- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")
جواب سؤال
الزكاة وديون الوالد والولد
إلى Abu Khaled
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الجليل، وتحياتي الحارة لك...
لدي سؤال حول الزكاة والديون، وآمل أن يكون لديك الوقت للإجابة على أسئلتي:
والدي عليه ديون كثيرة، والآن أصبح من المعتاد أن لا نميز بين المال أو الديون التي للأب أو الابن؛ هذا يعني بأن ديونه هي ديوني تلقائيا وكلانا يعمل لسدادها. لكن ما هو واقع الأمر في الشريعة الإسلامية؟ وبخاصة من حيث زكاة المال؟ هل يعد الدين على أبي فقط فلا زكاة عليه أم أنني وإياه سواء؟
بارك الله فيكم، حفظكم الله، وتحياتنا الحارة لك أوجهها من كثير من شباب ألمانيا.
As Salaam Alaikum Wa Rahmatullah Wa Barakatuhu our honourable Sheikh, and warm greetings to you.
I have a question regarding Zakat and debts, I hope you have the time to answer my questions.
My father has a lot of debt. Now it is customary with us that we do not distinguish between the money or debts of the father and the son. That means his debts are also mine automatically and we both work to settle them. But what does it look like in Islamic law? Especially from the perspective of Zakat? Is only my father debtor and is freed from the zakat or are we both?
Barkallahu feekum، my Allah bless you and many greetings from the Shabab in Germany
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
1- إن مال الوالد من ناحية شرعية هو غير مال الولد، ودين الوالد هو غير دين الولد، فالشرع جعل للوالد أن يتصرف بماله، وجعل للولد أن يتصرف بماله، وقد جعل الشرع في مال الوالد حقوقاً وواجبات بغض النظر عن مال الولد، وجعل في مال الولد حقوقاً وواجبات بغض النظر عن مال الوالد لأن لكل واحد منهما ذمة مستقلة... فمثلاً أوجب الشرع على الوالد أن يخرج زكاة ماله عندما يبلغ ماله النصاب ويحول عليه الحول بغض النظر عن مال ولده، وكذلك فعل بالنسبة للولد... ومثلاً أجاز للولد أن يمتلك مالاً مقابل جهد يؤديه بغض النظر عن مال أبيه... وهكذا، فلكل فرد في الإسلام ذمة خاصة به وفق أحكام الشرع...
2- ومن الأدلة على أن مال الولد غير مال الوالد، ومال الوالد غير مال الولد:
أ- أن الولد لا يرث كل مال الوالد بل يشاركه غيره، وكذلك الوالد لا يرث كل مال الولد بل يشاركه غيره قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11] ثُمَّ قَالَ ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ﴾ [النساء: 11]. فَوَرَّثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ الْوَلَدِ مَعَ الْوَالِدِ مِنْ مَالِ الِابْنِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْأَبِ فِي حَيَاةِ الِابْنِ ثُمَّ يَصِيرُ بَعْضُهُ لِغَيْرِ الْأَبِ. وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: 11] فَجَعَلَ لِأُمِّهِ نَصِيبًا فِي مَالِهِ بِمَوْتِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ تَسْتَحِقَّ بِمَوْتِ ابْنِهَا جُزْءًا مِنْ مَالٍ لِأَبِيهِ دُونَهُ!
ب- قبل توزيع الإرث، فإن للوالد أو الولد أن يوصي وتنفذ وصيته سواء أرضي الولد أو الوالد أم لم يرض، وقبل ذلك فيُسدد دينه قبل أن يوزع الإرث ما يدل على أن تركة الميت هي ماله وليست مال والده أو ولده: قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11] فَاسْتَحَالَ أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ مِنْ مَالٍ لِأَبِيهِ دُونَهُ أَوْ تَجُوزَ وَصِيَّةٌ مِنْهُ فِي مَالٍ لِأَبِيهِ دُونَهُ...
ج- الحديث في الأضحية الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ r ، فَقَالَ: "أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّه... وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : «أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ، أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ»، ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِهِ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: «أُمِرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحَى، جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا مَنِيحَةَ ابْنِي، أَفَأُضَحِّي بِهَا؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِكَ، وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَكَ، وَتَقُصُّ شَارِبَكَ، وَتَحْلِقُ عَانَتَكَ، فَذَلِكَ تَمَامُ أُضْحِيَّتِكَ عِنْدَ اللَّهِ» وأخرج أبو داود نحوه. وفي شرح معاني الآثار نحوه. وأخرجه الدارقطني في سننه بلفظ (فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا مَنِيحَةَ أَبِي أَوْ شَاةَ أَبِي وَأَهْلِي وَمَنِيحَتَهُمْ أَذْبَحُهَا؟، قَالَ: «لَا وَلَكِنْ قَلِّمْ أَظْفَارَكَ وَقُصَّ شَارِبَكَ وَاحْلِقَ عَانَتَكَ فَذَلِكَ تَمَامُ أُضْحِيَّتِكَ عِنْدَ اللَّهِ».
ولما لم يجز أن يضحي الأب بمنيحة ابنه أو يضحي الابن بمنيحة أبيه، فهذا يعني أن مال الأب غير مال الابن.
د- وجاء في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2 / 505)، لمؤلفه: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي "المتوفى: 954هـ":
(التَّاسِعُ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَاؤُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ دَيْنِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْحَجُّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِيَدِهِ مَالٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ بِمَالِهٍ مِنْ الْحَجِّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ أَيَقْضِي دَيْنَ أَبِيهِ أَمْ يَحُجَّ قَالَ: بَلْ يَحُجُّ وَهَذَا بَيِّنٌ فَإِنَّ الْحَجَّ دَيْنٌ عَلَيْهِ قُلْنَا: بِالْفَوْرِ أَوْ بِالتَّرَاخِي، وَدَيْنُ أَبِيهِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَفِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ) انْتَهَى.
3- وهكذا يفهم الحديث (أنت ومالك):
- جاء في شرح مشكل الآثار: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللهِ r ، فَقَالَ: إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا، وَإِنَّ لِأَبِي مَالًا وَعِيَالًا، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي إلَى مَالِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»... وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ عَنْهُ فَقَالَ: قَوْلُهُ r فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»... كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ r "إنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَكَ يَا رَسُولَ الله "لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللهِ r «مَا نَفَعَنِي مَالٌ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» يَعْنِي بِذَلِكَ الحديث عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَكَانَ مُرَادُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَيْ أَنَّ أَقْوَالَكَ وَأَفْعَالَكَ نَافِذَةٌ فِي وَفِي مَالِي مَا تَنْفُذُ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ مِنْ مَالِكِي الْأَشْيَاءِ فِي الْأَشْيَاءِ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ r لِسَائِلِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَاللهُ أَعْلَمُ).
- وكذلك أخرج ابن حبان في صحيحه: (عن عائشة رضي الله تعالى عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ r يُخَاصِمُ أَبَاهُ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ فقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ r «أنت ومالك لأبيك») قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ r زَجَرَه عَنْ مُعَامَلَتِهِ أَبَاهُ بِمَا يُعَامِلُ بِهِ الْأَجْنَبِيِّينَ وَأَمَرَ بِبِرِّهِ وَالرِّفْقِ بِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَعًا إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَالُهُ فقَالَ لَهُ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ لَا أَنَّ مَالَ الِابْنِ يَمْلِكُهُ الْأَبُ فِي حَيَاتِهِ عَنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الِابْنِ به. وقَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: اللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ، فَإِنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَهُ وَزَكَاتَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ.
4- وعليه فإنك تزكي مالك، ويزكي والدك ماله إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول إن لم يكن هناك دين عليه فإن كان فيزكي ما بقي بعد سداد الدين إذا كان هذا الباقي أكثر من النصاب وذلك لأن الرأي الراجح عندنا هو أن الدين مانع من الزكاة إن استنفده أو أنقصه عن النصاب. جاء في كتابنا "الأموال في دولة الخلافة" عند الحديث عن زكاة الدين صفحة 165 ما يلي:
(من كان عنده مال قد بلغ النصاب، وحال عليه الحول، وكان عليه دين يستغرق النصاب، أو يجعل المال الباقي، بعد سداد الدين، أقل من النصاب، فلا زكاة عليه، وذلك كأن يملك ألف دينار، وعليه ألف دينار ديناً، أو كأن يملك أربعين ديناراً ذهباً، وعليه ثلاثون ديناراً ذهباً، ففي هاتين الحالتين لا زكاة عليه؛ لأنّه لا يكون مالكاً للنصاب. عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله r : «إذا كان لرجل ألف درهم، وعليه ألف درهم، فلا زكاة عليه» ذكره ابن قدامة في المغني.
وأمّا إن كان المال الفاضل عن الدين يبلغ نصاباً، فيجب عليه أن يزكّيه، لما روى أبو عبيد عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: «هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده، حتى تخرجوا زكاة أموالكم». وذكره ابن قدامة في المغني بلفظ: «فمن كان عليه دين فليقض دينه، وليزكِّ بقية ماله»، قال ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروه، فدلّ ذلك على اتفاقهم.) انتهى ما جاء في كتاب الأموال في دولة الخلافة.
وعليه فإن كان عند والد السائل مال بلغ النصاب وحال عليه الحول وعليه "الوالد" دين فإنه يخصم الدين الذي عليه من المال الذي معه، فإن استغرق الدين المال كله أو بقي منه ما هو دون النصاب فإنه ليس على الوالد زكاة... وإذا بقي من ماله ما يزيد عن النصاب فإنه يدفع زكاة عما بقي من المال بعد خصم الدين الذي عليه...
أما أولاد المدين "الوالد" فإن الدين لم يتعلق بذمتهم كما يفهم من السؤال بل هو دين على والدهم ومتعلق بذمة والدهم لا بذمتهم هم... وما يفعلونه هم هو مساعدة والدهم في سداد دينه وهو من باب البر بالوالدين، وهو أمر يحث عليه الإسلام بشدة ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وأخرج البخاري عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
ولذلك فإن مساعدة الأولاد لوالدهم هو من باب بر الوالدين، ولكن الأولاد مسؤولون عن زكاة مالهم بعد أن يسددوا دينهم هم، فإذا بلغ مالهم النصاب وحال عليه الحول فعليهم أن يزكوا أموالهم... غير أنهم إذا سددوا دين والدهم من أموالهم قبل أن يحول الحول فإنهم لا يدفعون زكاة على المال الذي سددوا به دين والدهم لأنه خرج منهم قبل وجوب الزكاة عليهم، ويبقى عليهم أن يخرجوا الزكاة عن المال الذي يبقى لهم بعد سداد الدين إذا كان المال الباقي يبلُغ النصاب فما فوقه وحال عليه الحول.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
22 شوال 1438هـ
الموافق 2017/07/16م
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس
رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر
رابط الجواب من صفحة الأمير ويب