الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2024-07-17

 

جريدة الراية: قمة الناتو الأخيرة في واشنطن

وخمسة وسبعون عاماً من العدوان والاستكبار

 

 

 

افتتح الرئيس الأمريكي جو بايدن قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة الأمريكية واشنطن، وصادفت هذه القمّة مرور 75 عاما على تأسيس الحلف العسكري الدولي العدواني بقيادة أمريكا والدول الأوروبية الغربية، هذا الحلف الذي دأب على إشعال حروب إقليمية ومحلية لا تنتهي، وهو الذي طالما عاث في العالم خراباً وفساداً، وخلق بؤر صراع ونقاط توتر لا تُعد ولا تُحصى في القارات الخمس.

 

تحدث بايدن في افتتاح القمة بكلام معسولٍ مُخادع؛ فأشاد بالحلف وبالغ في إنجازاته، وأشار في خطابه بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على إنشائه، وربط ذلك بدلالة أهمية المكان نفسه الذي تم فيه التوقيع على المعاهدة الأصلية قبل 75 عاماً. لكنّه في الواقع تجاهل حقيقة كون حلف الناتو ذا صبغة توسعية استعمارية، فوصفه كذباً وبهتاناً بأنّه ساهم في نشر السلام والاستقرار العالمي!

 

وركّزت القمة الحالية بشكلٍ عام على دعم الحلف الثابت لأوكرانيا خاصة أنّها جاءت بعد أن قصفت روسيا مدناً أوكرانية بالصواريخ يوم الاثنين الماضي، وهو ما أدّى إلى إصابة مستشفى للأطفال في كييف، فكان ذلك مدعاةً لاهتمام قادة الحلف في مُداولاتهم تناول الملف الأوكراني في القسط الأكبر من قمتهم، بحيث طغى على غيره من الملفات، وتعهدوا بمنح أوكرانيا مساعدات مالية إضافية بقيمة 43 مليار دولار خلال العام المقبل، والتزموا بتزويدها بأسلحة جديدة لحماية أجوائها بما في ذلك مقاتلات إف 16.

 

وبالنسبة لنشر الأسلحة الأمريكية الجديدة المُتطوّرة في أوروبا فقد أعلنت إدارة بايدن أنّها ستبدأ في عمليات نشر الصواريخ بعيدة المدى في ألمانيا عام 2026، ونوّهت إلى نشر أسلحة أخرى جديدة في ألمانيا، فأعلن كل من البيت الأبيض والحكومة الألمانية - على هامش قمة الناتو ولأول مرة - منذ الحرب الباردة عن تمركز أسلحة أمريكية ذات قدرات كبيرة في ألمانيا ابتداء من عام 2026 قادرة على الوصول إلى الأراضي الروسية، ومنها نشر صواريخ كروز من طراز توماهوك تصل إلى مسافة أكثر من 2000 كيلومتر، وصواريخ إس إم 6 المضادة للطائرات، بالإضافة إلى نشر الأسلحة المطورة حديثاً، وهي الأسرع من الصوت، وهو ما يُعطي حماية أفضل لحلفاء الناتو في أوروبا.

ودعت القمة كذلك إلى تعزيز العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية قبيل إجراء محادثات مع قادة أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية في اليوم الختامي للقمة، ومن جانبه تعهد الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك يول ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بتعزيز التعاون الأمني مع الناتو.

 

وبالنسبة لروسيا فقد حذّرت أمريكا والغرب من تصعيد حلف الناتو العداء ضد روسيا، وقالت بأنّها سترد على كل تصعيد، وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف في سان بطرسبرغ: "إنّ الأمن الروسي سيتعرض للخطر بسبب مثل هذه الأسلحة، وهذا يستلزم رداً من روسيا".

 

وأعربت الصين هي الأخرى عن استنكارها لبيان قمة الناتو، فعبّر متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الخميس عن استنكار الصين ومعارضتها الشديدة للإعلان الصادر عن قمة الحلف، وأشار إلى أنّ بيان الناتو: "يؤجج التوترات في منطقة آسيا-الباسيفيك، وأنّه مليء بالتصريحات العدائية التي تحمل في طيّاتها عقلية الحرب الباردة، وأنّه مليء بالتحيز والتشويه والاستفزازات"، وقد قدّمت الصين احتجاجات رسمية جادة إلى الناتو حيال هذا الأمر.

 

إنّ نظرة أعضاء الحلف الرئيسيين الأمريكيين والأوروبيين إلى العالم هي نظرة هيمنة استعلائية، وأمّا نظرة أمريكا بشكلٍ خاص للحلف فهي نظرة قيادة وإدارة استغلالية، وهي محكومة بالمنفعة المادية، فأمريكا وحلفاؤها الكبار يرون في العالم أنّه مزرعة لهم، وموضع استعمار وانتفاع واستغلال.

 

وتستخدم أمريكا الحلف للحد من قدرات القوى العظمى المُنافسة خاصة روسيا والصين اللتان تُحاصرهما أمريكا والحلف بنشر القوات والقواعد العسكرية، وبناء التحالفات العسكرية مع الدول الإقليمية والصغيرة لمحاصرة الصين وروسيا، وتفرض أمريكا في الوقت نفسه على شركائها من الأوروبيين الحماية والتابعية والانضباط تحت المظلة الأمريكية.

 

وأمّا سائر دول العالم فتقوم أمريكا من خلال الحلف إمّا بالتدخل العسكري الفعلي لكبح جماحها، أو لتمزيق وحدتها، وذلك كما فعلت مع ليبيا وصربيا، وإمّا بتخويفها وتهديدها والتلويح بالعصا الغليظة لردعها وحملها على الانصياع كما تفعل مع سائر الدول.

 

إنّ حلف الناتو أسّس في الأصل لردع دولة الاتحاد السوفياتي، ومنع توسع نفوذها في أوروبا، فكان يُفترض حلُّه وإلغاؤه بعد إلغاء حلف وارسو بقيادة روسيا الشيوعية، وبعد سقوط الشيوعية وانتهاء معسكر دولها الشيوعية، وانفراط عقد الاتحاد السوفياتي تماماً، لكنّ الذي حصل أنّ أمريكا والدول الغربية أبقتا على وجود حلف الناتو بالرغم من انتهاء عدوه الشيوعي التقليدي، ثمّ اخترعوا لهم وللحلف عدواً جديداً هو الإسلام الذي شيطنوه، ونعتوه بالتطرف والارهاب والأصولية.

 

إنّ تمدّد حلف الناتو، وتوسعه، وضم المزيد من الدول إليه كالسويد وفنلندا، ودعم ترشيح أوكرانيا للانضمام إليه في المُستقبل، كل ذلك من شأنه أن يُطيل في عمر الاستعمار والاستكبار، ويجعل من التنمّر على الدول الضعيفة والفقيرة، وتخويفها، وترهيب شعوبها، مسلكاً دولياً وعرفاً عالمياً دائمياً.

 

وإنّ هذا الوضع الدولي الشاذ بسبب وجود مثل هذا الحلف المُهيمن الظالم يفرض على المسلمين واقعاً ثقيلاً يستلزم تغييره وإزالته والتخلص منه، لتخليص العالم من شروره، لأنّ استمرار وجوده يعني بقاء الظلم والاستكبار كسمة سلبية للعلاقات الدولية، وكطبيعة شوهاء لهيكل تلك العلاقات، وكتكريس لهيمنة القوى الكبرى الاستعمارية.

 

وإنّ هذا التغيير المطلوب أمر لا مناص منه لإنقاذ البشرية من هذه التركة الثقيلة التي ورثتها البشرية بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تُثقل كاهل المُسلمين، ومعهم جميع المُستضعفين والمسحوقين في العالم.

 

وهذه المُهمّة العظيمة لا يستطيع أن يضطلع بها إلا حملة الدعوة وأصحاب الرسالة من المُسلمين العقائديين، الذين يعملون جادين ومُثابرين لاستئناف الحياة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النّبوّة، التي هي الأمل الوحيد لإنقاذ البشرية من طغيان العالم الرأسمالي، وآلته العسكرية الجارحة المُتمثّلة بحلف الناتو الإجرامي.

 

 

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع