- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
الاتفاق النووي بين إيران والغرب
السؤال:
صادق مجلس الأمن يوم الاثنين 2015/7/20م على الاتفاق النووي الذي تم التوقيع النهائي عليه يوم 2015/7/14 في فينا بالنمسا بين إيران ومجموعة دول 5+1 بعدما مُدِّد مرتين من تاريخ توقيعه المقرر يوم 2015/6/30 حسب الاتفاق الإطاري الذي وقع في لوزان بسويسرا يوم 2015/4/2. فما فحوى هذا الاتفاق، وما هي نتائجه وانعكاساته على أوضاع المنطقة؟ وفي مصلحة من هذا الاتفاق؟ وجزاك الله خيرا.
الجواب:
لا بد من استعراض تصريحات الدول المؤثرة ومواقفها لكي يتضح الجواب:
1- قام الرئيس الأمريكي عقب توقيع الاتفاق في فينا بإلقاء خطاب متلفز قال فيه: "إن الاتفاق يقطع أي طريق أمام إيران للحصول على أسلحة نووية... إن الاتفاق ينص على رفع ثلثي أجهزة الطرد المركزي التي نصبت في إيران وخزنها تحت إشراف دولي، والتخلص من 98% من اليورانيوم المخصب لديها، وقبول عودة العقوبات سريعا إذا حدث أي خرق للاتفاق، وإعطاء وكالة الطاقة الذرية الدولية مدخلا بشكل دائم لتفتيش المواقع أينما وحيثما كان ذلك ضروريا" (بي بي سي 2015/7/14).
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: "إن تطبيق الاتفاق النووي مع إيران سيتم على مراحل وسيبدأ في غضون 90 يوما بعد صدور قرار دولي من قبل مجلس الأمن الدولي بدعمه، وإن سريان بعض البنود سيستغرق 15 عاما فيما ستبقى بنود أخرى سارية المفعول لمدة 25 عاما". (روسيا اليوم 2015/7/14 )...
وقال الأمين العام للمنظمة الدولية - الذي يعبر عن رأي أمريكا - قال في بيان "آمل وأعتقد فعلا أن هذا الاتفاق سيؤدي إلى مزيد من التفاهم والتعاون حول العديد من التحديات الأمنية الخطيرة في الشرق الأوسط". وأضاف أنه "على هذا النحو، فيمكنه، أي الاتفاق، أن يكون بمثابة مساهمة حيوية للسلام والاستقرار في كل المنطقة وخارجها" (إيلاف 2015/07/14)
2- وأما أوروبا بشُعَبها الثلاث المشتركة في مجموعة الست، أي فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومعهم كافة الأوروبيين، فقد أيدوا الاتفاق، فصرحت مسؤولة العلاقات الأوروبية موغيريني قائلة: "إن الاتفاق حدث تاريخي وصفقة جيدة، وهو ينص على سلمية البرنامج النووي الإيراني وعلى حزمة من التدابير التي تضمن ألا تسعى إيران إلى إجراء بحوث أو تطوير برامج تمكنها من الحصول على سلاح نووي، وإنه ليس نهاية، بل هو بداية العمل لمرحلة من التعاون المشترك بين إيران والأطراف الدولية". (روسيا اليوم 2015/7/14)
ورحب الرئيس الفرنسي بالاتفاق النووي الذي أبرم بين إيران والدول الكبرى، وصرح في كلمة متلفزة بمناسبة العيد الوطني: "الاتفاق الذي وقعناه في غاية الأهمية والعالم يمضي قدماً"... وقال وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند مشيداً بـ"الاتفاق التاريخي" الذي أبرم الثلاثاء حول البرنامج النووي الإيراني معتبرا أنه "يشكل تغييرا مهما في العلاقات بين إيران والدول المجاورة والأسرة الدولية..." (إيلاف 2015/07/14)... وقال وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير: "إن الاتفاق سيسهم في نشر الأمن بالشرق الأوسط... هذا اتفاق مسؤول وعلى إسرائيل أن تنظر إليه بعناية ولا تنتقد الاتفاق". (تلفزيون إي آر دي الألماني 2015/7/14)
3- وأما روسيا والصين فلم يفرضا شروطا ولم يقفا في وجه تلك الشروط الغربية ووافقوا على كل ما حصل:
أما روسيا فقد "ابتهج" الرئيس الروسي بوتين باتصال الرئيس الأمريكي به هاتفيا عقب التوقيع على الاتفاق النهائي ليعطي روسيا بعض الاعتبار كرد للجميل على موقفها الذي وقفته والذي كان مسانداً لأمريكا، بل إن أمريكا أخذت موافقة روسيا على كل شيء من قبل فيما يتعلق بإيران وببرنامجها النووي. فقد صرح وزير خارجية أمريكا كيري أثناء زيارته لروسيا ولقائه رئيسها بوتين ونظيره لافروف يوم 2015/5/12 في سوتشي بروسيا مشيراً إلى المحادثات الجارية حول الاتفاق النووي، صرح قائلاً: "إن الوحدة بين موسكو وواشنطن في هذا الموضوع تعد مفتاحا لتوقيع الاتفاق النهائي"، ولذلك فقد رحّب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وقال إن الأسرة الدولية تلقته "بارتياح كبير" بعد مفاوضات استمرت سنوات طويلة... من جهته وعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في فينا بأن روسيا "ستساهم في خطوات عملية من أجل تطبيق الاتفاق". (إيلاف 2015/07/14).
وأما مندوب الصين فقد قال: "يجب على الجميع التحلي بروح الإيجابية في تنفيذ الاتفاق النووي مشيراً إلى أن تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران خلال السنوات العشر الأولى يحظى بأهمية كبيرة." (موقع الوفاق 2015/07/20)، وكذلك فإن "أوباما شكر الرئيس الصيني على دوره في المحادثات مع إيران" (فضائية العربية 2015/07/21).
4- وأما إيران فكان ابتهاجها بالاتفاق يفوق الوصف! ونسيت، بل تناست، الشيطان الأكبر والأصغر، فقد نقل التلفزيون الإيراني كلمة الرئيس الأمريكي أوباما التي ألقاها بعد الاتفاق مرحباً به، وهي المرة الثانية خلال 36 عاما التي ينقل فيها التلفزيون الإيراني خطابا لرئيس أمريكي مباشرة، علماً بأن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين البلدين منذ 1980! ثم تكلم الرئيس الإيراني بعد أوباما بدقائق واعتبر الاتفاق "نقطة انطلاق" لبناء الثقة بين بلاده والغرب. وقال "إذا تم تطبيق هذا الاتفاق بالشكل السليم... يمكننا أن نزيل انعدام الثقة بشكل تدريجي...". (موقع إيلاف 2015/07/14)
5- وهكذا فإن جميع القوى الدولية المتفاوضة، (5+1) قد رأت في الاتفاق "عملاً تاريخياً"، وتبعت أمريكا في ذلك، ولكن جهتين عارضتاه ليس لأنه في غير مصلحة أمريكا بل لأغراض أخرى، وهاتان الجهتان هما الحزب الجمهوري في أمريكا وكيان يهود...
- أما الحزب الجمهوري فهو يدرك أن الاتفاق هو في مصلحة أمريكا بشكل مميز، ولكن كعادة الحزب الجمهوري فهو يحارب بشراسة لمنع نجاح الحزب الديمقراطي في أن يُنسب له مشروع حيوي مميز لمصلحة أمريكا، وبخاصة إذا اقتربت الانتخابات، وهذا الأمر ليس جديداً، ونحن نذكر أزمة الرهائن الأمريكيين التي استمرت من 1979/11/04 وحتى 1981/01/20، حيث بذل الجمهوريون الوسع في إفشال مساعي كارتر الرئيس الديمقراطي آنذاك لحل أزمة الرهائن إلا أن تكون في عهد الجمهوريين وهكذا كان، فقد اتصل مسئولون بارزون في الحزب الجمهوري مع مسئولين بارزين في حكومة الخميني واتفقوا على تعطيل الإفراج عن الرهائن في زمن إدارة كارتر وتأجيله إلى ولاية ريغان بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، وحصول إيران على أسلحه أمريكية والإفراج عن ودائع إيرانية، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى... وبالفعل تم ذلك، فما إن أدى ريغان الجمهوري قسم التنصيب الرئاسي في (1981/01/20م)، إلا وتم الإفراج عن الرهائن الأمريكيين بعد القسم بعشرين دقيقة وأقلتهم طائرة إلى واشنطن خلال ساعات، وانطلق أنصار ريغان يتحدثون عن هذه المعجزة وانتهاء هذه الأزمة بمجرد وصول ريغان إلى السلطة الرئاسية...!
والأمر الآن كذلك فهو صراع انتخابي حزبي، وليس خلافاً على مصلحة أمريكا، والحزبان يدركان أن الاتفاق النووي كان فوزاً لأمريكا، لكن الجمهوريين لا يريدون أن يفوز الديمقراطيون بمشروع حيوي ينسب لهم، وبخاصة وأن الانتخابات الرئاسية قد اقتربت، ومن هذا الباب دخلت المعارضة الجمهورية، فمن المعلوم أن الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون قام بمعارضة التوقيع على الاتفاق لأن للكونغرس حسابات حزبية تتعلق بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في بداية شهر 2016/11. فالحزب الجمهوري يعمل على ألا يبرز الحزب الديمقراطي الذي تمثله الإدارة الحالية برئاسة أوباما بأنه حقق نجاحا باهراً يتمكن من خلاله كسب الانتخابات الرئاسية. إن أوباما يدرك ذلك ولهذا فقد هدد بالفيتو إذا سار الجمهوريون في شوط المعارضة إلى مداه وعطلوا الاتفاق في الكونغرس...
- وأما كيان يهود، فهو لا شك يدرك أنه لم يكن يحلم بمثل هذا الاتفاق، فقد جعل هذا الكيان يتصدر المنطقة بملكية السلاح النووي وحده دون منازع... لكنه أظهر المعارضة لأمور ثلاثة: الأول: يتوقع الكيان أن يفوز الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، فيقوم بمساندته في حملاته التمهيدية للانتخابات، ومن ثم ينال "حظوة" عند الحزب الجمهوري عند نجاحه... الثاني: يتوقع الكيان أن يقوم أوباما بشيء من الترضية لهذا الكيان لحاجة الديمقراطيين لأصوات اللوبي اليهودي فيكون الاعتراض وسيلة للابتزاز... والثالث: وهو الأهم فإن هذا الكيان يدرك أن الحكام في إيران وفي بلاد المسلمين الأخرى الذين يُفرِّطون في حقوق الأمة وسلاحها لن يستمروا طويلاً، ثم لن يتأخر ذلك اليوم الذي تعود فيه الأمة الإسلامية إلى دينها وينهض علماؤها بصناعتها الحيوية من جديد... إن كيان يهود يدرك ذلك ولهذا يُظهر أن هذا الاتفاق غير كاف لتهيئة الضغوط لتتوجه بعد ملاحقة السلاح النووي في إيران وغيرها من بلاد المسلمين إلى ملاحقة علماء الذرة في بلاد المسلمين...
لهذه الأسباب أظهر الكيان معارضته، وإلا فهو يدرك أن الجمهوريين والديمقراطيين يتعهدون بحفظ أمن ذلك الكيان، وإنه لا يستطيع الاستغناء عن مظلة أمريكا لحفظ أمنه، فلا تقوم لليهود قائمة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وقد قطعوا حبل الله منذ عهد سحيق، والآن هم ممسكون بحبل من الناس، وأمنهم قائم على عامل خارجي، ومثل هذا الاتفاق ركن في حفظ أمنهم، فمعارضتهم للاتفاق غير حقيقية، ولذلك فإن كارتر وزير دفاع أوباما - في الوقت الذي يعارض فيه نتانياهو أوباما - يحل في دولة يهود باستقبال كبير ويقول: "إن إسرائيل دعامة سياستنا في الشرق الأوسط، ولن نسمح لطهران بالحصول على سلاح نووي، وملتزمون بالأمن والدفاع عن حلفائنا في المنطقة." (القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء 2015/07/20)
6- من خلال هذه التصريحات والمواقف يتبين ما يلي:
أ- الحرص الشديد للإدارة الأمريكية على توقيع هذا الاتفاق! فتعاملت معه كأنه قضية مصيرية لها وليس لإيران أو لأوروبا أو لأي دولة أخرى... فكان الرئيس الأمريكي يدير المفاوضات عن بعد، وباتصال مباشر واهتمام بالغ بعقد هذا الاتفاق، وأشغل وزير خارجيته به ثلاثة أسابيع متواصلة عدا الاتصالات السابقة، ما يدل على مدى أهمية هذا الاتفاق لأمريكا ومصالحها ومصالح إدارة أوباما، فقد قيّد إيران لعشرات السنين وأبعدها عن صناعة أي سلاح نووي. وإذا ربطنا هذا بالتصريحات السابقة للرئيس الأمريكي ولغيره من المسؤولين الأمريكيين عن أهمية دور إيران الاستراتيجي في المنطقة والاستعداد للعمل معها، بل والعمل معها فعلا كما هو ظاهر، وكذلك تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين أعلنوا فيها تعاونهم مع أمريكا في العراق وأفغانستان واستعدادهم للعمل معها في محاربة الإرهاب والتطرف، وما يشاهد فعلا من موافقة أمريكا الضمنية على ما تفعله إيران وحزبها في سوريا، وكذلك ما حدث في اليمن حيث أعطت لإيران دورا مهما لتمد الحوثيين بالسلاح والعتاد لتلعب دوراً هناك حتى تتمكن أمريكا من بسط النفوذ في اليمن... كل ذلك يشير إلى أن أمريكا تهدف من وراء هذا الاتفاق إلى تسهيل الأمور على إيران برفع العقوبات وإرساء العلاقات العلنية معها حتى تستمر في لعب الدور الذي من شأنه أن يسهل على أمريكا عملها ويخفف عنها الأعباء ويغطي على ألاعيبها مع الدول والشعوب في المنطقة. فتقوم إيران بتنفيذ السياسة الأمريكية فعلا كما هو حاصل في العراق وسوريا واليمن، ولكن بدل أن يكون التنفيذ من وراء ستار يحجب الرؤية كما كان، فإنه يكون من وراء ستار شفاف أو دون ستار!
ب- ومن جانب آخر فقد لوحظ أن الدول الأوروبية الثلاث كانت على هامش المفاوضات! وكان الذي يجري يكاد يكون ترتيبات تُعدُّها أمريكا مع إيران حول رفع العقوبات والاتفاق النووي وتنشيط إيران في خدمة المشاريع الأمريكية في المنطقة، ولا شك أن أوروبا كانت تدرك ذلك فأكثر الاجتماعات السرية، بل والمعلنة الحاسمة، كانت تدور بين الممثلين الأمريكان والإيرانيين... وهكذا فقد كان واضحاً لأوروبا أن الاتفاق الذي أعدته أمريكا سيُعتمد، لذلك تراجع الاعتراضُ الأوروبي وخاصة الفرنسي وتم التوقيع... ورأت أوروبا أن تكسب شيئاً من هذا الاتفاق الأمريكي وخاصة من رفع العقوبات، فاندفعت تلك الدول تجاه الساحة الإيرانية، فأعلنت بريطانيا أنها سوف تفتح سفارتها هناك... وأعلنت فرنسا أن وزير خارجيتها سيتوجه إلى طهران... واستعدت الشركات الألمانية للتحرك فوراً نحو إيران، بل إنها منذ فترة وهي ترسم البرامج المستقبلية في إيران والمشاريع التي ستنفذها هناك، فظهر ذلك عبر وسائل الإعلام الألمانية، وكأن الألمان منذ فترة وهم واثقون أن الاتفاق سيوقع ويشعرون أن إيران سوف تتنازل ويدركون أنها رهن إشارة أمريكا... وهكذا فلم يبق أمام الأوروبيين، وقد أدركوا أنهم لا يستطيعون منع الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، أو التأثير في النفوذ الأمريكي، لم يبق أمامهم إلا أن يتحركوا نحو إيران ليحصلوا على المغانم بكسب الاستثمارات والمشاريع فيها حيث إنهم يعانون من ضائقة مالية، ومن خلالها يمكنهم أن يعملوا داخل إيران على المدى البعيد لاستعادة النفوذ الأوروبي أو بعضه هناك بجانب النفوذ الأمريكي...
ج- وأما روسيا والصين، فهم لا يطمعون في نفوذ لهم في إيران... وأن تُسهِّل لهم أمريكا علاقاتهم التجارية مع إيران برفع العقوبات فهو يكفيهم، فإن أضيف إليه، كما ذكرنا آنفاً، اتصال شكر من أوباما على عدم معارضتهم الاتفاق فإنه يكون عندهم أمراً حسناً!
د- وأما إيران فقد كان كل ما يهمها رفع العقوبات عنها وظهورها بمظهر المنتصر حتى لو سلخ عنها سلاح العزة للإسلام والمسلمين، وحتى لو كان مقابل ذلك التنفيذ المتسارع المتصاعد للمشاريع الأمريكية في المنطقة بوتيرة أكثر مما هي عليه الآن! وقد أظهرت فرحتها بالاتفاق وتأييده على الصعيد الرسمي والشعبي لأنه يلغي العقوبات وسكتوا عن المقابل لذلك... فقد ألقى الرئيس الإيراني حسن روحاني عبر التلفزيون الإيراني خطابا فور التوقيع، ولكنه انتظر انتهاء الرئيس الأمريكي من خطابه! فأشاد روحاني بالاتفاق وأنه حقق ما تطمح له إيران وقال: "إن جميع العقوبات المفروضة على إيران ستزول في اليوم الذي يدخل الاتفاق حيز التنفيذ...".
لقد كان مقابل رفع العقوبات تنازلات لا يقبلها نظامٌ حُرٌ فضلاً عن أن يكون نظاماً يرفع شعار الإسلام، وأي عاقل يُنعم النظر في تلك التنازلات ويتدبرها سيصاب بالدهشة البالغة لفظاعتها، فقد نشرت صفحة "روسيا اليوم" عقب الإعلان عن الاتفاق يوم 2015/7/14 أهم بنوده ومنها:
فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني طويلة المدى مع استمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67%... خفض أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى 5060 جهاز طرد... التخلص من 98% من اليورانيوم المخصب... عدم تصدير الوقود الذري خلال السنوات المقبلة وعدم بناء مفاعلات تعمل بالماء الثقيل وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما... السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها ومنها المواقع العسكرية لكن بعد التشاور مع طهران... الإبقاء على حظر استيراد الأسلحة 5 سنوات إضافية و8 سنوات للصواريخ البالستية... الإفراج عن أرصدة وأصول إيران المجمدة والمقدرة بمليارات الدولارات... رفع العقوبات المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عن إيران...
وأضافت الصفحة أن إيران وقعت مع الوكالة الدولية على "خطة طريق" ومما جاء فيها:
الإبقاء على القيود المفروضة على إيران في المجال النووي لمدة 8 سنوات... امتناع إيران عن إجراء بحوث علمية بشأن معالجة الوقود النووي لمدة 15 عاما... يجب ألا يزيد احتياطي اليورانيوم منخفض التخصيب في إيران خلال 15 سنة عن 300 كيلوغرام... تلتزم إيران حتى 15 تشرين الأول/أكتوبر بتوضيح القضايا ذات التوجه العسكري المحتمل في الحوار مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقالت وكالة فارس الإيرانية يوم 2015/7/14 "إن مسودة الاتفاق تنص على تفتيش جميع المواقع الإيرانية بما فيها العسكرية وعلى زيارة واحدة لموقع بارشين العسكري".
يضاف إلى ذلك ما جاء في خطاب أوباما بعد الاتفاق: "...وقبول عودة العقوبات سريعا إذا حدث أي خرق للاتفاق..."
إن من يتدبر هذه التنازلات سيصاب بالدهشة البالغة لفظاعتها كما قلنا آنفاً... والغريب العجيب أن النظام يروج لهذه التنازلات بأنها انتصارات! إن هناك من يخطئون ولكنهم يعترفون بخطئهم ويعالجونه أو يسعون لمعالجته وهؤلاء من الناس الذين يمكن للمرء أن يتفهم خطأهم ورجوعهم عنه، ولكن أن يقدم أناس على مآس فظيعة في مصير أمة عامدين متعمدين ثم يعدوها انتصاراً وفوزاً فتلك ظلمة قاتلة قد يخفف شيئاً من ظلمتها ذلك الضوء الذي بدأ يظهر من بعض الواعين في إيران الذين لم
ينخدعوا بذلك الترويج للنصر الزائف بل رأوه هزيمة رأي العين، فقد انتقد موقع رجا في إيران الاحتفاء بالاتفاق وقال: "إنه ليس انتصارا وإنما هزيمة ماحقة لأنه أغلق قسما كبيرا من تكنولوجيا إيران النووية" (موقع إيلاف، 14 تموز/يوليو)... حتى خامنئي أدرك أن سلاح الترويج للنصر هو سلاح خاسر وبخاصة بعد أن بث التلفزيون الإيراني خطاب أوباما قبل خطاب رئيسه! فعاد "مرشد الثورة" يحاول إصلاح الخسران بوصف أمريكا بالمتغطرسة... وأن سياستها تختلف عن سياسته... وأنه لا يتفاوض معها... ولكن متى؟! بعد أن شبع مفاوضةً... وبعد أن أصاب المشروع النووي الأمريكي من إيران مقتلا... حتى رفع العقوبات والإفراج عن الأموال الذي حاول النظام أن يبرر بهما هذه التنازلات لا تقوم بهما حجة، وتكرار ذلك في خطابات روحاني: "إن تلك العقوبات تسببت في مشاكل كثيرة في المجتمع الإيراني 2015/6/23" وكرر ذلك مرة أخرى في خطابه الذي ألقاه عقب توقيع الاتفاق وأذاعه التلفزيون الإيراني فقال: "إن العقوبات تركت آثاراً على الشعب الإيراني" 2015/7/14... كل ذلك من باب الخداع لأن آثار العقوبات لا تُمحى بالتنازلات المهينة، بل بتطبيق أحكام الإسلام بصدق وإخلاص وبخاصة النظام الاقتصادي في أحكام الملكية العامة وملكية الدولة، وأن يقوم على التطبيق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فيحسنوا استغلال الثروات الهائلة في إيران، في باطن الأرض وظاهرها، وهذا النظام مسطور في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ يدركه كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد... كل ذلك يُحيي الناس وينهض بهم من ضنك العيش، ويرتد تأثير العقوبات على صانعها وليس على المصنوعة له. وأما الإفراج عن الأموال فلو حسبت تكاليف الأسلحة التي تتخلى عنها إيران مقابل ذلك لما كان الفرق كبيراً! فكيف إذا أضيفت القيمة المعنوية التي تخسرها الأمة بنزع جزء مهم من سلاحها؟!
هكذا تعالج العقوبات، وليس بالتنازلات المهينة... ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾.