الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

جواب سؤال المستجدات السياسية على الساحة اليمنية

جواب سؤال المستجدات السياسية على الساحة اليمنية

بسم الله الرحمن الرحيم

 (سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")أجوبة أسئلة حول -المستجدات-السياسية-على-الساحة-اليمنية

 

 

 

 

السؤال:

 

 

طالعتنا وسائل الإعلام في يوم عيد الفطر 2014/7/28 أن علي صالح رئيس اليمن السابق قد صلى العيد جنباً إلى جنب مع عبد ربه منصور هادي الرئيس الحالي، وكأنهما صديقان حميمان! في حين أن هادي منذ توليه الرئاسة قد قام بأعمال هدمت ما كان بناه صالح خلال سنواته الثلاثين ببناء جيش قياداته موالية للإنجليز من أبنائه وأبناء عمومته وأقاربه والموالين، ولكن هادي قطع أجنحتهم! وكذلك أجرى تعديلات وزارية وعسكرية وأمنية قبل شهر في إطار ما يسمى بالإصلاحات الحكومية وكان لأمريكا تأثير في إدخال وزراء محسوبين عليها وعزل القيادات في عهد صالح حتى الأبناء والأقارب... وواضح منها تأثير أمريكا في هذه القرارات... واتخذ هادي موقفاً ليناً تجاه الحوثيين، وكان هذا واضحاً خلال احتلال الحوثيين لعمران في 2014/7/9 وقتل قائد اللواء... هذا فضلا عن الهجمات التي جرت ضد وزارة الدفاع وما أشيع أنها انقلاب على هادي وأن وراءها علي صالح، أي أن هادي وصالح عدوان لدودان وليسا صديقين حميمين! فكيف يُفهم ذلك؟ وبخاصة وأن هادي كان نائب صالح ولولا أنه مثله يسير مع الإنجليز لما عينه نائباً له، فكيف يعاديه هكذا؟ لقد اختلطت علي هذه الأمور، فأرجو توضيح هذا الأمر:


هل هادي يسير مع الإنجليز أو يسير مع أمريكا؟ ثم هل الهجمات على وزارة الدفاع كانت محاولات انقلابية؟

 


الجواب:


أولاً: واقع هادي السياسي، وسيره مع الإنجليز أو مع أمريكا:

 


إن الجواب على هذه المسألة يقتضي أن نعود قليلاً للوراء ثم نصل إلى الأحداث الحالية:

 


1- منذ الستينات في القرن الماضي والصراع يشتد على اليمن بين أمريكا وبريطانيا المستعمرة القديمة له، أي منذ انقلاب السلال 1962م الذي كانت وراءه أمريكا وأعلنت الجمهورية اليمنية، وبقيت بريطانيا في جنوب اليمن حتى أقامت فيه جمهورية عام 1967، وانسحبت عسكرياً من هناك. وكان النظام المصري الموالي لأمريكا بقيادة عبد الناصر يقود الحرب لحسابها في اليمن الشمالي حتى هزيمة الجيش المصري في حرب 1967م، ومن ثم انسحابه... وعلى إثر ذلك قامت بريطانيا في هذا العام عام 1967 بقلب عبد الله السلال عميل أمريكا وأتت بعملائها إلى الحكم في الشمال. فأصبح الشمال والجنوب تحت السيطرة البريطانية. ولكن الصراع استمر بين الدولتين المستعمرتين القديمة والجديدة بواسطة الانقلابات... إلى أن أتت بريطانيا بعميلها علي عبد الله صالح عام 1978 في الشمال، وكان على رأس النظام في الجنوب سالم البيض. فرأت بريطانيا من أجل المحافظة على نفوذها والوقوف في وجه أمريكا أن توحد شطري اليمن برئاسة عميلها علي عبد الله صالح فتم ذلك عام 1990. وعندما جرت الانتخابات في اليمن عام 1993 وكسبها حزب علي صالح، عدَّها علي سالم البيض قتلاً لنفوذه... فاستغلت أمريكا هذا الأمر واستطاعت أن تضم سالم البيض إلى جانبها فيصبح ولاؤه لها ممنية إياه بإعادته رئيساً للجنوب بعد فصله عن الشمال...

 

وهكذا كان، فأعلن البيض فصل الجنوب في تمرد مكشوف. ولكن بريطانيا بواسطة نظام علي عبد الله صالح وعملائها الآخرين في المنطقة استطاعت أن تفشل هذا التمرد، واستمر النفوذ البريطاني في اليمن، ومع ذلك فلم تتوقف أمريكا عن عملها بواسطة عملائها في الحراك الجنوبي وفي غيره، وأضافت إلى ذلك العمل عن طريق إيران وأتباعها من الحوثي وجماعته الذين بدأوا يقودون تمردا مسلحا منذ عام 2004. وما زال عمل أمريكا مستمرا في اليمن بواسطة عملائها في الحراك الجنوبي وفي غيره وبواسطة إيران وأتباعها الحوثي وجماعته.

 


2- عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في اليمن وثار الناس عام 2011 مطالبين بإسقاط النظام تحركت أمريكا لاستغلال ذلك حتى تسقط نظام علي عبد الله صالح الموالي للإنجليز، ومن ثم تحرف أهداف احتجاجات الناس... وتقيم نظاما مواليا لها حتى تتمكن من بسط نفوذها في البلاد. وبذلت أمريكا الوسع في ذلك عن طريق أتباعها كما ذكرنا آنفاً، وكانت مصرة على عزل علي صالح من الرئاسة لأنه كان مخلصاً لبريطانيا، واقفاً بقوة في وجه أمريكا... لقد أحست بريطانيا أن أمريكا جادة في ذلك، فسارت على أسلوبها المعتاد بأن تبادر هي إلى حل يحافظ لها على نفوذها ويكون فيه مسايرة لأمريكا وإرضاء لها بإعطائها شيئاً لا يفقد بريطانيا نفوذها في اليمن، فحركت أدواتها في دول الخليج، وأطلقت في بداية نيسان/أبريل عام 2011 المبادرة الخليجية التي تقضي بتنحي علي عبد الله صالح والتعهد بعدم ملاحقته قضائيا وتسليم صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي الموالي لها، وبعد ذلك تجري انتخابات في غضون شهرين، ومن ثم يشرع بالعمل لوضع دستور جديد. وقد وافقت أمريكا على المبادرة في خطوة تعدها مرحلية لإبعاد علي عبد الله صالح فهي كانت ترى فيه رجل الإنجليز القوي في اليمن وأما هادي فرأته ليناً يسهل عليها التعامل معه وفق مصالحها أكثر مما كان يمكنها ذلك مع علي صالح، وقد نقلت وكالة اليمن الإخبارية - رويترز في 2013/8/14 ما يدل على ذلك، فقالت: "تجد واشنطن أن هادي شريك يمكن التعامل معه بسهولة أكبر من صالح". ومن ثم كانت أمريكا ترى إمكانية إضعاف نفوذ بريطانيا في اليمن بعد التخلص من عميل الإنجليز القوي علي عبد الله صالح. واعتبرت أمريكا المبادرة خطوة مرحلية وبخاصة وهي كانت وراء إرسال جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة لتنفيذ المبادرة والحوار والدستور..

 


إن بريطانيا عريقة في دهاء السياسة، وهي وقد ضعفت كدولة عالمية كبرى، وأصبحت لا تستطيع الوقوف في وجه أمريكا بشكل ساخن، فقد انتهجت سياسة مسايرة لأمريكا وعدم مجابهتها بل ترضيها حفاظاً على نفوذ الإنجليز ولو بالتنازل عن شيء على المدى القصير واسترجاعه على المدى الطويل بل المتوسط...

 

فمثلاً لما ضجرت أمريكا من أمير قطر السابق الشيخ حمد ووزير خارجيته لدرجة خشيت معها بريطانيا من اضطراب نفوذها في قطر... حينذاك، ولترضية أمريكا، فقد عزلت بريطانيا أمير قطر ووزير خارجيته، وجعلت مكان الشيخ حمد ابنه الشيخ تميم، فرضيت أمريكا وهدأت عن الأعمال العدائية ضد قطر ظناً منها أن الأمير الجديد سيكون "أخف" وطأة على سياستها... وهكذا هدأت الأمور قليلاً، ولكنها عادت وفق الدور الإنجليزي المرسوم للأمير الجديد، عادت تقلق السياسة الأمريكية كما كانت من قبل وفق ما هو مشاهد محسوس الآن... ومثل هذا كان الأمر بالنسبة إلى هادي فقد وافقت بريطانيا على تنحية علي صالح وتولية نائبه مكانه وقبلت أمريكا... وهذا ما كان.

 


3-إن هادي هو من رجال الإنجليز كذلك فقد ترعرع في ظل الحكم البريطاني في الجنوب، وكان أول من أعجب به ما كان يسمّى "الضابط السياسي" في الحكم البريطاني آنذاك، أي الضابط الذي كان مسؤولا عن الأمن في المنطقة، وقد عمل عبد ربه منصور حارسا شخصيا لهذا الضابط الذي أصبح لاحقا سفيرا للمملكة المتحدة في عدد لا بأس به من العواصم العربية. إن علاقة عبد ربه منصور بالبريطانيين قد مكنته من الحصول على منحة دراسية إلى كلية ساندهرست الملكية في بريطانيا حيث تخرج منها عام 1968م، وعاد ليعمل في بلاده في صفوف الجيش الوطني وذلك قبيل إعطاء بريطانيا "الاستقلال" لليمن الجنوبي... ثمّ عمل في الجمهورية الديمقراطية الشعبيةِ في جنوب اليمن. وبعد انشقاق 1986 في النظامِ الجنوبيِ عمل في القوّات المُسَلَّحةِ في الجمهوريةِ العربية لليمن مع صالح، ولَعبَ دوراً مهمَاً في دمج آلافِ من قوَّاتِ الجنوب التي هَربَت بعد حرب 1986 الأهليةِ، وذلك في القوّات المُسلَّحةِ للجمهورية العربية اليمنية. لقد ساعد هادي في 1994 الجيشَ الشماليَ في إخماد محاولة جنوبية للانشقاق، وبعد تعيينه وزيراً للدفاع لفترة قصيرة تسلم هادي منصب نائب الرئيس، وبَقي في هذا الدورِ حتى 2012. ومع كونه نائباً للرئيس إلا أنه لم يكن ذا سلطة فعلية في ظِلِّ صالح الذي كان يتولى وحده تعيين المسؤولين الرئيسيين الذين يثق بهم في مناصب استراتيجية مهمة مثل الاستخبارات العسكرية والمخابرات السرية.

 


لقد عُرف عن هادي بأنه رجل هادئ عاش في ظل صالح، وأن شخصيته غير حازمة في اتخاذ القرارات الصعبة. وقد استمر على ولائه للإنجليز بعد أن أصبح رئيساً، فقد تلقى هادي الثناء من السفيرة البريطانية (جين ماريوت)، حيث قالت: "أعتقد أن الرئيس هادي رجل جيد، فهو يحاول القيام بعمل لا يصدق في وقت صعب للغاية... نحن بحاجة إلى وضع ثقلنا وراء الإصلاحيين والرئيس هادي". [أخبار الخليج، 21 آذار/ مارس 2014].

 


ولذلك فهو يلعب دورا مهماً لبريطانيا من حيث المحافظة على نفوذها أمام تلك الحملة الأمريكية الشرسة، فهو يُظهر أنه ضد علي صالح، ولكنه في الحقيقة هو تحت إمرة صالح في الحزب ولا يستطيع أن يتخلى عن ذلك، فالعلاقة دافئة بينهما إلا من أمور صغيرة تحدث بين الأصدقاء! فقد ذكر فارس السقاف مستشار الرئيس هادي للدراسات الاستراتيجية عندما تحدثت الأنباء عن أن السعودية تتوسط حاليا بين صالح وهادي بسبب خلاف بينهما فقال: "العلاقة بين صالح وهادي خصوصيات صغيرة لا تتدخل فيها السعودية". (صحيفة الأمناء 2014/7/22)... وهكذا فإن هادي لصيق بصالح ولصيق بحزب المؤتمر ومن المعروف أن حزب المؤتمر هو الذي رشح منصور هادي لانتخابات الرئاسة التي جرت في 2012/2/21م، وكان هو المرشح الوحيد للرئاسة... ومن ثم فهو يسير وفق السياسة البريطانية وحسب الدور المرسوم الذي يقتضي أن لا يجابه نفوذ أمريكا بسخونة، بل بالمسايرة على طريقة بريطانيا.

 


4- هذه السياسة كانت تقتضي أن يقوم بأعمال ظاهرها ضد صالح ورجاله وأن يكون موقفه ليناً تجاه أمريكا وأتباعها، وكان ذلك لأن بريطانيا قد أحست بالهجمة الشرسة من أمريكا على اليمن بشراء العملاء واختراق الجيش وإدارة الحوار اعتماداً على مبعوث الأمم المتحدة... وكعادة بريطانيا في مسايرة أمريكا وإرضائها للحد من استمرارها في تقويض النفوذ البريطاني، فقد أوحت إلى هادي اتخاذ إجراءات ترضي أمريكا، ولا تؤثر سلباً في النفوذ البريطاني، فقام بما يلي:

 


أ- بدأ بما يسمى هيكلة الجيش وإقالات وتعيينات... فأبعد ضباطاً موالين لصالح ومن أبنائه وأبناء عمومته وآخرين وعين قادة مكانهم، وكانت بريطانيا مطمئنة بأن أي تعيينات جديدة ستكون كلها أو جلها من الموالين لها لأن علي صالح قد (نظف) الجيش من عملاء أمريكا خلال سنواته الثلاثين، وهكذا كانت تلك التغييرات، فلم تخرج عن القيادات الموالية لبريطانيا باستثناء بعض الرتب الصغيرة التي لا تؤثر بفاعلية ذات شأن، فكانت هذه التغييرات ترضي أمريكا ولا تؤثر بفاعلية في نفوذ بريطانيا، علاوة على أنها تُظهر هادي بمظهر الرئيس القوي لأن الصورة عنه بأنه رئيس ضعيف وأن هناك قوى تتجاوزه، فهذه التغييرات تظهره بمظهر القوي إلى حد ما أمام الناس بأنه يستطيع إجراء تغييرات على الوجوه التي كانت محسوبة على النظام القديم!

 


ب- أجرى تعديلاً وزراياً في حكومة باسندوة 2014/6/11 أدخل فيه وزيرين من الموالين لأمريكا: الأول وزير الخارجية جمال عبد الله السلال، وهو ابن عبد الله يحيى السلال صاحب الانقلاب العسكري الذي أعلن الجمهورية عام 1962وارتبط بالأمريكان. وجمال السلال ذو توجه أمريكي وقد تخرج من جامعة هوبكينز الأمريكية وشغل سابقا سفيرا لبلاده في إيران، وكان مندوبا لبلاده في الأمم المتحدة وقد امتنع عن التصويت على قرار لمجلس الأمن يدين جرائم نظام بشار أسد عميل أمريكا بحق الشعب السوري في آب/أغسطس 2012. والثاني وزير المالية محمد منصور زمام وقد تعلم وتنشأ أيضا في الجامعات الأمريكية وأظهر توجهه الأمريكي، وقد عين في فترة ما بين عامي 1996 - 1998 كمدير مشروع التعليم والبيئة في وزارة الزراعة الأمريكية في نيو مكسيكو.

 


ج- أظهر ليونة في وجه الحوثيين الموالين لإيران ومن خلفها أمريكا عندما احتلت عمران، فكان هادي وجيشه أقرب إلى الحياد، وكل ذلك إرضاء لأمريكا، وقد نال على ذلك ثناءها، فقد صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين بساكي "إذ نثني وندعم جهود الحكومة اليمنية في سبيل وقف الصراع المسلح والتفاوض بهدف تحقيق مصالحة سلمية بين كل الأطراف" (وكالة سبأ 2014/7/10).

 


د- كان من مقررات مؤتمر الحوار الذي أشرف عليه جمال بن عمر (ممثل الأمم المتحدة) تحول اليمن إلى نظام اتحادي من ست مناطق، وهي: آزال، سابا، جناد، وتهامة، وعدن، وحضرموت، ويكون لدى صنعاء وضع خاص لا تكون فيه جزءا من أي منطقة، ويكون لعدن وضع خاص أيضا. وآزال، وسابا، وجناد، وتهامة تكون المحافظات الشمالية، بينما عدن، وحضرموت تكونان المحافظات الجنوبية... وهذا حل وسط فيه ترضية لأمريكا، فإن بريطانيا كانت ترى أن يبقى اليمن الجنوبي محكوماً من الشمال ليستمر نفوذها في اليمن كله، وأمريكا ترى فصل اليمن الجنوبي لأن نفوذها قوي في الحراك الجنوبي، وأن تمهد الطريق كذلك للحوثيين في صعدة وما حولها... وهكذا كان الاتحاد الفيدرالي حلاً وسطاً يرضي أمريكا مؤقتاً، لكنه سيكون ميدان صراع لاحق بين الدولتين... ولأن بريطانيا ترى أن أكثر الوسط السياسي في جانبها فهي تراهن على استمرار نفوذها في هذا الاتحاد إن لم تستطع تقويضه وإعادة الأمور كما كانت. وأما أمريكا فتأثيرها موجود في الحراك الجنوبي والحوثيين، وأما في الوسط السياسي والتقليدي فيكاد لا يوجد لها وجود.

 


وهكذا فقد اتخذ هادي خطوات تساير أمريكا وترضيها كما لو كان على النقيض من صالح!

 


هـ- كان يحاول تغطية علاقاته ببريطانيا بأهداف أخرى ما أمكنه ذلك، فعندما أراد أن يزور بريطانيا في نهاية أيلول/سبتمبر عام 2012 جعلها ضمن زياراته لألمانيا وفرنسا وأمريكا... وعندما زار واشنطن في شهر آب/أغسطس عام 2013 عرج على السعودية ليلتقي بملكها الموالي للانكليز ليقدم له التقرير عما جرى بينه وبين الأمريكان، وذلك قبل أن يعود إلى بلاده!

 


5- إن أمريكا على الأرجح تدرك هذه الأمور، وتدرك أن هادي لا يزال على ولائه للإنجليز، فتصريحاته المتفرقة لا تخلو من نقد أتباع أمريكا مثل إيران والحراك الجنوبي والحوثيين حتى وإن كانت تتخللها المداهنة أحياناً كعدم ذكر الحوثيين بالاسم، فقد عبّرت صحيفة الشرق السعودية في 2014/4/1 عن ذلك قائلة: "إن الرئيس هادي... يتهم إيران بأنها ما زالت تعبث داخل اليمن. وطلب من الإيرانيين مراجعة سياستهم الخاصة تجاه اليمن. وإنه يؤكد أنها تدعم الحراك الجنوبي الانفصالي وجماعات دينية في الشمال في إشارة إلى الحوثيين". ثم إن الذي يوضح الأمر أكثر أن الملك السعودي عبد الله الموالي للإنجليز يرعى الاثنين صالح وهادي، واتصلاته بهما لا تنقطع وهي معلنة وليست سراً، فقد ذكرت القدس العربي بتاريخ 2014/7/18م "كشف مصدر مقرّب من الرئاسة اليمنية أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أرسل قبل أيام مستشاره الخاص إلى العاصمة اليمنية صنعاء... التقى خلال زيارته لصنعاء علي عبد الله صالح والرئيس عبد ربه منصور هادي واللواء علي محسن الأحمر"... كما أضافت القدس العربي في ذات المقال "وكانت صحيفة "الميثاق" لسان حال حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح كشفت مطلع الأسبوع أن مبعوثا خاصاً من العاهل السعودي زار صنعاء والتقى خلال زيارته كلاًّ من الرئيس هادي والرئيس السابق علي صالح، ولم تعط تفاصيل أكثر..."

 


ثم كان ذلك اللقاء الودي في العيد الذي كما يقولون "ثلج ذاب فكشف ما تحته"، فقد تناقلت وسائل الإعلام في أول أيام عيد الفطر 2014/7/28، ونقله أيضا تلفزيون بي بي سي عربي بأن الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح قد قاما سوية بأداء صلاة العيد جنباً إلى جنب!

 


ولذلك فإن أمريكا تدرك على الأرجح أن علي صالح وهادي ينطلقان من مشكاة واحده، ولكنها ترى هادي أخف وطأة عليها من صالح، ولذلك فهي تراقبه جيداً منذ تسلمه السلطة، واتصالات السفير الأمريكي به مكثفة، وهي أشبه بالمراقبة لهادي، وخاصة عند إصدار القرارات... هذا بالإضافة إلى أن أمريكا قد كلفت باسم الأمم المتحدة ممثلها جمال بن عمر لإدارة الحوار والدستور واللجان لتكون القرارات في حدود المقبول منها...

 


ومع ذلك فإن هذه "المراقبة" لهادي لا تعني أن أمريكا ستستطيع بسهولة أن تضبط الأمور لصالحها، فإن علي صالح خلال سنواته الثلاثين لم يُبق من أتباعها في الوسط السياسي ذا فاعلية ولا في الوسط العسكري، فقد اغتال وأقال جميع القيادات التي ليست على ولاء للإنجليز، وبخاصة وأن حزب المؤتمر الذي يرأسه صالح لا يزال يعمل، وهو الذي كانت بريطانيا وراءه سنوات طوالا... لكن أمريكا اعتبرت أن إقصاء علي صالح هو خطوة كبيرة في طريق إدخال نفوذها بشكل أكبر في اليمن لأنها ترى أن التعامل مع هادي أيسر لها بكثير من التعامل مع علي صالح، وهي تتوقع أن يكون تأثير ركائزها الثلاث أقوى وأشد في عهد هادي وهذه الركائز هي: العمل عبر إيران بدعم الحوثيين، ودعم الحراك الجنوبي، والتدخل العسكري بحجة محاربة تنظيم القاعدة، لكن الذي يجعل هذا التوقع غير مضمون النتائج التي تريد هو أن بريطانيا وعلي صالح وحزب المؤتمر هي ركائز كذلك تحيط بهادي وتوجِّهه.

 


والخلاصة، فإن هادي استناداً إلى ما سبق لا زال ولاؤه للإنجليز، ولكنه يعمل وفق الدور المرسوم له من بريطانيا بأن لا يجابه المصالح الأمريكية بسخونة، بل يسايرها دون إضعاف للنفوذ البريطاني في اليمن.

 


ثانياً: الهجمات على وزارة الدفاع.

 


إن أبرز هذه الهجمات اثنتان:

 


الأولى هي التي جرت في 2012/8/14 حيث ذكرت الأنباء أن عناصر في الحرس الجمهوري قامت بهجوم على مقر وزارة الدفاع واتهم علي عبد الله صالح ونجله أحمد الذي يقود الحرس الجمهوري بعلاقتهما بالهجوم، ويومها كان الرئيس اليمني هادي في السعودية لحضور مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي. وذكرت وكالات الأنباء أن قوات الحرس الجمهوري تعارض قرارات الرئيس هادي الأخيرة بشأن إعادة توزيع ألوية الجيش. وأكدت مصادر مقربة من المحتجين أنهم يطالبون بمستحقات مالية كانت اللجنة المالية قد وعدتهم بها مقابل إنهاء وقفة احتجاجية مماثلة الأسبوع الماضي، ونقلت وسائل إعلام محلية عن الجنود المحتجين أنهم تفاجأوا بقرار وزارة الدفاع مصادرة رواتبهم بحجة أنهم منشقون، وقد وعدتهم وزارة الدفاع بدفع رواتبهم. والأرجح أن لا تكون هذه العملية عبارة عن محاولة انقلاب لإسقاط الحكم القائم، كما أشيع حينها، بل عملية إخراج لتبدو إقالة بعض الضباط في الحرس الجمهوري، وكذلك التعيينات الجديدة، تبدو تغييرات جدية أمام أمريكا. هذا هو الأرجح لأن الحرس الجموري هو من أقوى التشكيلات العسكرية في اليمن إن لم يكن أقواها، ونفوذ علي صالح وابنه فيه قوي، وكان يمكنه تنفيذ الانقلاب بسهولة لو أراد، ولكنه لم يفعل، بل إن قائده أحمد صالح عندما أقيل من قيادته وعُين سفيرا لم يتمرد ويَقُدْ عملاً عسكرياً... وكما سبق وبيَّنا، فعلى من ينقلب صالح وابنه؟ فصالح وهادي من طينة واحدة! وعليه فإن الراجح هو أن تلك المحاولة كانت عملية إخراج لإظهار أن التغييرات جدية، وقد اختلطت بها رواتب الجند لتزداد سخونة...

 


والثانية هي التي جرت في 2013/12/5 حيث تعرض مقر وزارة الدفاع لهجوم... وقد أُعلن أنّ الرئيس اليمني عقد اجتماعا في هذا المقر بعد ساعة من الهجوم، والأرجح أنه كان موجودا، ولكن في مكان آخر من مجمع الوزارة. وقد صرح يحيى العراسي السكرتير الإعلامي للرئيس اليمني في لقاء مع راديو سوا الأمريكي في 2013/12/7: "إن الرئيس عبد ربه منصور هادي كان المستهدف في الهجوم المزدوج على مجمع وزارة الدفاع". وقد اتهم تنظيم القاعدة بتنفيذ الهجوم حيث نشرت تصريحات باسم التنظيم على مواقع الإنترنت تدعي مسؤوليته عن الهجوم. وقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط في 2013/12/7 عن مصادر يمنية ذكرت لها أنها "تشكك في تصريحات القاعدة وأنها عبارة عن محاولة تمويه فقط". ونقلت الصحيفة بعض ما ورد في التقرير الأولي للجنة التحقيق بأن "معظم المواد التي استخدمت في التفجير مطابقة لما جرى ضبطه في سفن الأسلحة الإيرانية التي حاولت الوصول إلى السواحل اليمنية خلال الأشهر القليلة الماضية والتي جرى ضبطها في السواحل اليمنية". وقد كشف الإنجليز بواسطة صحيفة الغارديان في 2013/11/22 أي قبل حصول الحادثة عن علاقة بندر بن سلطان الذي كان حينها رئيس المخابرات السعودية مع جماعة الحوثي حيث قام صالح الهبرة أحد قياديّي هذه الجماعة ويرأس مجلسها السياسي بزيارة السعودية سرا عن طريق لندن والتقى بندر بن سلطان وأنه حمل معه مبلغا ضخما من المال بعد اللقاء. ونقلت عن مصدر سعودي قال بأن الحوثيين يتلقون دعما ماليا وعسكريا من السعودية ويحصلون على مبالغ شهرية من الرياض. ومعروف عن بندر بن سلطان عمالته لأمريكا وتنفيذه لمخططاتها. فيظهر أن هذه العملية كانت رسالة تهديد للرئيس هادي بأنه إن سار سيرة صالح فإن الوصول إلى عنقه أمر ميسور، وتكون أمريكا قد قامت بهذا التهديد بواسطة عميلها بندر والحوثيين المسيرين من قبل عملاء أمريكا في إيران. والجدير بالذكر أن الملك السعودي عبد الله الموالي للإنجليز أبعد بندر بن سلطان عن رئاسة المخابرات حيث يقوم الملك بتركيز عملاء الإنجليز في العديد من المناصب المهمة، وهو يقود العمل لصالح الإنجليز في اليمن وفي غيرها من دول المنطقة.

 


ثالثاً: وفي الختام فإلى متى تبقى بلاد المسلمين ساحة صراع للدول الكافرة المستعمرة؟ إلى متى يستمر الصراع بين بريطانيا وأمريكا على النفوذ في اليمن؟ إلى متى يتصارعان بينهما بأدوات محلية وإقليمية من بيننا: السعودية والقبائل وحزب صالح ثم هادي من جانب، وإيران والحوثيين والحراك الجنوبي من جانب آخر؟ إلى متى يبقى أهل الإيمان والحكمة يرقبون الصراع الجاري كأن البلاد ليست بلادهم؟ ألا يتحركون بحق وينتفضون بصدق؟ ألا يعملون مع العاملين لإقامة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة، ومن ثم يحق الحق ويزهق الباطل، وتنزوي تلك الدول الكافرة المستعمرة إلى عقر دارها إن بقي لها حينئذ عقر دار...؟ إلى متى؟ إلى متى؟

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع