- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فكري"
جواب سؤال
الرأي العام المنبثق عن الوعي العام
إلى Mohamed Ali Bouazizi
السؤال:
السلام عليكم،
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ مدة قصيرة قرأت مقالة لأحد الشباب الممتازين والذي أعتبره ركيزة من ركائز رجالات الحزب يقول فيها: "...وفي اللحظة التي نتمكن فيها من إيجاد رأي عام كاف على المشروع السياسي الإسلامي المتجسد في الدولة الإسلامية ونظامها السياسي المتفرد في قطر من الأقطار على الأقل مع مواكبة كافية من ذوي قوة ونصرة ينتزعون السلطة من مغتصبيها العملاء ستنتصب الدولة الإسلامية على أقدامها لتغير وجه التاريخ".
وعندما راجعته في هذه المقالة كان ردّه: "الرأي العام لم يعطنا قيادته بعد، وإن كان لنا رصيد من الاحترام والثقة في بعض الأقطار. كما أن أهل النصرة في الغالب لا يعطون قيادتهم لمن ليس له شعبية ذات وزن في المجتمع".
لقد أصبت بخيبة أمل بعد هذا الرأي أنا وثلة من الشباب حولي إذ كنا نعيش على فكرة أن الرأي العام قد وُجد.
وبحكم الوسط الذي أعيش فيه واتصالي أنا والثلة التي حولي ببعض المحامين أستطيع أن أقول وبكل ثقة وارتياح أن الرأي العام موجود في الأمة حول حتمية التغيير وعلى أساس الإسلام.
نحن كحزب نريد رأيا عاما مصحوبا بوعي عام على الإسلام الذي نطرحه، ونريد أن نصل بالأمة إلى أعلى مستوى إن أمكن. إلا أن ذلك ليس شرطا حتى نبدأ في عملية طلب النصرة حسب رأيي. حيث إن الأمة اختارت دائما الإسلام مشاعريا ولم تبحث في الإسلام الذي يطرحه حزب النور ولا النهضة التونسية ولا الإخوان أو أردوغان عندما انتخبتهم. ولو وجدتنا على الساحة منخرطين في المنظومة الدولية لاختارتنا قبلهم حيث إنها تثق بنا بل وتحثنا على المشاركة في الانتخابات كي تختارنا. فالإسلام سيعود غريبا كما بدأ. والقول بأننا إذا أخذنا الحكم قبل أن تفهم الأمة ما نطرحه من إسلام سوف تنصرف عنا أو تقول: ليس هذا الإسلام الذي أريد، قول غير دقيق ولن يحدث ذلك لأن الأمة قبلت بأفكار ليست من الإسلام في أواخر الدولة العثمانية على أساس أنها من الإسلام لمجرد أن قال بها "علماء" أو شيخ الإسلام ولم تبحث في صحتها. وهي تقبل إلى حد الآن بما يقوله الشيوخ الملمّعون على الفضائيات. ولما هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة وأخذ الحكم كان الرأي العام مع الإسلام مع أن التشريع لم يكتمل بعد.
ولما وصل طالبان إلى الحكم الآن، طُرحت عدة مواضيع على قناة الواقية حول طالبان هل نطلب منهم إعلان الخلافة؟ وننصحهم بأن تكون مرجعتيهم الإسلام وعدم الانخراط في المنظومة الدولية ووو... وإذا بنفس الشاب الذي نقلت رأيه في موضوع الرأي العام يقول: على طالبان أن تكون مرجعتيها الإسلام وأن يكون سندها الأمة وأن يكون لها عمق في ما حولها فلا تعتبر الحدود بين بلاد المسلمين. وهذا كلام صحيح وجيد إلا أنه لم يحسب حساب الرأي العام كما يراه هو.
فهل يشترط رأي عام معين إذا أخذ الحزب الحكم ولا يشترط ذلك إذا أُعلنت الخلافة على يد غيره؟
أفيدونا يرحمكم الله.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
بارك الله فيك على دعائك الطيب لنا، ونحن ندعو لك بالخير.
أما جواب سؤالك فإن الرأي العام المنبثق عن وعي عام شرط لطلب النصرة، فأي بلد من البلدان يتحقق فيه هذا الشرط فإن النصرة تطلب فيه على أن يكون البلد فيه مقومات الدولة، فإذا تحقق الرأي العام في أي بلد من المجال فإن النصرة تطلب فيه وفي أي بلد آخر فيه مقومات الدولة، أي أن الرأي العام إذا تحقق في أي بلد من المجال على النحو المذكور، فقد أصبح طلب النصرة واجباً في كل بلد فيه مقومات الدولة، سواء أكان ذلك بأن يكون ذلك البلد نقطة ارتكاز أو ليُضم إلى بلد آخر.
وقد حصل هذا الرأي العام في أواسط الستينات في القرن الماضي ومن ثم بدأ الحزب يطلب النصرة في كل مجاله وفق ظروف تلك الدول ووفق ما تراه قيادة الحزب، وأذكر لك أدناه بعض الأمور ذات العلاقة:
1- ذكرنا في جواب سؤال 5 ربيع الآخر 1389هـ الموافق 1969/06/20 ما يلي:
[... في أوائل سنة 1964م وجد تجاوب الأمة مع الحزب في الأردن أي في ولاية من ولاياته (وتأكد انضمام بلد مجاور أي وجد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام وكذلك مقومات الدولة)، وبذلك يكون قد حصل التجاوب مع الحزب ككل فكأنه حصل في جميع مجاله، لذلك حصر طلب النصرة في موضوع واحد من الموضوعين (أحدهما تمكينه من حمل الدعوة، والثاني إيصاله للحكم)، حصره في طلب النصرة لأخذ الحكم، ومن ذلك الوقت حتى الآن وهو يعمل في طلب النصرة لأخذ الحكم. وطلب النصرة لأخذ الحكم هو طريقة وليس أسلوباً، أي هو حكم شرعي واجب التقيد به وليس عملاً من الأعمال التي يقتضيها الواقع، لذلك تقيد الحزب بطلب النصرة، إلا أن أعمال طلب النصرة أعمال ضخمة وخطرة فليس في مقدور كل شاب أن يقوم بها، ولا يصح للحزب أن يسندها إلى أي شاب، لذلك لم يكن بالإمكان إسنادها إلى جميع الشباب... فالرسول ﷺ طلب النصرة من زعماء القبائل أو رؤساء الدول، وطلب النصرة من الوفود التي كانت تأتي مكة، ومن الرجال الأقوياء الذين كانوا يؤمون البيت، أي طلب النصرة من الجماعة القوية التي هي أهل لطلب النصرة؛ ومصعب بن عمير طلب النصرة من زعماء المدينة، وطلب النصرة من الرجال الأقوياء ثم جمعهم فرداً فرداً وأخذهم كتلة واحدة للرسول ﷺ ليقوموا فعلاً في نصرته وتسليمه سلطان المدينة والذود عن الدعوة والموت في سبيل حمايتها.
هذا الواقع هو عينه الواقع الذي عليه الحزب في طلب النصرة، فهو يطلبها كما طلبها رسول الله ﷺ وكما طلبها مصعب، سواء بطريقة الرسول من طلب النصرة من الجماعة الواحدة، أو بطريقة مصعب التي أقرها الرسول ﷺ وهي طلب النصرة من الأفراد الأقوياء فرداً فرداً ثم جمعهم جماعة واحدة ليقوموا فعلاً بالنصرة...]
2- ذكرنا في جواب سؤال 12 محرم 1390هـ الموافق 1970/03/20م ما يلي:
(نقطة الارتكاز هي المكان الذي تقام فيه الدولة أي المكان الذي يستلم الحزب فيه الحكم... أي إذا لم تتوفر فيه جميع مقومات الدولة فإنه لا يصلح أن يكون نقطة ارتكاز إلا... أن يكون هناك مكان آخر أي كيان آخر من المؤكد أن يتجاوب معه إذا قامت الدولة فيه، ويمكن أن تتوفر منهما معاً أو من أحدهما جميع المقومات للدولة...
... فإن الأردن تجاوب من نفسه دون جهد من الحزب، فصار على الحزب أن يعمل لأخذ الحكم في الأردن، فبدأ الحزب يعمل في الأردن وغير الأردن لإيجاد القوة المادية الكافية والقادرة على أخذ الحكم عن طريق طلب النصرة، لا سيما بعد أن صار التجاوب محققاً من قبل كيان آخر. وبذلك صار الأردن من الممكن أن يكون نقطة ارتكاز، ومن الممكن أن يأخذ الحكم فيه، لأنه قد تحققت فيه شروط نقطة الارتكاز.
... كانت المدينة صالحة لأن تكون نقطة ارتكاز لأنها تتوفر فيها مقومات الدولة بالنسبة لدول الجزيرة، بل إن الطائف كانت صالحة لأن تكون نقطة الارتكاز لأنه تتوفر فيها مقومات الدولة بالنسبة لدول الجزيرة...
فطلب النصرة أمر في غاية الصعوبة وفي غاية الخطر، فهو يحتاج إلى رجولة وجرأة غير عادية ويحتاج إلى دأب وأساليب غير عادية ويحتاج إلى صبر وأناة وحسن تقدير...)
3- أما القيادة الفعلية فهذه يصعب تحققها في الظروف الحالية قبل إقامة الدولة لأن الرأي العام يحقق القيادة الفكرية ولا تصاحبها القيادة الفعلية إلا إذا كانت الأمة تحكم نفسها كما كان في عصر رسول الله ﷺ. أما اليوم فبلاد المسلمين محكومة من الكفار المستعمرين مباشرة أو غير مباشرة، ولذلك فإن الرأي العام المنبثق عن الوعي العام، أي القيادة الفكرية، إذا تحققت في أي جزء من المجال وتكون مقومات الدولة متحققة فيه فيصبح طلب النصرة واجباً، وأما القيادة الفعلية فهي تتحقق عند قيام الدولة في مثل أوضاعنا التي نعيش فيها.
4- وقد أصدرنا توضيحاً لهذه الأمور في جواب سؤال يشبه سؤالك والجواب أصدرناه في 2011/09/20 وقد جاء فيه:
[- الوعي العام:
* الوعي من "وعي"، وهي في اللغة: (وعي: الوَعْيُ: حِفْظ القلبِ الشيءَ. وعَى الشَّيْءَ وَالْحَدِيثَ يَعِيه وَعْياً وأَوْعاه: حَفِظَه وفَهِمَه وقَبِلَه، فَهُوَ واعٍ، وَفُلَانٌ أَوْعَى مِنْ فُلَانٍ أَي أَحْفَظُ وأَفْهَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ: نَضَّر اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقالَتي فوَعاها، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعى مِنْ سامِعٍ) [لسان العرب].
* والعام أن يكون هذا الإدراك شاملاً أبرز ما في المسألة، فمثلاً الوعي على الخلافة، ليس معرفة جزئية بلفظ الخلافة، بل كذلك ببعض الأحكام البارزة فيها بأنها فرض، وخليفة واحد، وبيعة بالرضا والاختيار... ومعرفة بعض الصلاحيات للخليفة البارزة كرعاية الشئون الداخلية والخارجية... نقول "بعض"، لأن الوعي العام لا يعني معرفة كافة التفاصيل بل يكفي الإجمال ليكون الإنسان واعياً على الخلافة وعياً عاماً... وهكذا الأمور الأخرى.
- الوعي العام تحقق فعلاً في أجزاء من مجال الدعوة، وكما هو معروف فإذا تحقق في أحد المجالات فإن مراحل العمل تسير معاً في المناطق الأخرى لتلحق بالأجزاء التي تحقق فيها... حتى تتحقق في جميع جوانب الأمة بإذن الله.
- تحقيق الوعي العام شرط للبدء في طلب النصرة... ولكن ليس شرطاً أن يتحقق في كل المجالات، وقد تحقق هذا الوعي العام في أكثر من مجال منذ أوائل الستينات فبدأ الحزب بطلب النصرة، وكل بلد يتقرر طلب النصرة فيه فإن الحزب يكثِّف عمله في الرأي العام المنبثق عن وعي عام ليتحقق الأمران في خطين متوازيين.
- تحقق الوعي العام في مكان ما، لا يعني أنه لا يهتز أو يضطرب بفعل القوى المحلية والدولية، ولا يعني أن لا تستطيع تلك القوى نشر التضليل والأباطيل...
- لقد ذكرنا في أكثر من مكان "الرأي العام المنبثق عن وعي عام"... وإذا ذكرنا أحياناً "الرأي العام" وحده، أو "الوعي العام" وحده، فهو صحيح لأن الرأي العام المطلوب هو المنبثق عن الوعي العام، فهما في سلسلة واحدة، وذِكْر جزء من السلسلة دون ذِكْر الجزء الآخر صحيح...
- الحزب أخذ القيادة الفكرية للأمة في أكثر من مكان... ولكن نظراً لأن الأمة لا تحكم نفسها بنفسها، ولا تتخذ هي قرارها، بل القرار من سادة حكامها الذين هم عملاء لأولئك السادة... فإن القيادة الفكرية ليست بالضرورة أن تلازمها القيادة الفعلية، ولو كانت الأمة تحكم نفسها بنفسها، وحاكمها منها باختيارها، عندها تتلازم القيادة الفعلية مع الفكرية، فإذا استجابت الأمة فكرياً لك فإن قيادتها الفعلية تكون لك...
أما في واقع اليوم فقد تتحقق قيادة فعلية في جانب ما، ولكن الأرجح هو أن القيادة الفعلية بشكل عام تتحقق فعلاً بعد استلام الحكم إن شاء الله.] انتهى.
وكما ترى في الجواب السابق فإن ما ذكرته أنت وما ذكره الأخ "الممتاز" هو صحيح ولا تناقض بينكما، وذلك لأن:
- الأخ يتحدث فيما يبدو وفق ما نقلته أنت عن أخذ قيادة الناس الفعلية حيث يقول: (الرأي العام لم يعطنا قيادته بعد)، فهو يتحدث عن رأي عام يصل إلى درجة أن يعطينا الناس قيادتهم الفعلية... وهذا ليس متحققاً على هذا النحو... والقيادة الفعلية ليس تحققها شرطاً لطلب النصرة بل يكفي الرأي العام المنبثق عن وعي عام أي أن أفكارنا لها احترامها من كثير من الناس في ولاية على الأقل كما بينا أعلاه وكذلك الخلافة التي نعمل لها فقد أصبح لها رأي عام ومن ثم فهذا يكفي لوجوب طلب النصرة.
- وأما أنت فتتحدث عن رأي عام منبثق عن وعي عام يجعل الحزب يطلب النصرة من أهل القوة والمنعة، وهذا حاصل ولا شك...
آمل أن يكون في ذلك الكفاية.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
29 صفر الخير 1443هـ
الموافق 2021/10/06م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على: الفيسبوك