- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
العلاقات بين الهند وباكستان في ظل السياسة الأمريكية
السؤال:
كان الرئيس الأمريكي من أوائل المهنئين بفوز حزب جاناتا وقائده مودي، وقد دعاه لزيارة واشنطن، فأعلن في 2014/6/5 أن مودي سيقوم بهذه الزيارة في شهر أيلول/سبتمبر. وقد جرت في 2014/5/26 مراسيم تنصيب رئيس وزراء الهند الجديد مودي بعد إعلان فوز حزبه حزب بهارتيا جاناتا بأغلبية كاسحة حيث حصل على 282 مقعدا من جملة مقاعد البرلمان البالغ عددها 545 مقعدا إلا اثنين حيث ينتخبان من قبل الرئيس، فألحق هزيمة تاريخية نكراء بحزب المؤتمر الهندي الذي حصل على 44 مقعدا. ولأول مرة يحضر مثل هذه المراسيم رئيس وزراء باكستاني بعد دعوته إليها من قبل مودي واجتماعه به. فما دلالات ذلك؟ وكيف ستسير العلاقات بين البلدين ضمن السياسة الأمريكية وخططها المتعلقة بالبلدين وبالمنطقة وانعكاساتها على الصين وأفغانستان؟
الجواب:
1- لقد كان الدعم الأمريكي لمودي خلال الانتخابات لافتاً للنظر... فقد كانت حملة تلميع مودي ليست فقط في الهند بل امتدت إلى تشكيلات واسعة من التنظيمات الهندوسية المتعاطفة والمقيمة خارج البلاد وبخاصة في أمريكا، فقد سعت للترويج لـ«مودي» بوصفه قائداً لكل الهنود وراغباً في العمل إلى جانب الأقليات دون استثناء. ومن تلك المنظمات التي وقفت إلى جانب "مودي" (المؤسسة الهندية الأمريكية) و(لجنة العمل السياسية الهندية الأمريكية)، ولم يفت هذه التنظيمات التنسيق والتعاون مع أذرع تابعة على نحو مباشر، أو غير مباشر مع بهاراتيا جاناتا مثل خلية الشؤون الخارجية وأصدقاء بهاراتيا جاناتا في الخارج، ناهيك عن آلاف الهنود المقيمين في أمريكا وغيرها.
ولعل ما يؤكد هذا الدعم الكاسح للحزب ما نشره مركز «أمريكان إنتربرايز» في واشنطن من أن معظم الأموال التي جُمعت في الخارج لتمويل الحملة الانتخابية وُجهت إلى حزب «بهاراتيا جاناتا»، كما أن أكثر من عشرة آلاف هندي يحملون الجنسيات الأمريكية والأوروبية ويدعمون السياسات المحفزة للشركات واقتصاد السوق توافدوا على الهند خلال الحملة الانتخابية لتأييد «مودي» وحث الناخبين على منحه أصواتهم، وبالطبع كان لهذا الزخم المتولد عن المساندة الكثيفة لأصدقاء الحزب ومؤيدي سياساته ولأنصار «مودي» ومؤيديه، كان لذلك دور كبير في إعلاء شأنه وتهميش باقي الحملات الانتخابية للأحزاب الأخرى...
على أي حال فإنه من الواضح أن المصلحة الأمريكية الملحة في الشرق الأقصى كانت وراء فوز المتعصب الهندوسي مودي، فقد جاء في مقال نشرته الـ بي بي سي عربي بتاريخ 19 أيار/مايو، 2014 تحت عنوان "وجهة نظر: كيف سيؤثر مودي على العلاقات الهندية الأمريكية؟" حيث نقلت في المقال تحت عنوان العمل مع مودي بقلم - ليزا كورتيس، مؤسسة التراث (وتتشارك كل من نيودلهي وواشنطن أهدافا استراتيجية، سواء تضمنت محاربة الإرهاب، أو الحفاظ على الممرات البحرية مفتوحة، أو مواجهة مع صعود الصين. إن اهتمام بهاراتيا جاناتا، على وجه الأخص، بتبني سياسة تحوط أكثر حزما إزاء الصين سيعطي فرصة للمسؤولين الأمريكيين للتعامل معه عن قرب). كما أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، دعا مودي إلى زيارة الولايات المتحدة حينما اتصل به هاتفيا الجمعة لتهنئته بالفوز، حسب بيان صادر عن البيت الأبيض. وقال أوباما لمودي إنه يتطلع لعلاقات عمل معه بهدف "تحقيق الوعد الاستثنائي بإقامة شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة والهند". حسب ما نشرته بي بي سي عربي في 16 أيار/مايو 2014، وأضاف أوباما أن "الرئيس وجه دعوة لمودي في وقت اتفق عليه الطرفان لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين أكثر فأكثر".
2- وهكذا فقد رأينا تلهفا أمريكيا على فوز حزب جاناتا بقيادة مودي فور انتهاء عملية الانتخابات وقبل إعلان النتائج النهائية والرسمية. فقد جاء في صحيفة الشرق الأوسط 2014/5/12: "أشاد أوباما بالانتخابات الهندية التي انتهت للتو في (2014/5/12) مع صدور نتائج أولية تظهر فوز حزب بهارتيا جاناتا مستعجلا ظهور النتائج النهائية في 2014/5/16" قائلا: "نحن مستعجلون لرؤية تشكيلة الحكومة الهندية الجديدة والعمل بشكل وثيق مع الإدارة الهندية الجديدة كي تكون السنوات المقبلة مثمرة...". ما يشير إلى مدى رغبة أمريكا في فوز حزب بهارتيا جاناتا برئاسة مودي ليتعاون معها كما تعاون معها هذا الحزب برئاسة أرتال بيهاري فاجبايي عندما كان في الحكم في الفترة ما بين عامي 1998 و2004. والآن كذلك، فعندما أعلن عن فوز هذا الحزب بشكل رسمي في 2014/5/16 قام أوباما وهنأ قائده مودي هاتفيا، ووجه إليه دعوة إلى زيارة واشنطن ولقائه. وأشار الرئيس الأمريكي في مكالمته الهاتفية مع مودي إلى أنه "يتطلع إلى العمل بشكل وثيق مع مودي لدفع الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية والواعدة بين الولايات المتحدة والهند". و"اتفقا على مواصلة توسيع وتعميق التعاون على نطاق واسع". (تلفزيون إن دي الهندي 2014/5/17). وفي 2014/6/5نشرت صحيفتان هنديتان وهما "تايمز أوف أنديا" و"هندوستان تايمز" خبرا مفاده أن زيارة مودي لواشنطن ستكون في أيلول/سبتمبر القادم للاجتماع بالرئيس الأمريكي. كل ذلك يشير إلى أن أمريكا واثقة من سير الهند معها برئاسة هذا الحزب وقائده مودي تحت مسمى الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية. وقد أوردت الأنباء في تاريخ سابق من هذه السنة أخبار اجتماعات السفير الأمريكي في الهند مع "مودي" رئيس حزب جاناتا، وذلك قبل الانتخابات، ما يشير إلى رسم الخطط المشتركة التي سيقوم بها مودي بعد انتخابه وفق السياسة الأمريكية.
لقد ابتهجت أمريكا لنجاح مودي وعودة حزب جاناتا للحكم بعد عشر سنوات من حكم حزب المؤتمر، حيث كانت العلاقات بين أمريكا والهند في عهده ليست على ما يرام، فلم يتجاوب كثيرا مع أمريكا خاصة في موضوع مجابهة الصين. ولهذا استعجل أوباما ظهور نتائج الانتخابات في الهند ليعلن فرحته بعودة عملاء أمريكا إلى الحكم، وأنسته فرحته هذه القرار الأمريكي بمنع مودي من دخول الولايات المتحدة بسبب المذابح التي تعرض لها المسلمون في ولاية غوجارات عندما كان "مودي" رئيساً لوزرائها، وفي هذا درس لأولئك المخدوعين بما تزعمه أمريكا من حقوق الإنسان، فأمريكا تضرب بكل حقوق الإنسان إذا كان هذا في مصلحتها، فقرار أمريكا بمنع "مودي" أصبح ترحيباً حاراً بفوزه ودعوى احتفالية بزيارة "مودي" القادمة للولايات المتحدة...
وعليه فإن أمريكا في أوج نشوتها لعودة حزب جاناتا للحكم حيث أصبح الموالون لأمريكا هم الحكام في الهند وفي باكستان، ولذلك فإنه من المنتظر أن تطلب أمريكا من عملائها في باكستان وعلى رأسهم رئيس الوزراء نواز شريف تقديم المزيد من التنازلات للهند لتعزيز موقفها أي موقف الهند في مواجهة الصين، وبعبارة أخرى فإن أمريكا تريد أن تتوقف حالة النزاع بين باكستان والهند، ولكن على حساب باكستان... والمسألة الرئيسية التي تُلقي بثقلها على العلاقات الثنائية هي منطقة كشمير المتنازع عليها ويتبعها وجود مجموعات إسلامية مسلحة ناشطة في الهند والتي تتهم نيودلهي باكستان بدعمهم، والمتوقع أن تضغط أمريكا على عميلها نواز شريف لتقديم تنازلات كبيرة وخطيرة لصالح الهند في كشمير لإرضاء الهندوسي المتطرف نارندرا مودي وحزبه، كما أن أمريكا ستطالب نواز شريف بملاحقة المجاهدين في كشمير لتصفية ما يسمى بالإرهاب. وذلك لكي تتمكن من جعل الهند تتفرغ للمواجهة مع الصين الصاعدة...
وقد حصل مثل ذلك عندما كان حزب جاناتا في الحكم بين عامي 1998 و2004 حيث قدمت باكستان تنازلات في كشمير لصالح الهند لتقوية عملاء أمريكا هناك ولتعزيز نفوذها، فقد أمر نواز شريف الجيش الباكستاني بالانسحاب من مرتفعات كارغيل بعد أن حررها الجيش والمجاهدون في معاركهم البطولية وذلك بعدما قام نواز شريف بزيارة أمريكا والاجتماع برئيسها يومئذ بيل كلنتون في 1999/7/4، فضغطت أمريكا عليه للانسحاب، فخضع وأمر بالانسحاب... وها هو نواز الآن يستمر في التنازلات، وكان من بوادرها أن شارك نواز شريف في حفل تنصيب رئيس وزراء الهند الجديد مودي في 2014/5/26 واجتماعه به لمدة ساعة ونصف، وقد ذكر مودي له: "أن على باكستان أن تمنع المسلحين في أراضيها من شن هجمات على الهند وأن تعاقب من قاموا بالهجوم على مومباي عام 2008" (رويترز 2014/5/27). ولكن نواز شريف أبدى ضعفا وخنوعاً، فلم يقابل ذلك برد على مستوى يساوي ذلك على الأقل، بل اكتفى بقوله للصحفيين: "إنه عقد مع مودي اجتماعا ثنائيا دافئا ووديا" يقول هذه الأقوال، ولا زالت أحداث ولاية غوجارات الهندية حاضرة في أذهان المسلمين، ففي عام 2002 عندما أصبح نارندرا مودي رئيسا لوزراء ولاية غوجارات قام الهندوس بأعمال وحشية ضد المسلمين أدت إلى مقتل أكثر من 2000 مسلم وتشريد نحو 100 ألف منهم وما زالوا يعانون تداعيات هذا التشريد ولم يعودوا إلى بيوتهم، ولم تساعدهم حكومة الإقليم ولا الحكومة المركزية في الهند، وكذلك لم يثر مسألة دعم الهند للانفصاليين في إقليم بلوشستان التابع لباكستان. وهكذا فبدلاً من أن يتصدى نواز شريف لرئيس وزراء الهند الجديد مودي ويلقي كل ذلك في وجهه على الأقل، إلا أنه كان متخاذلاً أمامه وفق متطلبات السياسة الأمريكية بمراضاة باكستان للهند!
3- ومن جانب آخر فيظهر أن أمريكا تعطي دورا للهند في أفغانستان وتعمل على تقوية العلاقات بين هذين البلدين حتى لا تبقى محتاجة لباكستان لتعزيز الاستقرار فيها. فأول رئيس اجتمع به مودي في حفل تنصيبه كان كرزاي أفغانستان. فأمريكا تثق بالهند عندما يكون الحكم مواليا لها كحالته الآن أكثر مما تثق بباكستان بالرغم من أن الحكم في باكستان مُوالٍ لها، ولكنها تخشى أن يحدث في هذا البلد الإسلامي أي تغيير في أية لحظة، فهو غير مأمون بالنسبة لها على المدى البعيد، وأهله في حراك للتغيير، وهناك توجه حقيقي وجاد فيه نحو التحرير والتحرر من الغرب بعامة، ومن أمريكا بخاصة، حيث تتسلط على نظام الحكم فتأتي بالحكام العملاء، بالإضافة إلى إمساكها بقيادة الجيش، وهكذا فقد أوجدت أمريكا ركائز لها في القيادة السياسية والعسكرية في باكستان... وأمريكا تخشى من أن تهدم الأمة كل ما بنته أمريكا من ركائز، وخشيتها الأكبر هي أن تقيم الأمة حكم الإسلام وإعلان الخلافة، وهذا ما يقلق أمريكا... ولذلك فإنها لا تكتفي بالاعتماد على نظام باكستان في ترتيب الأمور في أفغانستان بعد تحقيق "انسحاب" جنود أمريكا من أفغانستان، بل تريد أن تجعل للهند دوراً فاعلاً في أفغانستان في ترتيب تلك الأوضاع، وذلك بتعزيز التعاون الأمني بين الهند وأفغانستان وأن يكون اعتمادها على الهند أكثر من ناحية أمنية بعد خروج القوات الأمريكية والغربية من هناك. فقد نشرت ساينس مونوتور الأمريكية في 2014/6/1 تقريرا عن العلاقات الهندية الأفغانية قالت فيه إن "الرئيس الأفغاني حامد كرزاي حين حضر مراسم تنصيب رئيس وزراء الهند الجديد ناريندرا مودي في الأسبوع الماضي أحضر كرزاي معه قائمة طلبات مثيرة ترغب أفغانستان في الحصول عليها تشمل دبابات وأسلحة وشاحنات وطائرات مروحية". وأضافت الصحيفة: "إن طلبات كرزاي تزامنت مع نقاشات متزايدة تدور داخل جنبات الحكومة الهندية والدوائر العسكرية بشأن ما إذا كانت نيودلهي ستكثف مساعداتها العسكرية لكابول أم لا..."، وتضيف الصحيفة: "وتشارك الهند علاقات تقليدية دافئة مع أفغانستان وقد أصبحت الهند شريكا استراتيجيا وصديقا لكابول، بعد أن ابتعدت عنها خلال فترة حكم طالبان"، وهكذا ستقوم الهند في عهد مودي الموالي لأمريكا بلعب دور فعال من الناحية الأمنية في أفغانستان لصالح النظام الموالي لأمريكا فيها.
4- أما فيما يتعلق بالصين، فقد ازداد نفوذها خلال العقدين الماضيين، حيث عملت على تقوية نفسها في منطقتها. وتعمل الولايات المتحدة على كبح الصين من خلال الدول التي تُحيط بها مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والهند. ولهذا قامت الولايات المتحدة بتحالفات وشراكات مُخْتَلِفة لكي تحتوي الصين وتبقيها مشغولة بالدول التي تقع على حدودِها. وقد رأت أمريكا أن الهند في شبه القارة دولة مناسبة لمواجهة الصين، بسبب عداوتها السابقة معها حول خلافات حدودية مختلفة.
وهكذا فقد أرادت أمريكا أن تستخدم الهند بشكل فعال لزيادة الضغوطات على الصين لتطويقها ومنعها من السيطرة على المناطق المحيطة بها وتبقيها محصورة في أراضيها فقط ومشغولة بالهند وحماية حدودها. ولذلك أعلنت أمريكا عن خطتها قبل سنتين التي تتعلق بآسيا - المحيط الهادئ وكان من هذه السياسة حشد حوالي 60% من قوتها البحرية لمجابهة الصين في هذه المنطقة وإقامة التحالفات مع دول المنطقة لحشدها بجانبها وتوجيهها للعمل ضد الصين، ومن بين هذه الدول الهند، فعملت على توجيهها نحو منطقة الشرق في المحيط الهادئ وبالتحديد في منطقة بحر الصين الجنوبي، وعملت على إغرائها بوجود مصادر للطاقة من بترول وغاز. إلا أن حكومة الهند برئاسة حزب المؤتمر لم تتجاوب كثيرا مع أمريكا في هذا التوجه. هذا على الرغم من أن أمريكا وضعت كل ثقلها من أجل جذب الهند بقيادة حزب المؤتمر حيث أرسلت نائب الرئيس جوزيف بايدن، وكذلك وزير خارجيتها جون كيري في منتصف العام الماضي من أجل هذا الغرض، ودفعت أستراليا لتقيم شراكة مع الهند، وضغطت على باكستان لتقديم تنازلات للهند ومنها سحب قواتها من منطقة الحدود مع الهند لتنقل الهند قواتها واهتماماتها نحو الحدود مع الصين، وكان جورج بوش قد زار الهند في آذار/مارس عام 2006 على عهد حزب المؤتمر، ووقع على اتفاقيات عديدة داعمة للهند منها في مجال تطوير الطاقة النووية في الأغراض السلمية، وكذلك قام أوباما بزيارة الهند في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2010، وكل ذلك للتأثير على حزب المؤتمر الحاكم في الهند وجذبه نحو السياسة الأمريكية. ولكن لم تتمكن أمريكا من التأثير عليه حتى يسير ضمن السياسة الأمريكية في المنطقة أو أن يكون شريكا فعالا بجانبها في تنفيذ سياستها. وذلك بسبب ولاء حزب المؤتمر الهندي للإنجليز، وانتقاده للسياسة الأمريكية... وبيان الحزب في انتخابات 2005 يدل على ذلك، فقد جاء في البيان: "من المحزن أن بلداً عظيماً مثل الهند قد تحولت إلى مجرد علاقة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تعتبر حكومة الولايات المتحدة (ولاء) الهند أمراً مضموناً. فأدّى ذلك إلى استعداد حكومات البي جْي بي لتَعديل (سياساتها) حسب أولويات وسياسات الولايات المتحدة دون الاهتمام اللازم بسياسة الهند الخارجيةِ الخاصةِ الحيويةِ ومصالحِ الأمن القومي.".
وهكذا فلم تنجح أمريكا في إقناع حزب المؤتمر في تنفيذ السياسة الأمريكة تجاه الصين، هذا بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة قد أخفقَت في جعل قيادةِ الجيشِ الهندي تركز على وضع جيشِها بعيداً عن باكستان، وتركزه نحو الصين. فالجيش الهندي يركز على الاستقرار الداخلي وكشمير وحدوده مع باكستان. حيث تنتشر سبعة جيوش من جيوش الهند التسعة إضافة إلى ثلاثة ألوية منتشرة على طول الحدود مع باكستان. كما أن 80 % من قواعده الأمامية الرئيسية موجهة ضدّ باكستان.
أما وقد فاز حزب جاناتا في الانتخابات في أيار/مايو 2014 - وهو حزب كان دائماً موالياً للولايات المتحدة منذ زمن فاجبايي في التسعينات، فقد أتيحت فرصة أخرى لأمريكا لوضع الهند في مواجهة الصين. حيث إن العقبة الكبرى أمام جعل الهند تواجه الصين وهي وجود حزب المؤتمر في الحكم، هذه العقبة قد زالت، وأصبح من السهل على أمريكا إقناع حزب جاناتا الموالي لها بتركيز الجيش الهندي على حدود الصين بدلاً من الحدود مع باكستان، وبخاصة وأن الولايات المتحدة تضمن لحزب جاناتا أن تركز القيادة الباكستانية الجيش الباكستاني نحو المناطق الشمالية وتخفف من أعداده وعتاده على الحدود الهندية، نظراً لخضوع القيادة العسكرية والسياسية في باكستان للمتطلبات الأمريكية...! وللعلم فإن القوّات الأرضيَّة الباكستانية تنتظم أساساً في 13 جيشاً ينتشر تسعة منها قرب الحدود الهندية. ومنذ مشرف وكياني فإن العمليات العسكرية في المناطق الشمالية ومنطقة سوات أدّت إلى نقل بعض هذه الجيوش بعيداً عن الحدود الهندية.
في كانون الثاني/يناير 2013 أعلن الجنرال كياني عن المبدأ الاستراتيجي للبلاد، فجرى تعديل الوضع العسكري، وحدد أن التهديدات الداخلية هي الخطر الأكبر على أمن البلد وليس الهند. وبهذا تقوم باكستان بتحويل مركز الاهتمام من حدود الهند إلى مناطق باكستان الشمالية المحاذية لأفغانستان. ولكن الهند لم تقابل خطوة باكستان هذه بمثلها، بل إنها ما زالت تنظر إلى باكستان كتهديد رئيسي لها، وكانت تمانع في تحريك قواتها بالكامل بعيداً عن حدود باكستان.
على كلٍّ، الآن وقد أصبح النظامان في الهند وباكستان ينفذان السياسية الأمريكية، فستستمر أمريكا بإشغال باكستان بأمر أفغانستان والمناطق الشمالية، ومن ثم لا يعود هناك مبرر للوجود العسكري الهندي الكبير على الحدود مع باكستان، وسيسمح ذلك للهند التركيز على مواجهة الصين. لهذا ستقدم الولايات المتحدة أجهزة عسكرية إلى الهند من خلال صفقات الأمن. وبوجود البي جي بي الآن في السلطة، وهو حزب أراد منذ زمن طويل لعب دور شرطي شبه القارة، فسيتابع السير في هذا الطريقِ. ومن المتوقع أن تعرض أمريكا على الهند صفقات اقتصادية مثل الاستثمار في شركات الهند، ونقل التقنية لمساعدة اقتصاد الهند. ومن المحتمل أن يُبرز حزب بهارتيا جاناتا (البي جْي بي - BJP) توسّعَه العسكري بسعيه للطاقة في بحار جنوب الصين.
إن أمريكا مهتمة بتعزيز التعاون الاستراتيجي لاحتواء الصين وتحييد نشاطها بوضعها تحت السيطرة وظهور الهند كقوة منافسة للصين، وبخاصة وأن حزب جاناتا قد فاز في الانتخابات بأغلب الأصوات التي تمكنه من السلطة منفرداً، وهذا الأمر يسهل الطريق على أمريكا لتحريك الهند في اتجاه الصين، وبخاصة في المجالات التالية:
أ- إثارة موضوع استقلال منطقة التبت، والخلاف الحاصل بين الصين والهند على حدود منطقة لاداخ...
ب- الطرق التجارية؛ أي الناحية الأمنية لطرق التجارة المارة عبر بحر الصين والتي تشكل 50% من نسبة الشحن الدولية.
وكل هذا يوجد مشاكل تشغل الصين في حلها، ومن ثم تحصرها في المناطق المحيطة وفق السياسة الأمريكية المعدة تجاه الصين، ويبدو أن أمريكا قد نجحت في تحريك مودي تجاه الصين، فقد عيَّن "مودي" القائد السابق للجيش ف. ك. سينغ وزيرا اتحاديا للمنطقة الشمالية الشرقية لإصلاح الأمن القومي فيها الذي يقول مودي إنه أصبح ضعيفا في ظل الحكومة السابقة والتعامل مع الصين، وقد قال للصحفيين بعد تولي منصبه الجديد يوم الخميس الماضي "تنمية الشمال الشرقي ستكون أولويتي القصوى". ومن المتوقع أن سينغ قد يعيد الاهتمام بخطة الهند لإنشاء قوة مؤلفة من 80 ألف جندي على امتداد الحدود مع الصين في الشمال الشرقي.
وهكذا فإن أمريكا ماضية في خطتها بتحريك الهند تجاه الصين بعد تأمين حدود الهند من جهة باكستان، حيث تأمر القيادة الباكستانية بتوجيه الجيش الباكستاني إلى الحدود مع أفغانستان والمناطق الشمالية ليدخل في قتال مع إخوانه المسلمين بدل أن يوجه اهتمام الجيش لفك أسر كشمير وتحريرها كما هو الواجب الذي فرضه الله على المسلمين بأن لا يمكنوا أعداء الله من أن يكون لهم سلطان على أي بلد من بلاد المسلمين. ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾.
لقد فاقت أمريكا في جرائمها ومؤامراتها وانتهاكها للدول، فاقت عتاة المستعمرين... وهي في سبيل مصالحها الاستعمارية لا تتورع عن كل جريمة ومؤامرة، فهي تتآمر على الصين بشكل مكشوف، وتتآمر على الهند بشكل خفي، حيث تصور لها أن الوقوف في وجه الصين براً وبحراً هو لمصلحة الهند، وتغريها بالمساعدات والاتفاقيات الاستراتيجية، وإن كل ذلك سيلحق ضررا بالهند في نهاية المطاف، فالصين أقوى منها مادياً وفكرياً... ومع ذلك فإن الصين والهند دولتان لا يجمعهما جامع، فأنْ يتصارعا أمر ليس غريباً، ولكن الغريب أن النظام في باكستان والنظام في أفغانستان ينفذان السياسية الأمريكية وهي تقتضي اقتتال المسلمين في باكستان وأفغانستان... والأشد غرابة أن هذين النظامين الظالمين، لا زالا يتسلطان على رقاب الناس! إن الواجب على هذه الأمة التي أعزها الله بالإسلام أن تتمسك به وتحتكم إليه، وأن تزيل هذه الأنظمة، وتقيم من جديد دولة الإسلام، الخلافة الراشدة، فتدوس أمريكا ومؤامراتها، وتعود أفغانستان وباكستان وكل بلاد المسلمين عباداً لله إخوانا، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.