- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فكري")
جواب سؤال
التفاوت والاختلاف
إلى Shoakmal Imomnazarov
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم يا شيخنا الكريم،
ورد في كتاب نظام الإسلام في صفحة 11 ما يلي: "لأن فهمه لتنظيم غرائز الإنسان وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض"، وقد فهمت بأن كلمتي التفاوت والاختلاف مترادفتان، أي تعنيان معنى واحدا أو معنى قريبا. إلا أن الفرق بينهما هو أن التفاوت كله مذموم، ولهذا نفاه الله تعالى عن فعله فقال: ﴿ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت﴾، ومن الاختلاف ما ليس بمذموم، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وله اختلاف الليل والنهار﴾؟ فهذا الضرب من الاختلاف دال على علم فاعله، بينما التفاوت دال على جهل فاعله. أعني أن التفاوت غير موجود في الأحكام الشرعية وفي مسائل العقيدة، بخلاف الاختلاف فإنه يوجد في أحكام الشرع. ولكن زعم بعض إخوتنا بأن هاتين كلمتان تعنيان أمرين مختلفين، أي أن كلمة الاختلاف تعني على رأيين وبينهما فرق ولكن كلاهما صواب وكلاهما يؤدي إلى الغاية. وأن كلمة التفاوت أيضا تعني في رأيين وبينهما فرق، والفرق بينهما أن أحد هذين الرأيين صواب والآخر خطأ، أي أن أحد هذين الرأيين يؤدي إلى الغاية والآخر لا يؤدي إليها.
نرجو منك يا شيخ أن تفصل وتبين ما المراد بهاتين الكلمتين؛ الاختلاف والتفاوت، الواردتين في الكتاب؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
إن النص الذي تشير إليه في كتاب نظام الإسلام هو التالي:
(والدليلُ أيضاً على حاجةِ الناسِ إلى الرسلِ هوَ أنَّ الإِنسانَ بحاجَةٍ إلى إِشْباعِ غرائِزِه وحاجاتِهِ العضويَّةِ، وهذا الإشباعُ إذا سارَ دونَ نظامٍ يُؤَدِّي إلى الإشْباعِ الخَطَأِ أو الشاذِّ ويُسَبِّبُ شقاءَ الإنسانِ، فَلا بدَّ منْ نظامٍ يُنظِّمُ غَرائِزَ الإنسانِ وَحاجاتِهِ العضوِيَّةَ، وهذا النظامُ لا يأتي منَ الإنسانِ، لأنَّ فهمَهُ لتنظيمِ غرائزِ الإنسانِ وحاجاتِهِ العضويةِ عُرْضَةٌ لِلتَّفَاوُتِ والاختلافِ والتَنَاقُضِ والتَأَثُّرِ بالبيئةِ الَّتي يعيشُ فيها، فإذا تُرِكَ ذلكَ لَهُ كانَ النظامُ عُرْضَةً لِلتَّفَاوُتِ والاختلافِ والتَنَاقُضِ وأدى إلى شَقَاءِ الإنسانِ، فلا بُدَّ مِنْ أنْ يكونَ النظامُ منَ اللهِ تعالى.) انتهى.
وهو يتحدث عن فهم الإنسان لتنظيم الغرائز والحاجات العضوية ويبين أن هذا الفهم الإنساني تعتريه أربعة أمور تؤثر في أحكامه المتعلقة بتنظيم الغرائز والحاجات العضوية وتجعل هذا الفهم غير مستقيم وغير صحيح... وهذه الأمور الأربعة وإن كانت متعلقة بالفهم إلا أنها ليست شيئاً واحداً... وقبل أن أفصلها فمن الجدير ذكره أن هذه الأمور قد تحدث في الفهم من الشخص الواحد، فيكون فهمه لتنظيم الغريزة هذا اليوم كذا، وفي اليوم التالي كذا... وقد تحدث في الفهم بين شخص وبين آخر، فهذا يفهم تنظيم الغريزة على نحو معين، وذاك يفهمها على نحو آخر، ولذلك ما نفصله أدناه قد يكون من الشخص نفسه فيختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، وقد يكون بين شخص وآخر... أما عن معانيها فكما يلي:
1- التفاوت في فهم تنظيم الغرائز يعني أفهاماً متنوعة يبتعد أحدهما عن الآخر بعداً شاسعاً، وعادة ما يتخلل هذه الأفهام قصور وعيوب نتيجة الجهل والاضطراب، وعدم وجود قاعدة أساسية يبنى الفهم عليها، سواء أكان هذا التفاوت بين رأيين للشخص نفسه اليوم وغداً، أم كان الرأيان لشخصين، فالتفاوت بينهما في تنظيم الغرائز هو أن يتباعد الرأيان كثيراً ودونما مقياس فكري لأي منهما بل يخالط هذا التباعد جهل واضطراب ولذلك كثيراً ما يكون الرأيان في تنظيم الغريزة خطأ... وقليلاً ما يكون أحدهما صواباً... ولكن لا يكون كلاهما صواباً، وذلك لما تحمله كلمة تفاوت في اللغة من تباعد شاسع بين الرأيين مع الجهل والاضطراب.
ومن الجدير ذكره أن هذا المعنى للتفاوت هو في أفهام الناس وآرائهم... وأما مخلوقات الله في هذا الكون فليس فيها تفاوت لأن التفاوت تخالطه العيوب والقصور ولا يسلم من الجهل والاضطراب، وهذا لا يكون في مخلوقات الله ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وأما الاختلاف في هيئة المخلوقات، فشكل الشمس وهيئتها يختلف عن شكل القمر وهيئته، والليل غير النهار فهذا كائن في مخلوقات الكون ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.
جاء في مختار الصحاح:
(ف وت: (فَاتَهُ) الشَّيْءُ... وَ (تَفَاوَتَ) الشَّيْئَانِ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا تَفَاوُتًا...) انتهى
وجاء في القاموس المحيط: (فاتَهُ، الأَمْرُ فَوْتاً وفَواتاً: ذَهَبَ عنه... وتَفَاوَتَ الشَّيْآنِ: تباعَد ما بينهما تَفاوُتاً... و﴿ما تَرَى في خَلْقِ الرَّحْمنِ من تَفاوتٍ﴾، أي: عَيْبٍ...) انتهى
وجاء في لسان العرب: (فوت: الفَوْتُ: الفَواتُ. فاتَني كَذَا أَي سَبَقَني، وفُتُّه أَنا... وفاتَني الأَمرُ فَوْتاً وفَواتاً: ذهَب عَنِّي... وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ﴿ما تَرَى في خَلْقِ الرَّحْمنِ من تَفاوتٍ﴾؛ الْمَعْنَى: مَا تَرى فِي خَلْقِه تَعَالَى السماءَ اختِلافاً، وَلَا اضْطراباً... وتَفاوَتَ الشَّيْئَانِ أَي تَباعد مَا بَيْنَهُمَا تَفاوُتاً، بِضَمِّ الْوَاوِ) انتهى
2- الاختلاف في فهم تنظيم الغرائز يعني أفهاماً متنوعة وفق مقاييس عند هذا وعند ذاك، فيرى الأول أن ملكية المال لها أسباب وهو يتبع هذه الأسباب، وأن تنمية الملكية لها أسباب يأخذ بها، ويرى الآخر أسباباً غير الأسباب التي يأخذ بها الأول... ولذلك فإن هذا الاختلاف قد يكون فيه الصواب والخطأ وذلك وفق المقياس الذي يبنى عليه لأنه مبني على مقياس معين، وتفكير، وتخطيط حول فهم التنظيم...إلخ وهكذا اختلاف المذاهب والمفكرين... فقد يصيب بعضهم ويخطئ بعضهم وفق القاعدة الفكرية المتبعة... ولذلك فكثيراً ما يكون أحد الرأيين صواباً... ويمكن أن يكون لكل من الرأيين وجه من الصحة حسب مقياسه المعتمد كأصحاب المذاهب وبعض المفكرين... ويمكن أن يكون الرأيان المختلفان خطأ...
- ورد في معجم الفروق اللغوية: (الفرق بين الاختلاف في المذاهب والاختلاف في الأجناس: أن الاختلاف في المذاهب هو ذهاب أحد الخصمين إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، والاختلاف في الأجناس امتناع أحد الشيئين من أن يسد مسد الآخر ويجوز أن يقع الاختلاف بين فريقين وكلاهما مبطل كاختلاف اليهود والنصارى في المسيح.) انتهى
- لسان العرب (9/ 91)
(وتَخالَفَ الأَمْران واخْتَلَفا: لَمْ يَتَّفِقا. وكلُّ مَا لَمْ يَتَسَاوَ، فَقَدْ تَخَالَفَ واخْتَلَفَ.) انتهى
3- التناقض: وهو أن يصل التباين بين الناس في الفهم والحكم إلى حد التناقض التام من كل وجه في المسألة الواحدة، فكأن أحد القولين يهدم القول الآخر.
جاء في لسان العرب (7/ 242)
(نقض: النَّقْضُ: إِفْسادُ مَا أَبْرَمْتَ مِنْ عَقْدٍ أَو بِناء، وَفِي الصِّحَاحِ: النَّقْضُ نَقْضُ البِناء والحَبْلِ والعَهْدِ. غَيْرُهُ: النقْضُ ضِدُّ الإِبْرام...)
ولكي نوضح الفرق بين هذه الثلاثة نذكر مثالاً عن غريزة البقاء - ومن مظاهرها التملك:
- يكون الاختلاف في هذه المسألة كأن يرى أحدهما أن ينمي ملكه بشركة العنان ويرى الآخر بالشركة المساهمة، أي بسبب مختلف...
- ويكون التفاوت بأن يرى أحدهما أن يطلق الملكية بأي مقدار ويرى الآخر أن يحددها بمقدار ضئيل يبقيه حياً...
- ويكون التناقض بأن يرى أحدهما جواز الملكية الفردية ويرى الآخر إلغاء الملكية الفردية...
4- التأثر بالبيئة: وهذا عامل رابع يؤثر في فهم الإنسان للأمور لأن كل إنسان ينشأ في بيئة معينة فيها أحكام سائدة، وعقله يتأثر بدون شك بالبيئة التي حوله سلباً وإيجاباً، فقد تؤثر فيه بيئته فيستسيغ أموراً لا يستسيغها من يعيش في بيئة أخرى، وقد تؤثر فيه بيئته فيمقت بعض ما هو سائد فيها وينفر منه ولا يستسيغه... فإن ترك تنظيم الغرائز للإنسان فقد تصبح بيئته مصدراً لفهمه ولأحكامه... ولهذا كان من الخطأ أن تؤخذ الأحكام من الواقع بل يكون الواقع موضع العلاج وليس مصدره.
فهذه الأمور الأربعة تجعل أحكام الإنسان في تنظيم إشباع الغرائز والحاجات العضوية منطبعة بها فتأتي أحكام الإنسان متفاوتة ومختلفة ومتناقضة ومتأثرة بالبيئة في المسألة الواحدة... ولذلك فإن العقل البشري غير قادر على إيجاد تنظيم صحيح لإشباع الغرائز والحاجات العضوية... أما النظام الذي يأتي من الله سبحانه فهو من خالق البشر وهو ليس عرضة لهذه الأمور الأربعة، فيكون هو النظام الصحيح الذي يجب السير بحسبه... هذا هو الحق ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
30 ذو القعدة 1437هـ
الموافق 2016/09/02م
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك:
رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس:
رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر:
رابط الجواب من موقع الأمير
2 تعليقات
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم
-
جزاكم الله خيرا، دمت يا شيخنا مجتهدا وعالما وللحق منصفا وللدرب القويم هاديا ومرشدا