- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال:حقيقة موقف أردوغان واستعادة العلاقات مع أرمينيا
السؤال:
كان أردوغان يصرح مراراً أنه لن يوقع اتفاقا مع أرمينيا بفتح الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية معها ... إلا بعد سحب أرمينيا جيشها من أراضي أذربيجان المحتلة في "قرة باغ"، ولكن حكومة أردوغان وقعت في 10/10/2009 اتفاقية بهذا الشأن دون اشتراط الانسحاب الأرمني. ومع أن التوقيع قد تم إلا أن أردوغان قد صرح في 11/10/2009 "إذا لم تنسحب أرمينيا من أراضي أذربيجان المحتلة لن تتخذ تركيا موقفا ايجابيا". وأضاف:" وسيجعل هذا الانسحاب أيضا من الأسهل على البرلمان التركي تبني الاتفاقات (الموقعة بين تركيا وأرمينيا)". (رويترز، أ.ف.ب 11/10/2009)، والسؤال هو:
ما الذي جعل أردوغان يغير رأيه؟ ثم إن التوقيع قد تم رسمياً، فما معنى تصريح أردوغان الأخير؟ هل يعني أنه إن لم تسحب أرمينيا جيشها فإنه سيلغي الاتفاق ؟
الجواب:
لم يكن هذا الاتفاق ابن يومه، بل مر بخطوات عدة برعاية أمريكية من البداية حتى النهاية، إلى أن تم توقيعه في 11/10/2009، وسنذكر بعض الخطوات اللافتة للنظر، ثم نبين سبب تغير رأي أردوغان ومعنى تصريحه الأخير:
1- إن أوباما في زيارته لتركيا في 6/4/2009 دعا لحل الخلاف بين تركيا وأرمينيا وإيجاد السلام بينهما. وقد اجتمع بوزراء خارجيتهما بوجود وزير خارجية سويسرا الذي يرعى المباحثات بين الطرفين. وقد أعلن عن رسم خارطة طريق لتحقيق ذلك. وقد نشرت جريدة الصباح التركية في 24/4/2009 خارطة الطريق التي رسمتها أمريكا، وتضمنت بنودا منها اعتراف أرمينيا بالحدود الحالية المرسومة بين تركيا وأرمينيا في 13/10/1921 في معاهدة قارص الموقعة بين الدولة العثمانية والاتحاد السوفيتي والتي أقرت في معاهدة لوزان، أي إقرار الحدود الحالية بين تركيا وأرمينيا. ومن بنود خارطة الطريق الأمريكية إقامة لجنة لإعادة النظر فيما يسمى بالإبادة الجماعية للأرمن، وبند آخر يتعلق بفتح الحدود والتبادل التجاري بينهما، وبند آخر يتعلق بإعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بينهما.
2- لقد سبق أن جرت قبل أشهر عدة بوساطة سويسرية مباحثات بين وزيري خارجية البلدين وتوصلا إلى اتفاق في 22/4/2009 على إطار شامل لتطبيع العلاقات بين بلديهما يرضي الطرفين. وبقيت المباحثات مستمرة حتى توصلا في 1/9/2009 إلى تطابق في الآراء لتوقيع اتفاقية شاملة بينهما.
3- في 10/10/2009 أعلن عن توقيع الاتفاقية الشاملة حسب خارطة الطريق التي رسمتها أمريكا من قبل، ووقَّع وزير خارجية تركيا احمد داود أغلو مع وزير خارجية أرمينيا ادوارد نعل باند يان بوساطة سويسرية في زيورخ، وتحت إشراف وتنفيذ وزير خارجية أمريكا هيلاري كلينتون حيث لعبت الدور الفعّال في هذا التوقيع، وقد حضر التوقيع طرفا مجموعة مينسك الآخرَيْن: روسيا ممثلة بوزير خارجيتها لافروف، وفرنسا ممثلة بوزير خارجيتها كوشنير، هذا بالإضافة إلى ممثل الخارجية للاتحاد الأوروبي سولانا، ووزير خارجية سلوفاكيا، وذلك كشهود على الاتفاقية التي وصفت بالاتفاقية التاريخية لإنهاء النزاع التركي الأرمني. وقد نشرت وكالات الأنباء العالمية والتركية نص البرتوكول الكامل الذي وقَّعه وزيرا خارجية تركيا وأرمينيا، وهو يشمل: (الاعتراف بالحدود الحالية وفتح هذه الحدود بينهما في خلال شهرين، وإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء، وفتح قناصل متبادلة لمساعدة وحماية مواطني البلدين حسب اتفاقية فينا للتبادل القنصلي الموقعة عام 1963، وتطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والطاقة والمواصلات والاتصالات وفي المجالات العلمية والتقنية والثقافة والبيئة والسياحة وغير ذلك. ويعملان معا على التعاون الإقليمي والدولي في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ويعملان معا لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتطوير الديمقراطية في المنطقة، ومحاربة الجريمة المنظمة عبر الحدود ومحاربة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات، والعمل على حل النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية حسب القواعد والقوانين الدولية، وإيجاد المشاورات بشكل منظم بينهما، وإيجاد وتطوير الحوار للتدقيق العلمي غير المنحاز في الوثائق والمصادر التاريخية المتعلقة بشعبيهما بهدف إيجاد الثقة المتبادلة بين الشعبين...) وهو يشير في موضوع التدقيق العلمي لأحداث 1915م التي كانت تسميها أرمينيا إبادة جماعية، مع أن أوباما تمهيداً لهذه الاتفاقية قد سماها اسماً آخر في كلمته التي ألقاها في 24/4/2009 بمناسبة الذكرى السنوية لما يسمى بالإبادة الجماعية للأرمن، حيث عبَّر عنها بالمصيبة الفظيعة وليس بالإبادة الجماعية أو التطهير العرقي، وذلك كما قلنا تمهيدا لهذه الاتفاقية.
4- إن هذه الاتفاقية شملت كافة المجالات وحلَّت كل الإشكاليات بين البلدين، ولكنها لم تتطرق بأي حرف نحو مشكلة احتلال أرمينيا لأراضي أذربيجان في "قرة باغ" وما حولها، ولا هي تطرقت إلى مشكلة المهجرين الأذريين من هذه الأراضي، مع العلم ان تركيا قطعت علاقاتها مع أرمينيا وأغلقت الحدود معها في عام 1993 احتجاجا على احتلال أرمينيا لمنطقة قرة باغ الجبلية مع سبع مناطق، وهي تمثل ما بين 20% ـ 24% من مساحة أذربيجان، وقد هُجِّر منها نحو مليون أذري... ولكن تركيا الآن قد تخلَّت عن كل ذلك، ما أغضب أذربيجان وتركها لقمة سائغة في أيدي الدول الكبرى ممثلة بمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الامن والتعاون الاوروبي الممثلة بأمريكا وروسيا وفرنسا التي تعمل منذ وقف الحرب بين اذربيجان وأرمينيا عام 1993 "التي كانت قد بدأت في نهاية عام 1987" على إيجاد حل للمشكلة الأذرية الأرمنية.
5- لقد تدخلت روسيا بجانب الأرمن وساعدتهم خلال عدوان أرمينيا على أذربيجان، لكن حكام تركيا وإيران، البلدين المسلمين، لم يتدخلوا لنصرة أذربيجان البلد المسلم، المجاور لإيران، والمحسوب على تركيا! ولولا التدخل الروسي بجانب الأرمن، وعدم نصرة إيران لأذربيجان المجاورة لها، بل لم تقطع علاقاتها مع أرمينيا ولم تغلق الحدود، وكذلك عدم التدخل من قبل تركيا عسكريا وعدم مدها لاذربيجان باية مساعدات عسكرية لصد المعتدين الارمن ومن ورائهم الروس، لولا ذلك لما تمكن الارمن من الانتصار على الأذريين الذين قاوموا وحدهم الأرمن والروس مدةً تزيد عن خمس سنوات.
وهكذا خذل حكام تركيا وإيران، البلد المسلم أذربيجان أثناء الحرب فتمكنت أرمينيا بمساعدة الروس من احتلال أراضٍ أذرية.
6- ولم يكتف حكام تركيا بخذلان أذربيجان أثناء الحرب، بل هم اليوم يخذلونها كذلك بتوقيع هذه الاتفاقية قبل ان تعود الاراضي الأذرية لأصحابها ويعود أهلها المهجرين اليها. فكانت ردة الفعل الأذرية غاضبة على تركيا، واعتبرت ذلك أنه ضد مصالحها، فأصدرت وزارة الخارجية في اذربيجان بيانا قالت فيه:" ان تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا قبل انسحاب القوات الأرمينية من المنطقة الأذرية المحتلة يتناقض بشكل مباشر مع مصالح أذربيجان، ويلقي بظلاله على العلاقات الاخوية بين أذربيجان وتركيا المبنية على جذور عميقة". وأضاف البيان:" أن أذربيجان ترى أن فتح الحدود يهدد السلام والاستقرار في المنطقة". وقالت وزارة الخارجية الاذارية في بيانها:" ان باكو تتوقع من انقرة ان تلتزم بالوعود التي قطعها مسؤولون اتراك بعدم فتح الحدود الا حين ان تنسحب القوات الارمينية من منطقة قرة باغ الجبلية المتنازع عليها". وقال البيان:" ان موقف اذربيجان حول هذه المسألة لا لبس فيه". (أ.ف.ب والعالم الايرانية 11/10/2009)
7- أما الأسباب التي دعت أردوغان لتغيير رأيه، وتوقيع حكومته مع أرمينيا على هذه الاتفاقية في زيورخ فهي الأوامر الأمريكية بسبب الخدمة الكبيرة التي تؤديها هذه الاتفاقية لأمريكا، فإنها تقصد من هذه الاتفاقية كسب أرمينيا وأذربيجان لطرفها، وإبعاد النفوذ الروسي عنهما، فتتوسع دائرة نفوذ أمريكا في جنوب القوقاز:
أما أرمينيا، فبعد أن أخذت أمريكا جورجيا التي تحد أرمينيا من الشمال بثورة ملونة من النفوذ الروسي، تطلعت نحو أرمينيا لإضعاف النفوذ الروسي في منطقته القديمة والتقليدية وتوقيع هذه الاتفاقية التركية الأرمنية فرصة كبيرة لأمريكا لأخذ أرمينيا من روسيا لتضعها تحت سيطرتها، وانتصار لأمريكا على روسيا، وسيتعزز ذلك مباشرة عن طريق تركيا. وقد ظهر ذلك من تصريح وزيرة خارجية أمريكا أثناء مغادرتها زيورخ وهي تطير من الفرح، فقد صرحت بأن: " بلادها ستعمل بكل إمكانياتها لإنجاح البرتوكول الموقع بين تركيا وأرمينيا". (وكالة الأناضول 11/10/2009)، ولهذا سيضع الأمريكان كل ثقلهم ليوقع البرلمان التركي على هذه الاتفاقية، ورجلهم أردوغان سيعمل على ذلك بكل أساليبه وخداعه لجعل أعضاء حزبه في البرلمان يوقعون على هذه الاتفاقية. ويظهر أن الأمور تسير نحو توقيع تلك الاتفاقية، فلم تظهر معارضة جدية من حزب الشعب الجمهوري في تركيا الذي يعتبر أعضاؤه أنفسهم إخوة للأرمن وليسوا أعداء. فبأصوات هذين الحزبين تقر الاتفاقية في البرلمان التركي. ومن الجهة الأرمنية لا توجد معارضة جدية أيضا، ومنذ أشهر والأمور يُهيأ لها هناك، ولم تربط بانسحاب الأرمن من الأراضي الأذرية المحتلة، فيكون إقرارها هناك أيضا سهلا...
وأما أذربيجان، فهي تتردد في علاقتها بين روسيا وأمريكا حيث تساير الدولتين في فتح الباب لهما للاستثمار في مجال النفط والغاز، ولذلك قبلت مد خط النفط باكوـ تبليسي ــ جيهان ليصب في البحر المتوسط وسمحت للشركات الأمريكية بالاستثمار في مجال النفط وعلى رأسها شركة شيفرون بجانب الشركات الروسية. كما أنها تسمح لروسيا بأن تقيم قواعد عسكرية على أراضيها، فلروسيا قاعدة غابالا في أذربيجان، منصوب فيها رادارات قوية، والقاعدة يستخدمها الروس منذ عام 1984 وقد جُددت اتفاقية استخدامها من قبل الروس عام 2002 لمدة عشر سنوات أخرى، وهذا يظهر مدى النفوذ الروسي في أذربيجان. فارتباط أذربيجان بروسيا ما زال قويا. ومع ذلك، فقد عرضت روسيا سابقا على أمريكا بان تنشر راداراتها بجانب رادارات روسيا في قاعدتها "غابالا" مقابل أن تتخلى أمريكا عن وضع رادارات لها في تشكيا ونصب صواريخ في بولندا، ولم تعارض أذربيجان ذلك الاقتراح.. أي أن أذربيجان تحاول أن ترضي روسيا وأمريكا، غير أن أمريكا تريد أن يكون نفوذها موجوداً بفاعلية في أذربيجان، وقد رأت في الاتفاقية التركية الأرمينية وسيلة ضغط قوية على أذربيجان لتقبل النفوذ الأمريكي كاملاً، ومن ثم تتدخل أمريكا لحل المشكلة الأرمنية الأذرية بعيداً عن روسيا.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية شكلت ضربة قوية لأذربيجان التي تتحكم بخط نفط باكو - تبليسي - جيهان، وتستطيع إغلاقه كرد فعل، إلا أن أمريكا تعتمد على تركيا في ترويض أذربيجان، فلا تستطيع أذربيجان أن تتخذ حالة العداء مع تركيا فتتجرأ على إغلاق الخط، أو اتخاذ ردود فعل جانحة كأن تضايق الشركات الأمريكية التي تستثمر في مجال النفط والغاز...، أي أن أمريكا مطمئنة بما يقوم به أردوغان من تصرفات تضليلية ماكرة مع أذربيجان، جاعلاً مصالح أمريكا في سلم القيم عنده، غير مبالٍ بأراضي أذربيجان المحتلة ولا بالمشردين من أهلها، ولو كان يهمه ذلك لقام وساعد أذربيجان يومئذ ولأمدها بالقوة العسكرية، ولساهم هو عسكريا في إعادة الأراضي المحتلة إلى أذربيجان، ولما وقَّعت حكومته هذه الاتفاقية الأخيرة التي خذلت فيها الإخوة الأذريين كما كانوا يتبجحون بالقول دائما "إن العلاقة الأخوية بين تركيا وأذربيجان عميقة الجذور"!
8- أما تصريح أردوغان في 11/10/2009، في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق، الذي جاء فيه: "إذا لم تنسحب أرمينيا من أراضي أذربيجان المحتلة لن تتخذ تركيا موقفا ايجابيا". وقال:" نريد لمشكلة قرة باغ الجبلية والمناطق المحتلة أن تحل بالطريقة نفسها، وإذا حلت المشكلات بين أذربيجان وأرمينيا فعندئذ سيكون من الأسهل على المجتمع التركي دعم تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا. وسيجعل أيضا من الأسهل على البرلمان التركي تبني الاتفاقات (الموقعة بين تركيا وأرمينيا)". (رويترز، أ.ف.ب 11/10/2009)، فإنه كذب صراح، من باب الدجل والتضليل، فهل يصدق عاقل أن حكومة أردوغان توقع كل هذه الاتفاقيات مع الارمن برعاية أمريكية، وبحضور دولي، ثم بعد ذلك يصرح أردوغان بأن تركيا لن تتخذ موقفا ايجابيا من الاتفاقية وان التطبيع لن يكون سهلا؟ إن ذلك ما هو إلا لخداع الرأي العام في تركيا ومحاولة خداع الأذريين الذين أدركوا وعوده الكاذبة!
إن هذا التصريح وأمثاله هو ليّ للكلام وتلاعب به لن يصمد طويلا!