- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
ما صحة هذا الحديث وما تفسيره؟
«عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ»
إلى ابرار ثوابتة
السؤال:
السلام عليكم، عندي سؤال بارك الله فيك
كتَبتُ إلى جابِرِ بنِ سَمُرَةَ مع غُلامي، أخبِرْني بِشَيءٍ سَمِعتَهُ مِن رَسولِ اللهِ ﷺ، قالَ: فكتَبَ إليَّ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يَومَ الجُمُعَةِ، عَشِيَّةَ رَجْمِ الأسلَمِيِّ يَقولُ: «لا يَزالُ الدِّينُ قائِماً حتى تَقومَ السَّاعةُ، أو يَكونَ عليكم اثنا عَشَرَ خَليفةً كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ». وسَمِعتُهُ يَقولُ: «عُصبةُ المُسلِمينَ يَفتَتِحونَ البَيتَ الأبيَضَ، بَيتَ كِسْرى وآلِ كِسْرى». وَسَمِعتُهُ يَقولُ: «إنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعةِ كَذَّابينَ، فاحذَرُوهم». وَسَمِعتُهُ يَقولُ: «إذا أعطى اللهُ أحَدَكم خَيراً، فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، وأهلِ بَيتِهِ». وَسَمِعتُهُ يَقولُ: «أنا فَرَطُكم على الحَوضِ».
ما صحة هذا الحديث وما تفسيره: «عُصبةُ المُسلِمينَ يَفتَتِحونَ البَيتَ الأبيَضَ»؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
1- الحديث الشريف الذي ذكرته في سؤالك هو من رواية أحمد، وروى مسلم هذا الحديث الشريف باختلاف طفيف في بعض الألفاظ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:
كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْراً فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ».
فهذا الحديث هو حديث صحيح ويكفي في صحته أنه في صحيح مسلم.
2- أما بالنسبة لتفسير الحديث ففي الحديث أمور متعددة، أولها قوله ﷺ: «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»، وقد اختلف العلماء في المراد منه، وذلك على أقوال وأرجحها والله أعلم ما ذكره ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين بخصوص هذا الحديث الشريف تحت بند الوجه الثالث حيث يقول: (وَالْوَجْه الثَّالِث: أَنه أَرَادَ وجود اثْنَي عشر خَليفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْخلَافَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يعملُونَ بِالصَّوَابِ وَإِن لم تتوال أيامهم، فقد يكون الرجل عادلا، وَيَأْتِي بعده من يجور، ثمَّ يَأْتِي بعد مُدَّة من يعدل، فَيتم عدل الاثْنَي عشر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَيدل على هَذَا الْوَجْه مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو مَنْصُور (...) حَدثنَا أَبُو بَحر أَن أَبَا المجلد حَدثهُ وَحلف عَلَيْهِ: أَنه لَا تهْلك هَذِه الْأمة حَتَّى يكون فِيهَا اثْنَا عشر خَليفَة كلهم يعْمل بِالْهدى وَدين الْحق، مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت النَّبِي ﷺ، يعِيش أحدهم أَرْبَعِينَ سنة والآخر ثَلَاثِينَ سنة.]
وهذا هو الأرجح والله أعلم، لأن الحديث يقول: «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»، فالكلام إذن عن قيام الدين إلى يوم القيامة، ويتخلل ذلك اكتمال حكم اثني عشر خليفة من قريش، وحيث إنه حكم خلفاء كثيرون من قريش ومن غيرها، فإن الحديث ينبغي أن يحمل على حكم اثني عشر مخصوصين من قريش فهم ليسوا مجرد خلفاء يحكمون بالإسلام كسائر الخلفاء بل هم خلفاء مميزون مخصوصون يحكمون بالعدل والحق على منهاج النبوة، فخلافتهم كلها خلافة (يعْمل فيها بِالْهدى وَدين الْحق)، ولا يبعد أن يكون الخلفاء الراشدون الأربعة منهم وأن يكون خامسهم عمر بن عبد العزيز... وأن يأتي في قابل الأيام عند قيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة من يسير سيرهم وينهج دربهم... أي يكون خلفاء يحكمون بالإسلام إلى يوم القيامة.. ثم تنقطع وقت الحكم الجبري كما هو الآن.. ثم تعود خلافة على منهاج النبوة.. كما قال الرسول ﷺ في حديث النعمان بن بشير عن حذيفة.. وفي عهد هذه الخلافة الثانية على منهاج النبوة يكون فيها خلفاء كثر يحكمون بالإسلام من بينهم سبعة خلفاء عدول راشدون على منهاج النبوة وإن لم تتوال عهودهم.. ومن ثم يكتمل الخلفاء الإثنا عشر العدول على منهاج النبوة.. هذا ما أرجحه والله أعلم وأحكم.
3- أما معنى قوله ﷺ: «عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ»، فإن البيت الأبيض مفسر في الحديث نفسه حيث يقول عليه الصلاة والسلام في تفسيره: «الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى»، فهو قصر كسرى، وقد فتحه الصحابة الكرام زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، وجاء في شرح النووي على مسلم: [... قَوْله ﷺ: (عُصَيْبَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْت الْأَبْيَض بَيْت كِسْرَى) هَذَا مِنْ الْمُعْجِزَات الظَّاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه ﷺ، وَقَدْ فَتَحُوهُ - بِحَمْدِ اللَّه - فِي زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَالْعُصَيْبَة تَصْغِير عُصْبَة، وَهِيَ الْجَمَاعَة، وَكِسْرَى بِكَسْرِ الْكَاف وَفَتْحهَا.] انتهى.
4- وأما قوله ﷺ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ»، فقد حمله العلماء على أوجه متعددة ذكرها صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح كما يلي:
[... (وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ»)، قَالَ الْمُظْهِرُ: أَرَادَ مِنْهُ كَثْرَةَ الْجَهْلِ، وَقِلَّةَ الْعِلْمِ، وَالْإِتْيَانَ بِالْمَوْضُوعَاتِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَمَا يَفْتَرُونَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ادِّعَاءُ النُّبُوَّةِ كَمَا كَانَ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَ زَمَانِهِ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِمْ جَمَاعَةٌ يَدَّعُونَ أَهْوَاءً فَاسِدَةً، وَيُسْنِدُونَ اعْتِقَادَهُمُ الْبَاطِلَ إِلَيْهِ ﷺ كَأَهْلِ الْبِدَعِ كُلِّهِمْ، (فَاحْذَرُوهُمْ)...].
5- وأما سائر الحديث فقد شرحه النووي كما يلي:
[قَوْله ﷺ: «إِذَا أَعْطَى اللَّه أَحَدكُمْ خَيْراً فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ» هُوَ مِثْل حَدِيث: "اِبْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُول". قَوْله ﷺ: (أَنَا الْفَرَط عَلَى الْحَوْض) (الْفَرَط) بِفَتْحِ الرَّاء، وَمَعْنَاهُ: السَّابِق إِلَيْهِ وَالْمُنْتَظِر لِسَقْيِكُمْ مِنْهُ. وَالْفَرَط وَالْفَارِط، هُوَ: الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء لِيُهَيِّئ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ].
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
26 شوال 1445هـ
الموافق 2024/05/05م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على: الفيسبوك