- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أجــوبة أســئلة
الانقلاب العسكري في موريتانيا | الحرب الروسية الجورجية
1- في 6/8/2008 أعلن في موريتانيا عن انقلاب عسكري قام به الجيش بقيادة رئيس الحرس الجمهوري الجنرال محمد ولد عبد العزيز ضـد رئيس الجـمهورية سيد محمد ولد الشيخ عبد الله وضد رئيس وزرائه يحيى ولد أحمد الواقف. وذلك بعد مرور 16 شهراً على الانتخابات التي سمح الجيش بإجرائها في آذار/مارس 2007م بعد مرور أقل من سـنتين على انقلاب الجيش عام 2005م ضد معاوية ولد الطايع والإطاحة به وتسلم الجيش زمام السلطة بقيادة العقيد علي ولد محمد فال الذي حقق وعده بتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة. فما حقيقة هذا الانقلاب وما الدافع وراءه؟
الجواب: تغلبت فرنسا المستعمِرة على المسلمين في موريتانيا بعد مقاومة شرسة, وذلك في عام 1920م حيث أعلنتها فرنسا مستعمرة فرنسية. وفي عام 1946 أعلنوها محافظة في ما وراء البحار تابعة لفرنسا، وبقي فيها هؤلاء المستعمرون فعلاً حتى عام 1960م حيث منحوها الاستقلال الشكلي. ولكنهم بقوا مسيطرين على زمام الأمور فيها وأنشأوا جيشاً لها حسب عقيدتهم، وخرَّجوا ضباطاً حسب ثقافتهم. وبدأت الانقلابات فيها منذ عام 1978م ضد أول رئيس عينه الفرنسيون لها وهو مختار ولد داده. وتوالت الانقلابات التي بلغت خمساً حتى الآن، ما عدا محاولات الانقلاب التي بلغت تسعاً في مدة ثلاثين عاماً.
وجاء الانقلاب الأخير بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز بعدما أصدر رئيس الجمهورية ولد الشيخ عبد الله مرسوماً يقضي بعزل هذا الجنرال من رئاسة الحرس الجمهوري وعزل رئيس الأركان ولد الغزواني وكذلك عزل قائد الدرك. مع العلم أن الرئيس ولد الشيخ عبد الله هو الذي رقَّى هؤلاء من رتبة عقيد إلى رتبة جنرال. أي أنه كان راضياً عنهم أو كان يعيش تحت ضغطهم أو كان يعمل على استرضائهم بترقيتهم حتى يكسب ولاءَهم له, والأخيرة هي الأكثر احتمالاً.
وعليه فإنه يستغرب منه أن يعود ويعزل قادة الجيش بهذه السهولة والسرعة! مع العلم أنهم كانوا هم المتمكنين من السلطة، وهو رئيس منتخب حديثاً ولأول مرة يأتي رئيس عن طريق الانتخابات! وكأنه ظن أنه أصبح متمكناً من ذلك وأنه يلاقي دعماً محلياً ودولياً بسبب ما يسمى بالعملية الديمقراطية وأن فرنسا لا تستطيع أن تشجع الضباط على الانقلاب, وبخاصة وأنه شعر بدعم أمريكي له.
وكان الرد الفرنسي الأولي على لسان الناطق الرسمي باسم الخارجية رومان نادال بقوله نحن على اتصال دائم مع سفارتنا في نواكشط ونتابع الوضع بكثير من الاهتمام بالتنسيق مع كافة شركائنا. وقال إنه من المبكر لأوانه وصف الوضع. وكانت أول دولة أعلنت عن وجود انقلاب في موريتانيا هي فرنسا. وكان أول سفير يستقبله زعيم الانقلاب هو السفير الفرنسي. وهذا يدل على علم فرنسا بالانقلاب. وقد ورد في الأخبار أن فرنسا علمت بالانقلاب قبل ساعتين على الأقل من حدوثه.
أما الرد الأمريكي على لسان الخارجية الأمريكية فهو إدانة الانقلاب ومطالبة دول العالم بإدانته والترحيب بإدانة المفوضية الأوروبية له وكذلك الاتحاد الأفريقي، والمطالبة بإطلاق سراح الرئيس المنتخب ولد الشيخ عبد الله ورئيس وزرائه يحيى ولد محمد وإعادة الحكومة المنتخبة إلى الحكم فوراً. وكذلك فقد أعلنت تعليق مساعداتها لموريتانيا غير الإنسانية.
ولكن بعد مرور يوم أصدرت الرئاسة الفرنسية في بيان لها بصفتها رئيس الاتحاد الأوروبي أن رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي تدين بكل حزم الانقلاب الذي نفذه الجنرال محمد ولد عبدالعزيز في موريتانيا. ويظهر أن هذه الإدانة جاءت متأخرة وليس باسم فرنسا وإنما باسم الاتحاد الأوروبي الذي يظهر سياسة دعم الانتخابات والديمقراطية كخط فكري عام يختلف عن مواقف كل دولة من دوله. وخاصة بعد إدانة أمريكا للانقلاب ومطالبتها للجميع بأن يدينوا الانقلاب. فلا يمكن أن تقول أوروبا أننا ندعم الانقلاب، فيظهر أنها تتناقض مع الديمقراطية التي تتشدق بها.
ولم يصدر عن بريطانيا ولا عن صحافتها وإعلامها أي شيئ, ما يدل على أن بريطانيا غير منزعجة من عملية الانقلاب, فلم تدنه ولم تؤيده ولم تروج ضده أو له, حتى لا تحرج فتظهر كأنها ضد الديمقراطية ومع الانقلاب!
والانقلاب الموريتاني هذا حصل بعد حدوث نزاع بين الجيش وبين رئيس الجمهورية ومعه رئيس وزرائه، حيث أحدث الجيش بلبلة عندما طلبوا من أعضاء في مجلس البرلمان وفي مجلس الشيوخ الاستقالة من حزب الرئيس الحاكم والذي يعرف اختصاراً باسم حزب عادل, فاستقال 48 عضواً من هذا الحزب يوم 5/8/2008م, وبعد ذلك قام رئيس الجمهورية بعزل قادة الجيش ورئيسهم زعيم الانقلاب الأخير ولد عبد العزيز. فقام قادة الجيش بانقلاب رافضين قرارات عزلهم واعتبروها لاغية وذلك في أول بيان لهم. وقد صرح زعيم الانقلاب ولد عبد العزيز لفضائية الجزيرة هذا اليوم 9-8-2008, أن الانقلاب كان ردة فعل على إجراءات فاشلة للرئيس السابق. وأما الناطق الرسمي باسم الرئاسة السابقة عبدالله ماما دوبا فقد قال: «إن العسكر كانوا يرون الرئيس دمية، واتضح لهم عكس ذلك، فزرعوا البلبلة داخل الحزب الحاكم، وعندما حاول الرئيس تشكيل غالبية جديدة مع أحزاب أخرى, حرك الضباط الآلة العسكرية».
وقد بدأت الأزمة البرلمانية في 30/6/2008م حيث اتهم نواب في البرلمان الحكومة بالفشل وطالبوا بحجب الثقة عنها أي إسقاطها. وفي 1/7/2008 كانت قد صدرت تقارير تقول بأن فرنسا هي وراء حركة البرلمانيين هؤلاء وأنها غير راضية عن أداء الحكومة والرئاسة وعن الخطوات التي تخطوهما؛ وذكرت بعض الأسباب عن عدم رضى فرنسا عن إطلاق سراح سجناء من المسلمين المحسوبين على التيار السلفي والسماح بتأسيس حزب يمثل ما يُعتبرون من الإسلاميين, وإظهار الرئيس ميوله الدينية حيث أقام مسجداً في القصر الجمهوري, وإظهاره حساسية للعلاقات مع دولة يهود وأنه سيعرض هذه العلاقة على الاستفتاء الشعبي حتى يتمكن من قطعها، وكذلك سماحه بزيادة الوجود الأمريكي في موريتانيا وهو العامل الأبرز.
والخلاصة, فإنه يمكن القول بناءاً على ما سبق ذكره أن هناك توجهات سياسية جديدة بدأت تظهر من الرئيس لم ترضَ عنها فرنسا, وأن هذه التوجهات هي التي شجعت الضباط على الانقلاب عليه، وأن أمريكا راضية عن توجهاته ضد الوجود الفرنسي والسماح لها، أي لأمريكا، بزيادة وجودها في موريتانيا تمهيدا لإزالة النفوذ الفرنسي وإحلال الوجود الأمريكي مكانه، وأنه أراد أن يتخلص من سلطة الجيش والإتيان بضباط يستطيع أن يتحكم بهم وإبعاد الضباط المواليين لفرنسا.
2- ما الذي دفع جورجيا للمبادرة بالهجوم على أوسيتيا الجنوبية؟ ألم تكن تتوقع رد فعل قوي من روسيا؟ ثم إلامَ تؤدي هذه الحرب؟
الجواب: من الواضح أن أمريكا هي التي أشعلت فتيل الحرب في جورجيا حيث إن القوات الجورجية التي قامت باجتياح أوسيتيا الجنوبية لا يمكن أن تقوم بمثل هذا العمل الكبير لولا وجود ضوء أخضر من الأمريكان.
فالهجوم الجورجي كان مدبراً ومفاجئاً للروس، وقد يكون بداية لحرب طويلة سيكون القوقازيون من جورجيين وأوسيتيين هم وقودها بالدرجة الأولى. وروسيا لن تسكت عن هذا الهجوم لأنها إن سكتت فستسقط هيبتها كما أنها لن تسلم لجورجيا بسيادتها على إقليم أوسيتيا الجنوبية خاصة وأن معظم سكانه الذين يتراوح تعدادهم السبعين ألفاً من الروس أو من الموالين لروسيا ويحملون جوازات سفر روسية ويعتبرون امتداداً طبيعياً لأوسيتيا الشمالية التابعة لروسيا.
وجورجيا لن تتنازل بسهولة عن أوسيتيا الجنوبية لأنها جزء من أراضيها وفقاً للخرائط الرسمية والدولية، وهي من جهة ثانية تريد أن تنتقم من الأوسيتيين الذين هزموا جورجيا في حرب عام 1992م وانفصلوا عنها بدعم روسي طيلة الست عشرة سنة الماضية. ومن المرجح أن تنتقل الحرب أيضاً إلى إقليم أبخازيا وهو إقليم أكبر من أوسيتيا الجنوبية من حيث المساحة والسكان وانفصل عن جورجيا في العام نفسه وفي الظروف نفسها.
والتصريحات الأمريكية الأولى بعد اندلاع المعارك تدل بالفعل على وقوف أمريكا إلى جانب جورجيا، فالمتحدث باسم الخارجية الأمريكية غونزالو غاليغوس قال: «نحن على اتصال مع مسؤولين كبار في روسيا وجورجيا»، وأضاف: «ندعو موسكو إلى ممارسة الضغط على قادة الأمر الواقع في أوسيتيا الجنوبية لكي يوقفوا إطلاق النار» فاعتبر قادة الانفصاليين بمثابة قادة الأمر الواقع، وفي تصريح آخر قال مسؤول في الإدارة الأمريكية بأن حل مشكلة أوسيتيا الجنوبية يجب أن يرتكز على أساس وحدة الأراضي الجورجية في إشارة إلى وجوب ضم إقليم أوسيتيا الجنوبية إلى جورجيا.
أما روسيا فإنها بعد استقلال إقليم كوسوفو وانفصاله عن صربيا فإنها هدّدت بأن ردَّها على ذلك سيكون باستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وانفصالهما عن جورجيا. ويرى بعض المراقبين أن إدخال جورجيا في حلف الناتو متوقف على حل مشكلة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ويبدو أن الرئيس الجورجي سكاشفيلي يتعجل الأمور ويسابق الزمن للانضمام إلى الحلف، فقام بهذه الحرب متكئاً على الوعود الأمريكية للتخلص من تدخل الروس في شؤون دولته الداخلية وليرقى إلى مستوى دول مثل لاتفيا ولتوانيا وأستونيا حيث تخلصن من النفوذ الروسي كليةً؛ وعليه فليس من المتوقع أن يتوصل الطرفان الروسي والجورجي إلى حل نهائي, خاصة وأن الجورجيين قد ملّوا الانتظار في حل تلك المشكلة, فيما الروس يعتبرون المسألة تخص مجالهم الإقليمي ولا يتصور تنازلهم عن الانفصاليين, ولذلك فإن أقصى ما يتوقع من حلول هو أقرب إلى الهدنة "استراحة المحارب" وليس حلاً نهائيا.
إن أمريكا سوف تكون المستفيدة الأولى من هذه الحرب وليس لديها ما تخسره، لأنها على الأقل ستبقي هذه المشكلة شوكة في خاصرة روسيا تستنزف الكثير من طاقاتها وتشغلها بها مدة طويلة على حساب قضايا أخرى.
10 من شعبان 1429هـ
09/08/2008م