وغيرها من مناطق النفوذ الروسي.

 

3- إبعادها عن الصين، ووضع العراقيل أمام أي تقارب معها. وهذا الأمر ظهر بشكل بارز في معاداة أمريكا للحلف الاستراتيجي الذي عقد بين الصين وروسيا، وتجدد سنة 2022. فقد حذرت أمريكا الصين على لسان أكثر من مسئول من مخاطر التعاون بين الصين وروسيا عسكريا في الصراع الدائر في أوكرانيا.

 

4- العمل على تحطيمها اقتصاديا؛ خاصة في موضوع الأسواق الخارجية للطاقة والصناعات. وقد حرصت أمريكا على أن تخفض أسعار الطاقة رغم تأثرها بذلك، من أجل قطع مورد رئيس وكبير للاقتصاد الروسي. والسبب أن روسيا قد انتعشت اقتصاديا أثناء فترة رفع أسعار البترول، واستطاعت أن تقوّي وتدعم مشاريع تطوير السلاح الاستراتيجي. كذلك ساعدها الانتعاش الاقتصادي في قدرتها على التدخلات في المحيط من الدول المجاورة، بإقامة التحالفات والمنظمات الاقتصادية المشتركة.

 

5- إدخالها في سباق التسلح، رغم توقيع تفاهمات معينة حول السلاح النووي وحول القواعد العسكرية الخارجية. فأمريكا لم توقف برامجها في تطوير السلاح وهذا دفع روسيا لمجاراتها، كما كانت تفعل في العهد السوفيتي إلى حد ما، وبالتالي تحمل نفقات باهظة تستحوذ على قسم كبير من أموالها وثرواتها في وقت هي فيه بأمس الحاجة إليها.

 

6- العمل على تحجيم قواعدها العسكرية الخارجية، وتفكيك ترسانتها النووية. فقد عملت أمريكا عدة أعمال تجاه الترسانة النووية الروسية منها؛ تجميعها وتحجيمها وتفكيك قسم منها. ووقعت اتفاقات عدة مع روسيا منها؛ معاهدة ستارت1 (الحد من الأسلحة الاستراتيجية) 1991-1994 ونتج عنها إزالة حوالي 80% من الترسانة حتى سنة 2001، ثم وقعت معاهدة ستارت2 سنة 2010.

 

7- العمل على استمالة بعض الدول في منظومتها القديمة، ووضع قواعد عسكرية فيها. وهذا يعتبر من التدخل الصارخ في عقر دار روسيا، وتحدّيا كبيرا لها. ففي هذا العام 2023 التقى وزير خارجية أمريكا بلينكن بوزراء خارجية كل من كازاخستان وأوزبيكستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، وعرض عليهم المساعدة والدعم لتقليل اعتمادهم على روسيا، وقدم 25 مليون دولار لمساعدة هذه الدول في مجالات التطوير، وقامت أمريكا سابقا باستخدام أول قاعدة عسكرية في مطار خان آباد في أوزبيكستان بعد هجمات 11 أيلول 2001، ثم أرسلت طلائع قواتها إلى قرغيزستان مع قوات من حلف الأطلسي، ونشرت كذلك عسكريين في العاصمة الجورجية تبليسي سنة 2004. وما زالت تحاول التدخل عن طريق خديعة محاربة الإرهاب والمساعدات الاقتصادية لهذه الدول.

 

8- إدخالها في حروب مدمرة وطويلة الأمد، كالحرب الأوكرانية 2022؛ وذلك من أجل الضغط لإخضاعها لسياساتها الخارجية حسب نظرتها الجديدة لصياغة العالم، أي لاحتوائها وجعلها تماما كباقي الدول الأوروبية. وكذلك للضغط عليها من أجل إبعادها عن الصين. ولا يخفى ما تتسبب به الحرب في أوكرانيا على الوضع الداخلي الروسي اقتصاديا وأمنيا.

 

لقد نجحت أمريكا إلى حد بعيد في هذه السياسات لاحتواء روسيا خلال السنوات السابقة، وقبل مجيء بوتين للحكم في روسيا وأثناء وجوده في الحكم كذلك. فهل ستحقق مزيدا من النجاحات على طريق محاولات احتواء روسيا بشكل كامل ومطبق، أم أن الأمور ستنقلب رأسا على عقب في السنوات القادمة وستواجه أمريكا فشلا في هذه السياسات، وخاصة بسبب إعلان الحرب بشكل صريح على روسيا في أوكرانيا لإجبارها على الركوع؟

 

 

يتبع...

 

بقلم: الأستاذ حمد طبيب – بيت المقدس

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع