الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

جواب سؤال

الضمان والتأمين والاحتكار

إلى Mohamed Ali Bouazizi‎‏

 

السؤال:

السلام عليكم، لدي سؤالان:

الأول: في كتاب النظام الاقتصادي وفي بحث التأمين هناك مثال أشكل علي الفهم وهو إعطاء ثياب لغسال وإذا تلفت الثياب... فهناك ضامن ومضمون له وضامن عنه وهو الغسال المجهول. فيما يختلف هذا الوضع عن شركة التأمين؟ فهناك ضامن وهي الشركة ومضمون له وهو صاحب السيارة ومضمون عنه وهي السيارة التي هي في الطريق وسائقها غير معروف وسنصطدم به في يوم ما.

 

السؤال الثاني: كيف تعالج الدولة الإسلامية الاحتكار؟ هل تجبر المحتكر على بيع سلعته بسعر معين، وهنا دخلنا في التسعير وهو حرام أم ماذا؟

 

أثابكم الله على جهودكم ونفع بها جميع المسلمين.

 

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

1- سؤالك عن المضمون عنه في الضمان والتأمين وأن الموضوع أشكل عليك...

يا أخي اطلعت على سؤالك... وبطبيعة الحال فإن تحريم التأمين ليس فقط بسبب موضوع المضمون عنه بل لكثير من المخالفات الشرعية مثل عدم وجود حق في الذمة في الحال أو في المآل وهذا يجعل التأمين باطلاً، وكذلك فإن التأمين فيه معاوضة وهذا يجعل التأمين باطلاً...إلخ كما هو مبين في بابه.

 

ولكن يبدو أن الإشكال أو الالتباس الذي حدث عندك هو ظنك أنه في حالة الغسال ذكرنا في النظام الاقتصادي أن المضمون عنه مجهول ومع ذلك فالضمان يصح، وأنه في حالة التأمين فذكرنا كذلك أن المضمون عنه مجهول (كما ظننت أنت)، ومن ثم هو باطل، فتساءلت كيف في حالة الغسال صحيح وفي حالة التأمين باطل؟

 

يا أخي نحن لم نقل في الحالتين إن المضمون عنه مجهول بل قلنا في حالة الغسال مجهول وفي حالة التأمين غير موجود وأنقل لك النص في الحالتين من النظام الاقتصادي:

أ- في حالة الغسال، ورد في الكتاب ما يلي:

(إلاّ أنه لا يشترط أن يكون المضمون عنه معلوماً، ولا يشترط أن يكون المضمون له معلوماً. فيصح الضمان لو كان مجهولاً. فلو قال شخص لآخر أعط ثيابك لغسال، فقال أخاف أن يتلفها، فقال له أعط ثيابك لغسال، وأنا ضامنها لك إن تلفت، ولم يعين غسالاً، صح. فلو أعطاها لغسال ثمّ تلفت يضمن، ولو كان المضمون عنه مجهولاً. وكذلك لو قال إن فلاناً غسال ماهر، وكل من يضع عنده ثياباً، فأنا ضامن الغسال من كل تلف، صح، ولو كان المضمون له مجهولاً.) ثم ذكر الدليل فقال (ودليل الضمان واضح فيه أنه ضم ذمة إلى ذمة، وأنه ضمان لحق ثابت في الذمّة. وواضح فيه أن فيه ضامناً ومضموناً عنه ومضموناً له، وواضح فيه أنه بدون معاوضة. وفيه المضمون عنه مجهول، والمضمون له مجهول، وهذا الدليل هو ما رواه أبو داود عن جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسـلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين، فأتي بميت فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران. قال: صلوا على صاحبكم. فقال أبو قتادة الأنصاري: هما عليّ يا رسول الله، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فلما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسـلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه. فمن ترك ديناً فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته». فهذا الحديث واضح فيه أن أبا قتادة قد ضم ذمته إلى ذمة الميت في التزام حق مالي قد وجب للدائن. وواضح فيه أن في الضمان ضامناً ومضموناً عنه ومضموناً له، وأنه، أي الضمان الذي ضمنه كل منهما، التزام حق في الذمّة من غير معاوضة. وواضح فيه أن المضمون عنه وهو الميت والمضمون له وهو صاحب الدين كان مجهولاً عند الضمان. فالحديث قد تضمّن شروط صحة الضمان، وشروط انعقاده.)

 

وواضح من هذا أن الجهالة في المضمون عنه والمضمون له ليست في عدم وجوده بل في عدم معرفة اسمه ومعلوماته... إلخ، لكن الميت وهو المضمون عنه موجود ولكن الضامن لا يعرف اسمه ونسبه، لكنه موجود... فالجهالة في بيانات المضمون عنه وليس في عدم وجود المضمون عنه، ولذلك صح الضمان لأن المضمون عنه موجود ولكنه مجهول التعريف... وهكذا الغسال فهو موجود في الحي ولكن الجهالة هي في اسم الغسال الذي سيضع الشخص ثيابه عنده ليغسلها وهذه لا تؤثر في الضمان وفق دليل الضمان المبين في حديث أبي داود عن جابر السابق.

 

ب- أما في حالة التأمين فقد ورد في الكتاب ما يلي:

(فتكون شركة التأمين قد ضمنت ما لا يجب في الحال، ولا يجب في المآل، فيكون الضمان غير صحيح، وبالتالي يكون التأمين باطلاً. علاوة على أن التأمين، لا يوجد فيه مضمون عنه؛ لأنّ شركة التأمين لم تضمن عن أحد استحق عليه حق، حتى يسمى ضماناً. فيكون عقد التأمين قد خلا من عنصر أساسي من عناصر الضمان اللازمة شرعاً، وهو وجود مضمون عنه. لأنّه لا بد في الضمان من وجود ضامن ومضمون عنه ومضمون له. وبما أن عقد التأمين لم يوجد فيه مضمون عنه فهو باطل شرعاً.)، فكما ترى فقد ذكرنا "لا يوجد فيه مضمون عنه... وبما أن عقد التأمين لم يوجد فيه مضمون عنه فهو باطل شرعاً" فالمضمون عنه قيل عنه "غير موجود" عند العقد فليس هناك حادث للسيارة التي سيترتب على سائقها دفع بدل الحادث ومن ثم تضمنه شركة التأمين، أي أن المضمون عنه هنا غير موجود بتاتاً، وليس موجوداً ولكن غير معروف اسمه أو نسبه، ولذلك كان العقد باطلاً لأن المضمون عنه غير موجود وليس فقط مجهولاً. وكأنك ظننت أن "غير موجود" هي بمعنى "مجهول" فالتبس عليك الأمر فظننته واحداً في الحالتين أي هو مجهول في حالة الغسال ومجهول في حالة التأمين فتساءلت إذن كيف في الأولى صحيح وفي الثانية باطل؟!!

 

والمسألة كما بيناها لك أن المضمون عنه في حالة الغسال موجود ولكنه مجهول الاسم والنسب... إلخ، والمضمون عنه في حالة التأمين غير موجود وليس فقط مجهول الاسم والنسب.

آمل أن يكون في هذا الكفاية.

 

2- وأما موضوع الاحتكار، فكما بينا في النظام الاقتصادي فالاحتكار حرام:

(ويمنع الاحتكار مطلقاً، وهو حرام شرعاً، لورود النهي الجازم عنه في صريح الحديث. فقد روي في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال: «لا يحتكر إلاّ خاطئ» وروى القاسم عن أبي أمامة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسـلم أن يُحتكر الطعام» أخرجه الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في مصنفه. وروى مسلم بإسناده عن سعيد بن المسيب أن مُعمّراً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم: «من احتكر فهو خاطئ» فالنهي في الحديث يفيد طلب الترك، وذم المحتكر، بوصفه أنه خاطئ - والخاطئ المذنب العاصي - وهذا قرينة تدل على أن هذا الطلب للترك يفيد الجزم، ومن هنا دلّت الأحاديث على حرمة الاحتكار. والمحتكر هو من يجمع السلع انتظاراً لغلائها، حتى يبيعها بأسعار غالية، بحيث يضيق على أهل البلد شراؤها...)

 

أما كيف علاج موضوع الاحتكار فهو بأن يعاقب المحتكر تعزيراً ويجبر على عرض بضاعته للمستهلكين ويبيعها لهم بسعر السوق وليس بتسعيرها من قبل الدولة لأن التسعير حرام كما ورد في الكتاب:

(وقد حرّم الإسلام التسعير مطلقاً، لما روى الإمام أحمد عن أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسـلم فقالوا: يا رسول الله لو سعَّرت. فقال: إن الله هو الخالق، القابض، الباسط، الرازق، المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله، ولا يطلبني أحد بمظلِمة ظلمتها إياه، في دم، ولا مال». ولما روى أبو داود عن أبي هريرة قال: «إن رجلاً جاء فقال: يا رسول الله، سعّر. فقال: بل ادعوا. ثمّ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، سعّر. فقال: بل الله يخفض ويرفع». وهذه الأحاديث تدل على تحريم التسعير، وأنه مَظْلِمَة من المظالم التي ترفع الشكوى على الحاكم لإزالتها، وإذا فعلها الحاكم أثم عند الله، لأنّه فعل حراماً. وكان لكل شخص من رعيته أن يرفع الشكوى إلى محكمة المظالم على هذا الحاكم الذي سعّر، سواء أكان والياً أم خليفة، يشكو لها هذه المظلِمة، لتحكم عليه، وتقوم بإزالة هذه المظلِمة.)

 

وأما أن يبيعها بسعر السوق فلأن هذا هو الحكم الشرعي في البيع والشراء، وإذا كانت السلعة لا توجد إلا عند هذا المحتكر بحيث يبيعها بالسعر الذي يريد متحكماً في السعر لأنها لا توجد إلا عنده ففي هذه الحالة على الدولة أن توفر السلعة في السوق بحيث لا يستطيع أحد من التجار أن يتحكم في سعر سلعته لأنها متوفرة في السوق وتباع بسعر السوق فيضطر هو أن يبيع السلعة كذلك بسعر السوق، وإذن فعلاج المحتكر هو عقوبته بالتعزير وإجباره على عرض سلعته في السوق ثم إذا لم تكن إلا عنده فعلى الدولة أن توفر السلعة في السوق حتى لا يتمكن من التحكم في السعر. وقد وضح الكتاب هذا الأمر فجاء في باب "التسعير":

(أما ما يحصل من غلاء الأسعار في أيام الحروب، أو الأزمات السياسية فإنّه ناتج إما من عدم توفرها في السوق بسبب احتكارها، أو بسبب ندرتها. فإن كان عدم وجودها ناتجاً عن الاحتكار، فقد حرّمه الله، وإن كان ناتجاً عن ندرتها، فإن الخليفة مأمور برعاية مصالح النّاس، فعليه أن يسعى لتوفيرها في السوق في جلبها من أمكنتها. وبهذا يكون قد منع الغلاء. وعمر بن الخطاب في عام المجاعة، الذي سمي عام الرمادة، لما حصلت المجاعة في الحجاز فقط لندرة الطعام في تلك السنة، وقد غلا من جراء ندرته، فلم يضع أسعاراً معينة للطعام، بل أرسل وجلب الطعام من مصر، وبلاد الشام، إلى الحجاز، فرخص دون حاجة إلى التسعير.)

 

ثم إن عدم البيع بسعر السوق يوجِد غبناً... والغبن الفاحش حرام وهو الذي يتجاوز سعر السوق على غير ما يتعارف عليه التجار من زيادة قليلة أو نقصان قليل عن سعر السوق، وأما إن كانت زيادة كبيرة ينطبق عليها اصطلاح الغبن الفاحش فهو أمر محرم... وكل ذلك يجعل سعر السوق واجباً على البائع، وعلى الدولة أن توجد سعر السوق فلا يتحكم تاجر في سلعة ما، بل إن لم تكن عند غيره بما يوجد سعر السوق، فعلى الدولة أن تحضر البضاعة وتبيعها في السوق، ومن ثم لا يتحكم أي تاجر في السعر.


جاء في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني باب "بيع السلم":

(إلا أنه يشترط أن لا يكون في الثمن غبن فاحش، بل يجب أن يكون الثمن حسب سعر السوق عند عقد البيع في مثل الأجل المؤجل، لا عند استلام السلعة، وذلك لأن السلم بيع، والغبن الفاحش حرام في البيع كله، فيدخل فيه بيع السلم. فكما أنه يحرم أن تبيع سلعة معجلة القبض بثمن مؤجل بغبن فاحش، كذلك لا يجوز أن تبيع سلعة مؤجلة القبض بثمن معجل القبض بغبن فاحش.)

 

وجاء في الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في باب العلة:

(ومثل ما روي عن أبي هريرة «نهى رسول الله صلى الله عليه وسـلم أن يبيع حاضر لباد» أخرجه البخاري، فقد ذكر النهي عن بيع الحاضر لباد، فذكر مع النهي في البائع كونه حاضراً أي من أهل الحضر، وفي المشتري كونه بادياً أي كونه آتياً من البدو، وكل منهما وصف مفهم أنه للتعليل في النهي عن البيع، ومفهم أنه كان علة للنهي لما عند البادي من جهالة السعر في السوق، فدل ذلك على أن كونه بادياً علة؛ لأنه يجهل سعر السوق، وهو وجه التعليل. ومثله النهي عن تلقي الجلب، وقد ورد فيه التصريح بوجه التعليل، فعن أبي هريرة قال: «نَهَى صلى الله عليه وسـلم أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ، فَإِنْ تَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ، فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ» أخرجه الترمذي.)

 

والخلاصة أن حل موضوع الاحتكار يكون:

  • بعقوبة المحتكر عقوبة تعزيرية.
  • إلزامه بعرض بضاعته في متجره لبيعها للناس بسعر السوق.
  • إن لم تكن البضاعة إلا عنده وللناس فيها حاجة فيجب على الدولة أن توفر البضاعة ومن ثم يوجد سعر سوق دون أن يتحكم أي تاجر في سعر البضاعة.
  • وهكذا تحل المشكلة دون تسعير لأن التسعير لا يجوز.

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

26 رمضان 1439هـ

الموافق 2018/06/11م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على غوغل بلس

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على تويتر

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع