الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

الاحتجاجات القوية في الجزائر

 

السؤال: نشرت سكاي نيوز في 2019/3/17 تحت عنوان (خلال أيام... احتجاجات الجزائر تطال "العصب المؤلم" للسلطة) ما يلي: (قال رئيس أكبر اتحاد نقابي مستقل في الجزائر، إنه اتخذ خطوات قانونية لتنفيذ إضراب عام في قطاعات الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز، خلال الأيام القليلة المقبلة...) وكان بوتفليقة يوم 2019/3/11 قد تراجع عن ترشحه، ولكنه ألغى موعد الانتخابات المقرر في 18 نيسان القادم وأعلن عن مشروع ندوة لتحديد موعد الانتخابات. ولكن الناس رفضوا ذلك واعتبروه تمديدا لعهدته الرابعة الحالية، وخرجوا بالملايين الجمعة 2019/3/15 وهو أكبر حشد منذ بدء الاحتجاجات في 2019/2/22. والسؤال أو الأسئلة هي: هل هذه الاحتجاجات القوية، وخاصة إذا تحقق إضراب النفط، هل هي محلية الصنع أو أن هناك أصابع دولية؟ ثم هل يترتب عليها تغيير في المشهد السياسي في الجزائر؟ وهل بوتفليقة رغم هذه الاحتجاجات سيستمر حاكماً سنة أخرى كما في قراراته الأخيرة؟

 

 الجواب: يمكن استعراض مجريات الأمور والأصابع الدولية وغيرها للوصول إلى أجوبة الأسئلة وذلك على النحو التالي:

 

1- يبدو أن الاحتجاجات كانت طبيعية وعفوية من الناس بسبب الظلم المخيم عليهم وفساد السلطة والنظام والقائمين عليه ونهبهم للأموال العامة وترك الناس يعانون الفقر والفاقة، فقد ساءت أوضاعهم المعيشية وتفاقمت مشاكلهم في مختلف الصعد، واستبد بوتفليقة في حكمه حتى قام وغيّر في الدستور عام 2008 وأزال شرط تحديد ولايات الرئيس إلى ولايتين فقط، مما مكنه أن يتولى السلطة أربع مرات على التوالي، ويبحث عن ولاية خامسة رغم تدهور حالته الصحية، بعدما أصيب بجلطة دماغية عام 2013 أفقدته القدرة الكافية للحركة العادية والنطق السليم، ورغم ذلك أعلن في اليوم الثالث من الشهر الحالي عن تقديم أوراق ترشحه رسميا... فانفجر الناس غاضبين وتصاعدت الاحتجاجات من مختلف القطاعات وبشكل سلمي...

 

2- ومن باب خداع الناس وجه بوتفليقة رسالة إلى الشعب يوم 2019/3/11 أعلن خلالها القرارات التالية: "أولا: لا محل لعهدة خامسة بل إنني لم أنو قط الإقدام على طلبها حيث إن حالتي الصحية وسني لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري ألا وهو العمل على إرساء جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الذي نصبو إليه... ثانيا لن يُجْرَ انتخاب رئاسي يوم 18 من نيسان/أبريل المقبل والغرض هو الاستجابة للطلب الملح الذي وجهتموه إلي... ثالثا قررت أن أجري تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة في أقرب الآجال... رابعا الندوة الوطنية الجامعة المستقلة ستكون هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسس النظام الجديد وتعيين هيئة رئاسية تعددية... تحرص على أن تنتهي مدتها قبل نهاية عام 2019... خامسا سينظم الانتخاب الرئاسي عقب الندوة الوطنية الجامعة"... راديو الجزائر 2019/3/11). فهذه الرسالة أثارت الناس أكثر، إذ حاول أن يتودد للناس وادعى أنه لم ينو قط الترشح مع أنه ترشح! وفهم الناس أن بوتفليقة يريد تمديد ولايته الرابعة بالخداع...! وأنه ألغى الانتخابات ليركز نفوذ زمرته الفاسدة...

 

 3- وقد أعلن بوتفليقة تحت ضغط الشارع عن إقالة حكومة أحمد أويحيى ضمن قراراته يوم 2019/3/11 لإظهار أنه سيحدث تغييرا في البلاد وأنه سيحارب الفساد، وكأن الناس سيرضون عنه إذا أبعد مخادعةً أحد أدواته في الفساد بأداة أخرى من جنسها! ولكن يبدو أن الناس واعون على تلك المخادعات لذلك تصاعد حشدهم في الجمعة 2019/3/15 التالية لقراراته... وهكذا كانت قراراته بتعيين نور الدين بدوي رئيسا للحكومة، وتعيين رمطان لعمامرة نائبا لرئيس الوزراء مع احتفاظه بوزارة الخارجية، كانت لا تغني من الحق شيئا... وقد حاول الاثنان أن يخادعا الناس بقرارات الرئيس بوتفليقة، فذكر نور الدين بدوي في مؤتمر صحفي مشترك مع نائبه يوم 2019/3/14 أن "الفترة الانتقالية لن تكون أكثر من سنة، وأن تأجيل الرئيس للانتخابات جاء استجابة لإرادة الشعب، وأن المشاورات جارية لتشكيل حكومة ستكون حكومة خبراء، ودعا لإقامة دولة قانون جديدة، ودعا المعارضة للمشاركة"... التلفزيون الجزائري 2019/3/14) وكان رمطان لعمامرة قد صرح قبل يوم للإذاعة الجزائرية الحكومية يوم 2019/3/13 قائلا إنه: "لا بد من الحوار، أولويتنا هي جمع شمل الجزائريين. وإن النظام الجديد سيستند إلى إرادة الشعب" ولكن الناس أوعى من أن ينخدعوا بها. وقد ظهر أن الناس في الجزائر واعون فعلاً على هذه النقطة فرفضوا كل ذلك وأصروا على رحيل الرئيس ورفضوا بدوي ولعمامرة وطالبوهما بالاستقالة ورفضوا ما يدعون إليه من حوار وتأجيل لتنحي الرئيس وتغيير الوجوه... واتضح هذا الرفض عندما خرج الملايين إلى الشوارع والميادين يوم الجمعة 2019/3/15. فالنظام أصبح في مأزق، وبدأ بالاعتقالات!

 

4- لقد ظهر أن الجيش داعم لبوتفليقة وسلطته، فقد قام أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الجزائري ورئيس الأركان المعروف بولائه الشديد لبوتفليقة بتهديد المتظاهرين قائلا ("إن هناك من يريد العودة بالبلاد إلى سنوات الألم والجمر". وتعهد بأن "يبقى الجيش ماسكا بزمام ومقاليد إرساء الأمن والاستقرار"... وقال "إن هناك أطرافا يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة بل يريدون أن يعودوا إلى سنوات الألم وسنوات الجمر"... الشرق الأوسط، بي بي سي 2019/3/5) وكان قد هدد يوم 26 شباط باستعمال القوة ضد المتظاهرين الذين وصفهم بالمغرَّر بهم وندد بالجهات المجهولة التي تدعو إلى التظاهر في الشارع، ولكن وزارة الدفاع تراجعت فطلبت من كل وسائل الإعلام عدم نشر تهديداته... وبدأ يتودد إلى الشعب قائلا: "لا أمل إطلاقا من الافتخار بعظمة العلاقة والثقة التي تربط الشعب بجيشه، وانطلاقا من هذه العلاقات الطيبة، فالشعب صادق ومخلص ومدرك لدلالات ما أقوله"... سكاي نيوز 2019/3/13) والمعروف أن الجيش هو الذي يحكم سيطرته على البلد، وقد استطاع بوتفليقة أن يبعد القادة السابقين الموالين لفرنسا ويجلب له موالين، ولهذا فيظهر أن قادة الجيش والأمن أصبحوا موالين لخط بوتفليقة الإنجليزي. وقد رأينا هيئة الإذاعة البريطانية يوم 2019/3/8 وهي تصف قائد الجيش أحمد قايد الصالح وتقدمه بصورة إيجابية وتقول ("ويعتبر الكثيرون الفريق أحمد قايد الصالح منذ ذلك الحين "أيلول 2013" حيث رقي نائبا لوزير الدفاع مع احتفاظه برئاسة أركان الجيش الجزائري، ويعتبره الكثيرون الذراع اليمنى لبوتفليقة حيث تردد أن قيادة الاستخبارات السابقة وعلى رأسها مدين "الجنرال توفيق" سعت للإطاحة بالرئيس خلال وجوده في فرنسا للعلاج... لكن بعد ترقية قايد تمكن من الإطاحة بالعديد من كبار ضباط الاستخبارات.) وكان بوتفليقة قد أبعد الجنرال توفيق من رئاسة جهاز الاستعلام (المخابرات) في 2015/9/13.

 

5- وهكذا فقد بدأت الاحتجاجات عفوية لكن بعد اندلاعها بدأت الأصابع الدولية تحاول استغلالها والتدخل فيها بالطريقة التي تخدم مصالحها... وقبل بيان ذلك أذكر بعض ما ورد في إصدارنا في 2015/9/23 حيث عرضنا واقع الصراع الدولي في الجزائر فقلنا: ("فهي دولة ذات شأن قاومت مخططات أمريكا بقوة أكثر من جارتها فمنذ انقلاب بومدين على بن بيلا الذي كان يسير في خط أمريكا مع عبد الناصر، ومنذ ذلك التاريخ والنفوذ البريطاني مستحكم في الجزائر مع بعض النتوءات الفرنسية التي كانت تشتد أحياناً وبخاصة في عهد بعض الرؤساء الضعفاء... لقد استمر بومدين في الحكم من 1965/6/19حتى وفاته في 1978/12/27... وبعد ذلك أصبح بوتفليقة الرئيس منذ 1999 وحتى اليوم، وما زال بوتفليقة على علاقة وثيقة ببريطانيا، وقام بتتويج ذلك بزيارة بريطانيا عام 2006 لتكون أول زيارة لرئيس جزائري إلى بريطانيا... ومع أن مجموعة فرنسا في الجيش الجزائري، وهم مؤثرون إلى حد ما، يدركون علاقة بوتفليقة مع بريطانيا، وكذلك يدركون أن بوتفليقة لم يكن على وئام مع السياسة الفرنسية... ومع ذلك فلم يستطع الموالون لفرنسا في الجيش أن يوقفوا رئاسته حتى اليوم! ومع أن بريطانيا لم تكن تخشى فرنسا على نفوذها في الجزائر خشيتها لأمريكا إلا أنها رأت أن تنهي تلك النتوءات الفرنسية فذلك أقوى لنفوذها، ولكنها سارت في هذا الأمر بالتدريج لأنها ليست في صراع مع فرنسا بل الصراع مع أمريكا، لذلك مرت تلك التغييرات للضباط الموالين لفرنسا دون تسخين للأجواء كما لو كان صراع!... وحتى عندما أعفى بوتفليقة في 2015/9/13 ضابطاً كبيراً من أصحاب الميول الفرنسية وهو مدير أجهزة الاستخبارات العامة محمد لمين مدين المعروف بالجنرال توفيق من مهامه فقد تم ذلك دون أي سخونة أو تأثير في بنية النظام! ويمكن القول إن بوتفليقة نجح إلى حد ما في هذه الإقالات بدعم بريطانيا له، وإن كان لا زال في الجيش مكان لفرنسا حيث ثقافة الجيش وتدريبه في معظمه من فرنسا... ولكن كما قلنا فقد كان "صراع" بوتفليقة مع الجيش ليناً يتم بهدوء أقرب للتنافس الرياضي ولا يؤثر في القضايا الأساسية للنظام...) انتهى الاقتباس

 

6- وكذلك ذكرنا في الإصدار: [("وهذا يختلف عن الصراع الحقيقي مع أمريكا ومخططاتها في الجزائر حول الاستحواذ السياسي... فمثلاً:

 

أ- بعد خروج إسبانيا من الصحراء في 1976م بعد 91 سنة من الاستعمار وجدت أمريكا الفرصة في حركة بوليساريو لاستقلال الصحراء، واتخذتها ذريعة للتدخل في الشمال الأفريقي وخاصة الجزائر... ولكن الحكم في الجزائر "بريطانيا" كان منتبهاً للمسألة، فحصر البوليساريو في شريط عند الحدود، وأحاطها بعيونه لأنه كان يدرك أن أمريكا لها اختراقات فيها... ورغم هيمنة أمريكا على بعثات الأمم المتحدة ومندوبيها بشأن الصحراء إلا أنها لم تستطع الاستحواذ على النفوذ في الجزائر...أأ

 

ب- حاولت أمريكا إيجاد قاعدة في الجزائر للقوات التي أنشأتها بحجة محاربة الإرهاب، وهي القوات المسماة "أفريكوم"، ولكن الجزائر رفضت لأنها ومن خلفها بريطانيا تدرك أن هذه القاعدة الأمريكية هي للتدخل في شئون الجزائر، ولذلك صرحت الخارجية الجزائرية في 2007/3/3: (أن الجزائر غير معنية باستضافة مقر القوات الأمريكية الخاصة لأفريقيا "أفريكوم")

 

ج- حاولت أمريكا إثارة محاربة الإرهاب مستغلة أحداث مالي في 2012/3/22م وحدثت بينها وبين الجزائر زيارات لإشراك الجزائر بالتعاون مع أمريكا في مكافحة الإرهاب بحجة أنه قد يصل الجزائر ومع ذلك رفضت الجزائر "ومن خلفها بريطانيا"، رفضت خطة أمريكا، وأبرز هذه الزيارات زيارة هيلاري كلينتون واجتماعها مع بوتفليقة في 2012/10/29م...)] انتهى الاقتباس

 

7- وواضح منه العلاقات الدولية بين بريطانيا وفرنسا في الظروف الحالية أنها تكاد تكون أقرب إلى المنافسة بروح رياضية ولكنها بين أمريكا وبريطانيا أقرب إلى الصراع الدولي الساخن... وهذه الحالة ما زالت ماثلة، فأمريكا وفرنسا تحاولان أن تستغلا الاحتجاجات على أمل أن تجعل كل منهما عملاءها يتقدمون الناس ومن ثم يتسللون إلى الحكم فيحلون محل عملاء بريطانيا مع اختلاف المنهج:

 

- أما أمريكا... فقد أعلنت على لسان المتحدث باسم خارجيتها روبرت بالادينو يوم 2019/3/5 قائلا: ("نحن نراقب هذه التظاهرات في الجزائر وسنواصل فعل ذلك. وإن الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقه في التظاهر السلمي"... بي بي سي 2019/3/6) وهذا أول رد فعل من أمريكا على أحداث الجزائر. مما يدل على أن أمريكا تريد أن تستغل هذه التظاهرات لصالحها. وبعد قرارات بوتفليقة المتعلقة بإلغاء الانتخابات أعلنت أمريكا على لسان المتحدث باسم خارجيتها روبرت بالادينو قائلا ("ندعم الجهود في الجزائر لرسم طريق جديد قدما من خلال حوار يعبر عن إرادة كل الجزائريين وآمالهم في مستقبل آمن ومزدهر. نحترم حق الجزائريين في التظاهر والتعبير السلمي عن مواقفهم، ونتابع عن كثب التقارير التي تتحدث عن تأجيل الانتخابات كما ندعم حق الشعب الجزائري في الاختيار عبر انتخابات حرة ونزيهة"... رويترز، الشروق الجزائرية 2019/3/12) ولكن المتحدث الأمريكي لم يعلق على قرارات بوتفليقة، فتجاهلتها أمريكا، مما يعطي انطباعا أن موقفها غير مؤيد لهذه القرارات، وأنها ترفض إلغاء الانتخابات.

 

وكان ظاهرا أن الصحف الأمريكية عقب قرارات بوتفليقة كانت تقف ضده وضد قراراته فتحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" عن موقف المعارضة وتشكيكها في نوايا الرئيس بوتفليقة ووصفت رسالته للمحتجين بأنها خدعة. بينما حذرت صحيفة "واشنطن بوست" من محاولة الرئيس بوتفليقة غير المعلنة لتمديد عهدته والهروب من تسليم السلطة لخليفته وإفساح المجال. وهكذا يظهر موقف أمريكا أنه ليس مع بوتفليقة وأنها تعمل على استغلال الاحتجاجات لتتسلل من خلالها لبسط نفوذها في الجزائر حيث عملت على ذلك كما أشرنا في الأعلى وما زالت تبذل وتعمل على استغلال كل حدث يجري كما تفعل في كل بلد. وهي لا تفعل ذلك من باب الحرص على الشعوب لأنها عملت على سحقها في مصر والعراق وسوريا والصومال وأفغانستان وفي غيرها سواء أكان ذلك بالتدخل المباشر أم كان عن طريق الانقلابات أم كان بجعل دول شريكة أو عميلة تتدخل بالوكالة عنها.

 

- أما الموقف الفرنسي... فقد كان متذبذباً، تـارة مع بوتفليقة وتارة ضده، فهي تحاول اغتنام فرصة للتسلل دون التحدي لبريطانيا، فقد تابعت فرنسا ما يحدث في الجزائر باهتمام وكأنه حدث داخلي، إذ تعتبر نفسها كأنها وصي على مستعمراتها السابقة! وقد أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية يوم 2019/3/4: "إن باريس علمت بقرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان وتأمل أن يجري التصويت في أفضل ظروف ممكنة" وقالت: "القرار بيد الشعب الجزائري فيمن سيختار زعيما له... والقرار بيد الشعب الجزائري فيما يتعلق بمستقبله". (رويترز 2019/3/4)... وقال سكرتير الدولة للشؤون الخارجية الفرنسية باتيست لوموين في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية يوم 2019/3/5 "إن السلطات الجزائرية مدعوة للسماح للشباب بالتظاهر ففرنسا تجد أن الشباب يعبر عن نفسه بهدوء، لندعه يعبر". ولكن عندما أصدر بوتفليقة قراراته رحب الرئيس الفرنسي ماكرون بها قائلا "إن قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التراجع عن الترشح لعهدة خامسة يفتح فصلا جديدا في تاريخ الجزائر" ودعا إلى "فترة انتقالية لمدة معقولة" وقال "سنبذل كل ما وسعنا كي نكون مع الجزائر في هذه المرحلة الانتقالية بصداقة واحترام" "وأعلن وزير خارجية فرنسا لودريان عن ترحيبه بخطوة بوتفليقة والإجراءات التي اتخذها لتحديث النظام السياسي الجزائري" (راديو الجزائر 2019/3/12)

فهنا يظهر أن فرنسا كأنها تؤيد حركة الاحتجاج وفي الوقت نفسه لا تريد استفزاز بوتفليقة فترحب بقراراته! وذلك لأنها تنطلق من أمرين: تريد أن تتدخل بطريقة ميسورة لا تستفز السلطة والثاني لا تريد أن تظهر كأنها في الجانب الأمريكي ضد بوتفليقة فهي كجزء من أوروبا عند الضرورة إن لم تستطع أن تحل محل بريطانيا في الجزائر فهي تفضل استمرار النفوذ البريطاني في الجزائر على النفوذ الأمريكي.

 

أما الصحافة الفرنسية فقد نقلت فرانس24 يوم 2019/3/2 تعليقات الصحف الفرنسية فنقلت: (عن جريدة ليبراسيون الفرنسية قولها: "إن الشباب الجزائري متعطش للعدالة الاجتماعية ويريد التغيير خاصة لدى أولئك الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى الرئيس بوتفليقة". وقالت: "الشباب الجزائري أصبح لا يفهم لماذا يجب عليه أن يتحمل عواقب ماض لا يعرفه، هذا الشباب المملوء بالحيوية والنشاط يستحق أكثر من الهيمنة السياسية التي فرضها عليه نظام يختبئ وراء رئيس غير حقيقي". أما يومية لوفيغارو (اليمين) فلقد عنونت الصفحة التي خصصتها للمظاهرات في الجزائر "موجة عاتية ضد النظام الجزائري" وأشارت الجريدة "إلى مشاركة بعض الشخصيات السياسية والحزبية في المظاهرة مثل علي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات ورشيد نكاز مرشح للانتخابات المقبلة وأحمد بن بيتور رئيس الحكومة سابقاً وعبد العزيز رحابي وزير الثقافة الذي استقال من منصبه خلال العهدة الأولى لعبد العزيز بوتفليقة."... نقلاً عن فرانس 24 في 2019/3/2).

 

8- وأما بريطانيا فلم يصدر عنها أي تصريح رسمي... وهيئة الإذاعة البريطانية لا تركز على الاحتجاجات وإنما تمر عليها مر اللئام. والصحف البريطانية لا تنتقد إجراءات بوتفليقة ولا تدعم المحتجين. مما يدل على أن بريطانيا مع بوتفليقة وتدعمه ولا تريد له السقوط، ولهذا فلم تعمل على إثارة الناس بواسطة وسائل إعلامها وتضخيم الأحداث والتركيز عليها كما فعلت مع احتجاجات مصر وتركيا والسودان والتركيز على حركات المعارضة وتصريحاتها والشخصيات البارزة فيها وخاصة الموالية لها، وانتقاد تصرفات الأنظمة وقمعها. فلم يظهر ذلك فيما يتعلق في الجزائر. وهذا يؤكد أن بريطانيا صاحبة النفوذ السياسي في الجزائر مطمئنة لتصرفات بوتفليقة وزمرته، وهي حسب سياستها الخبيثة تتظاهر كأن الأمر لا يعنيها فلا تظهر في الواجهة لخبث سياستها من باب الحفاظ على عملائها!

 

9- والخلاصة الراجحة بالنسبة للأسئلة الواردة:

 

أ- إن الاحتجاجات كانت عفوية وطبيعية وردة فعل على الظلم السياسي والاقتصادي حيث يستأثر بوتفليقة وزمرته بالحكم والمال، فيقوم وإياهم بتعديل الدستور حسب مقاسهم، ورغم اعتلال صحته وعجزه عن الحركة والكلام يمدد لعهدته الرابعة بدل الخامسة! وهو وزمرته متهمون بالفساد واختلاس الأموال، بينما يعاني الناس ضنك المعيشة من فقر وغلاء وبطالة وعدم القدرة على شراء الحاجات الأساسية والضرورية بما يسمى ضعف القدرة الشرائية لدى الناس مع أن البلد غني بثرواته وخاصة النفط والغاز. فتنهبها الشركات الأجنبية بالتعاون مع القائمين على النظام وحاشية بوتفليقة... ويصطلي الناس بالضنك وشظف العيش...

 

ب- بوتفليقة مصر على عدم الغياب عن المشهد إلا أن يرغمه الموت والجيش يدعمه، والطبقة السياسية البريطانية كذلك، حيث إن بريطانيا هي صاحبة النفوذ السياسي، وتريد أن تحافظ على النظام وعلى رجاله، وكون النظام من الموالين لبريطانيا هو أمر مهم لها في شمال أفريقيا في مواجهة أمريكا... فتقف الجزائر ضد حفتر عميل أمريكا في ليبيا. وتعمل على احتواء جبهة البوليساريو المدعومة أمريكيا...

 

ج- فرنسا لها مصالح استعمارية في الجزائر سياسية وثقافية واقتصادية، وما زالت تدغدغها مشاعر الاستعمار القديم للجزائر، وقد اتفقت مع بريطانيا التي بسطت نفوذها السياسي فيها منذ انقلاب بومدين عام 1965 للوقوف في وجه أمريكا التي تنافسهما على الاستعمار وبسط النفوذ، وكذلك اتفقت معها لتقف في وجه أهل البلد المسلمين الساعين للتحرر من ربقة الاستعمار الغربي بكل دوله وأشكاله، الذين يتوقون إلى الإسلام وإقامة دولته وتطبيقه حيث يعلم معظم أهل البلد أن العدل في الإسلام والحق فيه والخير فيه، وليس غيره عدلاً ولا خيراً. وقد دبر الموالون لفرنسا انقلابا عام 1992، وجلبوا الشر والفساد وقتلوا مئات الآلاف كسيدتهم فرنسا التي قتلت مليوناً ونصف المليون من أهل الجزائر في حرب التحرير... على كل شارك في الاحتجاجات بعض رجالات فرنسا وركبوا موجتها ولكن كما قلنا بحذر...

 

د- أمريكا تعمل على الولوج إلى الجزائر فتستغل ظروف الجزائر والاحتجاجات، وتزعم أنها ضد الظلم والاستبداد وتناصر حق الشعب، مع أنه لا يعنيها الظلم والجور والاستبداد، بل هي ترعاهما في كل أنحاء العالم وتؤيد الأنظمة المستبدة والجائرة وخاصة في البلاد الإسلامية ومنها البلاد العربية حيث دعمت نظام سلمان وابنه في السعودية ونظام السيسي في مصر والنظام العراقي

 

بصورة مباشرة والنظام السوري بصورة غير مباشرة عن طريق شركائها وعملائها، فليس همها مناصرة الشعب الجزائري، بل تريد أمريكا أن تقيم قاعدة في الجزائر لقواتها أفريكوم لبسط نفوذها فيها وفي شمال أفريقيا خاصة والتوجه من هناك نحو جنوب الصحراء وغرب أفريقيا حيث النفوذ الفرنسي لتحل محله، وهي منزعجة من تصدي الجزائر لعميلها حفتر الذي يريد أن يسيطر على غرب ليبيا، عدا مطامحها في السيطرة على ثروات الجزائر.

 

ه- أما الشعب في الجزائر، فلديه الوعي على ما يجري وكان من هتافاته: "لا واشنطن لا باريس، نحن من نختار الرئيس". مما يدل على أن الناس يدركون التدخلات الأجنبية وأهدافها فلديهم وعي على ذلك، فلدى الشعب تجربة مع العملاء وجرائمهم ويدرك دور الدول الاستعمارية ووقوفها وراء النظام والعملاء والفاسدين، وهو يسعى للتغيير بجد، ويتوق لعودة الإسلام، وقد انتخب الذين قالوا سنعيد الإسلام إلى الحكم عام 1991 بنسبة 84%... وقد كان واضحاً بروز المشاعر الإسلامية عند الناس بإخراج المسيرات من المساجد عقب صلاة الجمعة وأذعن العلمانيون المشاركون في الاحتجاجات لذلك لما رأوه من تدفق المسلمين الضخم إلى الصلاة في المساجد.

 

و- أما ما هو المتوقع كنتيجة لهذا الحراك، فإن الطبقة السياسية الفاعلة في الجزائر والممسكة بمراكز القرار هي بغالبيتها موالية لبريطانيا... وأما رجال فرنسا فقد ضعفوا وتناقصوا حيث إن بوتفليقة خلال حكمه الذي تجاوز عشرين سنة استطاع إقصاء أكثرهم من المراكز الحساسة وإبعادهم عن مراكز القرار وأقصى ما يتطلعون له الآن ليس أن يحلوا مكان عملاء بريطانيا في الحكم بل أن يشتركوا معهم في بعض المراكز غير الأساسية، وحتى هذا فهو يتوقف على مدى نجاحهم في استغلال الاحتجاجات القائمة في ركوب موجتها لتعطيهم وزناً...

 

أما أمريكا فهي تفتقر إلى الطبقة السياسية التي يمكن أن يشار إليها، وكعادتها في هذه الحالات تلجأ إلى الجيش وهو الآن داعم للنظام...

أي أن الاحتجاجات الحالية ليس من المرجح أن تغير الموالاة السياسية للنظام من بريطانيا إلى فرنسا أو أمريكا.

 

ز- أما أن يستمر بوتفليقة أو لا يستمر فهو حالياً لا يحكم بصورة فعلية بل تدير الحكم زمرته التي تحيط به من الموالين مثله لبريطانيا، وليس من المستبعد إذا تزايدت الاحتجاجات وخاصة مع توقع إضراب النفط والغاز أن تلجأ بريطانيا إلى أسلوبها المعتاد من الخبث والدهاء والخديعة فتلجأ إلى إزالة بوتفليقة الذي تغير لونه وصدئ وتأتي بريطانيا ببوتفليقة آخر بوجه جديد أكثر لمعاناً، وأمضى لساناً!

 

ح- ولكن كل هذا لن يخفف المأساة ولن يزيل ضنك العيش ما دام النظام بعيداً عن الله ورسوله ويحتكم إلى الأنظمة الغربية الرأسمالية مصدر الشر والفساد... بل الذي يحل المشكلة ويزيل المأساة هو الاحتكام إلى شرع الله سبحانه... وكان الواجب على المحتجين والغالبية العظمى منهم مسلمون أن يجعلوا قضيتهم هي الإسلام ودولة الإسلام "الخلافة على منهاج النبوة"... ففي هذا عز الدنيا والآخرة وتوفير العيش الكريم وانتشار العدل والخير في ربوع البلاد، فلا شقاء ولا ضنك، بل هو العز في الدنيا والفوز في الآخرة ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾.

 

الرابع عشر من رجب 1440هـ

2019/3/21م

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع