الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
جواب سؤال: الأحاديث المختلف في تضعيفها عند رجال الحديث

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

جواب سؤال

الأحاديث المختلف في تضعيفها عند رجال الحديث

إلى Mahmoud Ahmed

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم، أنا مصري وأول مرة أدخل على موقعكم، هناك بعض الإشكالات عندي عن معلومات مسبقة، ولما دخلت على أجوبتكم على أسئلة الناس ظهرت إشكالات، فهل يتسع صدركم لها وشكرا...

 

"ولا يخلو أي من الحديثين من مقال، ولذلك ضعَّفه بعض رجال الحديث، لكننا نعدُّ الحديث من الحسن لأنه ورد في كتب الفقهاء واستعملوه في استنباط الأحكام" هذه الجملة وردت في جواب للشيخ أبو الرشتة حول حديث أصحابي كالنجوم، لكن الذي أعرفه أن المحدثين هم من يحكمون على الحديث، أم إنه من الممكن أن يكون حديث عند الفقيه صحيحاً وعند المحدث موضوعاً مثلا... هذا هو استفساري.

 

الجواب:

 

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

يبدو أن التباساً حدث عندك بالنسبة لجوابنا عن حديث أصحابي كالنجوم فظننت أن رجال الحديث يضعفون حديثاً والفقهاء يحسنونه، والأمر ليس كذلك، فإذا أجمع المحدثون على تضعيف حديث فلا يحسنه الفقهاء.

 

إن المسألة يا أخي تتعلق بالحديث الضعيف الذي يختلف أهل الحديث فيه، فمنهم من يعده ضعيفاً لا يُستدل به، ومنهم من يعُدّه صالحاً للاستدلال، وذلك أن هنالك رواة يُعتبرون ثقة عند بعض المحدثين، ويُعتبرون غير ثقة عند آخرين، أو يعتبرون من المجهولين عند بعض المحدثين، ومن المعروفين عند البعض الآخر. وهناك أحاديث لم تصح من طريق وصحت من طريق أخرى... فالذي يرى راوياً مجهولاً في سند الحديث يعتبره ضعيفاً لا يستدل به، والذي يتعرف على هذا المجهول ويراه ثقة يعدّ الحديث حسناً ويستدل به... ومن يرى أن أحد الرواة في السند لم يسمع ممن روى عنهم فيعدّ الحديث ضعيفاً لأن فيه انقطاعاً، ومن يثبت لديه أن السماع قد حدث حسب الأصول فيكون الحديث عنده حسناً ويستدل به...

 

وسأذكر لك بعض الأمثلة في اختلاف أهل الحديث وفق ما بينته أعلاه:

 

- فمثلاً: روى أبو داود وأحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله. إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته» هذا الحديث قد حكى الترمذي عن البخاري تصحيحه وحكم ابن عبد البر بصحته لتلقي العلماء له بالقبول، وصححه ابن المنذر، وقال ابن الأسير في شرح المسند: هذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة في كتبهم، واحتجوا به، ورجاله ثقات. وقال الشافعي في إسناد هذا الحديث من لا أعرفه. وقد ذكر ابن دقيق العيد وجوه التعليل التي يعلل بها هذا الحديث، منها الجهالة في سعيد بن سلمة، والمغيرة ابن أبي بردة المذكورين في إسناده. في حين إن هذين الراويين قال عنهما بعض المحدثين أنهما معروفان. قال أبو داود: المغيرة معروف وقد وثَّقه النسائي. قال الحافظ: فعلم من هذا غلط من زعم أنه مجهول لا يعرف. وأما سعيد بن سلمة فقد تابع صفوان بن سليم في روايته له عن الجُلاح بن كثير...

 

- ومثلاً: روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال لمن حوله أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا نعم، فنهى عن ذلك» هذا الحديث صححه الترمذي، وأعله جماعة، منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق، بأن في إسناده زيداً أبا عياش وهو مجهول. قال في التلخيص والجواب أن الدارقطني قال إنه ثقة ثبت (يعني زيداً أبا عياش) وقال المنذري: قد روى عنه اثنان ثقتان وقد اعتمده مالك مع شدة نقده...

 

مثل هذه الأحاديث التي يُختلف في تضعيفها هي التي يُعمد إلى استعمال المجتهدين لها أو وجود متابعات وشواهد لها بتقويتها فتصبح صالحة للاستدلال، مع العلم أن ليس كل حديث ضعيف يُبحث عن شواهد ومتابعات له لتقويته، أو يُبحث عن استعمال مجتهدين له، فهناك ضعف لا يتقوى بشيء، وذلك لأن الحديث الضعيف يُقسم إلى قسمين:

 

- قسم لا يُعمل به، ولا يتقوى بأي شواهد ولا متابعات.

 

- وقسم يتقوى بالشواهد والمتابعات، وإذا عمل به المجتهدون والفقهاء المعتبرون.

 

جاء في كتابنا "الشخصية الجزء الأول":

(... ومن الخطأ القول إن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى إلى درجة الحسن أو الصحـيح. فإنه إذا كان ضعف الحديث لفسق راويه أو اتهامه بالكذب فعلاً، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفاً إلى ضعف...)، وجاء فيه أيضاً: (الحسن: هو ما عرف مخرّجه واشتهر رجاله وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء. أي أن لا يكون في إسناده من يُتَّهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً. وهو نوعان: أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا هو متهماً بالكذب. ويكون متن الحديث قد روي مثله من وجه آخر فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً...) انتهى. فهذا النوع في الأصل ضعيف ولكن لأن له شواهد ومتابعة فعد من الحسن. وبنحو هذا يقول أهل الحديث، فقد جاء في كتاب المقدمة لابن الصلاح وهو من أشهر العلماء في علم الحديث:

(- لَيْسَ كُلُّ ضَعْفٍ فِي الْحَدِيثِ يَزُولُ بِمَجِيئِهِ مِنْ وُجُوهٍ، بَلْ ذَلِكَ يَتَفَاوَتُ:

... وَمِنْ ذَلِكَ ضَعْفٌ لَا يَزُولُ بِنَحْوِ ذَلِكَ، لِقُوَّةٍ الضَّعْفِ وَتَقَاعُدِ هَذَا الْجَابِرِ عَنْ جَبْرِهِ وَمُقَاوَمَتِهِ. وَذَلِكَ كَالضَّعْفِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ كَوْنِ الرَّاوِي مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ، أَوْ كَوْنِ الْحَدِيثِ شَاذًّا...... وَمِنْهُ ضَعْفٌ يُزِيلُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ ضَعْفُهُ نَاشِئًا مِنْ ضَعْفِ حِفْظِ رَاوِيهِ، مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ. فَإِذَا رَأَيْنَا مَا رَوَاهُ قَدْ جَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِمَّا قَدْ حَفِظَهُ، وَلَمْ يَخْتَلَّ فِيهِ ضَبْطُهُ لَهُ...

 

- ... فَتَنَقَّحَ لِي وَاتَّضَحَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْحَسَنَ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْحَدِيثُ الَّذِي لَا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلًا كَثِيرَ الْخَطَأِ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَلَا هُوَ مُتَّهَماً بِالْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ، أَيْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَلَا سَبَبٌ آخَرُ مُفَسِّقٌ، وَيَكُونُ مَتْنُ الْحَدِيثِ مَعَ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ بِأَنْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى اعْتَضَدَ بِمُتَابَعَةِ مَنْ تَابَعَ رَاوِيَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ بِمَا لَهُ مِنْ شَاهِدٍ، وَهُوَ وُرُودُ حَدِيثٍ آخَرَ بِنَحْوِهِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا وَمُنْكَرًا...) انتهى، وأنت ترى أن هذا الحديث الذي هو في أصله ضعيف يعد من الحسن إذا روي نحوه من وجه آخر أو اعتضد بمتابعة أو له شاهد ...إلخ.

 

وعليه فإذا قيل عن حديث إنه ضعيف عند بعض رجال الحديث فلا يكفي هذا لإلقائه جانباً وعدم الاستدلال به بل يبحث عن سبب ضعفه وهل استعمله المجتهدون والفقهاء المعتبرون وهل له شواهد ومتابعات يتقوى بها أو لا، وهل ضعَّفه كل أهل الحديث؟ أو اختلفوا في سبب ضعفه... وبدراسة كل ذلك يتقرر الاستدلال بالحديث أو عدم الاستدلال، وهكذا... وعلى هذا الاعتبار أخذنا بحديث «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»، حيث تبين ما يلي:

 

1- هذا الحديث روي بأكثر من سند وفي كل منها مقال وأقواها رواية جابر رضي الله عنه وهي:

أخرج أبو عمر يوسف النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، في كتابه جامع بيان العلم وفضله... قال:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: نا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، ثنا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ، ثنا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ غُصَيْنٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»، قَالَ أَبُو عُمَرَ: «هَذَا إِسْنَادٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْحَارِثَ بْنَ غُصَيْنٍ مَجْهُولٌ»...

 

ولكن ابن حزم عرفه فقال هو أبو وهب الثقفي، وكذلك عرفه البخاري فذكره في التاريخ الكبير، وتعقبه الحافظ ابن حجر العسقلاني في الأمالي المطلقة فقال: قد ذكره ابن حبان في الثقات... فلا يقال فيه مجهول...

 

وهكذا فالذي عدَّ الحارث بن غصين مجهولاً كما ذكر ابن عبد البر فهو عنده ضعيف، ومن عرف من هو الحارث بن غصين ووجده من الثقات كما ذكر ابن حبان فيصلح عنده الحديث للاستدلال...

 

وهناك اعتراضات أخرى بين مُضعِّف للحديث ومُحسِّن له، ونكتفي بما ذكرناه أعلاه...

 

وعليه فإن هذا الحديث لا يُجمع أهل الحديث على تضعيفه، فإذا وجد هذا الحديث عند المجتهدين والفقهاء المعتبرين فإنه يصلح للاستدلال به، فهو ليس مُجمعاً عليه بالضعف من أهل الحديث، وهو كذلك معمول به عند المجتهدين والفقهاء المعتبرين، وعليه فيُستدل به باطمئنان.

 

وأذكر لك بعض المجتهدين والفقهاء المعتبرين الذين استدلوا بهذا الحديث:

- محمد بن أحمد شمس الأئمة السرخسي "المتوفى: 483هـ" استدل به في كتابه "المبسوط" في موضوع القضاء... واستدل به أبو العباس شهاب الدين الشهير بالقرافي "المتوفى: 684هـ" في كتابه "الذخيرة" عند البحث في أصول مالك... واستدل به أبو الحسن علي بن محمد الشهير بالماوردي "المتوفى: 450هـ" في كتابه "الحاوي الكبير" عند البحث في الصحابة... واستدل به أبو محمد موفق الدين الشهير بابن قدامة المقدسي "المتوفى: 620هـ" في كتابه "المغني" في باب "الْفَصْل السَّادِس جَزَاءَ مَا كَانَ دَابَّةً مِنْ الصَّيْدِ نَظِيرُهُ مِنْ النَّعَمِ"...

 

وكما ترى فإن الحديث مستعمل عند المجتهدين والفقهاء المعتبرين لذلك يُعدُّ من الحسن.

 

وهكذا فإن المسألة تتعلق بالحديث الذي يختلف في تضعيفه رجال الحديث وليس في الحديث المجمع على تضعيفه، فهذا لا يعتبر فيه كونه مذكوراً في كتب المجتهدين والفقهاء المعتبرين، حتى لو فرضنا جدلاً أنه موجود في كتبهم فهو يبقى ضعيفاً، وأقول "لو فرضنا جدلاً" لأن المجتهدين والفقهاء المعتبرين لا يستعملون الحديث الضعيف المجمع على تضعيفه...

 

آمل أن يكون هذا الموضوع قد اتضح تماماً للأخ الكريم.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

06 صفر 1438هـ

الموافق 2016/11/06م

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس

رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر

 

رابط الجواب من موقع الأمير

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع