- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")
جواب سؤال:
لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةِ مُضْطَرٍّ
إلى أم إبراهيم
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل زادك الله علما وفضلا،
أريد أن أسأل وثقتي بفضيلتكم الرد،
تعلمنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع يد السارق في عام الرمادة، فهل كان تعليق الحكم هذا في تلك الحالة إنما لعلة انعدمت فانعدم معها حكم القطع؟؟ وإن كان كذلك فما هي علة حكم القطع؟ وهل للعقوبات أصلا علل تدور معها حيث دارت؟
وبارك الله بكم
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
1- بالنسبة لما فعله عمر رضي الله عنه فإنه طبق الحكم الشرعي كما ورد في الإسلام، أي لم يُعلق تطبيق الحكم، بل طبقه كما يجب أن يكون، فهناك حالات لا يجوز القطع فيها، ومن ضمنها حالة المجاعة، فلا يجوز القطع فيها، وأذكر بعض الأدلة على عدم جواز القطع في عام المجاعة:
- ذكر السرخسي في المبسوط قال رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةِ مُضْطَرٍّ».
- وجاء في المبسوط أيضاً للسرخسي عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: رَأَيْت رَجُلَيْنِ مَكْتُوفَيْنِ وَلَحْمًا فَذَهَبْت مَعَهُمْ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ صَاحِبُ اللَّحْمِ كَانَتْ لَنَا نَاقَةٌ عُشَرَاءُ نَنْتَظِرُهَا، كَمَا يُنْتَظَرُ الرَّبِيعُ فَوَجَدْت هَذَيْنِ قَدْ اجْتَزَرَاهَا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "هَلْ يُرْضِيك مِنْ نَاقَتِك نَاقَتَانِ عُشَرَاوَانِ مُرْبِعَتَانِ؟ فَإِنَّا لَا نَقْطَعُ فِي الْعِذْقِ، وَلَا فِي عَامِ السَّنَةِ". وَالْعُشَرَاءُ هِيَ الْحَامِلُ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا عَشْرَةُ أَشْهُرٍ وَقَرُبَ وِلَادَتُهَا فَهِيَ أَعَزُّ مَا يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهَا يَنْتَظِرُونَ الْخِصْبَ وَالسَّعَةَ بِلَبَنِهَا، كَمَا يَنْتَظِرُونَ الرَّبِيعَ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّا لَا نَقْطَعُ فِي الْعِذْقِ مِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي فِي الْعِرْقِ، وَهُوَ اللَّحْمُ وَالْأَشْهَرُ الْعِذْقُ، وَمَعْنَاهُ لَا قَطْعَ فِي عَامِ السَّنَةِ لِلضَّرُورَةِ وَالْمَخْمَصَةِ. أي الجوع والمجاعة.
- وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن مَعْمَرٍ، قَالَ:، قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "لَا يُقْطَعُ فِي عِذْقٍ، وَلَا فِي عَامِ سَنَةٍ".
2- وعليه فإن عدم إيقاع حد السرقة في عام الرمادة "أي عام المجاعة" مرجعه إلى الحكم الشرعي في عدم إيقاع حد السرقة في عام المجاعة... أي أن عمر رضي الله عنه لم يزد عن أن عمل بالحكم الشرعي في عدم إيقاع حد السرقة على من سرق في عام المجاعة... لأن هذا هو الحكم الشرعي في هذه الحالة.
3- وأما سؤالك عن العلل في العقوبات، فنعم العقوبات يمكن أن تدخلها العلل ويدخلها القياس... غير أن الحدود فيها معنى العقوبة ومعنى الحدِّية، أما معنى الحدِّية، أي مقدار الحد ونوعه، فهذا لا يعلل، فلا يزاد فيه حد ولا ينقص منه حد، سواء أكان في مقدار الحد أم كان في عدد الحدود، فهي محصورة في الأدلة الشرعية. أما معنى العقوبة في الحد فهذه ينطبق عليها ما ينطبق على العقوبات من حيث العلة والقياس...
ولتوضيح المسألة نضرب أمثلة:
- مثلاً: روي أن عمر رضي الله عنه كان يشك في قود القتيل (أي قتل القاتل) إذا اشترك في القتل سبعة، فقال له علي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفراً (أي أكثر من واحد) اشتركوا في سرقة أكنت تقطعهم؟ قال نعم. قال فكذلك. فهنا قاس قتل السبعة الذين اشتركوا في قتل القتيل على قطع السارقين كلهم إذا اشتركوا في السرقة. فهنا كانت العلة (الاشتراك في الفعل الموجب للعقوبة) وهي في العقوبات، واستعملت في قياس قتل الشركاء في عقوبة القتل على قطع الشركاء في حد السرقة.
- ومثلاً يقول الرسول e: «ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مئة من الإبل أربعون في بطونها أولادها». فهنا استنبطت علة من القتل بالسوط والعصا عمداً وهي (القتل العمد بما لا يقتل غالباً) أي ما يسمى بشبه العمد، واستعملت في قياس القتل العمد بالحجر الصغير أو بتكرار الضرب أي بكل ما لا يقتل غالباً. وأصبح القتل به لا قود فيه بل دية مغلظة. ولَم يقتصر الحكم على السوط والعصا بل بكل ما لا يقتل غالباً. لكن لو قتله بما يقتل غالباً مثل سكين أو بندقية فهذا عمد فيه قتل القاتل.
فهنا استعمل القياس، ففي المثال الأول قسنا قتل الشركاء في القتل العمد على قطع الشركاء في السرقة بعلة (الاشتراك في الفعل الموجب للعقوبة). وفي المثال الثاني قسنا اعتبار القتل بالحجر الصغير شبه عمد على اعتبار القتل بالعصا شبه عمد كما في الحديث بعلة (القتل بأداة لا تقتل غالباً).
آمل أن يكون قد اتضح الجواب.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
10 من جمادى الآخرة 1437هـ
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك:
رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس:
رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر:
رابط الجواب من موقع الأمير
1 تعليق
-
بارك الله فيكم أميرنا وجزاكم الله عن أمة الإسلام خير الجزاء، وزادكم بركة في العمر وبسطة في العلم وسعة في الرزق..