- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")
جواب سؤال
الحكم الشرعي في بيع السلم وعلاقته ببيع المنزل قبل بنائه
إلى فرح فرحات
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي حفظك الله
هل أجد عندك ردا شافيا على هذا السؤال:
هل إن شركات المقاولة (phoprolos) - شركات بيع المنازل قبل بنائها - تعتبر من البيع السلم أم لا؟ وهل هذا جائز شرعا، أي أن تقتني بيتا قبل بنائه؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
إنك تسأل عن أمرين:
الأول: هل بيع المنازل قبل بنائها هو من بيع السلم أو لا؟ ويفهم من سؤالك أنه إذا كان من باب بيع السلم فهو جائز لأن بيع السلم جائز شرعاً...
والثاني: هل بيع المنازل قبل بنائها جائز شرعاً؟
أما الجواب على السؤال الأول فإن بيع المنازل قبل بنائها لا يدخل في باب بيع السلم، وبيان ذلك:
- إن بيع السلم هو: "أن يسلم عوضاً حاضراً في عوض موصوف في الذمة إلى أجل. أي أن يسلّف مالاً ثمناً لسلعة يقبضها بعد مدة لأجل معين"، وهو بيع جائز شرعاً ويكون هذا البيع في المكيل والموزون والمعدود كما هو مبين في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني حيث جاء فيه:
(وجواز السلم ثابت بالسنة فعن ابن عباس قال: «قدم النبي r المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» رواه مسلم. وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى قالا: «كنا نصيب المغانم مع رسول الله r فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى، قال: قلت أكان لهم زرع أو لم يكن لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك» رواه البخاري. وفي رواية: «إنّا كنا نسلف على عهد رسول الله r وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والتمر والزبيب إلى قوم ما هو عندهم» رواه أبو داود. فهذه الأحاديث كلها دليل واضح على جواز السلم. أما ما هي الأشياء التي يجوز فيها السلم، وما هي الأشياء التي لا يجوز فيها السلم، فإنه واضح في الحديث والإجماع. وذلك أن السلم بيع ما لا يملك، وبيع ما لم يتم ملكه، وهما ممنوعان. وقد استثني السلم منها بالنص فخصص المنع في غيره. ولذلك لا بد من أن يكون الشيء الذي يصح فيه السلم منصوصاً عليه. وبالرجوع إلى النصوص نجد أن السلم يجوز في كل ما يكال ويوزن كما يجوز في كل معدود. أما جوازه فيما يكال ويوزن فلما ثبت من حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ r الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي ثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» "بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد"، وفي رواية أخرى لابن عباس قال: قال رسول الله r: «من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» رواه البخاري. فهذا يدل على أن المال الذي يسلم يكون مما يكال ويوزن. وأما جوازه في كل معدود فقد انعقد الإجماع على أن السلم في الطعام جائز، وقد نقل هذا الإجماع ابن المنذر. وروى البخاري قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني محمد أو عبد الله بن أبي المجالد قال: «اختلف عبد الله بن شداد بن الهاد وأبو بردة في السلف فبعثوني إلى ابن أبي أوفى رضي الله عنه فسألته فقال: إنا كنا نسلف على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتمر». فهذا يدل على أن السلم في الطعام جائز. والطعام لا يخلو من كونه مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً فتعلق الحكم بكل ما يقدر به الطعام من كيل أو وزن أو عدد كتعلق القبض به من كونه مما يحتاج إلى قبض، وكتعلق ربا الفضل به من كونه إذا تفاضل الكيل أو الوزن أو العدد كان ربا. فتعلق به السلم أيضاً من كونه يكون الطعام كيلاً ووزناً وعدداً. والحديث فيه نص على جواز المكيل والموزون ولم يذكر المعدود. والإجماع على جواز السلم في الطعام يجعل المعدود داخلاً في السلم. إلا أنه لا بد من أن تكون الأشياء المسلم بها مضبوطة الصفة، كقمح حوراني، وتمر برني، وقطن مصري، وحرير هندي، وتين تركي، ومضبوطة الكيل أو الوزن كصاع شامي، ورطل عراقي، وكالكيلو والليتر. أي لا بد من أن يكون الكيل والميزان معروفين موصوفين.) انتهى ما جاء في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني.
وعليه فإن السلم يجوز في المكيل والموزون والمعدود لا غير.
- أما معرفة كيف يكون المكيل والموزون والمعدود فهو بإدراك واقع الأموال من أنها أموال مثلية وأموال قيمية:
فالأموال المثلية هي الأموال التي يوجد مثلها في السوق بأوصافها دون فرق يذكر كالقمح، فكيلوغرام من القمح ذي الأوصاف المحددة هو تماماً مثل كيلوغرام قمح آخر من النوع نفسه ومثل كيلوغرام ثالث من القمح نفسه دون فرق...
وأما الأموال القيمية فهي الأموال التي لا يوجد مثلها تماماً في السوق أي هي أعيان غير متكررة تكرراً واحداً في صفاتها كالأموال المثلية، فالبيت مال قيمي وليس مالاً مثلياً لأن كل بيت يختلف عن البيوت الأخرى في أمور متعددة مثل موضعه والأرض التي يقام عليها ونوع البناء... إلخ
- إن المكيل والموزون والمعدود هو من قبيل الأموال المثلية كالتمر والقمح والشعير والزبيب ونحوها، فهذه أموال لها مثيل من نوعها إذا اتحدت الأوصاف دون فرق يُذكر، أي هي أموال متماثلة، فهذه الأموال عندما يجري فيها السلم فإن البائع يتعهد بأن يسلم للمشتري بعد أجل معلوم مقداراً محدداً من هذه السلع المثلية كيلاً أو وزناً أو عداً بأوصاف محددة دون تحديد عين خاصة أي دون أن يتعهد بتسليم ذات محددة بل يتعهد فقط بتسليم مال موصوف وفق وصفه أي يتعهد مثلاً بتسليم طن من القمح ذي الأوصاف الفلانية بغض النظر عن مصدر هذا المال حين التسليم أهو من الأرض كذا أم لا، وهل اشتراه أو لا، وهل أخذه هدية أو لا... كل هذا لا قيمة له في عقد بيع السلم بل الذي له قيمة هو فقط تسليم مال موصوف في أجل معلوم وفق الأوصاف المذكورة المحددة التي تزيل التفاوت المخل بين الأموال المثلية... جاء في روضة الطالبين للنووي تحت عنوان "وفي ضبط المثلي أوجه" الجزء 5 الصفحة 18 و19، وفيها ذكر النووي خمسة أوجه لضبط المثلي، وقال في آخرها (فَالْأَصَحُّ الْوَجْهُ الثَّانِي، لَكِنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ: الْمِثْلِيُّ: مَا يَحْصُرُهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ) انتهى
- إن البيوت لا يمكن أن تدخل في بيع السلم لأنها ليست من قبيل المكيل ولا الموزون ولا المعدود حيث هي ليست أموالاً مثلية، فأي بيت يراد بيعه قبل بنائه حتى لو كان موصوفاً وصفاً دقيقاً ويشابه بيوتاً أخرى إلا أنه سيبقى بينه وبين البيوت الأخرى فروق كموضع البناء والأرض التي يبنى عليها ونحو ذلك... أي أن البيت ليس من الأموال المثلية التي يدخلها بيع السلم... ولذلك لا يرد أن يكون البيت داخلاً في باب السلم...
وعليه فإن بيع البيت غير المبني ليس داخلاً في باب السلم ولا تنطبق عليه أدلة السلم... ولذلك فلا يكون جائزاً شرعاً بإلحاقه ببيع السلم الجائز شرعاً...
وأما الجواب على السؤال الثاني وهو ما حكم بيع البيوت قبل بنائها فقد أجبنا سابقاً على مثل هذا السؤال في 2016/03/31م بما يلي:
(بيع الشقق حسب المخططات قبل بنائها:
أ- إن بيع ما لا يملكه الإنسان غير جائز، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها:
- روى الترمذي في سننه عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ rفَقُلْتُ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ البَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي، أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ، ثُمَّ أَبِيعُهُ؟ قَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ».
- روى الترمذي عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ».
ولذلك فإنه لا يجوز بيع بيت أو شقة غير مبنية لأنها غير مملوكة بل هي فوق ذلك غير موجودة ولا قائمة...
ب- والخلاصة فإن بيع الشقق التي لم تبن بعد لا يجوز، لأن المبيع "الشقق" غير موجودة، وحتى يصح البيع فيجب أن تكون الشقق موجودة وجوداً يدل عليها مثل هيكلها من أسس وأعمدة وجدران وسقوف ونحو ذلك مما هو كافٍ عرفاً للدلالة على الشقة وأنها قائمة وقابلة للتسليم. هذا هو الراجح لدي الذي يزيل التنازع، وبخاصة وأن قضايا كثيرة "مشاكل" حدثت في مثل هذا البيع عند التسليم.
ج- وفي الختام فإن العقود في الإسلام من شأنها أن تمنع التنازع، ولذلك تكون على مادة مملوكة للبائع، وموجودة، وقابلة للتسليم دون موانع... فعلى المشترين أن يتحروا توفر هذه الأمور، والله ولي التوفيق.) انتهى
آمل أن يكون هذا الجواب شافياً، والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
04 رجب 1440هـ
الموافق 2019/03/11م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على غوغل بلس
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب