- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
حكم أخذ الراتب من صاحب العمل الذي يتعامل بالربا
إلى Ammar Khdhir
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد أحرجني أحد الإخوة بسؤال ورأيته محقا فيه رغم محاولتي تفسير الوضع الذي نعيشه لكنه لم يقتنع بعد.
السؤال يخص مقابل العمل المقدم في الوظيفة العمومية في هذا النظام الرأسمالي الذي يغلب عليه أن يكون ربا أو جزءا منه، علما بأن الدولة المانحة لمقابل الوظيفة العمومية تسدد هذه الأموال أو جزءا منها من قروض ربوية من دول أجنبية أو من صندوق النقد الدولي.
فهل نكون نحن الموظفين قد أخذنا مقابل عملنا في الوظيفة العمومية أموالاً ربوية أم لا؟ وإن كانت الإجابة بالإيجاب فكيف السبيل للتحلل منها والعيش دون وظيفة عمل أفنينا أعمارنا في نيلها دراسة وعملا؟
شكرا مسبقا على تفهمكم وجازاكم عنا خير الجزاء
أخوكم عمار من تونس
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
بالنسبة للراتب الذي يتلقاه الموظف في الوظيفة العمومية مقابل عمله فإن حكمه يتعلق بالعمل الذي يقوم به:
- فإن كان يقوم بعمل محرم كمن يعمل في المخابرات للتجسس على المسلمين أو يعمل في تعذيب الناس وحملة الدعوة... إلخ، فهذا يكون راتبه حراماً لأنه كَسِبه من عمل حرام...
- وأما إذا كان العمل الذي يقوم به عملاً مباحاً كأن يعمل مدرساً أو مهندساً أو طبيباً في مستشفى حكومي أو نحو ذلك من أعمال مباحة فراتبه مباح له، ولا يضره إن كانت الجهة التي تعطيه راتبه أموالها مختلطة من التعامل بالربا ومن معاملات محرمة أخرى ومن معاملات جائزة، فإن أخذه راتبه من هذا الخليط الحلال والحرام جائز له باستثناء أن يكون راتبه مأخوذاً من مال مسروق أو مال مغصوب أو من مال مُحرَّمة عينه كالخمر والخنزير، فإذا كان راتبه من مال مسروق أو من مال محرَّمة عينه فلا يجوز... وبيان ذلك:
إن المال الحرام أنواع:
- حرام لعينه كالخمر... وهذا لا تجوز الهدية فيه، ولا الأجرة منه ولا البيع ولا الشراء... فهو حرام على صاحب الخمر وعلى الذي يأخذه، قال رسول الله ﷺ: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا» أخرجه النسائي.
- حرام لحق آدمي مسروق أو مغصوب... فهذا حرام على سارقه وغاصبه، ولا تجوز الهدية فيه، ولا الأجرة منه فهو حرام على كاسبه وعلى الذي يأخذه، لأن هذا المال هو حق لصاحبه، وحيث وُجد فيجب أن يعود لصاحبه، ومن الأدلة على ذلك:
أخرج أحمد عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا سُرِقَ مِنَ الرَّجُلِ مَتَاعٌ، أَوْ ضَاعَ لَهُ مَتَاعٌ، فَوَجَدَهُ بِيَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ» فهو نص في أن المال المسروق يُرَدُّ لصاحبه.
والغصب كذلك مضمون للمغصوب منه فيجب على الغاصب ردّ العين المغصوبة إلى صاحبها لما روي عَنْ سَمُرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ»، أخرجه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
- حرام لمعاملات باطلة مثل مال الربا ومال القمار... فإذا كان شخص عنده مال خليط من ربا ومن مال حلال، فإن الجزء الربوي من ماله هو حرام فقط على كاسبه، ولا يصل الحرام إلى من حصل عليه بطريق مشروع من صاحب الربا أو من صاحب القمار، كأن تبيع المرابي بضاعة وتأخذ ثمنها منه، أو تحصل المرأة من المرابي على نفقتها، أو يهدي المرابي أحد أقاربه هدية، أو نحو ذلك من معاملات مشروعة، فإن إثم هذا المال يقع على المرابي وليس على آخذ الثمن أو النفقة أو الهدية، وذلك لأن الحرام لا يتعلق بذمتين في هذه الحالة، ومن الأدلة على ذلك:
1- قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.
2- أن النبي ﷺ كان يتعامل مع اليهود في المدينة، علماً بأن معظم أموالهم من الربا، فقد قال الله سبحانه: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾، فقد كان يقبل الهدية منهم كما ورد عند أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ شَاةً مَسْمُومَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟» قَالَتْ: أَحْبَبْتُ - أَوْ أرَدْتُ - إِنْ كُنْتَ نَبِيّاً فَإِنَّ اللهَ سَيُطْلِعُكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَبِيّاً أُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ.
3- صح عن بعض الصحابة والتابعين إجازتهم للهدية من صاحب الربا:
أ- جاء رجل إلى ابن مسعود فَقَالَ: إِنَّ لِي جَاراً يَأْكُلُ الرِّبَا، وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْعُونِي، فَقَالَ: "مَهْنَؤُهُ لَكَ وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ" أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه.
ب- وسُئِلَ الْحَسَنُ أَيُؤْكَلُ طَعَامُ الصَّيَارِفَةِ؟ فَقَالَ: "قَدْ أَخبرَكُمُ اللَّهُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، إِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الرِّبَا، وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ" أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عن معمر.
ج- عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: نَزَلْتُ بِعَامِلٍ، فَنَزَلَنِي وَأَجَازَنِي قَالَ: "اقْبَلْ"، قُلْتُ: فَصَاحِبُ رِباً قَالَ: "اقْبَلْ مَا لَمْ تَأْمُرْهُ أَوْ تُعِنْهُ" أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عن معمر.
4- ومع ذلك فإن الأفضل أن لا يُتعامل مع أصحاب المال الذي يُخالطه الربا، فلا يباع لهم ولا تقبل هدية منهم من باب الورع حتى لا يأخذ البائع ثمناً ملوثاً بالربا لبضاعته، ولا يقبل هديتهم حتى لا تكون من أموال الربا، فيبتعد المسلم بعيداً عن كل ما ليس بصاف أو نقي، وقد كان أصحاب الرسول ﷺ يبتعدون عن أبواب عدة من المباح خشية الاقتراب من الحرام، فقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لَا يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَراً لِمَا بِهِ البَأْسُ»، أخرجه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
والخلاصة يجوز أن تبيع للذي ماله خليط من الربا والحلال، ويجوز أن تقبل هديته، ويجوز أن تأخذ راتبك منه، ولكن الأفضل أن لا تبيع له ولا تقبل هديته، ولا تعمل عنده وتأخذ راتبك منه. وعليه فالموظف الذي يعمل في عمل مباح في الوظيفة العمومية، ويأخذ راتبه من صاحب العمل التي أمواله خليط من الحرام والحلال، فإن راتبه مباح له ويجوز له أخذه دون حرج... فالإثم بالنسبة للربا ليس واقعاً على الموظف بل هو واقع على الجهة التي يعمل عندها.
آمل أن يكون في هذا الجواب الكفاية والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
9 ذو القعدة 1441هـ
الموافق 2020/06/30م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب