- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فكري"
جواب سؤال
لكل عمل قيمة يراعي الإنسان تحقيقها حين القيام بالعمل
إلى محمد زغل
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الكريم حفظك الله وأيدك بأهل نصرته
السؤال يتعلق بموضوع القيم الوارد في كتاب مفاهيم:
هل العمل للخلافة من حضور الحلقات وأعمال الدعوة يحقق قيمة إنسانية أم قيمة روحية؟
وهل أعمال الدولة كذلك تحقق قيمة روحية أم إنسانية أم خلقية أم مادية؟
بارك الله بك ونفعنا بعلمك.
عماد الزغل ابو محمد
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أولاً: كما جاء في سؤالك فإن موضوع القيم ورد في كتاب مفاهيم حزب التحرير، وأنقل شيئاً مما جاء في الكتاب للمساعدة في توضيح السؤال وللجواب عليه، فقد جاء في كتاب مفاهيم حزب التحرير ما يلي:
[... بالنسبة للقصد من العمل فإنه لا بدّ أن يكون لكل عامل قصد قد قام بالعمل من أجله. وهذا القصد هو قيمة العمل. ولذلك كان حتماً أن تكون لكل عمل قيمة يراعي الإنسان تحقيقها حين القيام بالعمل، وإلا كان مجرد عبث. ولا ينبغي للإنسان أن يقوم بأعماله عبثاً من غير قصد، بل لا بد أن يراعي تحقيق قيم الأعمال التي قصد القيام بالعمل من أجلها.
وقيمة العمل إما أن تكون قيمة مادية، كالأعمال التجارية والزراعية والصناعية ونحوها، فإن المقصود من القيام بهذه الأعمال هو إيجاد فوائد مادية منها، وهي الربح، وهي قيمة لها شأنها في الحياة، وإما أن تكون قيمة العمل إنسانية كإنقاذ الغرقى وإغاثة الملهوفين، فإن المقصود منها إنقاذ الإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه أو أي اعتبار آخر غير الإنسانية، وإما أن تكون قيمة العمل خُلُقية، كالصدق والأمانة والرحمة، فإن المقصود منها الناحية الخُلقية بغض النظر عن الفوائد وبغض النظر عن الإنسانية، إذ قد يكون الخُلق مع غير الإنسان، كالرفق بالحيوان والطير، وقد تحصل من العمل الخُلقي خسارة مادية، ولكن تحقيق قيمته واجبة، ألا وهي الناحية الخُلقية. وإما أن تكون قيمة العمل روحية كالعبادات، فإنه ليس المقصود منها الفوائد المادية، ولا النواحي الإنسانية ولا المسائل الخلقية، بل المقصود منها مجرد العبادة، ولذلك يجب أن يراعى تحقيق قيمتها الروحية فحسب بغض النظر عن سائر القيم.
هذه هي القيم للأعمال جميعها، وهي التي يعمل لتحقيقها الإنسانُ عند القيام بكل عمل من أعماله.]
ثانياً: وكذلك جاء في كتاب مفاهيم حزب التحرير صفحة 30-34 ملف الوورد:
[وقياس المجتمعات الإنسانية في حياتها الدنيوية إنّما يكون حسب هذه القيم، ويكون بقدر ما يتحقق منها في المجتمع، وما يضمن تحقيقها من رفاهية وطمأنينة. ولذلك كان على المسلم أن يبذل وسعه لتحقيق القيمة المقصودة من كل عمل يقوم به حين أداء هذا العمل ومباشرته، حتى يساهم في رفاهية المجتمع ورفعته، ويضمن - في الوقت نفسه - رفاهية نفسه وطمأنينتها.
وهذه القيم ليست متفاضلة ولا متساوية لذاتها، لأنّه لا توجد بينها خصائص تتخذ قاعدة لمساواتها ببعضها أو تفضيل بعضها على بعض، وإنّما هي نتائج قصدها الإنسان حين القيام بالعمل...
فالأشخاص الذين تتغلب عليهم المشاعر الروحية ويملكهم الميل لها ويهملون القيمة المادية يفضلون القيمة الروحية على القيمة المادية، فينصرفون للعبادات ويزهدون في المادة. ولذلك يعطلون الحياة لأنّها مادة، ويسببون تأخرها المادي، وينخفض بسببهم مستوى المجتمع الذي يعيشون فيه، بما يشيع فيه من كسل وخمول.
والأشخاص الذين تتغلب عليهم الميول المادية وتملكهم الشهوات ويهملون القيمة الروحية يفضلون القيمة المادية وينصرفون لتحقيقها. ولذلك تتعدد عندهم المثل العليا، ويضطرب بسببهم المجتمع الذي يعيشون فيه، ويشيع فيه الشر والفساد.
ولهذا كان من الخطأ أن يترك للإنسان تقدير هذه القيم، بل يجب أن تقدر القيم من قبل خالق الإنسان وهو الله. ولذلك كان لا بد أن يكون الشرع هو الذي يحدد للإنسان هذه القيم ويحدد وقت القيام بها، وبحسبها يأخذها الإنسان.
وقد بيّن الشرع معالجات مشاكل الحياة بأوامر الله ونواهيه، وألزم الإنسان بالسير في هذه الحياة حسب هذه الأوامر والنواهي، كما بيّن الأعمال التي تحقق القيمة الروحية، وهي العبادات التي أوجبها وسنها. كما بيّن الصفات التي تحقق القيمة الخلقية. وترك للإنسان أن يحقق القيمة المادية التي تلزمه ليسد بها ضروراته وحاجاته، وما هو فوق الضروريات والحاجات، وَفق نظام مخصوص بينه له، وأمره أن لا يحيد عنه. وما على الإنسان إلاّ أن يعمل لتحقيق هذه القيم وَفق أوامر الله ونواهيه، وأن يقدرها بالقدر الذي بينه الشرع...] انتهى.
ثالثاً: أما دور الدولة في تحقيق هذه القيم، فللجواب على ذلك نوضح الأمور التالية:
1- قيمة العمل هي القصد الذي قام العامل بالعمل لأجله، فالقيمة هي القصد من العمل، والذي يكون له قصد من العمل هو الإنسان، أي الفرد المُشخّص كمحمد وزينب وفاطمة وخالد، فهو عندما يقوم بعمل من الأعمال يقصد تحقيق قيمة معينة من عمله، فإذا قام محمد بعمل التجارة فإنه يقصد تحقيق ربح مادي وهو قيمة مادية، وإذا قامت زينب بالصلاة فإنها تقصد إلى تحقيق قيمة معنوية وهي القيمة الروحية، وإذا صدقت فاطمة فإنها تقصد تحقيق قيمة هي القيمة الخلقية، وإذا أغاث خالد الملهوف فإنه يقصد تحقيق قيمة هي القيمة الإنسانية... وهكذا فالقيمة هي قصد الفرد المُشخّص من قيامه بالعمل، أي أن الذي يقوم بالعمل بقصد تحقيق قيمة هو الإنسان (الفرد)، وذلك كما ورد في مبحث القيم في كتاب المفاهيم من أن القيم يقوم بها الفرد بشخص فلان وفلان وليس الدولة.
2- بالرجوع إلى ما ورد في آخر المذكور من كتاب المفاهيم بند ثانياً:
(ولهذا كان من الخطأ أن يترك للإنسان تقدير هذه القيم، بل يجب أن تقدر القيم من قبل خالق الإنسان وهو الله. ولذلك كان لا بد أن يكون الشرع هو الذي يحدد للإنسان هذه القيم ويحدد وقت القيام بها، وبحسبها يأخذها الإنسان.
وقد بيّن الشرع معالجات مشاكل الحياة بأوامر الله ونواهيه، وألزم الإنسان بالسير في هذه الحياة حسب هذه الأوامر والنواهي، كما بيّن الأعمال التي تحقق القيمة الروحية، وهي العبادات التي أوجبها وسنها. كما بيّن الصفات التي تحقق القيمة الخلقية. وترك للإنسان أن يحقق القيمة المادية التي تلزمه ليسد بها ضروراته وحاجاته، وما هو فوق الضروريات والحاجات، وَفق نظام مخصوص بينه له، وأمره أن لا يحيد عنه. وما على الإنسان إلاّ أن يعمل لتحقيق هذه القيم وَفق أوامر الله ونواهيه، وأن يقدرها بالقدر الذي بينه الشرع...) انتهى.
3- وهنا تبرز مهمة الدولة بأن تضبط هذه القيم وفق أحكام الشرع وما على الإنسان إلاّ أن يعمل لتحقيق هذه القيم وَفق أوامر الله ونواهيه... في جميع أنواع القيم الروحية والخلقية والإنسانية والمادية.
هذه مهمة الدولة ودورها في ضبط قيام الأفراد بتحقيق القيم وفق أحكام الشرع، سواء أكانت القيمة روحية أم خلقية أم إنسانية أم مادية... وتستعمل الأساليب اللازمة في ضبطها من توجيه أو بيان وفق أحكام الشرع، وإذا لم يُجدِ التوجيه والبيان لتصحيح المخالفة الشرعية في تنفيذ الأفراد لهذه القيم ولزمت العقوبة فعلت، وذلك لضمان تطبيق الأفراد لهذه القيم وفق أوامر الله ونواهيه...
هذا ما أرجحه في هذه المسألة والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
26 جمادى الآخرة 1443هـ
الموافق 2022/01/29م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب