- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-12-25
جريدة الراية: تغول السلطة في جنين؛ دوافعه وأهدافه
منذ أكثر من أسبوعين تشهد مدينة جنين ومخيمها حالة أمنية صعبة تفرضها أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية (الذراع الأمني لكيان يهود) من خلال حصار مخيم جنين الذي يشمل قطع الكهرباء والماء عنه، واقتحامه بين الفينة والأخرى وإطلاق الرصاص وترويع الآمنين. وقال مسؤولون في السلطة الفلسطينية، في تصريحات لـ"الشرق" إن السلطة "مصممة على مواصلة الحملة حتى نزع السلاح وإنهاء الظاهرة، معترفين بوقوع أخطاء أدت إلى سقوط فلسطينيين".
تأتي هذه الحملة الأمنية في هذا الوقت العصيب الذي يمر به أهل فلسطين، بسبب الحرب الشعواء التي يشنها كيان يهود على غزة، والتي أهلكت الحرث والنسل، وحملات المستوطنين على قرى الضفة وهجماتهم على أملاك الناس وإتلافها، وهدم البيوت بحجة عدم الترخيص، والحالة الاقتصادية الصعبة، لتضم فيه السلطة بندقيتها إلى بندقية يهود وتعلن حربها على أهل فلسطين وخصوصا في جنين الأبطال والمجاهدين لتخضعهم ليهود.
والحقيقة أنه لا يمكن فهم هذه الحرب التي تشنها السلطة على مخيم جنين، سوى في سياق رغبة كيان يهود وأمريكا بضرب البؤر التي تهدد أمنهم وتبقي على روح الجهاد مشتعلة في نفوس شباب الأمة، فالمتابع لتصريحات ساسة أمريكا يدرك أن هناك قرارا أمريكيا بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م بضرورة التخلص من كل سلاح يهدد مصالحها في المنطقة وخصوصاً كيان يهود قاعدتها المتقدمة في بلاد المسلمين، وأن تجاوب السلطة معهم هو من باب أنها ترى بقاءها منوطا بقيامها بدورها الوظيفي في حراسة يهود على أكمل وجه دون تقصير. (قال موقع أكسيوس إن "العملية العسكرية التي يشنها الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في جنين حاسمة بالنسبة لمستقبل السلطة" وهي رسالة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، كما "نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين فلسطينيين قولهم "إن دافع عملية جنين الأساسي هو توجيه رسالة إلى ترامب بأن السلطة شريك موثوق به) الجزيرة نت.
وكعادة الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين بالتدليس على الناس وخداعهم عبر تغيير الأوصاف والتلاعب بالمسميات، عمدت السلطة إلى تسمية حربها على جنين باسم (حماية وطن!)، مدعية أن هدفها هو حماية الضفة الغربية وأهلها مما تتعرض له غزة، والقول بأن تلك الحملة "تهدف لإنهاء ظاهرة المسلحين، وحتى لا يكون هناك مبرر لـ(إسرائيل) لتكرر في الضفة ما ارتكبته من جرائم في قطاع غزة".
وكذلك من خلال إطلاق دعاية تهدف إلى تشويه صورة الشباب المجاهد لتبرير ملاحقتهم باتهامهم بارتكاب جرائم ضد الناس ووصفهم بالخارجين على القانون وأنهم "ليسوا مقاومين".
وهنا تظهر أسئلة عديدة: فأي حماية لـ"الوطن" تأتي من خلال ضرب أبنائه ومجاهديه؟! وأي حماية تلك التي ستأتي من خلال الدخول في حرب ضد أبنائه وخلق العداوات بينهم؟! بل وأي حماية قامت بها السلطة لأهل فلسطين من الخطر الأكبر الذي يداهمهم وهو عدوان يهود وقطعان مستوطنيه؟! وهل تعرف السلطة وصفة للحماية تقدمها سوى الخضوع والذل؟! وهل ملاحقة المجاهدين وقتلهم ونزع سلاحهم وتسليمهم ليهود هو الذي يضمن الأمن لأهل فلسطين؟! بل أي خيار تركته هذه السلطة لهؤلاء الشباب الذين أصبحوا محاصرين بين استهداف يهود لهم بالقتل أو الأسر، أو تسليم سلاحهم ليكونوا لقمة سائغة آمنة في متناول عدوهم؟ لقد أصبح السؤال الأكثر انتشارا على مواقع التواصل العربية وفي فلسطين هو: "ممن تحمي السلطة الفلسطينية الوطن؟ من قوات الاحتلال والمستوطنين أم من أبنائه المقاومين؟". (الجزيرة نت)
إن ذريعة السلطة التي ترددها بأنها تقوم بهذه العملية في جنين من أجل الحفاظ على ما تبقى من الضفة الغربية هي ذريعة من يدفن رأسه في التراب، ويتعامى عن الواقع، وكأنهم لا يعرفون أن هذا الكيان لا يحتاج إلى ذرائع ليهدم البيوت ويقتل الأطفال ويمزق أوصال الضفة ويتوسع في بناء المستوطنات، وكأنهم لا يعرفون ولا يسمعون عن برامج وخطط سموتريتش وبن غفير تجاه غزة والضفة والقدس، وكأنهم لا يعقلون طبيعة وحقيقة هذه الكيان!
على أن هذه الذريعة تصبح مثيرة للاستهجان، بل وللسخرية عندما تطالب قيادات من السلطة الناس بتشكيل لجان شعبية للتصدي لهجمات المستوطنين، كما طالب محافظ سلفيت مثلا بقوله "إن استمرار وتصعيد اعتداءات المستوطنين الإرهابية ضد بلدات وقرى محافظة سلفيت والفلسطينيين الآمنين في بيوتهم، يتطلب تدخلا عاجلا وفوريا من المجتمع الدولي وتفعيل عمل لجان الحماية والحراسة لشعبنا بمشاركة جميع المؤسسات والفعاليات الرسمية والوطنية والشعبية"!
وختاما، هل كان البرنامج الذي أعدته السلطة "للحماية" وتتوعد على لسان وزير داخليتها بأنها ستحارب كل من لا يريد أن يلتزم به، هو سحب السلاح من الناس ووضعهم في مواجهة جيش ومستوطني يهود عزلا؟ وهل الهجوم على جنين ومخيمها يقوي أهل فلسطين في مواجهة يهود أم يضعفهم؟ وهل يخدم أهل فلسطين أم يخدم عدوهم؟ حيث ذكرت هيئة البث في كيان يهود "أن الجيش (الإسرائيلي) راض عن العملية الفلسطينية في جنين ويدعو إلى تعزيز السلطة الفلسطينية"، أم هناك ما هو أبعد من ذلك؟! حيث أضاف موقع أكسيوس نقلا عن مسؤولين فلسطينيين وأمريكيين "أن دوافع العملية أيضا هو محاولة منع تكرار نموذج سوريا في الضفة الغربية، لأن عباس وفريقه كانوا قلقين من أن ما حدث بحلب ودمشق قد يلهم الجماعات الإسلامية الفلسطينية" (الجزيرة نت)!
وهل تظن السلطة أن ما تقوم به سيطيل أمد وجودها؟ أم أنها في الحقيقة باستعدائها لأهل فلسطين ومحاربتهم وقمعهم ستعجل بزوالها وسقوطها؟ ولعلها لا تتعظ ولا تعتبر مما يحصل حولها ومنه سقوط الطاغية بشار، ولعلها لا ترى ما يقوم يهود بتوريطها فيه. إن ما يجب على السلطة وأجهزتها الأمنية أن تدركه قبل فوات الأوان هو أن أمريكا لا يهمها إلا مصالحها، فإن اقتضت مصالحها أن تتخلص من عملائها كما فعلت مع بشار ومبارك وغيرهما، فعلت ذلك مع السلطة دونما تردد، وإن الأولى بالسلطة وأبناء أجهزتها الأمنية أن يدركوا قبل ذلك كله غضب الله وعقوبته فيمن يسفك الدم الحرام، واللعنة على من يرفع السلاح في وجه أخيه المسلم، فالأمة اليوم في طور الانعتاق والسعي للتحرر، ولم تعد ومنها أهل فلسطين، ترى في الحكام وأنظمتهم إلا عقبات يجب أن تزال، وإن ما يجري من إشغال الناس بعضهم ببعض، وما يجري لأهل فلسطين من التضييق عليهم ومحاولة إخضاعهم لا يستفيد منه إلا كيان يهود وستكون عاقبته وخيمة لمن يتدبر.
بقلم: الدكتور أمين الشامي
المصدر: جريدة الراية