الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
جواب سؤال: المقلد المتبع

بسم الله الرحمن الرحيم

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

جواب سؤال

المقلد المتبع

إلى Imam Annawawy

 

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وأيدكم، يا اميري يا أخي أرجوكم أن يتسع وقتكم للجواب. السؤال:

قرأت في كتابكم (تيسير الوصول إلى الأصول ص ٢٧٣) ما يلي: (والسؤال الذي يطرح هو: بالنسبة للمقلد هل إذا قلد في مسألة معينة يجوز أن يعود فيقلد آخر في المسألة نفسها؟ للجواب على ذلك نقول إن حكم الشرع في حق المقلد هو الحكم الشرعي الذي استنبطه المجتهد الذي قلده، هذا يعني أن الأمر يكون كالتالي: إذا اتصل عمل المقلد بالمسألة التي قلدها فلا يجوز أن يرجع عنها ويقلد آخر لأنه التزم حكما شرعيا فيها وعمل به) انتهى. وظهر لدي السؤال مثلا الأمي الذي لا يعرف اللغة العربية أخذ حكما شرعيا من الإمام الشافعي رحمه الله "مثلا الصلاة" وعمل به ثم قرأ حكم الصلاة في كتاب الفقه المترجم إلى اللغة الروسية لمجتهد آخر "مثلا الإمام مالك رحمه الله" قرأها باللغة الروسية ويريد ذاك الأمي ترك رأي الإمام الشافعي وأخذ رأي الإمام مالك... سؤالي هنا: هل يجوز له ذلك شرعا؟ بمعنى آخر هل يصح الترجيح بغير اللغة العربية؟ إذ لا تعتبر الأدلة أدلة شرعية إلا باللغة العربية؟ لماذا أسال السؤال هذا؟ لأن كثيرا من المسلمين في منطقتي يتركون آراء مجتهد قد عملوا بها ويعملون بآراء مجتهد آخر في المسائل نفسها. وفي الوقت نفسه لا يعرفون اللغة العربية والعلوم الشرعية! يقرؤون الآيات والأحاديث باللغة الروسية ويدعون أنها أدلة شرعية! أرجوكم الجواب كي أفهم وأفهّم غيري، وجزاكم الله كل خير وحياكم الله.

 

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

إن المسألة هي كما يلي:

إذا كان المسلم يقلد مذهباً معيناً في أي حكم من الأحكام كأن كان يصلي على مذهب أبي حنيفة وأراد أن يغير ذلك ويصلي على مذهب الشافعي مثلاً فلا يصح ذلك إلا بعد التزام الأمور التالية:

 

1- أن يكون هذا الأمر بناء على مرجح شرعي وليس لأن الحكم الجديد أخف عليه أو أهون أو يوافق هوى نفسه فإن اتباع الهوى منهي عنه، قال تعالى: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى﴾. كما أن الله سبحانه يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ وهو الرجوع إلى مرجِّح يرضاه الله والرسول عند المقلد، وهذا أبعد عن متابعة الهوى والشهوة، واختياره أحد المذهبين دون مرجح هو اختيار بالهوى والشهوة، وهو مضاد للرجوع إلى الله والرسول. والمرجحات التي يرجح بها المقلد مجتهداً على مجتهد، أو حكماً على حكم كثيرة، أهمها وأولاها: الأعلمية والفهم والعدالة... فيرجح المقلد من عرفه بالعلم والعدالة لأن العدالة شرط في قبول شهادة الشاهد، وإعطاء الحكم الشرعي في تعليمه شهادة أن هذا حكم شرعي فلا بد في قبوله من عدالة المعلّم الذي يعلّمه، فعدالة مَنْ يستنبطه من باب أولى. فالعدالة شرط أن يتصف بها من نأخذ عنه الحكم الشرعي مجتهداً كان أو معلماً، فهي حتمية. فمن اعتقد أن الشافعي أعلم والصواب على مذهبه أغلب، فليس له أن يأخذ بمذهب يخالفه بالتشهي، وإنما له، بل عليه، أن يأخذ بما يخالف مذهبه إذا ظهر له رجحان ذلك برجحان الدليل. فالترجيح حتمي وكون هذا الترجيح يجب أن لا يكون عن تشهٍ وهوى، حتمي أيضاً. وليس للمقلد أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده!

 

2- الناس في معرفة الحكم الشرعي شخصان، أحدهما المجتهد، والثاني المقلد، ولا ثالث لهما. لأن الواقع أن المرء إما أن يأخذ ما توصل إليه هو باجتهاده، أو ما توصل إليه غيره باجتهاده، ولا يخرج الأمر عن هذين الحالين. وعلى هذا فكل من ليس بمجتهد مقلد مهما كان نوعه، فالمسألة في التقليد هي أخذ الحكم من غيره بغض النظر عن كون الآخذ مجتهداً أو ليس بمجتهد. فيجوز للمجتهد أن يقلد في المسألة الواحدة غيره من المجتهدين ولو كان هو أهلاً للاجتهاد، ويكون حينئذ مقلداً في هذه المسألة. وعلى ذلك فإن الحكم الواحد قد يكون المقلد فيه مجتهداً وقد يكون غير مجتهد.

 

3- والمجتهد هو الذي لديه أهلية الاجتهاد بأن تكون لديه معرفة كافية باللغة العربية ومعرفة كافية بأقسام الكتاب والسنة ومعرفة كافية بكيفية محاكمة الأدلة من تعادل وجمع وترجيح ومن ثم القدرة على استنباط الأحكام... هذا المجتهد إذا اجتهد في المسألة وأدّاه اجتهاده إلى حكم فيها، فلا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين في خلاف ما أدّاه إليه اجتهاده، ولا يجوز له ترك ظنه أو ترك العمل بظنه في هذه المسألة إلا في حالات من أهمها إذا ظهر له أن الدليل الذي استند إليه في اجتهاده ضعيف، وأن دليل مجتهد آخر غيره أقوى من دليله. ففي هذه الحالة يجب عليه ترك الحكم الذي أداه إليه اجتهاده في الحال، وأخذ الحكم الأقوى دليلاً، ويحرم عليه البقاء على الحكم الأول الذي أدى إليه اجتهاده...

هذا كله في المجتهد إذا كان اجتهد بالفعل، وأداه اجتهاده إلى حكم في المسألة. أما إذا لم يسبق للمجتهد أن اجتهد في المسألة، فإنه يجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين، وأن لا يجتهد في المسألة، لأن الاجتهاد فرض على الكفاية وليس فرض عين، فإذا سبق أن عرف الحكم الشرعي في المسألة فلا يجب على المجتهد أن يجتهد فيها، بل يجوز له أن يجتهد ويجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين في هذه المسألة.

 

أي أن المجتهد ينتقل من رأي لآخر بمرجح وهو قوة الدليل سواء أكان هو الذي استنبط منه الحكم أم كان مجتهد آخر.

 

4- هذا واقع تقليد المجتهد. أمّا غير المجتهد، فهو نوعان: متبع وعامي ولكل منهما شروط عند الانتقال من مذهب لآخر، وهذا الانتقال في جميع الأحوال لا يكون بالتشهي والهوى أو لأنه أخف بل بمرجح شرعي للمتبع والعامي:

 

- أما المتبع فهو الذي يكون لديه بعض العلوم المعتبرة في التشريع، وأهمها:

 

أ- معرفة مناسبة في اللغة العربية أي يمكن التفاهم معه بالعربية إلى حدٍّ ما، ويقرأ القرآن بالعربية، ويمكنه إذا قرأ الحديث أن يفهم معناه بالعربية، ولا يعني ذلك أن يفهم كل كلمة فيه، بل يمكنه أن يسأل عن الكلمة العربية ويبحث عن معناها...

 

ب- معرفة مناسبة ولو بالترجمة بمدلول المتواتر والصحيح والحسن والضعيف في الأحاديث، وأن يكون عنده علم بالصحاح من كتب الحديث، فمثلاً عندما يرى الحديث في البخاري أو مسلم يعلم أنه صحيح، وكذلك إذا قرأ حديثاً في الترمذي ويقول الترمذي عنه حديث حسن، يعرف مدلول ذلك... وبالتالي يدرك معنى الصحيح والحسن من الضعيف... وهكذا.

 

والمتبع ينتقل من رأي لآخر بمعرفة دليله فالحكم الذي يعرف دليله يتبعه فهو أرجح من الحكم الذي لا يعرف دليله فإذا كان يقلد مذهباً دون معرفة دليله، واطلع على مذهب آخر بأدلته فيتبع المذهب الذي يعرف دليله ويترك الذي لا يعرف دليله.

 

أي أن المتبع ينتقل من رأي لآخر بمرجح، وهو عند المتبع اتباع الحكم الذي يعرف دليله وترك الذي لا يعرف دليله.

 

- وأما العامي فهو الذي ليس عنده بعض العلوم المعتبرة في التشريع فمعرفته بالعربية تكاد تكون معدومة ومعرفته بالأدلة من الكتاب والسنة معدومة... ويتعبد الله سبحانه كما يقول له الشيخ في المذهب ومثل هذا لا ينتقل من مذهبه إلى مذهب آخر في أية مسألة إلا بمرجح والمرجح عند العامي هو ثقته في من يقلده من حيث الفهم والتقوى وحسن المعاملة فيقلد شيخ الجامع أو أباه أو الذي يعلم الناس في الجامع قراءة القرآن... فيصلي مثلهم على مذهب الشافعي مثلاً، وهو والحالة هذه لا ينتقل من هذا المذهب لغيره إلا كما قلنا بمرجح وهو أن يتعرف على رجل أعلم من أولئك ويثق بتقواه وعدالته أكثر من أولئك ويكون هذا الرجل يصلي على مذهب أبي حنيفة فيراه الأعلم من أولئك والأتقى فيثق فيه أكثر ويطمئن بعلمه وبخاصة وهو يحضر دروسه في الصلاة على مذهب أبي حنيفة فأصبح محل ثقته واطمئنانه فيجوز له في هذه الحالة أن ينتقل في صلاته من المذهب الشافعي إلى الحنفي بترجيح الثقة والاطمئنان...

 

أي أن العامي ينتقل من رأي لآخر بمرجح، وهو عند العامي التعرف على رجل يثق بتقواه وعدالته ويطمئن بعلمه وفهمه ويدله على المذهب الذي ينتقل إليه، فإذا اطمأن يجوز له الانتقال...

 

5- وكل هذا إذا كان عمله قد اتصل بتقليد مجتهد ويريد أن ينتقل إلى مجتهد آخر، فإنه يحتاج إلى مرجح، سواء أكان ذلك بمعرفة الدليل إن كان يتبع مجتهداً دون معرفة دليله، أم كان تعلَّم من ثقة أن أدلة هذا المجتهد أقوى من الذي يقلده. أما إذا كان عمله لم يتصل بتقليد مجتهد في مسألة ما، وأراد أن يقلد ابتداء فله أن يقلد أي مجتهد يطمئن بأدلته وأعلميته.

ومن الجدير ذكره أن التقليد في المسألة الواحدة يجب أن يكون عن مجتهد واحد في المسألة وشروطها وأركانها... فمثلاً في الصلاة يجب أن تؤخذ من مجتهد واحد هي وشروطها وأركانها... كالوضوء والقيام والركوع... تؤخذ كلها من مجتهد واحد، لا أن يأخذ الصلاة من أبي حنيفة والوضوء من الشافعي بل كلها يجب أن تكون من مجتهد واحد. أما إذا اختلفت المسألة كالصلاة والصيام والحج، فيجوز له أخذها كلها من مجتهد أو أخذ الصلاة من مجتهد والصيام من مجتهد آخر... وهكذا.

 

6- وبناء على ما سبق فجواب سؤالك عن الإخوة الذين لا يعرفون العربية ويعدّون أنفسهم ضمن مدلول المتبع ولذلك يقرأون ترجمة الأدلة وبناء عليه ينتقلون من مذهبهم السابق إلى مذهب لاحق على اعتبار أنهم في حكم المتبع الذي يكفيه معرفة الدليل... إن واقعهم لا يدل على ذلك ما داموا لا يعرفون العربية، ولهذا لا تكفي الترجمة ليترك مذهبه وينتقل إلى مذهب آخر! بل يحتاج إلى مرجح آخر كالعامي بأن يتعرف على ثقة يعرف العربية يقرأ له الدليل بالعربية ويوضحه له ويبين له أن هذا المذهب أرجح... فإذا اطمأن بعلمه وفهمه فعندها يجوز له الانتقال إلى المذهب الذي رجحه له ذلك الثقة... أي أن أولئك الإخوة إذا أرادوا أن ينتقلوا من مذهب سابق إلى مذهب لاحق فلا تكفيهم قراءة الترجمة ما داموا لا يعرفون العربية، بل يجب أن يكون لديهم مرجح من مرجحات العامي بالإضافة إلى الترجمة...

 

هذا ما أراه في هذه المسألة والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

15 جمادى الأولى 1439هـ

الموافق 2018/02/01م

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على غوغل بلس

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على تويتر

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب

 

 

1 تعليق

  • شعبان معلم
    شعبان معلم الإثنين، 05 شباط/فبراير 2018م 10:15 تعليق

    بارك الله فيكم وسدد الله خطاكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع