- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-09-18
جريدة الراية: غزة ما بين النظرة الشرعية وتقسيمات سايكس بيكو!
ما زال تفكير الكثير من الدعاة وطلبة العلم والمشايخ مرتبطاً بتقسيمات سايكس بيكو؛ فهم في قراءتهم للواقع بل وللأدلة الشرعية يصدرون آراءهم وفق هذه التقسيمات الحادثة في بلاد المسلمين، فمثلا إذا تحدثوا عن مشكلة الفقر في الأردن أو اليمن أو قلة الموارد في الصومال أو المجاعة الحاصلة في السودان، نظروا للعلاج بحسب الحدود الجغرافية، وخطوط الطول والعرض، وبحسب تقسيمات سايكس بيكو! ونسوا أن هذه الأمة أمة واحدة في عقيدتها ورايتها وخيراتها.
فبلاد المسلمين واحدة وخيراتها واحدة فلا يصح أن يموت أهل مِصرٍ من الأمْصَار جوعا وأهل الخليج مثلا ينعمون بالخيرات. وأيضا لا يصح أن ينظر للإعْداد في غزة، وتُبحث الناحية التشريعية على مقاس سايكس بيكو، فيقال هل إعداد أهل غزة كاف لقتال يهود؟! ويبدأ أهل العلم وطلبته يتحدثون في التفصيلات الفقهية! إنما الأصل الذي نطقت به الآيات وهو النظر التشريعي الشمولي أن هذه الأمة أمة واحدة، وأن الإعداد المطلوب الذي يتوجب معه الجهاد هو إعداد الأمة لا إعداد الحركات والجماعات والأفراد، فقوله سبحانه: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ هو خطاب للأمة وليس خطابا للأفراد والجماعات بصفتهم الفردية والجماعية، فإعداد الأمة اليوم مع ما تملكه من القوة المادية من طائرات وصواريخ وخيرات، فوق ما يلزم بكثير ليس فقط لقتال يهود وإنما لنشر الإسلام في العالم كله، وإن البحث في قوة المقاومة في غزة هل تكفي للوقوف ضد كيان مدجج بالسلاح أو لا تكفي...إلخ، ليس هو بحثا تشريعيا شاملا، وإنما هو بحث خاطئ.
إن أمر الجهاد ابتداء فرض على الكفاية إذا أقامه بعض المسلمين سقط عن الباقين، ويتعين في حالات كما لو احتل الكافر بلدا إسلاميا، فلا يجوز تعطيله بأي حال، فالحكم الشرعي في الجهاد أنه واجب على الأمة، والأمة فيها من القوة ما يلزم وزيادة، وليس إبقاء غزة تقاتل وحدها إلا خذلانا وتقاعسا عن القيام بالحكم الشرعي على وجهه، وإنْ أبرأ أهل غزة ذمتهم واستفرغوا صفحتهم، فإن الإثم معلق برقاب المسلمين جميعا كل بحسب مقدرته وطاقته، لا يرتفع حتى يرفع عنهم القتل والجوع والتشريد، بل حتى تحرر فلسطين كلها من يهود، وهذا القدر من التأصيل لم يختلف عليه المسلمون عوامهم وعلماؤهم.
وفوق ذلك فإن الجهاد الآن ضد يهود متعين على الأمة كلها، لأنهم احتلوا أرضا من أراضي المسلمين، وهذه الحالة هي من الحالات الأربع التي يتعين فيها الجهاد، أي يصبح فرض عين. والجهاد الشرعي كما طلبه الشارع معطل منذ ما يزيد على مائة عام، وهو الجهاد الذي يجهز له خليفة المسلمين ويضع فيه الخطط للجيش، ليس على أساس الرقم (الوطني) أو الفصائلي والجغرافيا والحدود.
وللأسف فإن بعض طلاب العلم والعلماء قد بحثوا كثيرا من الأبحاث الفقهية على صعيد التقسيمات الحادثة بعد هدم دولة الخلافة، الكيان الجامع للأمة، فعلقوا الأحكام الشرعية بالقطرية والفصائلية. وكان الأصل أن يعيدوا الأمور إلى نصابها الصحيح. وكان أول خطأ ارتكبوه في حرب المصطلحات هو (ولاية الأمر) ومن هو ولي الأمر الذي دلت الأدلة على وجوب طاعته والصبر عليه لو جلد الظهر وأخذ المال؟ وكيف تتم بيعته ومن له الحق في البيعة؟ فطوعت الأدلة لجعل كل متصرف في ناحيته ولياً للأمر، ولو جاء من غير بيعة، ولم يلتفت للدستور الذي يطبقه حتى لو طبق شريعة أمريكا وأوروبا، واستبدل أحكام الكفر بأحكام الإسلام! فالصيام تعلنه الدولة بمقاييس سايكس بيكو، والجهاد يعطله الحاكم ويعلنه متى شاء، بل إنهم فوق ذلك وفي غزة تحديدا جعلوا واجب الجهاد معلقا برقبة الفصائل في غزة، واكتفوا بمشاهدة بطولاتهم وتضحياتهم، بل إنهم يلوون أعناق النصوص ويبحثون أبحاثا مثل هل قوة الفصائل في غزة كافية أم غير كافية؟! وهل يتوجب عليهم الجهاد وهم أمام عدو لا قِبَل لهم بقوته وجبروته؟! ونسوا أن الأمة الإسلامية سِلمها واحد وحربها واحدة.
ونجمل الأمر فنقول: إن المسلمين اليوم لا وجود لولي أمر لهم بالمعنى الشرعي، فهم لم يبايعوا أحدا منذ زوال الخلافة العثمانية قبل أكثر من قرن من الزمان. ومصطلح ولي الأمر لا يصح إلا بشروط ثلاثة؛ أولها أن تبايعه الأمة أو من يمثلها، وثانيها أن يبايع على الكتاب والسنة، وأما الشرط الثالث فهو أن يبايع ليكون حاكما للمسلمين عامة. وإذا تخلَّف أحد هذه الشروط الثلاثة انتقض العقد وفقد ركنا أساسيا من أركانه وأصبح ساقطا شرعا. والجهاد حكم شرعي أوجبه الله على المسلمين، والأمة الإسلامية هي التي تقوم عليه وترعاه، وتزيل كل الحواجز التي تقف في وجه نشر الإسلام، وإعلاء كلمة الله، ولا يكون ذلك إلا بدولة وخليفة، فتبايع الأمة من يكون على الحقيقة وليا للأمر، وما لم تصل الأمة إلى هذا التوصيف فستبقى تدور في حلقة مفرغة فتقدم التضحيات وتسوق الشهداء ثم يأتي خائن أو عميل ليجهز على كل تضحياتها وانتصاراتها! ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
بقلم: الأستاذ أبو المعتز بالله الأشقر
المصدر: جريدة الراية